إبّان الربيع العربي، حظي مغنّو الراب المصريون والتونسيون والمغربيون الذين تطرّقوا في أغانيهم إلى مواضيع كالظلم وطغيان الأنظمة الحاكمة، باهتمامٍ على صعيد العالم، وأغنية "ريّس البلاد" للـ"جنرال" أصبحت بمنزلة النشيد غير الرسمي للثورة التونسية. لكن في المقلب الآخر، انضم العديد من مغنيي الراب البارزين إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وحاول بعضهم جاهداً أن ينسف مسيرته في الغناء ويميل إلى أداء الأناشيد الإسلامية.
أصبح الراب، الأوروبي على وجه الخصوص، محطّ اهتمام خبراء مكافحة الإرهاب ومسؤولي الأمن القومي في العالم. فأعضاء حركة الشباب المجاهدين الصومالية يلجؤون إلى "الراب الجهادي" من أجل استقطاب الشباب وتجنيدهم.
يتطرّق هشام عيدي، صاحب كتاب يتناول العلاقة بين الموسيقى والنشاط السياسي للشباب المسلم، إلى مقال منشور في صحيفة Foreign Affairs تتحدث فيه الباحثة في جامعة هارفرد Jessica Stern عن العلاقة بين موسيقى الراب والشباب العرب: "في مقابلاتي مع الأطفال المسلمين من جيلين مختلفين في هولاندا في إطار دراسة حول مصادر التطرّف، اعتقد بعضهم أنّ الحديث عن الجهاد أمر ظريف تمامًا كالاستماع إلى موسيقى راب العصابات". يضيف عيدي: "تدخل موسيقى الهيب هوب في أوروبا ضمن حرب أيدولوجية واسعة لمكافحة التطرف المحلّي".
لا مفرّ من أن يخلق نجاح الجماعات المتطرّفة في جذب الشباب المهمّشين والمسيّسين في الولايات المتحدة وأوروبا، نقطة التقاء مع الحضارة الغربية. وبما أن موسيقى الراب هي نوعٌ من أنواع موسيقى الاحتجاج الاجتماعي (الرخيصة والمتوفرة للجميع)، استطاع المتطرّفون توظيفها، جنباً إلى جنب مع وسائل التواصل الاجتماعي، في خدمة جهودهم لاستقطاب الشباب وتوظيفهم. غير أن العديد من مقاتلي الدولة الإسلامية لاحظوا التناقض في فكرة تبنّي مثل هذا النوع من الفن الغربي الحديث لتأسيس حركة ترتكز على العصر الذهبي المزعوم للدين الإسلامي، ولذلك قامت عملية تحولهم إلى هذا الفكر على الهروب من أوروبا والتخلّص من هويتهم.
حاول بعضهم نسف مسيرته الغنائية، في حين تبرّأ البعض الآخر منها، ولكن مع ذلك، لم يكن ليحظى هؤلاء المقاتلون بهذا الاهتمام الكبير لولا الكاريزما والتأثير اللذان وفرتهما لهم موسيقى الراب.
أبو طلحة الألماني (Denis Cuspert أو Deso Dogg سابقاً)
قبل انضمامه إلى صفوف الدولة الإسلامية وتحوله إلى أحد رموزها، أصدر Denis Cuspert ثلاثة ألبومات غنائية، شارك في حفلات غنائية مع أسماء عالمية في موسيقى الراب كما قام بجولة فنية مع نجم الراب DMX. أصدر دينس كاسبرت أغاني مثل Gangxtaboggy وDaz Iz Ein Drive By وMeine Ambition Als Ridah، وقد استوحى اسم ألبومه Alle Augen auf mich من ألبوم "All Eyez on Me" لـTupac Shakur. مع ذلك لم يحظ Deso Dogg بنجاحٍ كبير، ولم تتعدَ شهرته الصعيد المحلّي. وبعد أن اهتم قليلاً بالفنون القتالية وفشل فيها أيضاً، اختفى تدريجيًا عن الساحة.
عاد Deso للظهور مجددًا على صفحات الجهاديين على مواقع التواصل الاجتماعي حاملًا اسم أبو مالك ثم اسم أبو طلحة العلماني. في العام 2010 وضع حدًا لمسيرته الغنائية وأعلن اعتناقه الإسلام في فيديو نشر على مواقع التواصل. تحوّل إلى أداء الأناشيد بدلًا من أغاني الراب وراح ينشرها على مواقع الجهاديين ومؤيدي القاعدة. في أناشيده باللغة الألمانية ينوه Deso Dogg بأسامة بن لادن وزعيم حركة طالبان الملا محمد عمر ويقول: "اِسماكما يجريان في عروقنا". ويضيف، “أعلن ولائي للملا محمد عمر، أمير طالبان. إنه واحدٌ من أفضل الرجال".
بعد إنهاء مسيرته كمغني راب واعتناقه الإسلام أشار موقع Billboard إلى أنّ Deso Dogg طلب من موقع يوتيوب سحب وحذف جميع أغانيه ومقاطع الفيديو التي يظهر فيها. أمّا بالنسبة لوشم STR8 على يده اليمنى ووشم THUG على يده اليسرى، فيقول Deso Dogg إنه رسمهما على جسمه عندما كان كافرًا ويومًا ما سيزيلهما الله عن يديه. لم ينجح في محو لا مسيرته الغنائية ولا الوشمين. انضم إلى مقاتلي مجموعة الملّا ابراهيم في ألمانيا، مما جعله هدفًا تتعقبه سلطات مكافحة الإرهاب، اعتقادًا منها أنّه عنصر ناشط في توظيف الشباب.
انتقل Deso Dogg إلى مصر ومن ثم إلى سوريا حيث شاع خبر مقتله إلى أن ظهر في أحد مقاطع الفيديو الموجهة إلى المسلمين في ألمانيا يطلب منهم الهجرة ويقنعهم بأهمية الجهاد في سوريا ومغادرة أرض الكفّار.
ظهر Deso Dogg إلى العلن في مقطع فيديو لمقاتلي داعش وهم يقطعون رأس أحدهم. ومع أنّه كان يحمل رأساً في يده، لا يشير هذا إلى أنه هو من قام بالجريمة، التي يعتبرها مصير كل من يتعارض مع مفاهيم الدولة الإسلامية. Deso Dogg واحدٌ من بين مئات الشباب الألمان الذين هاجروا إلى سوريا ليقاتلوا تحت لواء تنظيم الدولة الإسلامية. تمت إضافة اسمه إلى لائحة الإرهاب الأميركية في أبريل الماضي، وفي أغسطس، ظهر مجدداً بين مقاتلي داعش في فيديو تمّ سحبه لاحقاً عن الانترنت.
عبدالماجد عبدالباري (Lyricist Jinn أو L Jinny سابقاً)
ظهر عبدالماجد عبدالباري المعروف بـL Jinny في صورةٍ نشرها على موقع تويتر يحمل فيهل رأسًا مقطوعًا في سوريا وقد كتب تعليقًا عليها يقول: "أسترخي مع صديقي، أو ما تبقى منه". يشتبه أنّ عبدالماجد عبدالباري هو منفذ عملية إعدام الصحافيين الأميركيين James Foley وSteven Sotloff.
كان عبدالباري من مشاهير الراب في المملكة المتحدة وكانت أغانيه تبث عبر إذاعة BBC Radio 1 من ضمنها أغاني Overdose وFlying High وDreamer التي يمكن مشاهدتها على موقع يوتيوب.
قبل أن يغادر عبدالباري لندن في العام الماضي نشر على صفحته على فيسبوك: "سيكون هذا الألبوم الأخير الذي سأنشره مع أخي Tabanacle. سأترك كل شيءٍ وسألجأ إلى الله". هو ابن عادل عبد الباري، المصري الذي ينتظر محاكمته في قضية تفجيرات العام 1998 التي استهدفت سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في كينيا وتانزانيا. منح والده وزوجته اللجوء السياسي في بريطانيا عام 1993 بعد أن تم نفيه من مصر، ليتم القبض عليه لاحقاً بتهمة التفجيرات وتسليمه إلى السلطات الأمريكية في العام 2012.
