شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
كيف أثرت الظروف الاجتماعية في تغيير أشكال الزواج عند المسلمين

كيف أثرت الظروف الاجتماعية في تغيير أشكال الزواج عند المسلمين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 8 ديسمبر 201712:51 م

الزواج بصفته أحد أهم وأقدم صيغ الترابط الاجتماعي المعروفة في التاريخ الإنساني، حظي باهتمام كبير من جانب التشريع الإسلامي المبكر، حيث تم إلغاء بعض صوره التي مورست في بعض عصور الجاهلية، ومنها زواج الاستبضاع أو زواج الرهط، وتم إقرار صيغ جديدة، اعتبرت الشكل المقبول الذي يحظى بالمباركة الدينية والاجتماعية. مع ظهور الإسلام وإقرار سلطة الرسول في المدينة المنورة، بدأت التنظيمات الاجتماعية العرفية السائدة، في التحول والتغير شيئاً فشيئاً لتتوافق مع أسس الدين الإسلامي ومبادئه. في هذا المقال نستعرض عدداً من صور وأنواع الزواج التي ظهرت في البلاد العربية والإسلامية، قديماً وحديثاً، مع الإشارة للكيفية التي أثرت بها العوامل الاجتماعية والاقتصادية في ظهور تلك الأشكال في مناطق بعينها.

أركان الزواج في الإسلام

يذهب جمهور الفقهاء المسلمين، إلى أن هناك خمسة أركان رئيسة للزواج، أولها هو عقد الزواج، وهو يتشابه كثيراً مع باقي العقود التي تستلزم حدوث التراضي ما بين الطرفين وبعضهما البعض، ومن ثم فإن الإيجاب والقبول هما الركن الأول من أركان الزواج. أما الأربعة أركان الباقية، وهي المهر والولي والزوجان والشاهدان، فقد وقع فيهم الكثير من الاختلافات والتفصيلات ما بين المذاهب المختلفة، فالحنفية مثلاً ذهبوا لإمكانية تزويج المرأة لنفسها بدون ولي، والشيعة الإثنا عشرية أسقطوا ركن الشاهدين من الزواج وإن جعلوا من وجودهما ركناً أساسياً من أركان الطلاق. أما بعض الحنابلة، ومنهم ابن قدامة المقدسي (تـ. 620هـ/1223م)، في كتابه "المغني"، الذي يعتبر من أكبر كتب الفقه الإسلامي، فقد بين إمكانية إسقاط ركن المهر أو الصداق، وذلك بقوله "النكاح يصح من غير تسمية صداق". أما فيما يخص الزوجين فقد تعددت الأقوال في شروط مناسبتهما لبعضهما البعض، وضرورة أن يكون هناك تكافؤ اجتماعي وأسري وتعليمي ومادي فيما بينهما.

زواج المتعة: موافقة إثناعشرية ورفض من جميع المذاهب الأخرى

أحد أهم الاختلافات الفقهية ما بين المذاهب السنية والمذهب الشيعي الجعفري، تتمثل في رفض السنة لإباحة زواج المتعة، في الوقت الذي يبيحه الكثير من الشيعة ويعتبرونه زواج مكتمل الأركان. في الحقيقة، زواج المتعة ليس بحلال عند عموم المذاهب الشيعية كما هو شائع، بل أنه حلال فقط عند أتباع المذهب الشيعي الإمامي الإثناعشري، بينما يتفق كلٌّ من الشيعة الزيدية والإسماعيلية والنصيرية والدروز مع السنة على تحريمه. شعبياً، قد يغيب عن الناس أنّ المصادر الإسلامية السنية والشيعية تتفق مع بعضها البعض، في أن زواج المتعة كان مباحاً في بدايات الإسلام، وأن العديد من الصحابة كانوا يمارسونه في حالات السفر أو الغزو دون أن يتعرضوا للمساءلة، أو يُنظر إلى فعلهم على كونه نقيصة أخلاقية.

ما الاختلاف إذاً؟

يرد الشيخ الراحل أحمد الوائلي على ذلك السؤال بقوله "الاختلاف حول مسألة نسخ حكم المتعة، ففي حين يؤكد أهل السنة أن حكم المتعة قد نُسخ وأنه قد تم تحريمها بعد غزوة خيبر، فإن الشيعة لم تثبت لديهم أخبار النسخ، وبقت المتعة حلالاً عندهم"، وهو ما يعني أن الخلاف بين الطرفين، هو خلاف فقهي حول مسألة نسخ الحكم ليس إلا.

الخلاف بين السنة والشيعة بخصوص زواج المتعة هو خلاف فقهي: السنة يعتقدون بنسخه بعد غزوة خيبر، الأمر الذي لم يثبت عند الشيعة

فيما يخص شروط صحة زواج المتعة، فيجملها رجل الدين الشيعي العراقي محمد صادق الكرباسي، بقوله "زواج المتعة هو كالزواج الدائم، ويشترط فيه إذن الأب بالنسبة إلى البنت التي لم تتزوج من قبل، ويتم تحديد المدة والمهر والاتفاق عليهما من قبل الزوجين ثم إجراء صيغة العقد، بأن تقول المرأة للرجل متعتك نفسي على المهر المعلوم في المدة المعلومة، ويقول الرجل لها قبلت". ولا تستحق الزوجة في هذا النوع من الزواج النفقة، كما أن الزوجان لا يتوارثان من بعضهما إن حدث موت قبل انتهاء وقت الزواج. وبينما ينتشر زواج المتعة في إيران، فإن تواجده في الدول العربية التي ينتشر بها الشيعة الإثناعشرية، مثل العراق والبحرين ولبنان، يبقى محدوداً وبعيداً عن الشكل الرسمي الموثق.

زواج المسيار: هل هو وجه أخر للمتعة؟

يُسمى ذلك النوع بزواج المسيار أو بزواج المسفار، وهو في حقيقة الأمر أحد أنواع الزواج المباح عند أهل السنة، وينتشر في عدد من الدول العربية، وعلى الأخص الخليجية منها. يتوافق زواج المسيار مع الشروط والأركان الأساسية في قبول الزواج عند السنة، فهو يستلزم وقوع الإيجاب والقبول والتراضي بين الطرفين، كما أنه يتم بحضور الولي والشهود وبعد دفع المهر. النقطة الرئيسة التي يختلف بها زواج المسيار عن الزواج الدائم، أنه يُعفي الزوج من الانفاق على زوجته إذا كانت ثرية، كما لا يُلزم الزوج بكل الحقوق المفروضة للزوجة فيما يخص السكن والمبيت، فمن حقه –بعد الاتفاق معها-أن يخصص لها جزءاً معيناً من وقته، سواء كان ذلك ليلاً أو نهاراً، ومن هنا جاء اسم المسيار، والذي يشير إلى التردد على منزل الزوجة وعدم الاستقرار فيه. ولما كان الأمر الواقع، يشهد بأن الهدف الرئيس من وراء زواج المسيار، هو التمتع وإرضاء شهوات الجسد، دون الالتفات لمعاني تأسيس الأسرة وتربية الأطفال، فإن الكثير من العلماء اختلفوا فيما بينهم على حكم ذلك النوع من الزواج. أما بالنسبة للناشطين الحقوقين، فينتقده كثيرون لأنه يشجع الزوجة على التخلي عن حقوقها التي تضمنها لها مؤسسة الزواج في الشرع الإسلامي. من الشيوخ الذين أفتوا بإباحة زواج المسيار مع الكراهة، يوسف القرضاوي الذي وصفه بأنه "زواج شرعي تتوافر فيه شروط الزواج كافة، من شهود وإعلان وقبول وإيجاب". وكذلك المفتي السعودي ابن باز، الذي رد على من استفتاه في ذلك النوع من الزواج بقوله: "لا حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً...، فإذا اتفق الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها، أو على أن القسم يكون لها نهاراً لا ليلاً، أو في أيام معينة، أو ليالي معينة: فلا بأس بذلك، بشرط إعلان النكاح، وعدم إخفائه". أما الشيخ السلفي ناصر الدين الألباني، فقد رفض زواج المسيار بشكل قاطع، لما يشتمل عليه من إهدار للغايات الكبرى للزواج وهي السكن والطمأنينة، ولما ينتج عنه من تقاعس في تربية الأبناء، وإهمال حقوقهم، ولكونه بتلك الصورة لا يختلف كثيراً عن زواج المتعة عند الشيعة. ويعرف هذا النوع من الزواج بعدد من الأسماء المختلفة، منها زواج المسيار والمسفار والمصياف، كما يعرف أحياناً باسم الزواج السياحي، نظراً لأنه يشيع بين الأغنياء الذين يقضون فترات سياحة خارج بلادهم.
في المذهب الحنفي، يمكن للمرأة تزويج نفسها بدون ولي، وعند بعض الحنابلة، يمكن إسقاط ركن الصداق أو المهر
كان زواج المتعة مباحاً في بدايات الإسلام، والعديد من الصحابة كانوا يمارسونه في حالات السفر أو الغزو دون أن يتعرضوا للمساءلة
شروط الزواج، كأن تكون العصمة بيد الزوجة، هي بنود تضاف إلى عقد الزواج تجاوباً مع الظروف الاجتماعية فيما لم يرد في النصوص الشرعية

زواج الوناسة: ترحيب ديني ورفض اجتماعي

من أنواع الزواج الإسلامي التي ظهرت في الفترة الأخيرة، ما يُعرف باسم زواج الوناسة، ويُطلق عليه في أحيان أخرى زواج الاستئناس أو زواج التأنيس. كما يظهر من الاسم، فإن الهدف الرئيس من ذلك الزواج، هو حدوث مصاحبة ومودة ورفقة طيبة ما بين الزوج والزوجة، وذلك بغض النظر عن وقوع المعاشرة الجنسية فيما بينهم. من أكثر الحالات التي تشهد وقوع زواج الوناسة، تلك الحالات التي يكون فيها الزوج كبيراً في السن ويحتاج لشخص يعتني به ويرعاه. أيضاً يُطبق زواج الوناسة، في حالة احتياج الزوجة الطاعنة في السن للاستئناس برجل يصغرها سناً، وأن يقيم معها بشكل دائم في منزلها. ومثله مثل غيره من أنماط الزواج غير المألوفة، فقد حظي زواج الاستئناس بالكثير من الجدل والمناقشة ما بين مؤيديه ورافضيه. بالنسبة للمؤيدين من رجال الدين، والذين يقف على رأسهم كل من الدكتور صالح السدلان الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والدكتور عبد المحسن العبيكان المستشار في وزارة العدل السعودية، فقد أكدوا على شرعية ذلك النوع من الزواج، واحتجوا على ذلك بما ورد في صحيح مسلم، من أن السيدة سودة بنت زمعة زوجة الرسول: "لمَّا كبرت جعلَتْ يومها من رسول اللَّه لعائشة، قالت: يا رسول اللَّه، قدْ جعلتُ يومي منك لعائشةَ. فكان رسول اللَّه يقسم لعائشة يومينِ: يومها ويوم سودةَ". أما رافضي ذلك الزواج، فأغلبهم من المفكرين وعلماء الاجتماع، ومنهم الكاتب السعودي الدكتور محمد صالح دياب، الذي وصف الزوجة في هذا الزواج بالخادمة، وعقب على ذلك بقوله "ولنا جميعاً أن نتصور حجم الحاجة التي تدفع بامرأة في كامل صحتها ونشاطها لتعتني بمسن. ولست أدري أية "وناسة" في مثل ذلك الزواج بالنسبة للمرأة إلا أن تكون "وناسة" من جانب واحد، يحظى بها الرجل المقتدر مالياً على حساب الزوجة التي تدفعها الحاجة لقبول هذا الزواج الكابوس".

الزواج العرفي: الشكل السري للزواج

الزواج العرفي أو الزواج السري، هو أحد صور الزواج التي ظهرت في السنين الأخيرة، والتي شاعت بشكل كبير ما بين الفئات العمرية الشبابية، خصوصاً داخل أروقة الكليات والمعاهد والجامعات. يتصف الزواج العرفي بالميل للسرية والتخفي، وبإسقاط معظم الأركان المتبعة في الزواج الدائم، ولذلك فإن الأغلبية الغالبة من رجال الدين الإسلامي قد حرموه واعتبروا أنه نوع من أنواع الفاحشة والرزيلة المستترة خلف ستار الزواج، حتى وصفه الداعية السلفي المصري محمد حسان بقوله "علاقة محرمة، تتم في السرية والظلام والخفاء، وتقوم على النفاق والغش والخداع والخيانة". في الوقت نفسه، فإن الكثير من خبراء علم الاجتماع قد اعتبروا أن الشكل العرفي للزواج، ما هو إلا "نتاج لتغييرات مجتمعية شهدتها الدول العربية"، وأنه قد انتشر في بعض المجتمعات التي تعاني من المشكلات الاقتصادية والتي لا يتمكن فيها الشباب من الزواج بطريقة طبيعية للمغالاة في المهور وارتفاع تكاليف الزواج، وغيرها من الظروف، التي تتطلب مرونة لا تؤمنها أنواع الزواج التقليدية. TABLE_IslamicMarriages

الزواج المدني: الشكل غير الديني للزواج

إذا ما تركنا جميع صور وصيغ الزواج الواردة في السطور السابقة، والتي تتسم جميعها بالسمة الدينية الشرعية بشكل أو بأخر، فإننا نجد أن الزواج المدني هو النوع الوحيد من الزواج، الذي يتعامل بمقاييس نفعية عملية بحتة في معزل تام عن أي شرعية روحية. ظهر الزواج المدني في أوروبا في أول الأمر، ليتماشى مع حالة العلمنة والحداثة التي سادت مظاهرها في المجتمعات الغربية، وليقدم نفسه كحل للتغلب على المشكلات المذهبية والطائفية التي ظهرت ما بين الكاثوليك والبروتستانت عقب حركة الإصلاح الديني في القرن السادس عشر الميلادي. ورغم أن هناك الكثير من الاختلافات المذهبية والدينية القائمة في البلاد العربية، فقد بقي استخدام ذلك النوع من الزواج محدوداً ومحظوراً في أغلب الأحيان، ويمكن القول، بإنه وباستثناء تونس، فإنّ كل الدول العربية لا تشرّع الزواج المدني بشكل رسمي أو منتظم. وقد اعتادت بعض الدول العربية التي تشهد تنوعاً دينياً ومذهبياً بين مواطنيها، أن تظهر بها بعض الحالات الجدلية فيما يخص مسألة الزواج المدني، من ذلك ما وقع في لبنان في إبريل 2013م، حينما شهدت واقعة تسجيل أول عقد زواج مدني، وهو ما أثار غضب العلماء المسلمين، إلى الحد الذي دفع بمفتي الجمهورية اللبنانية وقتها لإصدار فتوى بـ "أن كل من يوافق من المسؤولين المسلمين على تشريع وتقنين الزواج المدني ولو اختيارياً هو مرتد وخارج عن دين الاسلام ولا يُغسل ولا يُكفن ولا يُصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين". ولكن آراء ومواقف مختلفة ظهرت تجاهه، وهو محط اهتمام ونقاش مستمز. 

شروط الزواج، المباحة في المذهب الحنفي

الكثير من الفقهاء المسلمين، وعلى رأسهم أبو حنيفة النعمان، إمام المدرسة الحنفية، قد أباحوا إضافة شروط إلى عقد الزواج. بعض هذه الشروط قد يكون هدفها مادياً، وبعضها هدفه تأمين وحماية حقوق الزوجة، ومن أشهرها، أن تكون عصمتها في يدها، بحيث تستطيع تطليق نفسها في أي وقت بعد الزواج، ومنها كذلك أن تشترط على زوجها عدم الزواج بغيرها أو منعها من العمل أو الدراسة، وغيرها من الشروط التي ساعدت في جعل عقد الزواج مرناً ومتجاوباً مع ظروف وسياقات الزوجين، خاصة في مجال تأمين ما شجعته وسمحت به الظروف الاجتماعية، ولم يرد ذكره في النصوص الشرعية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard