بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي عدة مناسبات في الآونة الأخيرة، خرجت أصوات فلسطينية، خاصة شبابية، للمطالبة بحل السلطة الوطنية الفلسطينية، رداً على السياسات الإسرائيلية والأميركية تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، ورداً على المعاناة المستمرة التي يعيشها شعب بأكمله بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمعظم أرضه.
لكن مقابل هذه الأصوات، هناك أصوات أخرى فلسطينية ترفض هذا الحل وتعتبر أنه غير واقعي وغير ممكن. وبرأيها، لا يمكن بأي حال من الأحوال، حل السلطة الفلسطينية، بشكل نهائي وعودة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية إلى ما كانت قبل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، والذي كان من أهم نتائجه إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية.
[caption id="attachment_129694" align="alignnone" width="700"] اتفاق أوسلو عام 1993[/caption]
ماذا يعني حل السلطة الوطنية الفلسطينية؟ وما هي تداعيات هذا الخيار؟
التحلل من الاتفاقيات الموقعة
إن فكرة حل السلطة الوطنية الفلسطينية لنفسها يُقصد به انسحابها من اتفاقية أوسلو، ومن جميع الاتفاقيات التي وُقّعت بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال السنوات الـ25 الماضية، والعودة إلى الأوضاع التي كانت سائدة قبل ذلك. ولكن هل هذا ممكن؟ يرى الباحث في الشأن الفلسطيني عزيز المصري أن على الرئيس الفلسطيني محمود عباس الخروج في خطاب تلفزيوني يعلن فيه حلّ السلطة والتحلل من الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي. ويعتقد أن العالم الغربي والعربي سيلتفت حينها إلى القضية الفلسطينية أكثر، ولن يوافق على هذا القرار الذي يعني وقف التنسيق الأمني بين السلطة والحكومة الإسرائيلية، والذهاب إلى صراع مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي. لكن الخبير السياسي والاقتصادي الدكتور عمر شعبان لا يوافق على هذا الرأي. يقول: "هناك اتفاقيات اقتصادية وُقعت بين منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية وبين إسرائيل برعاية دولية، واتفاق أوسلو بالأصل اتفاق دولي تم بإرادة دولية ولا يمكن العودة عنه بقرار فلسطيني منفرد". ويعتقد أن الرئيس الفلسطيني يمكنه أن يستقيل، ولكن لا يمكن للسلطة كنظام سياسي وإداري وعسكري الانتهاء بكل بساطة، معتبراً أن التفكير في حل السلطة خاطئ والأصح أن يتم التفكير في إعادة تعريف السلطة ووظيفتها.أصوات كثيرة، وخاصة شبابية، تطالب بحل السلطة الوطنية الفلسطينية. ماذا يعني هذا الخيار؟ وما هي تداعياته؟
قرار حل السلطة الفلسطينية ليس بالقرار البسيط. أزمات كثيرة ستعقبه: كارثة اقتصادية واحتمال الحرب المفتوحةويتفق المحلل السياسي طلال عوكل مع شعبان حول ضرورة إعادة تعريف السلطة لنفسها ولوظيفتها، وقال: "يجب الآن البحث في إعادة التفكير بوظيفة السلطة الفلسطينية"، خاصة بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ونوّه عوكل إلى أن السلطة بتغيير وظيفتها يمكنها التخلّص من جميع القيود التي قيّدتها منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى الآن.
البديل عن السلطة
قد تكون فكرة حل السلطة الفلسطينية غير مجدية على الصعيد الفلسطيني، وفكرة غير منطقية من وجهة نظر كثيرين من الفلسطينيين، ولكن في حال قررت القيادة الفلسطينية إعلان ذلك، فما هو البديل عنها؟ في اعتقاد المصري، من الممكن لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي تم تهميشها على مدار السنوات الماضية، أن تستعيد دورها كما في السابق وتُعاد إليها مهامها التي كانت تقوم بها قبل قيام السلطة الفلسطينية. لكنه لم يستطع التحديد إذا ما كان من الممكن للمنظمة القيام بمهامها من داخل الأراضي الفلسطينية أم من خارجها، وقال: "لا نستطيع توقع ردة الفعل الإسرائيلية في حال حل السلطة وإعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية". من الناحية النظرية، يمكن اعتبار فكرة عودة مهام السلطة للمنظمة أمر بسيط، لكن من الناحية الواقعية يبدو الأمر أكثر صعوبة، إذ إن قطاع غزة والضفة الغربية قبل 25 عاماً، كانا تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي يستمر حتى اليوم في الضفة. لكن الأوضاع في قطاع غزة مختلفة بعض الشيء، فقد انسحب الجيش الإسرائيلي منها عام 2005، ولم يبقَ لإسرائيل سوى السيطرة على الحدود. وفي ظل الحديث المتكرر إسرائيلياً، خلال الشهور الماضية، عن فكرة إقامة دولة غزة كبديل عن دولة فلسطين، اعتبر المصري أن الحديث عن حل السلطة الآن، يمكن أن يقود إلى تعزيز خيار فكرة دولة غزة إسرائيلياً أكثر، منوهاً إلى أنه لا يمكن للجيش الإسرائيلي العودة إلى احتلال القطاع.دمار أكثر من 200 ألف أسرة
أيضاً، في ظل الحديث عن حل السلطة الفلسطينية، لا يمكن أن نغفل عن عدد موظفيها المدنيين والعسكريين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي يبلغ قرابة الـ200 ألف موظف، وعن مصيرهم، ومصير أسرهم التي يعيلونها؟ شعبان أكد على أن القيادة الفلسطينية ارتكبت على مدار السنوات الماضية الكثير من الأخطاء، لكن ذلك لا يعني أنه يمكنها حل نفسها والتخلي عن آلاف الموظفين وأسرهم، لأن التخلي عنهم يعني انهيار كامل للمنظومة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية. وباستغراب قال: "أين سيذهب هؤلاء الموظفون، وما هو مصيرهم ومصير عائلاتهم في حال حُلّت السلطة؟". وبرأي المصري، سيتسبب حل السلطة وتخليها عن الموظفين كارثة اقتصادية، متسائلاً: "هل ستعوّض منظمة التحرير الفلسطينية موظفي السلطة في حال حلت محلها أم ماذا سيحدث لهم ولعائلاتهم؟".خسارة المنح والهبات الدولية
من المعروف أن السلطة الوطنية الفلسطينية، ومنذ نشأتها، تعتمد اعتماداً كلياً في موازنتها السنوية على المنح والهبات المقدمة من دول غربية وعربية، وفي حال توقف هذا الدعم المالي لن تستطيع الاستمرار بالإيفاء بالتزاماتها مع الشعب، ولن تستطيع تقديم الخدمات للفلسطينيين. وأوضح شعبان أن دعم المانحين مرتبط بالأساس بوجود السلطة الفلسطينية، إذ إن اتفاق المانحين الذي كان في أكتوبر من عام 1993 في واشنطن، عقب توقيع اتفاق أوسلو، هو الذي أوجد موازنة عامة للسلطة، حين قرر العالم في أول مؤتمر للمانحين بقرار غربي دعم السلطة الفلسطينية. وأكد الخبير السياسي والاقتصادي، أنه بمجرد الإعلان عن حل السلطة، ستتوقف الدول بكل تأكيد عن تقديم المنح والهبات المالية التي ترسلها باستمرار للسلطة، ما يعمّق من تأزم الوضع الاقتصادي، وأضاف: ستجد إسرائيل نفسها أمام التزامات غير مسبوقة بسبب احتلالها.الخاسر من حل السلطة
بالتأكيد، سيؤثر خيار حل السلطة على العديد من الأطراف، وسيكون هناك العديد من الخاسرين. وفي اعتقاد المصري، فإن الطبقة البرجوازية التي أنتجتها السلطة الفلسطينية وموظفيها هم من أكثر الفئات المتضررة من حل السلطة الفلسطينية. إلى جانب ذلك، أشار إلى أن إسرائيل أيضاً ستخسر الكثير من حل السلطة الفلسطينية، لأنها ستخسر التنسيق الأمني التي توفره لها، إضافة إلى أنها ستكون في مواجهة مفتوحة مع الشعب الفلسطيني، وقد تعود العمليات العسكرية الفلسطينية إلى سابق عهدها. من جانبه، نوّه شعبان إلى أن حل السلطة سيُدخل المجتمع الفلسطيني في مرحلة من الفوضى والفقر والاضرابات، وهي مرحلة يمكن أن تستقر بعد ذلك بتدخل دول العالم الخارجي. واتفق المحلل السياسي عوكل مع سابقيه على حتمية خسارة العديد من الأطراف الفلسطينية بسبب قرار حل السلطة الفلسطينية، مشيراً إلى أن قطاعاً واسعاً من الفلسطينيين سيعاني، وعلى رأسهم موظفو السلطة والتجار والنافذين في السلطة. قرار حل السلطة ليس بالقرار البسيط. أزمات كثيرة ستعقبه. وأكد المصري، أنه في حال اتُّخذ القرار، يجب على السلطة أن تتبعه بقرار إعلان إقامة دولة فلسطين وفق قرار التقسيم، وإرسال الإعلان إلى الأمم المتحدة لتحميلها مسؤولية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع