"ده بقى الفتوة بتاع الناس الغلابة، الفتوة الكبير أوي.. ده نصير الأقوياء وهازم الضعفاء.. من تمسك به نجا وحلّق في السماء العالية.. ومن تخلى عنه ضاع وراح في ستين ألف داهية"، إجابة جمع بها الفنان وائل نور، خصال عملة الدولار، في رده على الفنان الراحل أحمد زكي "عبد السميع"، بفيلم "البيه البواب" حيث تجاوز سعر الدولار عام 1987 وقت إنتاج الفيلم 190 قرشاً، وفقا للراحل فؤاد المهندس في الفيلم نفسه.
لم يغب ذكر الدولار وأهميته ودهشة الناس عند ذكره عن أفلام السينما المصرية في رعيلها الأول، فبالعودة للوراء 37 عاماً ورد ذكر الدولار في فيلم "المليونير" بطولة الفنان إسماعيل ياسين وفريد شوقي عام 1950، لكن قيمته كانت 20 قرشًا (الجنيه = 5 دولارات)، إذ لعبت قوة الاقتصاد المصري وقتذاك وزيادة صادراته الزراعية لدول أوروبا دوراً في تقويته أمام الورقات الخضراء، حتى أن بطل الفيلم عرّف نفسه باسم "جميز دولار" لأن راتبه اليومي كان دولاراً.
ويمكن القول إن فترة الخمسينيات من القرن الماضي مثّلت بداية رحلة انطلاق قطار الدولار وانهيار الجنيه أمامه دون توقف حتى الآن، مرورًا بمحطات من الانهيارات وقرارات التعويم الحكومية، التي أودت بالعُملة التي سُكّت لأول مرة عام 1836 في مصر للوصول إلى 0.0567 دولار أمريكي (دولار = 17.70 جنيهًا) حتى كتابة هذه السطور، إضافة لانتشار ظاهرة السوق السوداء للعملة، التي يتضح أن الأفلام السينمائية اقتبست منها الأسعار، التي تجاوزت الأرقام الرسمية بالبنوك على مر السنوات.
ففي عام 1959، عرضت الفنانة سامية جمال "سمرة" على أحد زبائن الكباريه الأجانب، تبديل الدولارات بسعر أفضل من المصرف، بدولارين ونصف الدولار لكل جنيه، مع مطالبته بحث أصدقائه الأجانب على التبديل منها والاستفادة من هذا العرض الجيد، مستخدمةً طريقتها في الإغراء لتحذيره من كشف الأمر على الملأ حتى لا تقع تحت طائلة القانون.
وجسّد الفيلم حرص العصابات في مصر على جمع الدولار وتهريبه، منذ الخمسينيات، رغم قيمته المتدنية أمام الجنيه باعتباره "عملة صعبة"، نظرًا لتجريم الحكومة تداولها والاتجار بها خارج البنوك.
عادل إمام الفنان الوحيد الذي انتصر للجنيه في السينما المصرية، عندما رفض "التسول" بالدولار في فيلمه "المتسول" عام 1983 وطلب من مانحه الخواجة الأجنبي أن يستبدله بالجنيه، معللاً ذلك بقوله: "خد الورقة دي وإديني مصري، أنا بدعيلك بالمصري وهتخش الجنة بالمصري، يبقى تديني بالمصري".
لكن إمام سرعان ما اهتم بالدولار وعظّمه عام 1995، عندما احتفل "بخيت" على طريقته الخاصة، بشنطة الدولارات التي وجدها برفقة شيرين "عديلة" في الفيلم الذي حمل اسم الشخصيتين "بخيت وعديلة"، حيث بشّر رفيقة رحلته بأن قيمة الدولار تجاوزت 330 قرشًا، بعدما وجدا خمسة ملايين دولار داخل إحدى حقائب السفر، دون العثور على صاحبها، ليقررا اقتسامها إذ ساهم المبلغ الكبير في تغيير حياتهما وقفزهما إلى عالم الثراء سريعًا.
في مطلع الألفية الثالثة، ارتبط اسم العملة الأمريكية بجوائز برامج المسابقات، سواء في مصر أو العالم العربي، كنوع من التحفيز على المشاركة والتصويت، ونظراً لتزايد سطوته وعنفوانه الاقتصادي أمام الجنيه المصري، حفز الفنان هاني سلامة جمهور مسابقته بفيلم "أصحاب ولا بيزنس" عام 2001، على المشاركة، مبشرًا الجميع بأن الدولار يساوي أربعة جنيهات، وأن جائزته البالغة 10 آلاف دولار تعادل 40 ألف جنيه مصريًا، في المسابقة الرئيسية للفيلم، واسمها "دولارات دولارات".
وبعد قرار الحكومة المصرية بتعويم الجنيه أمام الدولار عام 2003 (تحديد سعر الصرف وفقًا لآليات العرض والطلب في السوق)، تأكد اقتناع صناع السينما وكتّاب السيناريو في مصر بضرورة أن تكون معاملاتهم بالدولار والتخلي عن العملة المحلية بعد تدني قيمتها، إذ جاء مشهد المزاد العلني على بيع نصيب الفرد من المال العام في فيلم "عايز حقي" عام 2003: "المزاد بالدولار يا معلمين.. الجنيه من ساعة الحكومة ما عوّمته ضرب غطس ما قبّش تاني"، وذلك على لسان الفنان عصام كاريكا "شبّو"، منظّم جلسة المزاد، ليصل نصيب الفرد في نهاية الجلسة إلى 1.5 مليون دولار.
فيلم "عسل أسود" الذي أُنتج عام 2010، أظهر "فهلوة" سائق الميكروباص الفنان لطفي لبيب، في النصب على أحمد حلمي "مصري" في سعر الدولار، إذ أخذ منه مبلغًا كبيرًا مقابل جنيهين، ليكتشف حلمي، العائد من أمريكا، أن سعر الدولار 5.5 جنيه، وهو أمر شائع يمكن أن يتعرض له الأجانب في أي دولة يجهلون فيها السعر الرسمي لعملتهم مقارنةً بسعر العملة المحلية.
التعويم الفني الأبرز
في الثالث من نوفمبر 2016، قررت الحكومة المصرية تعويم الجنيه مجدداً أمام الدولار لينهار سعره رسمياً بالبنوك من 8.88 جنيه إلى 13 وانطلاقه صوب الـ18 جنيهًا، في أكبر قيمة للعملة المحلية في تاريخها، وقد توقّع الناقد الفني محمد عدلي أن يحرص كتاب السيناريو على إبراز تلك الهوة الشاسعة، في إطار كوميدي بالأعمال المستقبلية، كما كان يحدث في الماضي لكن بشكل أكثر ظهورًا. ويؤكد عدلي لرصيف22 أن الحبكة في الأفلام التي ورد بها الدولار، اعتمدت على السخرية من قيمة الجنيه المنهارة أمام الدولار، لا سيما في الأفلام الملونة، التي شهدت فترات إنتاجها ارتفاعات كبيرة في قيمة العملة الأمريكية، والتركيز على ابتكار طرق لتهريبها للداخل أو الخارج، متوقعًا زيادة تلك الصورة مستقبلًا باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، وإتاحتها للتجار والمستثمرين أو احتكارها بهدف رفع أسعارها. أما الناقد الفني سمير محمود، فلفت إلى أن معظم توظيف مشاهد الدولار دراميًا يرمز لسطوة نفوذ أمريكا في العالم وبخاصة في مصر، إضافة للسخرية من حال الجنيه، متوقعًا أن تزداد تلك النزعة بعد التعويم الأخير، بالترحم تاريخيًا على أيام ما قبل القرار الاقتصادي. وذكر محمود لرصيف22 أن الفترة الحالية سيتم توثيقها سينمائيًا على أنها فترة انهار فيها الاقتصاد، واتخذت الدول قرارات ترى أنها صحيحة، في حين يرى المواطنون العكس، إضافة لتصوير تلك المرحلة باعتبارها فرصًا كبيرة تدفع المواطنين للجري وراء الدولار والمتاجرة به، استفادةً من فارق العملة الشاسع، بحثًا عن الثراء السريع.دولار فيلم
ارتبط اسم العملة الأشهر في العالم بإحدى أقدم شركات الإنتاج السينمائي المصرية وهي "دولار فيلم" التي أسسها إسماعيل الكردي عام 1949، وتولت منذ إنشائها إنتاج عشرات الأفلام لكبار النجوم في مصر مثل فريد شوقي وفاتن حمامة وعادل إمام، ودعمهم منذ بداية رحلتهم الفنية حتى الوصول لقمة المجد، إضافة لمنح الفرصة لمخرجين جدد، ودعمهم إنتاجيًا. ومن أبرز أفلام هذه الشركة: "شاطئ الذكريات" عام 1955 و"رصيف نمرة خمسة" عام 1956 و"بداية ونهاية" عام 1960، و"العذراء والشعر الأبيض" عام 1983، و"الحرافيش" عام 1986، و"سكر مر" عام 2015، وغيرها من الأعمال الفنية التي لاقت نجاحاً كبيرًا، فضلًا عن توزيع المئات من الأفلام العربية خارج وداخل العالم العربي، ما جعلها تصدر اسم العملة الأمريكية في بداية كل إنتاجاتها أينما حلّت في دول العالم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...