شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لا تزال آثارها حيّة... ​تجارب فرنسا النووية في الجزائر

لا تزال آثارها حيّة... ​تجارب فرنسا النووية في الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 3 يونيو 201710:56 ص

في فبراير 2017، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكان آنذاك مرشحاً للرئاسة، الاستعمار الفرنسي في الجزائر بأنه كان "جريمة وحشية ضد الإنسانية". وبالفعل تضم الممارسات الوحشية الفرنسية في الجزائر قائمة طويلة، لعل أبرزها التجارب النووية.

بدأت الحكاية بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة عندما سخّرت فرنسا كل إمكاناتها العلمية والعسكرية والاقتصادية للحاق بالركب النووي. فبين عامي 1960 و1966، أجرت 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية، 4 منها فوق الأرض في رقان بولاية بشار، و13 في باطنها في عين إكر في ولاية تمنراست، وذلك بحسب كتاب "التكنولوجيا النووية" لجوزيف إي. أنجيلو.

إلا أن الكاتب الصحافي الجزائري الذي يعمل في جريدة التحرير الجزائرية عمار قردود قال لرصيف22 "إن خبراء جزائريين يؤكدون أن فرنسا أجرت 57 تجربة نووية كاملة في الجزائر".

اتفاقيات إيفيان

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف استمرت فرنسا في إجراء تجاربها النووية في الجزائر بعد الاستقلال ورغم "احتجاجات" الحكومة الجزائرية المؤقتة؟

يجيب كتاب "التكنولوجيا النووية" بأن اتفاقيات إيفيان الخاصة باستقلال الجزائر عام 1962 تضمنت بنوداً تتيح لفرنسا الاستمرار في استغلال المواقع النووية لخمس سنوات بعد انسحاب قواتها، لذلك واصلت إجراء تجاربها وبحوثها النووية حتى منتصف 1966، ونقلت بعد ذلك برنامجها النووي إلى الجزر الفرنسية في الأطلسي والمحيط الهادي.

ويؤكد قردود ما ورد في هذا الكتاب قائلاً: "إن التفجيرات النووية الفرنسية التي تمت بين 1962 و1966 كانت بعلم السلطات الجزائرية ووفقاً لاتفاقيات إيفيان بعد أن طلبت فرنسا استعمال 8 مطارات، منها مطار كولومب (بشار حالياً)".

وأشار إلى حديث المفاوض الجزائري الراحل سعد دحلب، وكان من قادة الثورة الجزائرية، عن هذا الأمر وصعوبة ما تم من أخذ ورد مع فرنسا، لافتاً إلى أن الوفد الجزائري المفاوض آنذاك لم يكن فيه خبراء قادرون على معرفة تبعات التجارب النووية.

وقام الفرنسيون بتصنيع قنبلتهم الذرية بمصنع البارون "سفرون" في منطقة فوغور. وحسب جريدة لوموند الصادرة في 15 فبراير عام 1960، بلغت تكاليف أول قنبلة ذرية فرنسية ملياراً و260 مليون فرنك فرنسي.

وفي يونيو 1957، وقع اختيار الفرنسيين على رقان في الصحراء الجزائرية كمجال جغرافي أمثل لإجراء مشروع التجربة النووية الفرنسية. وكان المسؤول المباشر عن المشروع الفرنسي في الصحراء الجزائرية الجنرال شارل إيلار.

وأوضح قردود سبب اختيار الجزائر: "كان على رأس المواقع المرشحة لاستضافة المشروع الجزر الفرنسية في المحيطين الهادئ والأطلسي (مثل لاريونيون وبولينيزيا مروروا)، لكن وبسبب عوائق ومشاكل لوجستية تتمكن فرنسا من إجراء التجارب في تلك الجزر البعيدة جغرافياً عدا كونها مكلفة مادياً.

فبدأ التفكير في الصحراء الجزائرية الشاسعة والقليلة السكان، خاصة أن فرنسا كانت تحتل الجزائر منذ 1830".

وأضاف: "برز إشكال نقل المواد النووية والتجهيزات الحساسة إلى مواقع التجارب في المحيط الهادئ أو الأطلسي، إذ لم يبلغ الطيران في ذلك الوقت من التطور ما يمكنه من نقل الشحنات إلى جزر لاريونيون أو مروروا أو بولينيزيا دون الحاجة إلى التوقف في أرض أجنبية، وهو أمر مرفوض لأسباب أمنية".

بين عامي 1960 و1966، أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية... تخيلوا النتائج
في 13 فبراير 1960، سمع سكان منطقة رقان في الجزائر صوتاً رهيباً. اعتقدوا أنه يوم القيامة...

التفجيرات النووية وتوابعها

في 13 فبراير 1960، سمع سكان منطقة رقان صوتاً رهيباً. "اعتقدوا أنه يوم القيامة ثم شاهدوا ضوءاً ساطعاً اقتحم أنظارهم واكتشفوا أن بعض البيوت القديمة سقطت"، قال لرصيف22 الباحثُ الجزائري عبد الحميد كينا.

وتابع: "تلا تلك القنبلة اليربوع الأبيض في أول أبريل عام 1960 ثم اليربوع الأحمر في 27 ديسمبر من العام نفسه حسب ترتيب ألوان العلم الفرنسي، ثم اليربوع الأخضر في 25 أبريل عام 1961".

طال الغبار النووي أرجاء واسعة من منطقة الساحل الإفريقي وصولاً إلى إفريقيا الغربية والوسطى، "فقد وصل الإشعاع إلى السنغال وتشاد وموريتانيا بعد أربعة أيام من التجارب، أما مالي فقد وصلها بعد أقل من 24 ساعة من التفجير"، بحسب كينا.

كينا، وهو من سكان المنطقة، أجرى دراسة حول الآثار الصحية للتجارب النووية على السكان. وقال: "عرفت المنطقة الأمراض السرطانية بمختلف أنواعها ومسمياتها وشملت كل المناطق المجاورة لرقان مثل سالي وأولف وزاوية كنتة وبرج باجي مختار، وما زالت الأمراض السرطانية منتشرة مثل سرطانات المعدة والكبد والقصبة الهوائية والدم والجلد والغدة الدرقية والكبد والثدي والمخ والمثانة وغيرها".

وأوضح أن عدد المصابين بأمراض السرطان المختلفة بلغ في المنطقة بين عامي 1996 و2012 حوالي 60 من بين 20 ألفاً هم عدد السكان.

إلى ذلك، عرفت مستشفيات المنطقة حالات وفيات متكررة للأطفال فضلاً عن التشوهات الخلقية مثل ميلاد طفل بعين واحدة وأصابع قصيرة جداً أو ميلاد طفل برأس كبير مملوء بالماء لم يعش سوى يومين وآخر بدون مخ توفي عند الولادة.

وخلفت التجارب آثاراً بيئية سيئة. فقد الفلاحون الكثير من ماشيتهم وإبلهم بعد التفجيرات، فضلاً عن حدوث حالات إجهاض بين الحيوانات واختفاء زواحف كانت تعيش في المنطقة مثل الحنش وطيور مهاجرة مثل الصفراء.

وشكا معظم سكان رقان من تدهور منتجاتهم الزراعية. وعرف مناخ المنطقة تحولاً واضحاً من خلال زيادة هبات العواصف الرملية التي تحمل في ثناياها جزيئات رملية مشعة تؤثر على البيئة في المنطقة.

وبعد عرضه هذه المعلومات، أشار كينا إلى أن الباحث الجزائري عمار منصوري المختص بالهندسة النووية حذّر من أن هذه التأثيرات سوف تستمر آلاف السنين.

تحركات جزائرية

في فبراير الماضي، أعلنت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان رفع دعوى قضائية ضد فرنسا بسبب التجارب النووية التي أجرتها في الجزائر بين عامي 1960 و1966.

وقالت الرابطة إنها رفعت دعوى قضائية أمام كل الهيئات الدولية "ضد هذه الجرائم المنافية للإنسانية من أجل رد الاعتبار لضحايا التجارب النووية الفرنسية".

وأشارت إلى وجود مساع وتنسيق مع المنظمات المعنية في العديد من دول العالم من أجل محاكمة الدولة الفرنسية في قضايا التفجيرات النووية "باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

وأكدت أن فرنسا أجرت 17 تجربة نووية في صحراء الجزائر ابتداء من 13 فبراير 1960 حتى عام 1966، أي أربع سنوات بعد الاستقلال.

وأكدت أن هذه التجارب تسببت في مقتل 42 ألف شخص وإصابة آلاف آخرين بإشعاعات نووية، علاوة على الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبيئة والسكان وتدمير حياة الكائنات الحية فوق الأرض وتحتها، واستمرار آثارها آلاف السنين.

ويختم قردود: "رغم أن التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية كثيرة، فإن تجارب 13 فبراير 1960 ستبقى واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في الجزائر بل في جميع مستعمراتها السابقة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image