قبل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل متذرعاً بالواقعية، وتوجيهه وزارة الخارجية للعمل على نقل مبنى السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، مارست إسرائيل منذ وقت طويل سياسات هادفة إلى تهويد المدينة العربية.
هذه السياسات بدأت منذ عام 1948، عندما استولت إسرائيل على الشطر الغربي من المدينة والذي يشكل 66% من مساحتها، وتنامت بعد حرب يونيو 1967، عندما احتلت بقية المدينة وأعلنت توحيدها واعتبرتها لاحقاً بشطريها عاصمة لها.
توزّعت سياسة التهويد الإسرائيلي للقدس على عدة محاور تضافرت معاً لتشكّل ما يعرف بسياسة "خلق الأمر الواقع" التي تهدف إلى خلق وقائع جديدة على الأرض، ثقافياً وديموغرافياً وجغرافياً، توحي إلى مَن يزور المدينة بأنها يهودية. ومن بين تلك المحاور القيام بعبرنة الأسماء الخاصة بالمعالم الثقافية بالمدينة وعبرنة أسماء البلدات العربية.
عبرنة الأسماء
بداية العبرنة كانت مع الاسم العربي للمدينة، إذ اعتمدت إسرائيل الاسم العبري التوراتي "يروشالايم" بدلاً من القدس، كما قامت بتغيير وعبرنة أسماء بوابات القدس التاريخية، فحوّلت باب "الخليل" إلى "شعر يافو" وباب "الحديد" إلى "شعر هحداش" وباب العمود إلى "شعر شكيم" والزاهرة إلى "شعر هورودوس". وعبرنت اسم باب "ستنا مريم" إلى "شعر هاأريوت" (باب الأسباط)، وباب المغاربة إلى "شعر هأشفوت"، وباب الرحمة إلى "شعر هرحميم"، وباب النبي داود إلى "شعر تسيون" (باب صهيون). يقول أمين عام اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم مراد السوداني إن الاحتلال الإسرائيلي عمد إلى تغيير أسماء نحو 300 شارع في القدس. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تم تغيير اسم جبل الزيتون إلى "هار همشحاه"، وهو أعلى جبال القدس ويطل عليها، كما تم إطلاق اسم "شير همعلوت" على أحد البساتين القريبة من المسجد الأقصى، وتم تغيير اسم شارع "وادي الحلوة" الذي يقع جنوب شرق القدس إلى "معالوت دافيد".سياسات الاستيطان والتغيير الجغرافي
ترافق تغيير الأسماء العربية واستبدالها بأخرى عربية مع إجراءات لإحداث تغيير جغرافي على معالم وشكل المدينة المقدسة. وبعيداً عن التغييرات التي طرأت على الجزء الغربي من المدينة بعد احتلاله عام 1948، وإقامة التمددات الاستيطانية التي أثّرت في ما بعد على البنية السكانية للمدينة، قامت السلطات الإسرائيلية بعد يوم واحد من احتلال القدس الشرقية عام 1967 بما اعتبره اليمين الإسرائيلي بداية الطريق نحو تغيير الحقائق الجغرافية في المدينة. ففي 11 يونيو 1967، هدمت السلطات الإسرائيلية حارة المغاربة. وكان لعملية هدم حارة المغاربة أكبر الأثر في إعادة رسم شكل البلدة القديمة في القدس الشرقية، إذ تم تحويل مكان الحارة إلى ساحة واسعة ملاصقة لحائط البراق أو كما تسميه الأدبيات الإسرائيلية "الحائط الغربي" أو "حائط المبكى"، وذلك من أجل السماح لأكبر عدد من الزوار اليهود بالوصول إلى هناك.قامت إسرائيل بعد يوم واحد من احتلال القدس الشرقية عام 1967 بما اعتُبر بداية الطريق نحو تغيير الحقائق الجغرافية في المدينة
عملت إسرائيل على خلق وقائع جديدة على الأرض في القدس، ثقافياً وديموغرافياً وجغرافياً، لتوحي إلى مَن يزور المدينة بأنها يهوديةوبعد ضم القدس الشرقية بعدة أسابيع، قامت البلدية بتوسيع الحدود المعروفة للمدينة من خلال ضم أراضي نحو 28 قرية فلسطينية إليها. ويشير تقرير صادر عن منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية إلى أنه في يونيو 1967، مباشرة بعد احتلال الضفة الغربية، قامت إسرائيل بفرض نفوذ بلدية القدس على حوالي 70 ألف دونم من أراضي الضفة، وفرضت عليها القوانين الإسرائيلية. وأشار التقرير إلى أن مساحة الأراضي التي ضمتها إسرائيل تجاوز بكثير مساحة القدس الشرقية التي امتدت على مساحة نحو 6,000 دونم فقط، إذ شملت ما يقارب 64,000 دونم إضافياً معظمها تابعة لقرى فلسطينية تقع في الضفة الغربية، كما أن بعضها كان يخضع لنفوذ بلديتي بيت لحم وبيت جالا. وتوسعت السلطات الإسرائيلية بعد ذلك في مصادرة الأراضي وواصلت بناء المستوطنات بما يحقق الطابع اليهودي للمدينة. ففي عام 1968 تم إنشاء مستوطنة رمات إشكول على أراضي قرية لفتا، ومستوطنة جفعات شبيرا على أراضٍ تابعة لقرية العيساوية وشعفاط، وفي عام 1970 أُنشئت مستوطنة عطروت على جزء من أراضي قلنديا وبيت حنينا. وفي عام 1971 أنشئت مستوطنة جيلو على بيت جالا والمالحة، ثم بعدها بعامين أنشئت مستوطنات أرمون هنتسيف وتلبيوت على أراضي جبل المكبر وصور باهر، بالإضافة إلى مستوطنة رموت ألون على أراضي بلدة إكسا وبيت حنيا، كما أنشئت عام 1980 مستوطنة بسجات زئيف على أراضي بيت حنينا. وفي عام 1990، تم إنشاء مستوطنة جيفعات هشعفاط، وفي 1990 تم إنشاء مستوطنة جفعات هاماتوس ومستوطنة هار حوما. وفي عام 1993، طرحت فكرة القدس الكبرى، وقامت السلطات الإسرائيلية بتوسيع نفوذ بلدية القدس وضمت إليها أراضٍ جديدة لتصبح منطقة نفوذها حوالي 126600 دونم، وبذلك تكون أكبر المدن الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي. ضمت المساحات الجديدة الأراضي التي لا تتواجد عليها كثافة سكانية عربية لتكون مجالاً للتوسع الاستيطاني المستقبلي بما يضمن تحقيق أغلبية يهودية في المدينة. وفي عام 1999، انتهت إسرائيل من تنفيذ مشروع الطوق الشرقي لمدينة القدس والذي هدف بشكل أساسي إلى ربط المستوطنات اليهودية ببعضها البعض وضمان التحرك في المدينة بدون الدخول إلى المناطق التي تتواجد بها كثافة سكانية عربية عالية، وتحويلها إلى مناطق مهملة، بحسب موقع "مدينة القدس". بالتوازي مع أعمال التغيير الجغرافي للمدينة، لجأت السلطات الإسرائيلية إلى إنشاء عدد من الحدائق في أنحاء القدس كان الهدف منها بشكل أساسي تحجيم التمركزات العربية في المدينة ومنعها من التمدد العمراني المستقبلي. وتقول منظمة بتسيلم الحقوقية إن أول إعلان عن "حديقة وطنية" في القدس الشرقية كان عام 1974 حين تم الإعلان عن إنشاء حديقة في محيط أسوار القدس تمتد على مساحة 1,100 دونم.
التهويد الديموغرافي
بالتوازي مع عبرنة الأسماء وخلق الحقائق الجديدة من خلال التغيير الجغرافي بالمدينة، تبنت إسرائيل منذ احتلال القدس الشرقية عام 1967، سياسات تهدف إلى ضمان وجود أغلبية يهودية فيها. تشير إحصاءات نشرها مركز القدس لبحوث السياسات، واعتمد فيها على بيانات رسمية من دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل، إلى أن عدد سكان القدس عام 1967 بلغ 266300 نسمة، يمثل العرب 26% منهم بينما تبلغ حصة اليهود 74%، وهذه الزيادة اليهودية كانت ناتجة في الأساس من التمركزات اليهودية التي تم إنشاؤها بعد احتلال القدس الغربية، بالإضافة إلى فرار عدد كبير من العرب بسبب أعمال الحرب. ووصل عدد سكان المدينة عام 1980 إلى 407100 نسمة، مثل اليهود 72% منهم، بينما كانت حصة العرب 28%. وفي عام 2000 وصل عدد السكان إلى 657500 نسمة، بينهم 32% عرب و68% يهود، وفي عام 2015 أصبح عدد سكان القدس 865700 نسمة بينهم 37% عرب و63% يهود. وبالنظر إلى توزع العرب واليهود بين شطري المدينة، بلغ تعداد سكان الشطر الغربي للقدس عام 2015 330400 يهودياً، و3300 عربياً. أما في القدس الشرقية فبلغ تعداد السكان 531900 نسمة، عدد اليهود منهم 211600 نسمة، وعدد العرب 320300 نسمة. وبدمج القدس بشطريها، يتضح أن إسرائيل تمكنت من تحقيق أغلبية يهودية بواقع 542 ألف يهودي، فيما بلغ عدد السكان العرب 323600 عربي. يشير المركز الفلسطيني للإعلام إلى أن السلطات الإسرائيلية قامت بعزل نحو 147264 فلسطينياً من القرى والبلدات المحيطة بالقدس عندما أقامت الجدار العازل، فيما ضمت نحو 300 ألف مستوطن إلى شرق المدينة، في إطار سعيها لتحقيق أغلبية يهودية في القدس الشرقية. وبالإضافة إلى قيام الجانب الإسرائيلي بسلخ تجمعات عربية عن امتداداتها في القدس، عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تهجير السكان العرب من خلال ما يعرف بهندسة الوضعية القانونية الشخصية والتي تتيح إلغاء إقامة المقدسيين إذا ما تبيّن أن مركز حياتهم خارج القدس. وتشير منظمة "بتسيلم" إلى أن إسرائيل ألغت إقامة 1452 مقدسياً بين عامي 1967 و2011.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...