أقدمت جامعة الأزهر في مصر، هذا العام على إنشاء أول كلية تربية رياضية للبنات في تاريخها، لتتمكن بعد ذلك الفتاة الأزهرية من ممارسة الألعاب الرياضية، بعد أن حرمت منها خلال الفترة الماضية.
اتخذت الجامعة من مدينة الخانكة التابعة لمحافظة القليوبية – إحدى محافظات القاهرة الكبرى – والتي تشمل (القاهرة والجيزة والقليوبية) مقراً لهذه الكلية، وجعلت الالتحاق بها هذا العام من طريق التحويل من الكليات الأخرى التابعة للجامعة.
تقدم ما يزيد على 1500 طالبة نجح منهن 800 طالبة فقط، حسب قول الدكتور أشرف فتحي عبد المحسن عميد كلية التربية الرياضية للرجال في الأزهر، والمشرف على الكلية الجديدة.
فما هي حكاية هذه الكلية الجديدة وهل تنم عن تغيير في تعريف أحد أقدم المرجعيات الدينية في المنطقة لما هو "مسموح" للمرأة؟
الفصل مستمر
يشير عميد الكلية، عبد المحسن، لرصيف22، إلى أن جامعة الأزهر استعانت بعنصر نسائي مختصّ من كليات التربية الرياضية الأخرى، لمساعدة العنصر الرجالي خلال اختبارات اللياقة الصحية والسمات الشخصية. وخضعت البنات لمعايير الاختيار نفسها التي يخضع لها الذكور قبل التحاقهم بكلية التربية الرياضية: اختبار طبي مبدئي على القلب مع قياس الطول والوزن، وفحص لقدرة كل طالبة على مواكبة نشاطات الكلية. يشدد الأزهر على أنه يرغب بالحفاظ على تقاليده، المتمثلة في الفصل بين الجنسين، وعدم لمس الرجل المرأة أو الاحتكاك بها. لذلك، ستقوم النساء بالتدريس في الكلية الجديدة، ككرة اليد والمضرب والمضمار والسباحة والتعبير الحركي والتمرينات، في صالات خاصة ومغلقة. فيما يتولى الأساتذة الرجال من كلية التربية الرياضية – بنين بتدريس المواد النظرية،كعلم الحركة وعلم الإصابات والتشريح والإدارة الرياضية واللغة الإنكليزية والفقه. حظر الاختلاط الفصل هذا بين الذكور بالإناث في سن 12، دفع عزة هيكل أستاذة الأدب والناشطة في حقوق المرأة إلى القول أن ما قام به الأزهر يعتبر تطوراً شكلياً، لأن الجوهر أو المنطق لم يتغير. فما زالت هناك فكرة أن المرأة عليها أن تمارس الرياضة "التي تناسبها"، ما تغير هنا هو فهم ما يناسبها، فتوسع بعض الشيء، ولم تتم مراجعة طريقة التفكير نفسها.ترى هيكل أن الكلية الأزهرية تحد من المفهوم الأشمل للرياضة، وتزيد الفرقة والتمييز بين أبناء المجتمع، لأنها تقوم على الفصل النوعي بين الذكور والإناث والفصل الديني بين المسلم والمسيحي، مشيرة إلى أن الرياضة مثلها مثل الموسيقى والفن لا دين فيها ولا سياسة. وتساءلت: "هل يجوز أن تنشئ الطائفة الكاثوليكية كلية تربية رياضية للبنات على المذهب الكاثوليكي؟ هل المدرّسات الموجودات في كليات التربية الرياضية العامة لا يصلحن لهذه المهمة؟ أم المدرسات سيدرّسن الفتيات الرياضة مع حديث شريف أو آية قرآنية أو فتوى؟".ما قام به الأزهر يعتبر تطوراً شكلياً، لأن الجوهر أو المنطق لم يتغير، فما زالت هناك فكرة أن المرأة عليها أن تمارس الرياضة "التي تناسبها"
وجهة نظر الأزهر: لم لا نُدرس الرياضة؟
ولدت الفكرة حينما طُرح هذا السؤال في الأزهر: يوجد في جامعات مصر كلها كليات تربية رياضية للبنات فلماذا لا تكون في الأزهر أيضاً؟ طُرحت الفكرة، بحسب عبد المحسن، منذ عامين على المجلس الأعلى للأزهر، إلا أنها كانت تؤجّل. ففي الأزهر 10 آلاف معهد ولا توجد فيه مدرسة تربية رياضية واحدة، بالتالي تضطر كلية الرياضة الجديدة إلى الاستعانة بمدرسات من التعليم العام. وقد تزامنت موافقة الأزهر على إنشاء الكلية بعد إعلان وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية في شهر يوليو الماضي، بدء تطبيق برنامج التربية البدنية في مدارس البنات وفق "الضوابط الشرعية"، وذلك تحقيقاً لأحد أهداف رؤية المملكة 2030 في السعي إلى رفع نسبة ممارسات الرياضة في المجتمع. يرى عبد المحسن أن كلية البنات الجديدة ستغطي احتياجات سوق العمل، فخريجة الكلية يمكنها أن تعمل في معاهد الأزهر ومراكز الشباب والرياضة والأندية. تقول مرام خلاف، تلميذة في الأزهر، أنها كانت تتمنى أن يتخذ الأزهر هذه الخطوة منذ زمن بعيد، معربة عن تأييدها مسألة الفصل بين الذكور والإناث في الكلية الجديدة، خصوصاً في المجال العملي. بينما رأت طالبة أخرى تدعى «آيات»، أن الرياضة عمل جماعي لا فرق بين الرجال والنساء فيه، بالتالي لا يوجد شيء يسمى رياضة تناسبها ورياضة لا تناسبها.كلية الرياضة النسائية في الأزهر.. تطور أم تغيير شكلي؟في العادة، ترتدي الفتاة الأزهرية ملابس فضفاضة واسعة خلال تواجدها في الحرم الجامعي، وقد تلجأ أيضاً إلى ارتداء النقاب، فيما ترتدي أخريات الحجاب. هذا الأمر لن يتغير عندما تمارس طالبات الكلية التمارين العملية.
الأزهر والمرأة
ولم يكن اهتمام الأزهر بتعليم النساء وليد هذه الأيام، فمنذ أن اكتسب الأزهر صفته العلمية كمعهد للدراسة النظامية، والمرأة لم تنفصل عن الدراسة فيه. وأظهر الدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر السابق، في دراسة علمية له نشرتها مجلة الأزهر عام 2016 تحت عنوان "الأزهر وتعليم المرأة ماضياً وحاضراً"، أن مجالس العلم في الجامع الأزهر تعددت تبعاً لنوعية الدارسين فيها، فكان هناك مجلس لعلية القوم والعلماء وكبار رجال الدولة، ويسمى (مجلس الخاصة). ويضيف: "كان هناك مجلس للعوام والطارئين على البلد ويسمى مجلس الكافة، وهذان المجلسان كانا للرجال. وفي جوارهما مجلسان للنساء: مجلس يجتمع في الجامع الأزهر بصفة منتظمة، ومجلس آخر لنساء الخليفة وقريباته وخواص نساء القصور ويجتمع في قصر الخليفة، وكان يطلق على الدارسات في مجلس النساء لقب المؤمنات وكن يدفعن رسوماً هي من مال النجوى يتسلمها منهن في الجامع الأزهر داعي الدعاة شيخ الأزهر حالياً". مع تطور الزمن وازدياد عدد السكان، بحيث لم تعد تتسع القاعات الخاصة وساحات المساجد لاستيعاب أعداد كبيرة من طلاب العلم، اتجه الأزهر إلى افتتاح المعاهد الأزهرية وبلغ عدد المعاهد الإعدادية للفتيات، 1433 عام 2012. وكان أول معهد أزهري أنشئ للفتيات هو معهد المعادي عام 1962، فيما بلغ عدد المعاهد الثانوية للفتيات 961 معهداً، تتشعب الدراسة في هذه المعاهد من الصف الأول إلى شعبتين هما الشعبة الأدبية، والشعبة العلمية. في هذه المرحلة تتأهل الطالبات إلى مرحلة الجامعة، وتدرس فيها الطالبات العلوم الدينية والعربية والثقافية. خلال عهد الرئيس جمال عبدالناصر، صدر القرار الجمهوري الرقم (166) لعام 1961، بإنشاء كلية البنات الإسلامية التي شملت أقساماً كثيرة، منها: قسم الدراسات الإسلامية (العقيدة – الشريعة)، قسم اللغة العربية. بعد ذلك توسع الأزهر في إنشاء الكليات الخاصة بالبنات، ومنها كلية الدراسات الإسلامية والعربية في الإسكندرية والسادات، كلية الطب - بنات في القاهرة، والصيدلة والعلوم والأسنان والاقتصاد المنزلي والتجارة وكلية الدراسات الإنسانية بتفهنا الأشراف.خطوة غير مدروسة
يرى أحمد المنزلاوي الكاتب والباحث في العلوم الإنسانية والشرعية، أن هذه الكلية قد تكون خطوة نحو التجديد في الدراسة الأزهرية، سواء كان هذا التغيير ذاتياً من الأزهر أم موجهاً من الدولة لكنها خطوة غير مدروسة، فهناك اختصاصات وعلوم أولى أن نتجه نحوها. وتساءل: "لماذا التربية الرياضية؟ ولماذا البنات بالتحديد؟ لماذا لا تكون كلية للنظم والحاسبات، وتكون واحدة للبنين وأخرى للبنات، الدراسات الإنسانية ليست على ما يرام... مجالات أخرى ستفيد المجتمع والدولة إن توجهوا نحوها". رد عليه الدكتور أحمد زارع الناطق الإعلامي باسم جامعة الأزهر، قائلاً أن إنشاء كلية للتربية الرياضية للبنات ليست بدعة، موضحاً أن الجامعة لديها خطة طموح لإنشاء كليات فنون تطبيقية وحاسب آلي وفنون جميلة، تلبية لرغبات أبناء الأزهر في دراسة هذه المجالات. أما أحمد بان الباحث في شؤون المؤسسات الإسلامية في مصر، فقال لرصيف 22 أن التجديد الحقيقي أن يعود الأزهر إلى اختصاصاته الشرعية، وإلغاء النشاطات الأخرى المتعلقة بالتعليم العام سواء كليات الطب أو الهندسة والاقتصار على تدريس علوم الشريعة واللغة العربية والقرآن والسنّة. وأضاف: "نحن بحاجة إلى مختصّين على قدر عالٍ من الكفاءة والوعي للنهوض بمهمة التجديد التي لم نخطُ فيها خطوات كبيرة حتى الآن، أما الإصلاحات الشكلية مثل كلية التربية الرياضية للبنات، فلن تمضي بنا إلى الأمام".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...