لا يمكن لكل هذا الخوف والتخويف من القنبلة النووية ألا يُقابل بتساؤل حول ما يحمله من مبالغة، لا سيما وأن الجميع متفق على أن السلاح النووي وظيفته الردع أكثر من الاستخدام المباشر. وبعد ناكازاكي وهيروشيما، ليس ثمة ما يشير إلى نية أحدهم الجدية باستخدامه، حتى كوريا الشمالية التي جربت القنبلة الهيدروجينية الأسبوع الماضي.
مع ذلك، ينشغل العلماء بدراسة ما إذا كان البشر مستعدون لمواجهة آثار حرب نووية مدمرة.
ويلرستاين ومخبأ "بيندار"
يؤرق هذا الأمر الباحث في معهد ستيفنز للتكنولوجيا في ولاية نيوجيرسي أليكس ويلرستاين. يشتكي في تحقيق لـ"بي بي سي" من أن "الحماية المدنية كانت تهيمن على نقاشات الناس إبان الحرب الباردة، حين شكّل الخوف من الهجوم النووي جوانب الثقافة الشعبية السائدة آنذاك، وخيم على الموضوعات السياسية أيضاً"، موضحاً أن الأمر قد اختلف الآن، فـ"نحن لا نتحدث كثيراً عن الهجمات النووية أو تبعاتها، وهذا الأمر ينبغي أن يتغير".
صحيح أن "احتمالات اندلاع حرب نووية أو قيام دولة خارجة عن القانون أو جماعة إرهابية بشن هجوم نووي محدود، ضئيلة إلى أبعد الحدود في الوقت الراهن"، حسب ويلرستاين، إلا أن الاستعداد تحسباً لوقوع هجمات من هذا القبيل لا يزال مهماً. ويذكر الباحث أنه لا يزال هناك نحو 15 ألف سلاح نووي في الوقت الراهن حول العالم، تمتلك غالبيته روسيا والولايات المتحدة. واتفق زعماء كلا البلدين مؤخراً على أن العلاقات بين البلدين بلغت أدنى مستوياتها إلى حد ينذر بالخطر.
ويعطي تحقيق الإذاعة البريطانية مثالاً على مخبأ "بيندار" المحصن في بريطانيا، والذي يمكن أن تلجأ إليه الحكومة البريطانية في حالة الحرب النووية ويتيح لها، إلى جانب الأمان، ضمان استمرار الحكومة في إدارة شؤون البلاد، ولكن "هذا يبرهن على كفاءة قادة الجيش والزعماء السياسيين في التصدي للكوارث، فماذا عن المدنيين الذين من المفترض أن يحميهم هؤلاء القادة ويمثلونهم؟ هل نحن مستعدون لمواجهة كوارث من هذا النوع؟".
[caption id="attachment_121130" align="alignnone" width="700"] تحركات ضد النووي في ذكرى تشيرنوبل[/caption]إذا حلّت الكارثة
حسناً، يتابع الجميع سباق التسلح النووي على امتداد الكرة الأرضية، لكن الجميع يتابعه بمنطق سياسي بحت ويسعى لتوظيفه في هذا الإطار بالذات، حتى أن أحدهم قد يقف متباهياً أمام جاره بأن دولة ما تدعم طرفاً ما يؤيده تمتلك النووي أو في طريقها لامتلاكه.
في خضم اليوميات وكم المآسي المتراكمة، لا ينشغل أحد، حتى من سكان الدول التي تشكو خوفها من خطر تعرضها للنووي، بالبحث عن أساليب الحماية منه في حال وقوعه (باستثناءات قليلة كجزيرة غوام مثالاً).
مع ذلك ثمة علماء يصرون على القيام بأبحاث وصياغة إرشادات تقلل من حجم الضرر... وبرأيهم "لا أحد يطيق التفكير في احتمال وقوع انفجار نووي، لكن إذا حلت الكارثة التي يعجز العقل عن تصورها، فربما لو فكرنا فيها قبل حدوثها، حتى لو اقتطعنا جزءاً قليلا من وقتنا للاستعداد لها، ستزداد فرصنا في النجاة منها".
طبيعي كذلك أن يضع البعض لهذه الجهود العلمية والطريقة التي يجري تقديمها بها إعلامياً في إطار المبالغة أو الترف، أو حتى البروباغندا السياسية القائمة على التهويل. ومع ذلك يصر المعنيون بالأمر على تطوير أساليبهم في الحماية كرد على جنون العالم، الذي لا يضمن أحد ما يمكن أن يتمخض عنه يوما ما.
بالنظر إلى المشهد المرعب في أعقاب انفجار نووي وما يعنيه من تعذر وصول فرق الإغاثة الإنسانية وخدمات الطوارئ والحكومة إلى موقع الانفجار لمساعدة الناجين، كما هو الحال مع الانفجارات الأخرى، يرى البعض أنه لا أمل في النجاة من هذه الكارثة.
وتنقل "بي بي سي" عن رئيس وحدة التلوث الناجم عن الأسلحة التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر جوني نيم توضيحه قائلاً "لو نظرت إلى موقع الانفجار النووي بعد دقائق من وقوع الانفجار، ستكاد تقف عاجزاً عن فعل أي شيء"، مضيفاً "لا أتوقع تقديم مساعدات إنسانية إلا بعد أسابيع من وقوع الانفجار".
وقد أشار نيم إلى صعوبة وصول منظمات الإغاثة الإنسانية لتقديم المساعدة للناجين إذ تُغلق الحدود وتتوقف الرحلات الجوية أثناء الحرب.
وبحسب الصحافي كريس بارانيوك الذي عمل على الموضوع في ملف "أبوكاليبس" Apocalypse (أو نهاية العالم) لـ"بي بي سي فيوتشر" فلا شك أن هناك الكثير من المخابئ للحماية من التفجيرات النووية في مختلف الأماكن من العالم، لكن المشكلة أن بعض هذه المخابئ أصبح يستخدم لأغراض أخرى، وبات غير صالح إلى حد كبير لحماية من يلوذ به في حالة وقوع هجوم بأسلحة نووية في منطقة مجاورة.
[caption id="attachment_121128" align="alignnone" width="700"] ملجأ في فرنسا[/caption] [caption id="attachment_121129" align="alignnone" width="700"] ملجأ في كوريا الجنوبية[/caption]"الوعي يجدي نفعاً"
كانت دول عدة قد أسقطت من جدول اهتمامها التصدي للهجوم النووي وتعزيز دور أجهزة الدفاع المدني مقارنة بما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة، مع ذلك أعلن ويلرستاين مؤخراً أنه يشارك مع زملائه في مشروع لإعادة تنظيم دور أجهزة الحماية المدنية، والذي يشمل "تجهيز الطرق بأفضل تصميمات مواجهة الكوارث، وتدشين حملات التوعية التي تهدف لمساعدة الشعب في حماية نفسه في حالة تعرض البلاد لهجوم عسكري أو كارثة طبيعية".
ويدعو ويلرستاين، كما آخرين، لإحياء دور أجهزة الدفاع المدني ويرون أن هناك بصيص من الأمل في زيادة قدرة المدنيين على النجاة بتعزيز استعدادهم لمواجهة المخاطر وووعيهم بطبيعتها.
وقد سبق أن وضع ويلرستاين خريطة الهجمات النووية Nukemap، وهي شكل معدل من خرائط غوغل يخبر المستخدم بالآثار الأولية للانفجار الناتج عن السلاح النووي الذي يختاره المستخدم في أي جزء من العالم، بما في ذلك المدن الكبرى.
وفي حين استهزأ الناس من عمل ويلرستاين باعتباره "لا يجدي نفعاً"، حسب قوله، فهو يخطط لاستخدام أدوات أكثر فاعلية مقترحاً على سبيل المثال فكرة الروايات المصورة المصممة لتعريف الناس بالخطوات التي يمكن اتخاذها لزيادة فرص النجاة من هجوم نووي.
ومن أبسط النصائح في هذه الحالة هي "البقاء في الداخل بدلاً من محاولة الخروج وقيادة السيارة للهروب من المنطقة التي تأثرت بالانفجار. لأن الطرق في أوقات الكوارث تصبح أكثر ازدحاماً، كما هو الحال في الغالب بعد التحذيرات من وقوع الأعاصير، على سبيل المثال.
كما يوضح الباحث أنه "عندما تنفجر قنبلة نووية، فإنها قد تمتص الكثير من الغبار والشظايا، قبل أن تقذف الغبار النووي غير المرئي والمشبع بالإشعاع على الأراضي المحيطة، من هنا يزيد عامل الحماية إلى أعلى مستوى في منتصف المباني، فإذا بقيت داخل المبنى لبضع ساعات ستقل مخاطر تعرضك للإشعاع إلى أدنى مستوى".
"لا تهربوا بالسيارة"
من بين تجارب أخرى كذلك، نشرت مجلة "بينزنس إنسايدر" مؤخراً قصة منطقة فنتورا في لوس أنجلس، التي تعتبر بين المناطق القلة التي تقوم بحملات توعية لسكانها بشأن الهجوم النووي.
"أمي، أعلم أنك تهتمين لأمري. عندما كنت في الخامسة، كنت قد علمتني تقنية stop, drop, and roll (التي تستخدم لحالات الطوارئ عند وقوع الحريق)... ولكن ماذا إن وقع أمر أكبر؟"، هذا ما تقوله فتاة تبدو أنها تمشي وحيدة في شوارع خالية.
Ventura County Health Care يعتبر هذا الفيديو بين فيديوهات عدة نشرتها وكالةللتوعية في هذا الإطار، خاصة لأولئك البعيدين نسبياً عن موقع القنبلة، والذين يمتلكون فرصاً أكبر للنجاة في حال كانوا يعرفون مسبقاً كيف يتصرفون.
وعلى هذا الأمر يعلق خبير الأشعة بروك باديمير لـ"بيزنس إنسايدر" بالقول إن هذا النوع من الإرشادات البسيطة التي يمكن هضمها هي المطلوبة أكثر من المعلومات المعقدة، ويقول بأن الشخص يمتلك 15 دقيقة أو أكثر بقليل (حسب موقعه من الانفجار) لتجنب التعرض للإشعاع النووي.
وينصح بضرورة البقاء في الداخل، وعدم محاولة الهروب بعيداً بواسطة السيارة، فالمواد التي باتت تصنع منها الأخيرة لا يمكن أن تقي من الإشعاع النووي.
وسط كل ذلك، لا يمكن إنكار فكرة أن التركيز على أمور مماثلة قد يجد فيه البعض محاولة تهويل مدنية للضغط على دول معينة سياسياً، في حين أن النقاش حول استعداد الحكومات لتجنب هجوم نووي أو حصر أضراره يبقى حتى اللحظة نقاشاً سياسياً أكثر منه أمنياً، كما الحال في التطور الأخير بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع