شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
قصص حبّ أباطرة المغول: كيف جمعت بين ديانات مختلفة وخلقت المزيد من التسامح

قصص حبّ أباطرة المغول: كيف جمعت بين ديانات مختلفة وخلقت المزيد من التسامح

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 13 نوفمبر 201710:59 ص
في النصف الأول من القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، اجتاحت قبائل المغول، منطقة الشرق الأدنى، فسيطرت على بقاع مختلفة من إيران والعراق وبلاد الشام، وكان سلاحها في ذلك ما اشتهرت به من قسوة وعنف. ولكن بعد فترة قصيرة من الاختلاط بالشعوب الإسلامية، وبعد أن اعتنق شطر كبير من المغول الدين الإسلامي، واستقرّ حكمهم، نجد أن تغيراً كبيراً قد حدث في طريقة حكمهم، مما سمح بازدهار ثقافات البلدان التي حكموها، حتى أنها أصبحت مثالاً للتسامح. تتناول المقالة تجليات ذلك في سير بعض أباطرة دولة المغول في الهند، وكيف أن علاقات حبّ وزواج قد تسببت في الكثير من الأحيان في التسامح وتقبل الأخر، والبعد عن الكثير من التعصبات الدينية والمذهبية. نعرج باختصار عن وصول المغول إلى الهند. من المعروف تاريخياً، أن القائد المغولي الشهير تيمورلنك (تـ. 807هـ/ 1405م)، قد قاد حركة توسعات كبرى، تمكن من خلالها من بسط هيمنته الكاملة على مساحات واسعة من الأراضي في أسيا الوسطى والقوقاز وبلاد الهند. وبعد وفاة تيمورلنك، انقسمت إمبراطوريته الواسعة على عدد من ورثته، الذين أسسوا ممالك صغيرة في مناطق مجاورة، وسرعان ما دخلوا في صدامات وصراعات دامية فيما بينهم وبين بعض. أحد تلك الممالك، كانت مملكة فرغانة، التي تقع ضمن حدود دولة أوزبكستان الحالية، وفي نهايات القرن الخامس عشر الميلادي، آل حكم تلك المملكة إلى ظهير الدين بابر، ولكنه قوبل بمعارضة شرسة من جانب بعض أعدائه، اضطرته إلى الانسحاب بعدما تخلى عنه معظم جنوده وأتباعه. فترك أسيا الوسطى كلها، ورحل إلى كابول في أفغانستان الحالية، ثم تحالف مع الدولة الصفوية التي كانت تحكم بلاد فارس في ذلك الوقت، وبعدها دخل الهند آملاً في الوصول لعرشها، وهو الأمر الذي تمكن فعلياً من تحقيقه في 932هـ/ 1526م عندما تم تنصيبه سلطاناً للهند. وبوصول بابر للسلطة، بدأ عصر دولة الأباطرة المغول في الهند، وهو العصر الذي استمر ما يقارب 300 عام، وتعاقب فيه على كرسي الإمبراطورية ما يزيد عن العشرين إمبراطوراً.

أكبر وجودا: الحب الذي جمع ما بين الإسلام والهندوسية

في 1569م، تولى جلال الدين أكبر حكم السلطنة المغولية في الهند بعد وفاة أبيه همايون، ليصبح ثالث الأباطرة، في عمر لم يتجاوز وقتها الثلاثة عشر عاماً. [caption id="attachment_127115" align="alignnone" width="700"]AkbarAkbar جلال الدين أكبر[/caption] ولما كان أكبر صغيراً في السن، فإن وزيره ومربيه بيرم خان كان هو الحاكم الفعلي للهند، وظل يدير شؤونها لفترة، حتى تمكن أكبر من استلام مقاليد الحكم. المشكلة الكبرى التي لمسها الإمبراطور المسلم بعد فترة، هي أن الأوضاع السياسية في مملكته لا يمكن أن تبقى مستقرة، وذلك لأن أقلية السكان كانت من المغول المسلمين، بينما أغلبية الشعب الهندي كانت من الهندوس، الذين اعتادوا على أن يُحكموا من قبل زعماء قبائل الراجبوت، والتي كانت تشكل الطبقة المقاتلة التي يُخشى بأسها في الحروب. أكبر وجوداأكبر وجودا وفي محاولة منه لتضييق هوة الخلاف ما بين المسلمين والهندوس، قام أكبر بالزواج من ابنة أحد زعماء الراجبوت، وهي تلك المعروفة باسم جودا باي. في البداية كان الهدف من الزواج، سياسياً بحتاً، حيث قصد منه الحفاظ على توازن القوى في الدولة، ومنع إراقة دماء المسلمين والهندوس، إلا أنه سرعان ما تحولت تلك العلاقة إلى رابطة عاطفية فريدة، تحاكت بها الكتب والمصادر التاريخية. فقد فوجئ جلال الدين أكبر، بأن زوجته الهندوسية كانت على قدر كبير من القوة والجمال، وأنها كانت تتمتع بحنكة سياسية أثبتت نجاعتها في الأوقات الحرجة. كل تلك الصفات الباهرة، جعلت السلطان المسلم لا يستطيع أن يفارق زوجته. هذا الحب الذي نشأ ما بين أكبر وجودا، سرعان ما امتدت تأثيراته خارج القصر الملكي، لتشيع في عموم البلاد الهندية، ذلك أن حالة التناغم ما بين الإمبراطور وزوجته، ساهمت في عمل الأول على هدم جميع الفوارق الاجتماعية التي كانت موجودة ما بين طوائف شعبه، فقام بإسقاط الجزية عن كاهل الهندوس، وخفف من الضرائب الباهظة المفروضة عليهم، كما عين بعض زعمائهم في مناصب الدولة الكبرى، وقربهم إليه وضمهم إلى مجلسه وبلاطه.
قصة حبّ جمعت ما بين مسلم وهندوسية، وانعكست في سياسات مرنة ومتسامحة لشعب الهند
عندما سك سلطان الهند المغولي المسلم عملة جديدة، وضرب عليها اسم حبيبته الشيعية نورجهان بجوار اسمه
وعلى مستوى آخر، ساعدت صلة الحب بين الزوجين في حدوث تغير شديد في عقائد الطرفين، فبينما نجد أن جودا قد اختارت –بمحض إرادتها- أن تتخلى عن الهندوسية، وأن تعتنق الدين الإسلامي، بعد أن انجبت ابنها جهانكير؛ فإن جلال الدين أكبر قد بدأ في الوقت نفسه بالتخلي عن التزمت العقائدي الذي عُرف به الأباطرة المغول الأوائل.

كيف تحولت قصة حبّ بين مسلم وهندوسية إلى زخم للحريات الدينية والتسامح في الهند

فكما يؤكد الدكتور جمال الدين الشيال في كتابه تاريخ دولة أباطرة المغول الإسلامية في الهند، أن أكبر أعلن عن حرية العقيدة بين أبناء شعبه، بل تعدى ذلك ليمارس شخصياً بعض الطقوس الهندوسية. ثم اقدم على خطوة أشد جرأة، عندما أعلن عن تأسيس دين جديد يجمع ما بين أصول الديانتين الإسلامية والهندية، وسما هذا الدين بدين إلهي.

جهانكير ونور جهان: حب فتاة الشيعية وسلطان سني

[caption id="attachment_127119" align="alignnone" width="700"]جهانكيرجهانكير جهانكير[/caption] بعد وفاة السلطان جلال الدين أكبر في 1013ه/ 1605م، اعتلى ابنه جهانكير كرسي الحكم في الهند، وتابع ما بدأه أبوه من مشاريع عمرانية وحضارية ضخمة في عموم المدن الهندية. وعلى الرغم من أن جهانكير قد حذا حذو أبيه، في الزواج من بعض الأميرات الهندوسيات، لتألف قلوب الرعية وتسكين خواطرهم، إلا أن حبه الأكبر قد تحقق في 1019هـ/ 1611م عندما تزوج بنور جهان. Jahangir_and_Prince_Khurram_Entertained_by_Nur_JahanJahangir_and_Prince_Khurram_Entertained_by_Nur_Jahan كانت نور جهان، واسمها الأصلي مهرونيسا، زوجة لأحد قادة جهانكير، وكان السلطان المغولي قد سمع من بعض المقربين إليه، أن ذلك القائد يخطط للثورة عليه، ولذلك خطط ودبر لقتله، وبعدها تم نقل أرملته إلى القصر الملكي. وعندما تعرّف جهانكير على مهرونيسا، فأحبها وتزوجا، وأطلق عليها منذ ذلك الوقت الاسم الملكي نور جهان، والذي يعني نور العالم. المصادر والمراجع التاريخية التي تتناول تلك الفترة، تكاد تؤكد على أن سيرة جهانكير قد اختلفت بشكل تام بعد ارتباطه بنور جهان، ذلك أنه ابتعد شيئاً فشيئاً عن أعمال الحكم والإدارة، وترك جميع أمور الدولة في يد محبوبته، التي أثبتت حكمتها وحنكتها في إدارة شؤون البلاد. حتى أنه، وبحسب ما يذكر الدكتور جمال الدين الشيال في كتابه، قد أقدم على خطوة لم يسبقه إليها أي من السلاطين والملوك المسلمين عبر العصور، عندما قام بسك عملة جديدة، وضرب عليها اسمها بجوار اسمه. Empress_Nur_Jahan_Wellcome_V0050552Empress_Nur_Jahan_Wellcome_V0050552 تأثير عشق جهانكير لنور جهان، امتد ليشمل بعض الطبقات الاجتماعية المهمشة في الهند، ذلك أن السلطانة التي بدأت حياتها في صفوف العامة، لم تنس أصولها، فعملت دائماً –بموجب السلطة المتروكة في يدها-على مساعدة الفقراء والمساكين، كما أنها تدخلت بقوة لمنع النزاع المذهبي بحيث استقرت أحوال البلاد، وساد الهدوء ما بين السنة والشيعة تحت حكمها. وقد استمرت حالة الحب ما بين جهانكير ونور جهان، حتى وفاة الأول في 1036هـ/ 1627م، عندها بقت زوجته وحيدة حزينة تكتب الشعر وتستذكر الأيام التي قضتها في صحبة زوجها الراحل، حتى لحقت به هي الأخرى في 1055هـ/ 1645م.

شاه جهان وممتاز محل: الحب الذي خلده تاج محل

Shah_JahanShah_Jahan بعد وفاة جهانكير، وانزواء نور جهان وبعدها عن السياسة، استطاع ابن جهانكير الأكبر المعروف باسم شاه جهان، أن يصل لكرسي الإمبراطورية.  Mumtaz_MahalMumtaz_Mahal كانت زوجة الإمبراطور الجديد، ممتاز محل، ابنة أخ الإمبراطورة السابقة نور جهان، ويصفها جمال الدين الشيال بقوله "كانت امرأة رائعة الجمال، ثاقبة الفكر، أخذت الحسن والجمال عن عمتها، وأخذت الذكاء والمواهب الفكرية عن أبيها". ومعها أيضاً ولدت علاقة حب قوية ربطت ما بين ممتاز محل وشاه جهان، دفعت الأولى لاختيار الانضمام لجانب زوجها، فأيدته وساندته حتى وصل للسلطة. ولم ينس الإمبراطور الجديد وفاء زوجته ووقوفها بجواره، ولذلك منحها لقب ملكة الزمان، وزاد في مخصصاتها وإقطاعاتها، وكان يستشيرها في كل أمر من أمور الحكم. ومثلها مثل عمتها، عملت ممتاز محل على استخدام نفوذها القوي في مساندة الفقراء والمحرومين، وفي الوقوف بجوار الأقلية الشيعية في الهند، مما منع اضطهادهم أو التعرض لهم بسوء. وكانت المفاجئة بعد أن أنجب الزوجان المتحابان أربعة عشر ولداً، حين رافقت الملكة شاه جهان في إحدى حملاته العسكرية، لتلفظ أنفاسها الأخيرة بين يدي حبيبها، وهي تضع ابنها الخامس عشر. Taj_Mahal_artTaj_Mahal_art وقصة حزن شاه جهان لفراقها اشتهرت في البلاد عبر العصور، فيقال بأنه بكى عليها بكاء طويلاً، وعزم على أن يُخلد ذكراها، فأقام مبنى تاج محل في مدينة أكرا بشمال غرب الهند، ونقل جثمانها ليدفن فيه. [caption id="attachment_127127" align="alignnone" width="700"]مقابر-شاه-جهان-وممتاز-محل.مقابر-شاه-جهان-وممتاز-محل. مقابر شاه جهان وممتاز محل[/caption] ويقال إن العمل في بناء ذلك المبنى قد استغرق مدة اثنين وعشرين عاماً كاملة، حيث اشتغل في تشييده ما يقرب من عشرين ألف عامل، وأنه كلف خزينة الدولة ما يزيد عن 40 مليون روبية. وقضى شاه جهان أيامه الأخيرة في قلعة مجاورة لتاج محل، بعدما ثار عليه أحد أبنائه وفرض عليه الإقامة الجبرية، وقيل إن شاه جهان كان يجلس في شرفة حجرته ويُطيل النظر إلى مكان دفن زوجته، وأنه كان يُمني نفسه بالسكنى بجانبها، وهو الأمر الذي تحقق فعلاً في 1076هـ/ 1666م عندما توفي ودفن إلى جوار حبيبته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image