وسط رنين سارينة مترو أنفاق القاهرة الصاخبة، وتزاحم ركابه واندفاعهم على الأرصفة، محملين بأعباء يومهم الطويل، تلتقط آذانكم موسيقى خافتة، تزداد قوةً كلما اقتربتم من رصيف الخروج، لتجدوا شباباً يفترشون الأرض ويعزفون على الغيتار والكمان ألحاناً وأغنيات من الفلكلور المصري القديم.
وسط حشود من الركاب تملؤهم البهجة، يصفقون على كلمات سيد درويش "أهو ده الي صار" ويهللون مع أغنية "الحلوة دي قامت تعجن بالفجرية".
إنهم أعضاء فرقة "متروتون" المصرية، الذين اتخذوا من أنفاق مترو القاهرة مسارح متنقلة لهم، رافعين شعار "ليس مطلوباً منك شراء تذكرة وحجز مقعد لتستمتع بالغناء والموسيقى، فقط استقل المترو فتجدنا هناك".
الفرقة التي ذاع صيتها واستمع إليها مئات الركاب، تعرضت لمضايقات أمنية عدة كادت توقف آلاتها عن العزف وحناجرها عن الغناء بساحات المترو، لصعوبة الحصول على تصريح أمني لممارسة الغناء تحت الأرض.
من محطة الأوبرا
جون خليل مؤسس الفرقة وأحد مغنّيها، يقول: "بدأنا الغناء بالمترو بعد ثورة 25 يناير بعام ونصف العام، وكانت رسالتنا أن نصل للناس التي لا تستطيع الوصول إلى الغناء بسهولة، لنسعدهم وليشعروا أن المزيكا قريبة منهم وليست بحاجة إلى تذاكر". ويضيف: "عرضت الفكرة على أمير منير صديقي بالفرقة وكان التفكير في هذا الأمر صعباً بالبداية، فكنا متخوفين، ولدينا أسئلة عدة، منها هل سيتقبل الناس هذا النوع من الفن داخل المترو؟ وهل الأمن سيتقبل وجودنا؟". بدأ خليل ومنير في جمع أعضاء الفرقة، وأقاموا أول حفلة بمحطة الأوبرا بعد أن جمعوا الأصدقاء وباشروا العزف والغناء وسط ذهول الركاب الذين أخذوا بالانضمام إليهم والتفاعل معهم. "ثم انتقلنا إلى محطة الأوبرا وانتقل معنا عدد من الناس، واتفقنا أن نغني أغاني الفلكلور المصري القديم والأغاني الشعبية التي اعتدنا أن نسمعها بجودة وألحان زمان لسيد درويش ومحمد عبد الوهاب وغيرهما"، يضيف خليل."مترو ماشي وكله ماشي لسه حلمك مانتهاش"
لمتروتون أغنية واحدة تولّوا تأليفها وتلحينها خصوصاً لحياة المترو، وهي "مترو ماشي عمر ماشي". تقول كلماتها: "تحت الأرض ووسط زحمة... والزحام أجمل ما فيه... مرة تنسى وسطه حلمك... مرة في الزحمة تلاقيه... مترو ماشي وكله ماشي لسه حلمك مانتهاش". يطلب جمهورهم هذه الأغنية بالمترو مع كل حفلة، إلا أن حفلاتهم أخيراً توقفت لمواجهتهم صعوبة في استخراج تصريح بحسب خليل، الذي قال إن أزمة استخراج تصريح من إدارة المترو والأمن لم تحل بعد، الأمر الذى جعلهم يتوقفون عن الغناء لأن الجهتين ترفضان منحهم التصريح.الفرقة
تتكون الفرقة حالياً من 7 أعضاء، غالبيتهم مهندسون وطلاب في كلية الهندسة، وهم: أحمد سامح (مغنٍ)، أحمد حنكش (عازف إيقاع)، أمير منير (عازف عود)، بيباوي (عازف باص غيتار)، جون خليل (ملحن وعازف غيتار)، فادي ويصا (عازف غيتار)، مصطفى ممدوح (مغنٍ).لماذا المترو؟
وعن اختيارهم المترو تحديداً للغناء والانطلاق، يقول خليل: "اخترناه لأنه وسيلة غير موجهة تطوف كل أرجاء القاهرة وأحيائها، لا تفرق بين ركابها، فتجد فيها نحو 5 ملايين مصري يومياً من مختلف الأعمار والفئات والطبقات الاجتماعية، جميعهم يتنقلون من منازلهم لأعمالهم. حاولنا أن نغير فكرتهم عن المترو، فبدلاً من أن تكون الحالة التي يعبّرون بها عنه بأنه حار ومزدحم، يمكن أن يروه مكاناً حافلاً بالمزيكا والبهجة والسعادة". وتابع: "تغني متروتون أيضاً خارج نطاق المترو، فنقيم حفلات في أماكن مختلفة مثل ساقية الصاوي و TedX والجامعات والاحتفالات الخاصة، بالإضافة إلى المساهمات في الأعمال الخيرية".ما مشكلة الأمن؟
وعن الصعوبات التي واجهتهم في البداية، يقول خليل: "اختيار محطة مترو هادئة كان أول خطوة علينا اختيارها، إلا أننا اكتشفنا أن عدم اتساع مساحة رصيف المترو كان عائقاً أمامنا، خصوصاً مع تزامن خروج ودخول الركاب". اضطر الفريق حينها إلى الغناء في ساحة المترو بعيداً عن الرصيف، وكادت تحدث لهم مشكلة أمنية حينذاك. "إلا أن الناس هم من دافعوا عنا وطلبوا من الأمن أن ننتقل معهم لمكان آخر بعيداً عن الرصيف. علماً أن ارتفاع صوت سارينة المترو أثر على وضوح صوت المزيكا والغناء"، يضيف خليل. أطلقت أخيراً صفحة متروتون الرسمية على فيسبوك هاشتاغ، طالبت فيه بكشك مزيكا، كما نشرت الصفحة صوراً لحفلات في الشوارع لفرق غنائية في عهد الملك فاروق. رافقت الصورة جملة: "في عهد الملك فاروق كان بينزل الفرقة الموسيقية الخاصة بيه في الحدائق العامة في المناسبات القومية والأعياد، عشان يسمع الشعب المصري موسيقى كلاسيكية اللي هو بيسمعها، ويرتقى بمستوى ثقافتهم الموسيقية. كان بيقول الشعب المصري لازم يبقى ذوقه في المزيكا نفس ذوق الملوك. إحنا الحكومة بنجري وراها عشان ناخد تصريح ساعة زمن واحدة". #متروتون_عايز_كشك_مزيكا.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...