هل فكرتم يوماً بأن تستأجروا هدية تقدمونها للحبيب أمام الناس، ثم تسترجعونها لتعيدوها لأصحابها حينما يغادر الضيوف؟
"الحاجة أم الاختراع" هذه هي القاعدة التي تدفع الأفراد والمجتمعات لابتكار حلول اجتماعية غير مسبوقة.
وهذا ما دفع المجتمع المصري إلى فكرة استئجار "الشبكة"، أو مجموعة قطع المجوهرات التي يقدمها الزوج لعروسه قبيل زفافهم، والتي عادةً تكون من الذهب ويصرّ عليها الأهل في معظم فئات المجتمع.
لتتضح الصورة، فإن الزواج لدى الكثيرين لا يتم بدون الشبكة، والعريس الذي لا يؤمنها غير جدير بافتخار أهل العروس به أمام الجيران والأصدقاء والأقارب والضيوف الذين تتلهف عيونهم لرؤيتها، وتستعد ألسنتهم لانتقادها بسلاطة أو مدحها بسخاء.
عوامل ثلاثة اجتمعت جاعلةً الشبكة حلماً صعب المنال: ارتفاع سعر الذهب، انخفاض سعر صرف الجنيه والأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر. وقد تأثر بذلك الشباب الراغبون بالزواج، لتزداد العراقيل في وجه مشروعهم المُكلف في الأصل.
لذلك، بات الإيجار، مقابل مبلغ يراوح بين 27 و33 دولاراً، هو الحل.
الفارس على حصان، وبيده "شبكة تأجير"
ميار، وهو ليس اسمها الحقيقي، في الثامنة والثلاثين من عمرها، درست التمريض، لكنها لم تمارسه، بل أمضت أيامها، بحسب قولها، تنتظر فارسها، ليأخذها على حصانه إلى عش الزوجية، وبيده طبعاً الشبكة. طال انتظارها بما كان يفوق خيالها وقدرتها على الانتظار، تزوج إخوتها وأتوا بزوجاتهم ليعيشوا معها ومع والديها في نفس البيت، حتى وجدت نفسها تواجه زوجات إخوتها وكلامهن الجارح حول عدم زواجها بعد اقتراب عمرها من الأربعين عامًا. لاحقاً تقدم لخطبتها عاملٌ في محل فول وفلافل، لم يتم تعليمه المدرسي، فقبلت به مباشرة. استطاع بالكاد استئجار شقة ليسكنا بها. أما تأمين شبكة كاملة، فكان أمراً مستحيلاً. لذا قررت والدتها أن تستأجر لها بعض المجوهرات. "لن تكون الشبكة عائقًا أمام زواج ابنتي"، تقول والدة ميار لرصيف22 وهي ترافق ابنتها إلى حي الصاغة. "لو كان لدي مال لأحضرت كل ذهب الدنيا وجعلت زوجها يقدمه لها هدية أمام الناس".الشبكة: أكثر من نصف دخل الفرد السنوي
في الفترة الأخيرة، ووسط موجات الغلاء في مصر، صعد سعر الذهب كثيراً، ليتجاوز سعر الجرام عيار 24 قيراطاً السبعمائة جنيه (نحو 38 دولاراً). فيما تجاوز عيار الـ 21 قيراطاً الستمئة جنيه ( نحو 33 دولاراً). وبذلك وصل سعر أّقل شبكة، مكونة من محبس الزواج وخاتم وسلسال، عشرين ألف جنيه، أو حوالي 1100 دولار، وهو ما يعادل أكثر من نصف متوسط دخل الفرد المصري السنوي، والذي يصل بحسب تقرير صدر عام 2011 عن المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدينة لنحو 2748 دولار سنوياً. وقد هبط سعر صرف الجنيه نهاية 2016، تاركاً الموظف بأقل من هذا الدخل بكثير. تقول كريستين التي تمتلك محل ذهب في منطقة الحسين، وفضلت أن تستخدم اسمها الأول فقط لرصيف22: "بالأمس القريب كان العريس يستطيع أن يحضر شبكة معقولة لزوجته في حدود 6 أو 7 آلاف جنيه، نحو 380 دولاراً. اليوم، لا يكفي هذا المبلغ لشراء أكثر من محبس الخطبة وخاتم عياره 18 قيراطاً، وليس 21 أو 24 كما يفضل الأهالي في العادة". ويبلغ سعر الشبكة المعقولة المكونة من خمس أو ست قطع عيار 18، بحسب كريستين، بين الأربعين والخمسين ألف جنيه، (2200 إلى 2500 دولار). في المقابل، السعر المعنوي للتنازل عن الشبكة، بحسب والدة ميار، باهظ أيضاً. فهو يمس كرامة الأهل وابنتهم أمام الناس. إذ سيقولون إنه زواجٌ "برخص التراب" وإن الأهل رموا ابنتهم ولم يرفعوا ثمنها، وكأنها سلعة لم ينجحوا بمقايضتها. استطاع زوج ميار أن يرصد ستة آلاف جنيه ثمن خاتم ومحبس عيار 18، ووفرت والدتها مبلغاً يكفي لاستئجار باقي قطع الشبكة، من سوار وعقد وحلق، يقدمها العريس لابنتها يوم الزفاف، رافعة هي وأهلها رأسهم بفخر أمام الضيوف.3 عوامل جعلت الشبكة حلماً صعب المنال: ارتفاع سعر الذهب، انخفاض سعر صرف الجنيه والأزمة الاقتصادية في مصر
"رموها برخص التراب" يشعر الأهل أن السعر المعنوي للتنازل عن الشبكة باهظ فهو يمس كرامتهم وقيمة ابنتهم أمام الناس
حي الصاغة: لا زبائن هنا
تنتشر على جانبي حي الصاغة بمنطقة الحسين بالقاهرة والذي قصدته ميار ووالدتها لاستئجار الشبكة، محلات الذهب والمجوهرات. لون الأصفر يلمع من وراء زجاج العرض في بعض المحلات، لكن بعضها الآخر فارغ، لا مجوهرات معروضة فيه. يجلس البائعون على كراسيهم أمام محلاتهم ينادون على المارة القلائل، علهم يجدون زبوناً يقنعونه بالشراء. "عاوزة تبيعي ذهب يا أستاذة"؟ يطرح الغالبية منهم هذا السؤال على كل سيدة تمر بجانبهم، وكأن احتمال الشراء غير وارد، وكأن المترددين على أشهر أحياء تجارة الذهب بالقاهرة لا يأتون إلا ليبيعوا لا ليشتروا. "لا أحد يشتري في ظل حالة الكساد التي تعاني منها سوق الذهب بعد غلاء الأسعار، الكل يريد أن يبيع الآن"، يقول مجدي سلطان، صاحب محل مجوهرات في منطقة الحسين يحمل اسمه.لا مشكلة من التأجير بضمانات
يمتلك فتحي محلاً يوفر "شبكات التأجير"، التي زاد الطلب عليها مؤخراً. هو يعلم أن "كلام الناس محوري" عند الكثير من الأهالي، فحتى إن استطاع الزوج تأمين شبكة بسيطة، فقد يشعر الأهل بإحراج يدفعهم لإضافة قطع تثري الهدية، وإن كانت ستعود لأدراج المحل بعد انقضاء المراسم. والتأجير حل لمشكلة كساد البيع، التي يواجهها فتحي أيضاً، لأنها توفر له شيئاً من المال، لذا يقدم هذه الخدمة كغيره من المحلات الكبرى التي تبيع في الغالب بالجملة وليس بالتجزئة. شروط التأجير صارمة، ففي البدء يبحث فتحي عن سمعة الزبائن من دائرة معارفهم. فإن ضمنهم هؤلاء، انتقل إلى المرحلة الثانية حيث يقوم العريس بتوقيع إيصالات أمانة بتاريخ قديم، أو يأخذ البائع بطاقته الشخصية أو بطاقة من يكفله، كرهن. ثم يقبض ثمن الإيجار الذي يراوح ما بين الخمسمائة والسبعمائة جنيه (27 و33 دولاراً)، وتتم المعاملة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...