شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كيف نتخلص من ذكرياتنا الأليمة ونتمسّك بالجميلة منها؟

كيف نتخلص من ذكرياتنا الأليمة ونتمسّك بالجميلة منها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 15 سبتمبر 201702:53 م
"رجعتني الذكريات للي فات من حكاية لحكايات... وافتكرت سنين بعيدة مش سعيدة...". استحضر عبد الحليم وجع الذاكرة في أغنية له تعبّر عن وقع الذكريات في حياتنا وتأثيرها على عقولنا وسلوكنا. ومثله كثر من الشعراء والمطربين كتبوا وغنّوا الذكريات، فمنهم من مدحها وجمّلها، مصوّراً أنها أحيت فيه أياماً ومشاعر جميلة أنعشت حواسه، ومنهم من تمنّى لو أنه قادر على تحقيق "نعمة النسيان" وتخطي ذكريات الألم التي عاشها، والتي يكون أحياناً وقعها مدمّراً على حاضر الإنسان ومستقبله. لكلّ منا ذكرياته الحلوة التي يركن إليها سرّاً فتنسيه ضغطاً حالياً يعيشه. لكن هناك زاوية أخرى في الذاكرة يكون العبث فيها خطيراً، فهي تحمل وجعاً نائماً نحاول نسيانه أو تخطيه. هل نحن قادرون على ممارسة فعل "تصفية الذاكرة" فنبقي الجميل منها ونرمي المرّ أم أننا محكمون فيها بقية العمر؟ via GIPHY

الذكريات المرّة تؤثر فينا أكثر؟

العلم يحسم: الذكريات الجميلة سهلة النسيان أكثر من تلك المرّة. أثبتت تلك النظرية العديد من الدراسات والأبحاث العلمية، التي أعادت السبب إلى أن الإنسان يتذكر الألم أكثر من الفرح كوسيلة لحماية نفسه من تكرار التجربة القاسية مرّة أخرى. أن تتذكروا بحرقة الرحلة التي لم تلحقوا بها سيساعدكم على الوصول إلى المطار في وقت مبكر المرّة المقبلة! صحيح أن التذكّر فعل انتقاء، وأن الشخص قادر على تناسي الأمور التي تزعجه بوسائل عديدة. فهناك أشخاص يختارون عدم التحدث عن ذكرياتهم الأليمة معتقدين أنها ستدفن مع الوقت. وآخرون على العكس يفضلون التعبير عنها بالكلام أو الدموع والصراخ. وهناك أشخاص يصبحون أسرى تلك الذكريات الأليمة، فيصعب عليهم الإدراك أن مكانها هو الماضي وليست فعلاً حاضراً اليوم، فيعيدون تكرارها حتى لو اختلفت وجوه أبطال القصة لكن الأحداث تبقى مماثلة. وللذكريات أشكال عدّة، أبرزها الحنين، الذي يعتبره الروائي غبريال غارسيا ماركيز فعلاً ذهنياً يجمل الألم في الذكرى ويحملها إلى ذكرى جميلة. ولعلّ ذلك يثبت قدرة الإنسان على التحكم حتى بكيفية الحكم على ذكرياته، فله الاختيار بين أن يترجم أي حدث في حياته إلى ذكرى مرّة تسبب له الألم كلما رأى أو سمع أو شعر بأي شيء يذكره بها، أو إلى فكرة منعشة لروحه. وهنا تكمن أهمية تصفية الذاكرة، التي يتحدث عنها علماء النفس، متعبرين أن من شأنها أن تساهم في خلق هالة من الإيجابية حول الشخص، إيجابية تجعله يستمتع بتذكر الجميل والنظر إلى المرّ على أنه باب أغلق ليفتح آفاقاً التجدد. تعتبر دراسات عدة أن فعل التذكر أساسي في تحصين الأشخاص من الأمراض النفسية والجسدية، وأن السيطرة على الذاكرة تحميهم من الوقوع في الكآبة المرضية أو القلق المزمن أو الضعف في الشهية، وغيرها من الأمراض. فقد أشارت دراسة حديثة إلى أن المصابين بالكآبة المرضية عرضة لتذكر المرّ أكثر من الجميل. وذلك يؤثر على نظرتهم الذاتية أولاً، نظرة تصبح أكثر ميلاً إلى السلبية والسوداوية، وبالتالي النظرة إلى الآخرين الذين يتحولون إلى مصدر سوء أو نهايات حتمية مزعجة. أما الأشخاص الإيجابيون عموماً فهم الذين يستعينون بذكرياتهم الجميلة للهروب من موقف مزعج يمرّون به حالياً.

 هل نستطيع التحكم بذكرياتنا وبماضينا؟

لكلّ حدث طيبه ومرّه... عبارة لا يختلف عليها اثنان. حتى الأمور الأشد صعوبة إن نظرنا إليها بعين مجرّدة من صور الضحية أو الجلاد، رأينا أنها كما سببت لنا الحزن والألم، كانت في مكان آخر، سبب فرح حاضر أو أمل لمستقبل أفضل. وبالتالي النظر بعين إيجابية إلى سلوكنا اليومي وأحاديثنا وأفعالنا التي ندرك تماماً أنها ستصبح في الغد القريب ذكريات، يعطينا دافعاً أكبر في المساهمة في تغليفها بكل ما هو إيجابي. فهي ليست فقط رصيدنا بل هي المحرك الأساسي لأي فعل سنقوم به في المستقبل. وللذاكرة لون ورائحة وملمس وصوت وإحساس. أحاسيس تستيقظ فينا كلما وُجدنا في مكان حمل ذكريات عشناها. عن حب انتهى. أو صداقة أصبحت منسية. أو ضحكات لم تعد موجودة. كلها كانت حاضراً عشناه وكنا حاضرين فيه لكن السؤال الأهم: هل كنا مدركين أنه سيبقى ساكناً فينا أم أن النسيان هنا ليحمينا؟ هل نستطيع بالتالي التحكم بماضينا لنعرف ماذا يخبئ المستقبل لنا؟ مجرّد إدراك ذلك يعطينا السلطة على ذكرياتنا ويجعلنا حاضرين بسلوكنا لتحصينها. لكن الحياة لا تختصر بالأوقات الحلوة فقط. فهناك أمور تخرج أحياناً عن سيطرتنا وتسبب ألماً مثل الموت والمرض والفراق وأمور أخرى لا ننساها بسهولة، أو لا ننساها أبداً، حتى تمنعنا أحياناً من الشعور بالسعادة من جديد.

كيف السبيل إلى تصفية ذكرياتنا إذاً؟

العقل الباطني يتذكر كل شيء. ليس السيئ فقط بل الجميل أيضاً، ويترك للشخص بأن يختار بإرادته ما الذي يرغب في تذكره. فماذا لو قررتم أن تتذكروا الجميل في كل تجربة مررتم بها؟ ماذا لو عوّدتم أنفسكم على الإيجابية في النظر إلى الماضي بدلاً من الشعور بالحسرة على أمور فعلتموها وأخرى ترددتم في فعلها؟ إليكم 5 نصائح تساعدكم على التركيز على إيجابيات الذاكرة للتخفيف من وجع الذكريات المرّة:

1 – كونوا حاضرين بأحاسيسكم

via GIPHY أن تدركوا أن دماغكم كالاسفنجة يمتص كل شيء ولا يستثني شيئاً، خطوة أولى للتأكد أن في داخلكم كمية من الإيجابية توازي ربما الذكريات السلبية. ما يعني أنكم تستطيعون تذكر الجميل في كل تجربة مررتم بها لتنعشوا دماغكم فتعرفوا أنكم أنتم صناع الذكريات في حياتكم ولا تتكدس رغماً عنكم. فإن كنتم ممن يتحسرون على علاقة عاطفية انتهت أو وظيفة مهمة لم تحصلوا عليها، حاولوا تذكر الأوقات الجميلة في تلك العلاقة وليس المرة فقط، أو الطموح الذي تتمتعون به للتقدم لتلك الوظيفة.

2 – لا تهملوا الحاضر من أجل المستقبل

via GIPHY لعلّ ذلك من أهم العوامل التي تجعل الأشخاص تعساء. هل أنتم ممن يسكتون عن تصرف مؤذٍ أو إهانة من آخر لتكسبوا شيئاً في المستقبل؟ علاقة؟ اعتذار أو غير ذلك؟ أنتم بذلك، دون أن تدروا، تغرزون السكاكين في ذاكرتكم، فالمستقبل ليس مضموناً ولا الأشخاص. الشيء الوحيد الذي يشكل لكم ضمانة هو أنفسكم، فلا تسمحوا بسوء المعاملة من أحد كي لا تساهموا بسكوتكم في تحوّل تلك الأفعال إلى ذكريات مرّة.

3 – دللوا ذاكرتكم بالرغبات

via GIPHY لن تستمتعوا بتذكر الأيام المتشابهة، تلك التي تبدأ وتنتهي بالعمل والواجب والضغوط. لذلك أكثروا من فعل الأمور التي تحبونها والتي تعرفون أن ذكراها سوف تفرحكم... غنّوا. حبّوا. مارسوا هواياتكم المفضلة ولو كانت بسيطة. لا تعطوا أولوية للأمور التي تزعجكم على حساب الأخرى الجميلة. حاولوا خلق توازن بينهما، وإن استطعتم اكثروا من الأخيرة!

4 – ارفضوا دور الضحية

via GIPHY كونوا مسؤولين عن أي أمر يحدث لكم سواء كان جيداً أم سيئاً. لا تدعوا الأمور تؤثر فيكم، لأن ذلك سوف يتحوّل إلى ذكريات مرّة يكون ألمها مضاعفاً، إذ تشعركم بالعجز. استخدموا حريتكم بالاختيار واعترفوا أنكم شركاء في كل ما حدث ويحدث لكم.

5 – اشعروا بالامتنان دوماً

via GIPHY مارسوا فعل الامتنان لما حققتم وما أنتم عليه اليوم عوضاً من أن تركزوا على السيىء الذي حمله الماضي لكم. ليس صحيحاً أنكم عاجزون أمام الماضي، لأن كل يوم حاضر هو مشروع ماض، أنتم القادة والمسؤولون الأساسيون فيه. زيّنوا ماضيكم بالإيجابيات لتصبح ذكرياتكم زهرية تحصن حاضركم ومستقبلكم.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image