«إِمفَلِس - فَلسَان - أَبيَض - إِمطَقرَة مَعِي - طَفرَان - أَنضَف مِن البَلَاط بَعد غَسِيلو - إِخبُطنِي بِالحِيط مَا بَرِن - الحَالَة جِيم...»، كل هذه وغيرها مصطلحات نستخدمها أو نسمعها على مدار اليوم في بلادنا العربية.
المحصلة النهائية لكل تلك التعبيرات هو الإيحاء بعدم امتلاك المال. ورغم الأهمية التي يحظى بها المال في حياة الناس، فإن مصطلحات «الفَلَس» لا تقتصر على فئة بعينها، فهي تُتَداول بين الأغنياء والفقراء على حدٍ سواء.
«في يوم الخميس من كل أسبوع يكون العدس هو الطبق الرئيسي على الطاولة، ولا يرافقه سوى البصل ومَثَلٌ شعبي يقول "العدس ولا الفلس"، كانت أمي تقوله لنا حتى لا نتذمر من هذه العادة التي تهدف إلى التوفير لغداء يوم الجمعة الذي عادة ما يكون من الزَفَر (أنواع اللحوم المختلفة)» هذا ما قالته سمية فلفل، شابة فلسطينية من جنوب قطاع غزة.
الأوضاع الاقتصادية ليست هي السبب الوحيد لوصول الإنسان إلى مرحلة «الفَلَس». فقد يكفي الدخل الثابت للإنسان لتلبية احتياجاته الأساسية والرفاهيات أيضاً، ولكنه يعاني الفَلَس قبل الوصول إلى منتصف الشهر، وهذا مرتبط بطريقته في إدارة راتبه.
«أنا أعرف ناس بيقبضوا مرتب ألف جنيه مصري (ما يعادل الآن 60 دولاراً)، وفي الوقت نفسه عندهم التزامات كبيرة، يعني ممكن يحتاجوا أكتر من 5 آلاف جنيه بالشهر مصاريف. لكن بشوف إنهم ممكن يحوشو (يدخروا) من الألف جنيه دي (هذه)، ورغم إنو القبض بتاعي أكتر من كده بكتير، إلا إني بفلس قبل نص الشهر، لدرجة إني فكرت أروح عند الناس دول (هؤلاء) أتعلم منهم شوية عن التوفير، وغالباً لو عشت عالطريقة بتاعتهم ممكن أكون مليونير في أقل من سنة»، يقول عبد الرحمن زكي، شاب مصري يعمل صحافياً في أكثر من مكان.
أما عن رحلة سعد هويدي، الشاب السوري الذي نزح إلى القاهرة جراء الحرب التي تعصف ببلاده، مع الإفلاس، فمن الممكن أن "يكتب بها مجلدات" كما يقول والابتسامة لا تفارق وجهه.
«أنا والفلس إخوان. يعني بظن إنو لو بيوم صار معي فلوس ممكن تجيني سكتة قلبية أو يصير فيي حاجة ما منيحة، طول عمري هيك ما بعرف ليه، بس يمكن بكون مرتاح أكتر لما بكون مفلس لأنو لما يكون معي فلوس بصير محتار شو بدي أشتري وشو بدي جيب لدرجة إني ممكن أعطي اللي بيبقى معي لأي حد محتاج قبل ما أروح البيت».
via GIPHY«الحالة جيم»
كثيراً ما يتردد هذا المصطلح في الأفلام السينمائية المصرية، وكان يوحي بشكل مباشر بإفلاس قائله... لكن من أين جاء هذا المصطلح؟ وكيف أصبح دارجاً على لسان العامة في مصر؟
خلال جولة من البحث والاستفسار، كانت الإجابة التي أجمعت عليها الغالبية العظمى، أن مصطلح «الحالة جيم»، هو إحدى مراحل تصنيف الاقتصاد في البلاد، وتدل المرحلة «ج»، على مدى السوء الذي أصاب الاقتصاد، بخلاف المرحلة «أ»، والمرحلة «ب».
«إِخبُطنِي بِالحِيط مَا بَرِن»
via GIPHYهذا التعبير يستخدم بكثرة داخل الأراضي الفلسطينية، حيث يعاني السكان أوضاعاً اقتصادية غاية في الصعوبة. ونظراً لأن غالبية أصناف العملات المتداولة هناك هي من العملات المعدنية، نجد أن هذا المصطلح يعبر عن ذلك بطريقة مجردة، فالشيء الذي نرميه باتجاه الحائط ويصدر صوتاً هو المعدن والأشياء الصلبة.
يستخدم هذا التعبير أيضاً للتهرب من الإقراض، فحين يقول لك شخص «إخبطني بالحيط ما برن»، هناك احتمال بأنه يملك نقوداً ورقية، وهي ذات قيمة أعلى من تلك المعدنية. ويلجأ إلى هذا المصطلح لإعفاء نفسه من الحرج والكذب. فهو صادق بأنه لا يملك نقوداً معدنية قد تصدر صوتاً لدى رميها باتجاه الحائط.
الرجل والمرأة والمال
أدت التنميطات الاجتماعية والتقسيمات الواضحة للأدوار بين الرجال والنساء إلى تشكل نظرة مختلفة في المسائل المادية بين الطرفين.
لم يتخل العديد من الرجال في المجتمعات العربية، رغم التغيرات التي طرأت على تقسيم الأدوار في المجتمع، عن نظرتهم لأنفسهم، وعن علاقتهم بالمال. فجزء من رجولتهم مرتبط بتوفير المال، ويصبح الإسراف لديهم وسيلة للتعبير عن السيطرة. وغالباً لا يكون «كنز المال»، أو حتى ادخاره لأوقات الأزمات، مسألة تعني الرجال، كما أن الحرج من الإفلاس يغيب من قاموس الكثير من الرجال، إذ يستطيعون اللجوء لاقتراض المال من أقرانهم أو عائلاتهم، دون شعور بالخجل، على عكس النساء. حتى ولو أثّرت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة على طبيعة هذه العلاقة.
يقول فتحي كيلاني، شاب مصري حديث العهد بالزواج: «حين بدأت التخطيط لمسألة الزواج، كنت أملك بعض المال، وحين بدأت مرحلة التجهيز اصطدمت بالواقع، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة التضخم بعد تعويم الجنيه المصري، الذي وصل إلى أدنى مستوياته».
ويضيف، «الأمر برمته استنزفني حتى باتت مصطلحات المفلسين تتردد على لساني بشكل دائم، وغالباً ما أستخدم مصطلح "الحالة جيم"، خصوصاً أن الالتزامات أصبحت تشكل عبئاً كبيراً، وفي المقابل طرأ تغيير على الدخل الشهري الذي انخفضت قيمته إلى أكثر من النصف».
يختلف مفهوم «الفَلَس» عند النساء عن مفهوم الرجال له، لا سيما في المجتمعات المحافظة، حيث لم تفتح للمرأة أبواب الاستقلالية المادية. فالمرأة بحسب المجتمع الشرقي «كائن ضعيف»، ودورها يقتصر غالباً على المنزل وتربية الأبناء. الأمر الذي دفعها للبحث عن وسائل دفاعية بعيداً عن العضلات والقوة، تحسباً لأي طارئ قد يحدث مستقبلاً إن تخلى عنها الرجل.
من هنا جاء المثل القائل «الست تعشش والراجل يطفش»، برغم كل ما يحمله من تنميط، ليعبر عن كون المرأة أكثر حرصاً على بيتها وأبنائها من الرجل، وأكثر ما يؤرقها هو مسألة الاستقرار المادي لأسرتها.
تقول منه علي، التي تدرس في جامعة القاهرة، إنها تتلقى مصروفها من والدها، ويقدر بـ40 جنيه يومياً، وتدخر أكثر من نصفه لأنها تذهب إلى الجامعة 3 أيام في الأسبوع. وبقية الأيام تقضيها في المنزل، وتخرج مع صديقاتها في أيام العطل الرسمية. تضيف: «أخي الأكبر مسرف جداً، ورغم أنه يتلقى مصروفاً أكثر مني، فهو دوماً يعاني الإفلاس ويقترض مني».
لا شك بأن علاقة الجنسين بالمال لا يمكن حصرها في نموذج واحد. ففي حين قد يكون النموذج المذكور سابقاً هو السائد في بيئات عربية كثيرة، تتغير القاعدة لدى الشباب اليوم، ومعها طريقة إذارتهم لمواردهم المالية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...