تضع بعض الحالات الاجتماعية النساء في قوالب معيّنة وتفرض عليهن مسميات تعمل على تنميطهن واختزالهن في صفات محددة. ويظهر ذلك جلياً في طبقات المجتمع المصري المختلفة.
فالمرأة العازبة التي تتجاوز سناً معينة بلا ارتباط تصبح عانساً، وهي صفة تفترض مباشرة أن عدم زواجها ليس خياراً بل هو فشل في العثور على شريك، وتفترض أيضاً أنها في حالة البحث عن زوج.
أما المرأة التي توفي زوجها فتفقد كيانها في نظر الكثيرين، وتصبح أرملة فلان، ويصبح الافتراض أنها ستمضي عمرها حزينة عليه، فيما يعتبر الآخرون أن ارتباطها بآخر "خيانة لذكراه" خاصة إذا كان لديها أولاد.
وإذا سمحوا لها بالارتباط فيحددون خياراتها برجل متزوج سابقاً أو لديه أطفال من زواج سابق يحتاجون لرعايتها.
وللمطلقة خانة أيضاً إذ يعتبرها المجتمع متاحة للعلاقات العابرة، ما يضع عليها ضغطاً مضاعفاً لإثبات حسن سيرها في محيطها الذي يحاسبها بقسوة.
وقد بقيت عبارة "أبحث عن علاقة جديّة مع مطلقة" محط سخرية عدد كبير من الرجال الذين يستخدمون العبارة كمدخل لعلاقات جنسية عابرة. فالمطلقة في الكثير من طبقات المجتمع المصري، لا سيما المحافطة أو الأقل تعليماً فيه، ليست الخيار الأول للرجل العازب الذي يبحث عن عروس يرتبط بها، ما لم يكن قد تزوج هو سابقاً.
في المقابل، لا يعيب الرجل طلاقه، ولا يمنعه من الارتباط بفتاة لم ترتبط سابقاً، أو بنت، كما يسميها المجتمع، كدلالة على عذريتها وعدم خوضها تجارب جنسية سابقة.
إلا أن هناك من يقول أن السنوات الأخيرة شهدت بعض التغيير في معنى هذه الجملة.
فقد شهدت المواقع والتطبيقات المخصصة للبحث عن شريك إقبالاً من الشباب، غير المتزوجين تحديداً، على الزواج بمطلقات.
فما الذي تغير؟
لماذا المطلقة؟
تقول شيماء إسماعيل، خبيرة العلاقة الأسرية، لرصيف22، أن كثيراً من الشباب لم يعد يمانع الزواج من مطلقة كما في السابق، خاصة عندما تكون "حب حياته" وفشلت زيجتها الأولى فلا يضيع الفرصة للارتباط بها عقب الطلاق، أو حتى إذا كانت زميلة له في عمل أو إحدى قريباته ويعاصر أزمتها في الزواج الأول ويشعر بمقدار الظلم الذي تعرضت له.
"لدينا حالة طلاق واحدة كل 6 دقائق أي 10 حالات كل ساعة أي 240 حالة كل يوم، أغلبها بسبب سوء الاختيار وعدم التوافق، أي انتهى زمن اتهام المرأة بأنها المخطئة و بتاعت مشاكل أو مبتعمرش في بيت"، تقول إسماعيل.
وتضيف أن من الأسباب المهمة أيضاً أن المطلقات أنفسهن أصبحن أكثر ثقافةً وتقبلاً لذواتهن وانفتاحاً على المجتمع، فلم تعد نظرة المطلقة الدونية لذاتها وخجلها من وصمة الطلاق موجودة بل أصبحن يعقدن مبادرات وحملات وحتى منظمات مدنية للقول إنهن لسن أقل من غيرهن شأناً.
واستطردت: "أقابل حالات كثيرة ترفض المطلقة فيها، أو أهلها، الزواج من شاب عازب، خوفاً من المعايرة أو الاستغلال المادي في ما بعد أو زن أهله".
جانب اقتصادي مؤثر
يقول سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، لرصيف22 إنه يلاحظ بحث بعض الشباب عن امرأة مطلقة بالتحديد لإرضاء رغبات لديه.
يعلل ذلك بأسباب مختلفة، منها بحث بعض الرجال عن امرأة لديها خبرة جنسية، وهو أمر لا يمكن توقعه من المرأة خارج إطار الزواج في معظم طبقات المجتمع المصري. ويفترض آخرون أن المرأة التي تمر بتجربة غير ناجحة ستكون أكثر حرصاً على الحفاظ على تجربتها الثانية، وستهتم بابقاء الاستقرار في بيتها وعلاقتها.
بل تصبح هذه المرأة كالكنز في نظر الرجل، بحسب صادق، إذا كانت صغيرة في السن وليس لديها من زواجها الأول أطفال.
"ويزيد الإقبال عليها مع امتلاكها أموال أو ميراث أو مشغولات ذهبية وخلافه"، يضيف صادق.
هذا التغير في الاختيار ليس بالضرورة إيجابياً أو انعكاساً لتغير نظرة الرجل الذي يختار الارتباط بمطلقة، فهو لا يراها كغيرها من النساء، فقد يكون دافعه، بحسب صادق، شعوره بأنه ذو أفضلية عليها.
"بمعنى أنها ملهاش عين تتشرط أو تطلب مثل البنت البكر من شبكة وهدايا وشقة تمليك وحتى العفش"، يضيف صادق.
لم يعد الكثير من الشباب يمانع الزواج من مطلقة كما في السابق خاصة عندما تكون حب حياته وفشلت زيجتها الأولى
لدينا حالة طلاق واحدة كل 6 دقائق، أي انتهى زمن اتهام المرأة المُطلقة بأنها المخطئة و "بتاعت مشاكل"
وقد يشترط هنا الرجل أن تتولى المرأة الإنفاق على البيت أو قد يمتنع عن تقديم متطلبات الزواج في مصر، من مهر أو مجوهرات ذهبية (الشبكة) وهذه عادة يعيرها المجتمع المصري أهمية، وتعكس قيمة المرأة في نظر محيطها وأهلها.
يقول صادق إنه يرى تغيراً في التمسك ببعض تقاليد الزواج الموروثة، موضحاً أن الظاهرة ليست جديدة، بل أخذت في دخول طبقات المجتمع مند مطلع السبعينات مع انتشار نمط اقتصاد رأس المال، لكنها تدرجت من الطبقات العليا للطبقات الأقل دخلاً وتعليماً.
ويضيف: "كنت أجري بحثاً ميدانياً، وفوجئت بإقبال أغلب الرجال المصريين على الزواج بسيدة غير عذراء إذا كان لديها شقة أو أموال، وفضل أغلبهم أن تكون فقدت عذريتها خلال زواج رسمي أو عرفي فيما لم تشترط البقية ذلك".
عن التجارب المختلفة
احتاجت سمر شحاته، 35 عاماً، لمن يشجعها على قرار إنهاء زواجها الأول الذي وصفته بالمأساة، فوجدت الدعم ممن أصبح لاحقاً زوجها الجديد.
تقول لرصيف22: "كان زملائي بالعمل يشاركونني في الأزمات، أحدهم تقرب مني كثيراً وكان ينصحني بالطلاق".
لم تتعجب عندما تقدم للزواج بها فور طلاقها. لم يبالِ بخانة "حالتها الاجتماعية" التي كُتب فيها مطلقة، ولم يبخسها حقها، فكتب الشقة باسمها وأعطاها مهرها وشبكتها.
تستطرد ضاحكةً: "بعد 10 سنوات من الزواج لم تمضِ الأمور كما نتمنى دائماً طبعاً، لكن عندما يحدث مشكلة يحمل أشياءه ويترك لي منزلي".
أما ابتسام سمير، 33 عاماً، فتصف تجربتها "بالمؤسفة" وتقول: "عقب طلاقي من زوجي الأول تقدم لي الكثيرون، منهم من يريدني زوجة ثانية أو أن أربي أبناء من زواج سابق، وكنت أرفض، وعندما تقدم لي زوجي الثاني كان عازباً لكن ظروفه المادية ليست ميسورة".
تبكي قليلاً وتضيف: "فكرت أنه سيقدر قبولي به وتحمل ظروفه والوقوف إلى جانبه… لم أطلب مهراً أو شقة أو حتى مؤخراً، وكل هذا كان خطأً".
تقول إن الطلاق كان النهاية الطبيعية لزواجها الثاني.
زوج إيمان علي، 29 عاماً، لم يكن كزوج ابتسام، فقد أحبها وقدّرها حينما ارتبط بها بعد طلاقها الأول، بحسب قولها، لكن المشكلة كانت في أهله وفي ضعفه وعدم قدرته على مواجهتهم.
تقول لرصيف22: "ضعفه وصمته تجاه معايرة أهله لي بأني مطلقة وأن ابنهم يربي طفلاً لرجل آخر، رغم أني كنت أنفق عليه حتى في الأكل والشرب، لم يكونا محتملين". فوقع الطلاق.
حياة طبيعية أكثر؟
من الصعب القول إن كان التمييز بين المرأة المطلقة، سواء كان في تفضيلها أو ذمها، هو مصلحة لأي طرف في المعادلة. فالوضع المثالي هو أن يكون أساس الاختيار شخصية المرأة وكيانها، بغض النظر عن وضعها الاجتماعي.
فلا يزيد من فرصها الطلاق السابق ولا ينقصه.
إلا أن خبيرة العلاقة الأسرية، شيماء إسماعيل، ترى في هذا التغيير مصلحة للمرأة إذ يحثها على إنهاء زواج غير ناجح من دون الخوف من الوصمة التي قد تلحق بها إذا أصبحت مطلقة، والخوف من العثور على شريك جديد في المستقبل.
وتضيف: "أصبحت فرص المرأة في بدء حياة جديدة مرتفعة، وخاصة مع تعدد مزاياها من وعي وثقافة واهتمام بالذات والمظهر والرغبة في تخطي الماضي، حتى إذا ما اتضح أن الشريك الجديد سيئاً، فلن تمانع من طلب الطلاق مجدداً".
ويرى صادق أن الجانب الإيجابي لهذه الظاهرة هو أن كثيراً من الرجال كانوا يهددون زوجاتهم بالطلاق، استناداً، حسب اعتقادهم، إلى أن "مين هيرضى يتجوز واحده مطلقة ومعاها عيال".
غير أن تغير المفاهيم جعل الأمر مقبولاً بل أحياناً يُقبل العازب على المطلقة أكثر من الفتاة البكر التي تأخر زواجها وأصابتها "العنوسة" كما يطلق عليها البعض.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...