"أصبح لنساء تونس حق حرية اختيار القرين (الزوج)".
جملة لا تزيد عن سبع كلمات كتبتها يوم الخميس سعيدة القراش الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية في تونس، على الصفحة الرسمية للرئاسة في فايسبوك لتعلن بها وبشكل رسمي إلغاء جميع النصوص المتعلقة بمنع زواج التونسية بأجنبي.
لكن الجملة التي تبدو بسيطة سبقها نقاش وجدال ساخن داخل تونس وخارجها استمر لأسابيع منذ أن طالب الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي رئيس الحكومة ووزير العدل، بالتعاون مع مؤسسة الرئاسة، بتغيير نص قانوني يمنع التونسية المسلمة من الزواج بأجنبي غير مسلم. أكد الخبر لوكالة أنباء رويترز "مسؤول حكومي كبير" قائلاً أن وزارة العدل ألغت المنشور الذي كان يقضي بعدم السماح للتونسيات بالزواج بغير المسلمين، ما يعني الحرية التامة للمرأة التونسية في اختيار قرينها.
بداية النقاش...
بدأ نقاش ساخن في تونس بعد حديث السبسي في خطاب تزامن مع العيد الوطني للمرأة التونسية في 13 أغسطس، دعا فيه أيضاً إلى المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة إلى جانب مطالبته بالسماح للتونسيات المسلمات بالزواج برجال غير مسلمين. المنشور الذي قصده السبسي أصدرته وزارة العدل التونسية عام 1973، ويقضي بمنع زواج المرأة التونسية المسلمة بأجنبي غير مسلم، لكن السبسي اعتبر أن الحياة اختلفت وباتت هناك نساء كثيرات يسافرن إلى الخارج سواء للعمل أو للإقامة، بالتالي لا يجوز أن يحكمهمن قانون عمره يقترب من نصف قرن. كان هذا المنشور يشترط تقديم شهادة اعتناق الإسلام على أي رجل غير مسلم، لإتمام زواجه بتونسية مسلمة، وفي حال إتمام الزواج خارج الدولة التونسية من دون هذه الوثيقة، فإن العقد لا يُسجّل في تونس. ويعيد كلام السبسي إلى الواجهة الانقسام الكبير الموجود في تونس وفي بقية الدول العربية حول مدى سيطرة الدين على تحديد شؤون المواطنين. كثيراً ما يصبح الحديث عن دين الدولة هو النقاش الأبرز حين تفكر أي دولة عربية في تعديل أو تغيير دستورها، حدث ذلك في تونس ومصر بعد ما أُطلق عليه حوادث "الربيع العربي"، بدرجة تتفوق على نقاش مسائل تتعلق بحقوق المواطنين أنفسهم. في اتصال هاتفي مع رصيف22، قال الدكتور عباس شومان، وكيل مؤسسة الأزهر الشريف (مقرها القاهرة)، أن ما فعلته تونس يتصادم من دون شك وأحكام الشريعة الإسلامية، مضيفاً أن الازهر يجهز بياناً رسمي للرد على هذا القرار سيخرج خلال ساعات. وتعجب من أن رجال سياسة (في إشارة إلى السبسي) يحددون ما يصح وما لا يصح في المسائل الدينية. وكان الأزهر أصدر في أغسطس الماضي بياناً رسمياً رفض فيه أن تُناقش قضايا دينية محسومة في تونس، من ضمنها مساواة المرأة في الميراث أو زواج المسلمة بغير المسلم. وكي لا يعرّض الأزهر الحكومة المصرية لحرج، أضاف في البيان أنه لا يتدخل في شؤون أحد ولا في سياسة دولة ما، لكنه "يقوم بدوره الديني والوطني الذي ائتمنه عليه المسلمون عبر القرون" على حد تعبير البيان. بعد صدور القرار بساعات، أصدرت دار الإفتاء في مصر (مؤسسة دينية حكومية مقرها القاهرة) بياناً أرسلته إلى الصحافيين يرى أن زواج المسلمة بغير المسلم يتعارض والدين الإسلامي. استشهدت الدار على ذلك بآية قرآنية من سورة المائدة تقول "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ" شرحت الدار في بيانها الآية مؤكدة أن "وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ" تعني أنه يحل لكم أن تطعموهم من طعامكم؛ للتنبيه على أن الحكم في الذبائح مختلف عن الزواج؛ فإن إباحة الذبائح حاصلة في الجانبين، بخلاف إباحة الزواج فإنها في جانب واحد؛ أي إن زواج المسلم كتابية مباح، لكن لا يحل للكتابي أن يتزوج بمسلمة. وأضافت الدار أنه لو جاز ذلك لكانت للزوج غير المسلم ولاية شرعية على الزوجة المسلمة، والله لم يجعل لغير المسلمين على المؤمنين سبيلاً شرعياً، بخلاف إباحة الطعام على حد تعبيرها. واعتبرت أن المسلم مسموح له أن يتزوج بمسيحية أو يهودية فقط، وهي الأديان الإبراهيمية أو السماوية، دون باقي الأديان، كالبوذية.القوانين مهمة في بلاد فيها طوائف عدة
يقول المحامي محمد قاعود لرصيف22، أن القرار الجديد في حال التصديق عليه بشكل رسمي في تونس سيصبح قوياً، ومع الأيام سيمسي هو المرجع الحقيقي للتونسيين حتى لو كانت هناك أصوات معارضة له حالياً. ويرى قاعود أن الأمر قد يتكرر في دول إسلامية أخرى في الفترة المقبلة، ففي النهاية أي نص يتعارض والحياة الحديثة يجب تطويره حتى يتوافق مع الظروف العصرية الجديدة "وللمناسبة هذه قاعدة لا تتعارض والدين"، يقول قاعود. "ناقش الإسلام أموراً مثل الزواج والميراث بشكل عام، فلا مانع من أن تناقش تفاصيلها المجتمعات وتضع قواعد جديدة لها تسهل حياة الناس"، يرى المحامي. أهمية هذا النوع من القوانين بحسب قاعود هو أن مواطني الدول العربية ليسوا مسلمين فقط، بل هم خليط من معتقدات وطوائف عدة، لذلك يجب أن ينظم القانون تفاصيل الحياة فقط حتى لا تحدث مشكلات طائفية.جدال على وسائل التواصل الاجتماعي
مستخدمون كثر اعتبروا القرار انتصاراً للمرأة، وكتب مستخدم "مبروك لنساء تونس في تكريس حق حرية اختيار القرين". لكن، في المقابل انتشرت تغريدات معارضة القرار، منها ما كتبه مستخدم "لا يوجد شيخ يتقي الله في تونس ويكفّر السبسي الذي يتدخل في تشريعات الدين المنصوص عليها؟". من النجوم الذين أشادوا بالقرار الإعلامي والطبيب المصري باسم يوسف الذي كتب تغريدة عبر حسابه في موقع Twitter جاء فيها "ألف مبروك لتونس تعديل قرارات الزواج والمواريث... طز في اللي مش عاجبه ويا رب تطقوا. الإجابة دائماً تونس".أخيراً...
تتمنى نساء عربيات كثيرات أن يحصلن على حقوقهن، وأن يصبح لهن حقوق الرجال نفسها... لكن، هل يصبح أمر شخصي بحت مثل الزواج قراراً في يد صاحبه أو صاحبته؟ الأمر قد يكون صعباً في جزء من العالم تعاني نساء فيه من عدم قدرتهن على قيادة سيارة حتى الآن.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...