ساهمت الحرب السورية في انتشار الراب السوري مع تزايد اهتمام الجمهور العربي بسوريا، وإضافة موضوعات دسمة لأغانيه، واستخدامه في كثير من الأحيان لأداء رسائل سياسية واجتماعية، وبرزت عدة أسماء جديدة في الداخل مثل "مودي العربي" (غادر البلاد أخيراً) و"كولونيست"، و"فولكينو".
في المقابل، برزت أسماء مغنيي راب سوريين آخرين مقيمين في الخارج، مثل "بو كلثوم" المقيم في هولندا و"وتر جندي مجهول" المقيم في فرنسا، و"سيد درويش" المقيم في لبنان، و"ابن حواري" (فلسطيني سوري) المقيم في السويد، لكن دون تحقيق شعبية واسعة، إذ بلغت مثلاً مشاهدات أغنية "قصة قبل النوم" الأكثر انتشاراً لبو كلثوم نحو 240 ألف مشاهدة على يوتيوب، وهذا ما يشكل أقل من 5% من مشاهدات "سلم بالعرض" لفولكينو، التي فاقت الخمسة ملايين.
نحاول في هذا المقال تحليل أسباب تفوّق راب الداخل في الانتشار، من خلال المقارنة بين أكثر الفنانين انتشاراً من الطرفين، وهم فولكينو من داخل سوريا، وبو كلثوم المقيم في هولندا، دون أن يعني ذلك تفوقاً في الجودة بالضرورة.
نبذة
بوكلثوم: منير بو كلثوم، مولود في دمشق- عضو في فرقة لتلتة التي تأسست سنة 2011 وشاركت في ألبوم "خط ثالث" الذي ضم عدة رابرز عرب، وتضم إضافة إليه وتر جندي مجهول (1990)، وسيد درويش الذي انفصل عن الفرقة مؤخراً. غادر البلاد سنة 2013 إلى الأردن، ومنها انتقل إلى أوروبا ليطلب اللجوء في هولندا. اسمه الفني السابق كوايزاك (Quizak)، له العديد من الأغاني المنفردة (singles) وصدر له ألبوم "اندرال" (2015) وينتظر أن يصدر في الأيام القليلة المقبلة ألبوم "بعبع". https://soundcloud.com/bu-kolthoum/sets/bu-kolthoum-inderal-full-album فولكينو: ابراهيم ونوس -مولود في حمص عام 1993- ومقيم في حي وادي الذهب. طالب في معهد المراقبين الفنيين في حمص، يؤدي الراب منذ 2008 واكتسب شهرته الواسعة بدءاً من عام 2012. لم يصدر ألبومات له، إنما يكتفي بإصدار أغانٍ منفردة على يوتيوب، تتناول الحرب السورية التي شارك فيها - حسب ما يقول في أغانيه - إلى جانب النظام في حمص.التناول المباشر مقابل الشعرية
تتناول كلمات أغاني "فولكينو" الواقع السوري بشكل أساسي، وتكاد تكون مواضيع الحرب حاضرة في كل أغانيه، كما لا يخفي الطرف الذي يميل إليه سياسياً، وهو النظام، دون أن يجعل نفسه متحدثاً باسمه. فهو من ناحية يوجه انتقاداتٍ لاذعة إلى قوى المعارضة السورية، خصوصاً المسلحة والخارجية، منتقداً في أغنيته "رفعت الجلسة" مثلاً "الشوق للوطن بالعلن وبالسر الطعن فيه"، واصفاً المعارضين الخارجيين بأنهم "مخضرمين بالخديعة"، مقارناً إياهم باستشهاد عمر المختار الذي "لا دعمه نفط سعود ولا راح عاسطنبول". ولا يسلم الطرف الحكومي من انتقاده، فبالنسبة له – في أغنية "نعوة" – "اللي خـ*ي (تبرز) عالثورة بالحكومة مسح"، فيشير في نفس الأغنية إلى الفاسدين في القوات المسلحة، فـ"الذخيرة جيوب الحرامية أحق برصاصا، ألو داعش؟ نقطة عسكرية خلنج بكياسا". وعلى الصعيد الخارجي يورد المقارنة بين تجاهل العالم "مئات آلاف الشهداء... مئات آلاف القذائف والتفجيرات" في سوريا، وردود الفعل العالمية إثر هجمة شارلي إيبدو التي يصفها بـ"فتيشة (مفرقعات) بفرنسا". بينما يتناول بو كلثوم بالمقابل مواضيع بعيدة عن الواقع السوري، فأنتج في السنين الماضية مثلاً أربع أغاني تحمل اسم "حضرة" كلماتها عبارة عن تضرعات صوفية، والتي سيقوم بأدائها في أمستردام في الثامن من أكتوبر، كما يتناول ألبومه "بعبع" الذي يصدر قريباً "التناقضات والفراغات من وجهة نظره فى مجال الراب العربي" وفقاً لموقع "عين". أغاني بو كلثوم التي تتناول الشأن السوري، تتسم بكلمات شعرية تركز على المجرد من الأثر النفسي والوجداني للحرب، من خلال عبارات غير مباشرة تقبل تأويلات متعددة مثل "أنا كاره المرايا، أنا خبز حلفايا، أنا الفجر شد الجيم فأصابعي شظايا" و"زيح فتنة، عفواً زيح نتفة" من أغنية "نجمة الصبح". حتى أقرب أغانيه لهموم السوريين "قوم وصلنا"، التي يروي فيها معاناة لاجئ عند مغادرة بلده، تركز على الجانب العاطفي والاستغلال الإعلامي لمآسي السوريين، مثل قوله "مين اللي حط جرحي بكل دعاية ونشرة"، مع عبارة وحيدة في الأغنية تلمح للهموم المادية الملموسة؛ "إن كنت ابن لجوء بعز البرد ناطر تدفى، صدقني ما رح يكون همك يروح أو يبقى". وكذلك في أغنية "قصة قبل النوم" التي يشير فيها لغرابة المواقف التي تضعنا الحرب فيها، مثل "سوريالية الموقف موت وكاسة شاي".اختلاف القواميس
يستخدم فولكينو قاموس كلماتٍ أقرب لقاموس السوريين من بو كلثوم، فالكثير من كلماته مستخدمة في نطاق محدود في سوريا، مثل "فسفوس" (واشي) و"جلموق" (انتهازي) و"بحفض" (تستخدم لعدم الاكتراث عند رحيل أو فقدان شيء) و"وجب" (موافق)، أو مثلاً عبارة "ما عندي صبر المية وتنين" في أغنية "نعوة"، التي تشير إلى الدورة رقم 102 من المجندين الإلزاميين، وهي أول دفعة تم الاحتفاظ بأفرادها بعد انتهاء الخدمة الإلزامية، وأصبحت بالنسبة لكثيرين أيقونة لاحتمال مدة الحرب الطويلة. كما تتميز لغة فولكينو بالاستخدام المفرط للكلمات النابية، الأمر الذي يقترب به من النموذج الأمريكي للراب. لكن الكلمات النابية محدودة وخجولة في أغاني بو كلثوم، ويسمي مدينته "دمشق" أو "جُلق"، الاسم غير المعروف بالنسبة لمعظم سكانها، مقابل استخدام محدود جداً لاسم "الشام" الأكثر استخداماً في اللهجة المحلية. كما تمر الكثير من الكلمات الإنجليزية المفهومة لدى جمهور محدود جيد التعليم أو مطلع على الراب الأمريكي، مثل: "نوك نوك" (Knock Knock) التي يمكن استبدالها بالنظير المحلي "دق دق" دون تخريب الوزن، أو "غيتوز (Ghettos وتعني أحياء الأقليات المهمشة) دمشق"، ويشير إلى أن سبب خروجه "بي تي إس دي" (PTSD) وهو اختصار لاسم "اضطراب ما بعد الصدمة" (Post-Traumatic Stress Disorder)، ويمكن أن يقرأ أيضاً "بي تي (اختصار اسم لعبة الرعب Playable Teaser) أسدي"، ويوردها هكذا في كلمات الأغنية المنشورة معها دون أن يلفظها بهذا الشكل.ابن البلد العنيف
يشترك فولكينو مع نموذج الراب الأمريكي الأكثر انتشاراً من ناحية تقديم هوية عنيفة متطرفة غير مستقيمة، فلا يخفي مشاركته في العمليات القتالية وكونه جزءاً من الواقع العنيف والفاسد في البلاد. في أغنية "نعوة"، يقول إنه "عاش جو الجبهة وتحاصر ودقنه شبر"، وإنه "تاجر من تجار الموت" و"شيخ كار المخ الوسخ"، مقابل وصف بو كلثوم نفسه في أغنية "ألفا" بـ"طيب لكن خابطك كف"، وبـ"كاره المرايا" في "نجمة الصبح". &list=RDko3AveZkVeo#t=13 وفي حين يحاول بو كلثوم إضافة بعض العنف في فيديو الأغنية نفسها، عبر مشهد له يتدرب على كيس ملاكمة، ومشهد اختطاف غير مقنع في آخر الفيديو، تؤديه مجموعة شباب هزيلي البنية، يظهر فولكينو مسلحاً في الكثير من فيديوهاته، كما في فيديو "سلم بالعرض"، الذي يطل فيه مع مجموعة رجال مسلحين برشاشات وقاذفات "آر بي جي"، وسيارات بدون لوحات (دليل نفوذ في سوريا)، كما يقدم شاب سيجارة حشيش للكاميرا في فيديو أغنية "أحجيات". وحتى من ناحية الهوية الوطنية، فإن الأسماء القليلة، التي تعاون معها فولكينو جميعها سورية، وذات شعبية محلية واسعة، مثل "مودي العربي" و"كولونيست". في المقابل، يتعاون بو كلثوم أحياناً مع أسماء غير سورية، منها "بو ناصر الطفار" و"مليكة" و"الناظر" من لبنان، و"رامي جي بي" من فلسطين. وهناك اختلافات أخرى تقنية بين النموذجين، مثل استخدام بو كلثوم "ساوندكلاود" لنشر أغانيه، مقابل استخدام فولكينو "يوتيوب" الأكثر انتشاراً والأسرع عملاً في سوريا. ويعتمد بو كلثوم على المبدأ الغربي في تعريف القافية، الذي يجعلها الانتهاء بالصوت نفسه فقط، مثل "يؤكل" و"يتبع" أو "بنطال" و"قنطار". بينما يستخدم فولكينو الأسلوب العربي التقليدي المستخدم في الشعر، مثل "باطلة" و"قاتلة". وحتى موسيقياً، يبرز تركيز بو كلثوم على الجانب الموسيقي مع مقاطع قصيرة، فيلغي ذلك إمكانية فهم الكلمات دون قراءتها، مقابل تركيز فولكينو على وضوح الكلمات والمقاطع الطويلة، واستخدام الموسيقى خلفية إيقاعية وإيحائية لا أكثر. باختصار يمكن اعتبار السبب في فروق الانتشار، هو توجه فولكينو إلى جمهور الداخل ومحاولة التعبير عما يؤرقه من آثار مباشرة وغير مباشرة للحرب، مع التزام نسبي بالنموذج الأمريكي الأكثر انتشاراً عالمياً في تقديم نفسه، مقابل توجه بو كلثوم إلى الجمهور المهتم بالشأن السوري من غير السوريين (مثلاً "قوم وصلنا" على يوتيوب مرفقة بالترجمة الإنكليزية للكلمات فقط)، إضافة لميله إلى موجة الموسيقى العربية البديلة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت