شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ترامب قدّم

ترامب قدّم "شو" أمام الإعلام ولم يوقّع قانون نقل السفارة الأمريكية إلى القدس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 13 ديسمبر 201711:31 ص

كعادته، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"شو" أمام الإعلام، في خطابه الذي أعلن فيه القدس عاصمةً لإسرائيل، توّجه بإمضاء وثيقة، لم تُظهر الصور ما هي، فظنّ كثيرون أنه وقّع قانون نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولكن حقيقة الأمر ليست كذلك.

ترامب وقّع وثيقتين

الوثيقة التي وقّعها ترامب أمام الكاميرات هي وثيقة "إعلان رئاسي" يعترف بالقدس عاصمةً لدولة إسرائيل ويطلب نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إليها، دون تحديد موعد لذلك.

وتقول هذه الوثيقة التي مهرها ترامب بتوقيعه أمام الكاميرات: "أنا، دونالد ج. ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بحكم السلطة المناطة بي بموجب دستور الولايات المتحدة وقوانينها، أعلن أن الولايات المتحدة تعترف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل وأن سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل ستُنقل إلى القدس في أقرب وقت ممكن عملياً".

أما الوثيقة الثانية التي لم تظهر أمام الكاميرات فهي مذكرة رئاسية إلى وزير الخارجية موضوعها "تعليق الترتيبات بموجب قانون سفارة القدس" وجاء فيها: "بحكم السلطة المناطة بي بموجب دستور الولايات المتحدة وقوانينها... أقرر أنه من الضروري، من أجل حماية الأمن القومي والمصالح الأمريكية، أن أعلّق لفترة ستة أشهر الترتيبات المنصوص عليها في" بعض أجزاء القانون المذكور.

والترتيبات التي يعلّقها الرئيس هي نص القانون على تجميد جزء من ميزانية وزارة الخارجية المخصصة لأغراض الاستحواذ على مبان خارج الأراضي الأمريكية وصيانتها إلى حين افتتاح سفارة أمريكية في القدس، وهذا هو مدخل الكونغرس للضغط على السلطة التنفيذية.

القدس بموجب القانون

قانون نقل السفارة الأمريكية Jerusalem Embassy Act of 1995، وهو قانون صادر عن الكونغرس في 23 أكتوبر 1995، ينص على أن "القدس يجب أن تبقى موحّدة وأن تُحترم فيها حقوق كل المجموعات القومية والدينية" وأن "القدس يجب أن يُعترف بها عاصمةً لإسرائيل".

وهذا يعني أن القدس التي يتحدث عنها القانون هي "القدس الكاملة الموحدة" (بشطريها الغربي والشرقي الذي احتلته إسرائيل في السابع من يونيو عام 1967) والتي أقر الكنيست قانوناً في 30 يوليو 1980 يعتبرها عاصمة لإسرائيل.

كعادته، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"شو" أمام الإعلام. في خطابه الذي أعلن فيه القدس عاصمةً لإسرائيل، توّجه بإمضاء وثيقة، لم تُظهر الصور ما هي، فظنّ كثيرون أنه وقّع قانون نقل السفارة الأمريكية إلى القدس
قرار ترامب بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لا يعني اعتراف أمريكا بأن القدس الشرقية يجب أن تبقى تحت سيطرة الدولة العبرية

ما الفرق؟

يشير الإعلان الرئاسي الذي وقّعه ترامب أمام الكاميرات إلى قانون نقل السفارة الأمريكية ويقول نصاً: "الآن، بعد 22 سنة من إقرار القانون، أقرر أنه حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة لإسرائيل".

ولكن هذا الإعلان لا ينص لا على أن القدس التي يتحدث عنها "يجب أن تبقى موحدة" ولا على مصطلح "القدس الكاملة الموحدة".

ما يقوله هو إنه، بعد 70 عاماً من اعتراف الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان بإسرائيل (عام 1948)، أنشأت إسرائيل عاصمتها في القدس وفيها تقع مقرات حكومتها وبرلمانها ومحكمتها العليا ومقرات إقامة رئيس وزرائها ورئيسها ومقرات وزارات كثيرة، وفيها يلتقي المسؤولون الأمريكيون بنظرائهم الإسرائيليين، وبالتالي "من المناسب للولايات المتحدة أن تعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل".

وينص الإعلان على أن الولايات المتحدة، برغم هذا القرار، لا تتخلى عن التزامها بتسهيل التوصل إلى اتفاق سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفيه جملة مهمة هي: "الولايات المتحدة تستمر في عدم أخذ أي موقف من قضايا الحل النهائي"، وحدود القدس الشرقية التي تطالب بها السلطة الفلسطينية عاصمةً للدولة الفلسطينية المأمولة هي من قضايا الحل النهائي، بحسب اتفاق أوسلو.

ولتأكيد ذلك، يتابع الإعلان: "الحدود الدقيقة للسيادة الإسرائيلية في القدس تخضع لمفاوضات الوضع النهائي بين الطرفين. الولايات المتحدة لا تتخذ موقفاً حول الحدود".

كما يؤكد الإعلان دعم الولايات المتحدة لـ"الوضع القائم في المواقع الدينية في القدس، بما فيها جبل الهيكل، المعروف بالحرم الشريف".

ترامب احتاج لعرضه

لماذا كل هذا الضجيج الذي افتعله ترامب؟ يمارس بعض النافذين اليهود ممن موّلوا حملة ترامب الانتخابية بالإضافة إلى قاعدة واسعة من ناخبيه الإنجيليين المؤيدين لإسرائيل ضغوطاً عليه لكي يوقّع قانون نقل االسفارة الأميركية إلى القدس.

وكان ترامب قد وعد بتوقيع القانون منذ حملته الانتخابية وكرّر وعده مراراً، إلا أنه فاجأ الموعودين في يونيو الماضي بأنه أجّل تطبيق القانون. وهذه المرّة، على عتبة مهلة الأشهر الستة المنصوص عليها في القانون، كان من الصعب عليه، في ظل الضغوطات الداخلية التي يتعرّض لها، أن يعيد الكرة بدون "شو" إعلامي ضخم يقدّم بعض التنازلات وأيضاً... يذر بعض الغبار في العيون.

بالنسبة إلى ترامب، الوقت الآن هو لتسويق فكرة أنه قام بـ"أمر عظيم" وغير مسبوق لمصلحة إسرائيل أمام ناخبيه المؤيدين لها، وبعد فترة سيبدأ البيت الأبيض بتخفيف وطأة قراره على الشرق أوسطيين والمسلمين

ولكن الإعلان الرئاسي الذي وقّعه ترامب لا يلزم الإدارة الأمريكية باتخاذ أي موقف في أية مفاوضات تجري بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول حدود القدس الشرقية أو حول اتخاذها عاصمة لفلسطين.

قرار ترامب حقق لإسرائيل هدفين: الأول، أضفى على سيطرتها على القدس الغربية شرعية، برغم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر من عام 1947 (قرار تقسيم فلسطين) والذي ينص على أن القدس كيان منفصل بجانب دولتي إسرائيل وفلسطين وتتولى الأمم المتحدة إدارتها.

ولكن هذا القرار مات منذ زمن بعيد وبالتالي لا أهمية لهذا التأثير. وهذا يعرفه الإسرائيليون الذين يعتبرون سيطرتهم على القدس الغربية تحصيل حاصل ما دفع عدداً منهم إلى اعتبار أن قرار ترامب لا يقدّم ولا يؤخر عملياً.

ما له تأثير هو ما له علاقة بالمطالب التي لم تمت وهي المطالبة بالعودة إلى حدود ما قبل حرب يونيو 1967 التي نص عليها قرار مجلس الأمن رقم 242.

وفي هذا الصدد، يغطّي ترامب الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية، بزعم الواقعية السياسية، كما ينتهك المبدأ الذي أقره قرار مجلس الأمن رقم 478 الذي دعا الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس إلى سحب بعثاتها منها ـ وهي ورقة ضغط على إسرائيل لحثها على الانخراط بجدية في مفاوضات مع الفلسطينيين ـ ما يساعد في حملة إسرائيل لإقناع دول كثيرة بنقل سفاراتها إلى القدس.

بالنسبة إلى ترامب، الوقت الآن هو لتسويق فكرة أنه قام بـ"أمر عظيم" وغير مسبوق لمصلحة إسرائيل أمام ناخبيه المؤيدين لها، وبعد فترة سيبدأ البيت الأبيض بتخفيف وطأة قراره على الشرق أوسطيين والمسلمين.

ويبقى أن ما حصل يؤكد مجدداً قوة تأثير الجماعات الناخبة المؤيدة لإسرائيل على القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image