يعبر عبدالباري عن غضبه الشديد لما تعرّض له والده فيقول في إحدى أغانيه: "في اليوم الذي أتوا وأخذوا فيه والدي كان علي قتل شرطي أو إثنين. عندئذ كنت في السادسة، فانظر إلى ما استطيع فعله اليوم بسلاح. أستطيع القتل، فليتكم أموات! إن عبثتم مع إخوتي فسأفرغ فيكم رصاصي".
قامت صحيفة الإنديباندات البريطانية بتحليل النقلة النوعية في كلمات أغاني L Jinny من تناوله لمواضيع مثل الماريجوانا إلى التعبير عن غضبه إزاء ما تعرّض له والده. ففي إحدى أغانيه الصادرة عام 2012 يقول: "من الصعب المضي قدمًا نحو المستقبل إذا كان الماضي مدمرًا، ولكن على الرغم من ذلك ما زلت أحمد الله على نعمه. لا يمكنني أن أفرّق بين الملائكة والشياطين فاختلطت على قلبي المشاعر وما عادت طبيعية! وعلى الرغم من أن حياتي مباركة، لم أشعر بالراحة بعد".
في يوليو الماضي، نشرت صحيفة التلغراف تقريراً عن قيامه مع مجموعة من البريطانيين المنضمين إلى داعش، بالهروب إلى تركيا. بحسب الصحيفة، تمكن L Jinny من الهروب من قبضة داعش، ولكنه لم يستطع العودة إلى وطنه لأنه مطلوب بصفته إرهابي.
دوالي خالد (Douglas McCain سابقاً)
في أغسطس 2014 عثر مقاتلو الجيش السوري الحرّ على جثّة دوغلاس ماكيين. الشاب الأميركي الأصل كان يطمح إلى الشهرة وسبق أن أحيى حفلات غنائية في السويد. استعمل لقب "دوالي عبد الله" Duale ThaslaveofAllah على موقع فيسبوك ولقب "دوالي خالد" Duale Khalid على تويتر.
على الرغم من أن قناة الـCNN صرّحت بأن دوغلاس هو واحد من الأمريكيين الذين انضموا إلى الدولة الإسلامية، وبالتالي لا مفر من أن يتم توقيفه وتفتيشه لدى محاولته السفر، تمكن McCain من الانتقال إلى تركيا وعبور الحدود متجهًا إلى سوريا. هو من بين الأمريكيين الـ100 الذين انضموا إلى داعش ويعتقد أنه كان أول أمريكي يُقتل خلال عمله مع التنظيم.
أبو القعقاع البريطاني أفرو (هويته الحقيقية غير معروفة)
مع أنه لم يكن مغني راب مشهوراً ولا قدم حفلات عالمية، فلا يزال أبو القعقاع البريطاني أفرو يمارس هذا الفن على حسابه على تويتر للتعبير عن أفكاره المتطرفة، وإن كان بطريقةٍ بسيطة وصبيانية. نشرت صحيفة Daily Mail البريطاني تغريدات له يطلب في إحداها من متتبعي صفحته التوقف عن الاهتمام بألعاب الفيديو وإعلان بيعتهم للخليفة البغدادي.
يزعم أفرو أنه شاعر، وقد ألف أبيات شعر يمتدح فيها فيديو قطع رؤوس 16 جنديًا سوريًا ونشرها على حسابه على تويتر: "إنّه لفيديو رائع، الروؤس مقطوعة من دون الحاجة لأطباء! كلّهم علماء زائفون يتذللون، إنهم مثيرون للشفقة، لا رحمة على الكفّار!”. من المرجح أن أفرو من الجنسية البريطانية ويعيش في مدينة الرقّة في سوريا حيث “يقترب الموت”، لذلك عليه أن يؤلف الشعر حتى “لا ينتابه الخوف” (من أبياته).
نسخة محدّثة عن الموضوع الذي نشر على الموقع في 18.02.2015
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع