شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
السؤال الصعب: متى نعرف أن الوقت قد حان للتوقف عن زيارة المعالج النفسي؟

السؤال الصعب: متى نعرف أن الوقت قد حان للتوقف عن زيارة المعالج النفسي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 18 سبتمبر 201711:58 ص
للباحث عن نصائح في مجال الطب النفسي مروحة واسعة من الأبحاث والمقالات العلمية والمنتديات التي تفيده. "العلامات التي تدل على الحاجة لمعالج نفسي"، "كيفية تشخيص الحالة النفسية" وأمور كثيرة أخرى تتعلق بتوقيت البدء بالعلاج والعلاقة مع الطبيب النفسي وتكلفة العلاج المرتفعة في بعض الدول... ولكن. ليس هذا هو الحال للباحث عن "توقيت إنهاء العلاج"، وبمعنى آخر عن إجابة منطقية لسؤال "متى نعرف أن الوقت قد حان لإنهاء العلاج النفسي أو التوقف عن زيارة المعالج؟". يشكو البعض من طول فترة العلاج بينما يغرق آخرون في منطقة الراحة (Comfort zone) فيؤجلون التفكير بإنهاء العلاج. يضيع كثر في تلك المساحة الرمادية بين راغب بالوصول إلى خواتيم العلاج وبدء الحياة "الطبيعية" الموعودة وبين متوجس/ خائف من قطع حبل السرة الحميمي مع غرفة بأربعة جدران كان قد حفظ تفاصيلها وألوانها، ومع وجه بات مألوفاً بعدما أدخله إلى خبايا نفسه من دون أن يبادله بأية أحكام. بعض ممن كتبوا في هذا المجال يعترفون بصعوبة تحديد وقت النهاية، لا سيما مع أولئك الذين يتابعون العلاج النفسي على المدى الطويل. هذه الصعوبة تقتضي، وفق الباحثين، العمل على تعزيز الوعي حول الأمر، وهي مسؤولية مشتركة بين المريض والمعالج. وهنا النقاش يفترض النظر في الجانب العلمي للمسألة، وليس جانبها المادي الذي يدفع معالج ما لإقناع مريض ما بضرورة الاستمرار بالعلاج طمعاً بالبدل المالي، الباهظ في أحيان كثيرة. هذا السؤال يتوارد إلى ذهن من يعيش في مرحلة علاج طويلة الأمد، إذ يداهمه الشعور بأن هذه العلاقة (مع المعالج) لا نهاية لها، سواء شعر بذلك إيجاباً أو سلباً. وإن كان لدى البعض الوعي الكافي ليمسك اللحظة حين تحين لإنهاء العلاج، إلا أن الغالب الأعم يبقى الصعوبة في إدراك متى تحين تلك اللحظة.

فكيف ندرك أن الوقت قد حان؟

تقدم المعالجة النفسية والباحثة كارول غولد بعض النصائح والملاحظات لتسهيل الإجابة عن هذا السؤال: 1- بالنسبة لبعض الناس، تشكل أزمة ما تعترضهم الحافز الأساسي الذي يدفعهم للعلاج. وبعد حل الأزمة، يستمر العديد منهم في العلاج بهدف معالجة القضايا التي أسهمت في تشكيلها. هذه عملية تستغرق عادة ما لا يقل عن سنة، وغالباً ما تكون أطول. برأي غولد، عندما يفقد الشخص الشعور بحيوية الجلسة مع المعالج، وعندما يفقد الأخير قدرته على "تسديد اللكمات" التي تجعل الشخص يستفيق أو ينتبه لتفاصيل معينة، من المفيد حينها بدء النقاش بين الاثنين حول اقتراب النهاية، وهو نقاش مطلوب تمهيداً لتأسيس أرضية جديدة. وتركز المعالجة على أهمية النقاش الصريح حول هذا الموضوع، والذي يُشكل شعوراً أصلب بالأمان لدى الشخص. وعلى هذا النقاش أن يأخذ وقته الكافي، كي لا يتم إنهاء العلاج بطريقة غير ناضجة. والجميع يعرف أن الاهتمام برسم النهايات يلعب دوره في التأسيس لبدايات جديدة. 2- العديد من الأشخاص يعودون للعلاج النفسي في فترات مختلفة من حياتهم، تتزامن مع وقوع أحداث مفصلية كترك المنرل أو الوظيفة والزواج وإنجاب الأطفال والمرض وحالات الوفاة… ويعودون أحياناً بعدما تعاود مشكلة محددة، كانوا قد عالجوها سابقاً، بالظهور مجدداً. تشرح غولد ذلك باعتبار أن النفس البشرية هي بئر عميق من المشاعر والذكريات والأفكار، التي تُستنفر من خلال ما يحدث مع الشخص في حياته، وكذلك من خلال علاقته بالمعالج النفسي. هكذا يعتاد الشخص على ديناميكية تلك العلاقة، وعلى عنصر الأمان الذي يُشعره به المعالج في مواجهة استنفار مكونات هذا البئر، فيعتقد أن تلك العلاقة ستدوم للأبد، في حين لا يتم تحضيره نفسياً لاحتمالات أخرى. في المقابل، نجد من يصل إلى مرحلة يشعر فيها بأن ما يأخذه من تلك الجلسات بدأ بالتضاؤل، فيصيبه الشعور بالملل ويقرر الانسحاب، أو يدرك أنه بات جاهزاً لمواجهة الحياة وحيداً. وهنا تقول غولد إن القرار بشأن إنهاء العلاج يجب أن ينبع من المريض، ثم يتم الاتفاق عليه مع المعالج، بعد أخذ فترة من النقاش حول الموضوع. مع العلم أن قرار الإنهاء الواعي والذي يأتي نتيجة تصميم مسبق يُعدّ تجربة كثيفة عاطفياً وقوية نفسياً، فهذا الإنهاء يعني ختم علاقة حميمية ومهمة في حياة الشخص. 3- ما لاحظته غولد كذلك، هو أن بعض الأشخاص، وبعد مرور أشهر على العلاج، يتحججون بظهور مشاكل مالية وبازدحام جدول مواعيدهم أو بمشاكل لوجستية أخرى لوقف العلاج. صحيح أن هذه المشاكل تحدث وتلعب دوراً مؤثراً في قرار الشخص بوقف العلاج، ولكن المشكلة تكمن حسب تجربة غولد في بدء الشعور بالتعلّق بالمعالج، وهذا التعلّق يثير الخوف لدى من يحملون تروما منذ الطفولة أو من مروا بتجارب خسارة مؤذية. ومن دون الوعي لمثل هذا العامل المؤثر، يسعى هؤلاء للبحث عن حجج أخرى هرباً من "الخوف" الذي يلاحقهم، وبالتالي يؤثرون الاعتماد على أنفسهم. هنا تأتي وظيفة المعالج لمعرفة أسباب القرار الحقيقية، والعمل على تذليل مثل تلك المشاعر، وتحويل مشاعر التعلق إلى أرضية سلام وأمان بدل كونها أسباب خوف وقلق.

"المريض" و"الطبيعي"

إضافة إلى ما أوردته غولد، يبرز تفصيل آخر يتعلق بحجم التوقعات من العلاج النفسي، واعتباره أحياناً كسحر يحولنا من شخص "مريض" إلى آخر "طبيعي" مستعد لمواجهة العالم. مع مرور الوقت، يبدأ الشخص بالشعور أن الأمور لا تتغير بالشكل المطلوب، فتمتد فترة العلاج باعتبارها ملازمة لمشاكل الحياة التي لا تنتهي.
في هذا الإطار، كان الباحث كارل روجرز قد كتب في الستينات (1963) متسائلاً عن "نقطة النهاية" المثالية للعلاج، ما مفاده:
"أعتقد أن الفكر الشائع يكرس نظرية أن الشخص الذي أكمل علاجه النفسي قد بات ملائماً للمجتمع. ولكن أي مجتمع؟ هل ينطبق هذا على أي مجتمع، أياً ما تكون خصائصه وظروفه؟ لا يمكن أن أقبل بذلك. أعتقد أن النظرية، المبطنة في الكتابات السيكولوجية، تفيد أن العلاج الناجح هو الذي ينقل الإنسان من الحالة المصنفة مرضية إلى الحالة المصنفة طبيعية. ولكن الأدلة تتراكم على أن عدم الاتفاق حول الفئات المرضية يفقدها المعنى كمفاهيم علمية. وحتى لو أصبح الشخص (طبيعي)، فهل يمكن اعتبار ذلك نتيجة مرضية للعلاج؟" يشرح الباحث ستيفن جوزف في مجلة "سيكولوجي توداي" نظرية روجرز قائلاً إن النقطة المفترضة التي يكرسها علماء النفس هي النمو الشخصي وامتلاك ملكات التصرف بشكل فاعل، وتحقق ذلك بالنسبة لهم يعني أن الشخص قد وصل إلى النضج النفسي المطلوب وأصبح جاهزاً للانفتاح على التجارب. ولكن ذلك، وفق روجرز، هو نقطة أكثر من مثالية للسعي وراءها، وقلة منا من يطالها. وعليه من المهم معرفة أن هذه النقطة هي خلاصة الحياة كاملة، وعلى العلاج أن يتدخل في محطاتها، شديدة الصعوبة، فقط. عموماً لكل شخص السرعة الخاصة به لتحديد من يكون ومن يريد أن يكون، وتكمن قدرة الطبيب النفسي على توجيهه نحو هذه السرعة لا دفعه للذهاب أسرع مما يممكن.

احذروا طمع الطبيب كذلك

يلفت إلى هذه النقطة تقرير سابق، نشرته صحيفة "الاندبندنت"، فيه شهادات للعديد من الأشخاص الذين أرادوا ترك جلسات العلاج، لكن أطباءهم لم يوافقوا وأصروا مراراً على أنهم غير جاهزين. وقد تنوعت وسائل إقناعهم من أجل البقاء بالتأكيد على أن الشخص غير جاهز لمواجهة الحياة وحيداً، في حين أخبروه سابقاً أنه قام بتحسن ملحوظ، أو بمحاولة استدعاء مشاكل من حياة أحدهم وتضخيمها للتدليل على أنه ما زال بحاجة للعلاج. بطبيعة الحال هناك الجيد والسيء بين الأطباء. والقسم الثاني منهم قد يجد صعوبة في ترك مصلحته الشخصية والعاطفية والمالية خارج غرفة العلاج. وقد لا ينتبه المرضى عندما يتجاوز أحد الأطباء الخطوط الأخلاقية لوظيفته، فيحاول أن يقنع مريضه بأنه بحاجة لمزيد من الجلسات، التي يصل سعر الواحدة منها إلى مئة دولار وأكثر.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image