منذ سنوات والناس في مصر يعيشون معاناة مُرَكَبَة سببها الوضع الاقتصادي السيىء، الأمر الذي أشاع الهم والغم بين الناس كافة، وفئة الشباب منهم خصوصاً، ما أوقعهم أثناء البحث عن ملء الفراغ، في فخ المخدرات بجميع أشكالها وأنواعها.
البانجو، الماريجوانا، الأفيون، الفودو، العقاقير المخدرة، وآخرها «الاستروكس»، أو كما يطلق عليه مروجوه «مخدر الشيطان»، أحد أقوى أنواع المخدرات الموجودة حالياً، وأقلها ثمناً، إلى جانب بضع حبوب قديمة الطراز من الفراولة وحبوب منع الطلق للحوامل.
عملية الشراء
اللَلِي، شاب أربعيني قصير القامة، هزيل، حين تراه من الخلف بشعره الناعم المنسدل على ظهره، تدرك حتماً أنك أمام شخص مختلف. وحين تنظر في وجهه، تتأكد بشكل قاطع أنك أمام تاجر مخدرات في قمة الاختلاف، خصوصاً مع الندبة التي تميز الشق الأيسر لوجهه، والتي تبدو أنها ضربة بآلة حادة، تركت جرحاً غائراً تفضحه يده التي تتحسس تلك الندبة على الدوام. قال اللَلِي، الذي خرج من السجن منذ بضعة أشهر، ويعمل على عربة لبيع حمص الشام في إحدى مناطق محافظة الجيزة، ويتخذ من هذا النشاط ستاراً يخفي خلفه عالماً لا نهاية لأطرافه المترامية: «الشريط بتلتمية (300 جنيه أي 16$)... والله الأيام دي مَطَلَعش الحباية أقل من تلاتين جنيه. السوق مفهوش (لا يوجد به) ولا حباية، وكمان أنا ما عنديش كمية، يعني إلحق نفسك لو عاوز». وأضاف عما لديه من أنواع: «في (يوجد) تامول وآدول واستروكس وفي بانجو نضيف لو عاوز». وبسؤاله عن الاستروكس وماهيته، أجاب: «الكيس بمتين (200 جنيه أي 11$) والسيجارة الملفوفة بأربعين جنيه (2$) وهتدعيلي... إنجز عشان الدنيا لَبَش (كلمة تستخدم للدلالة على الحالة الأمنية)، خليك تمشي من هنا بسرعة إنجز هتاخد إيه (ماذا تريد)؟». وبسؤال عابر عن أكثر الأنواع استهلاكاً هذه الأيام، أجاب بامتعاض: «لو عاوز نصيحتي خود استروكس. لسة نازل السوق جديد ومفعوله أقوى من كل الأنواع التانية اللي أغلبها مضروب (مغشوش). الكيس الواحد بيعملك عشر سجاير يعني ممكن يقعد معاك تلات أو أربع أيام». أقفُ متوتراً، أتلفت حولي خوفاً من اللَبَش الذي تحدث عنه اللَلِي، قبل أن يناولني لفافة كرتونية صغيرة، وتابع: «خلي بالك ده سِك (غير مخلوط بالتبغ)... شَعَر السيجارة (ضع بداخلها القليل من الاستروكس)، واشرب نفسين هتحس إنك مش مركز خالص والدنيا بتلف حواليك، بس بعد خمس دقايق جسمك يبتدي يهدا وهتدعيلي عالدماغ الجامدة اللي هتعملها». بلمح البصر قبضت على اللفافة بيدي اليمنى، وهرولت مسرعاً باتجاه المنزل. أتلفت يميناً ويساراً أحدق في عيون المارة، التي تبدو لي وكأنها تعلم ما تخفيه يمناي، مع كَمِ العرق الذي يتصبب من كل مكان في جسدي الذي يرتعد خوفاً. ما إن وصلت إلى المنزل، حتى فتحت تلك اللفافة التي أوقعت عَلَيَ هذا الكم من اللعنات. عشب بني اللون يشبه التبغ في مظهره، رائحته تشبه رائحة مخدر الحشيش، لكنه ليس حشيشاً، ولاحظت تغير لون اللفافة الكرتونية من اللون الرمادي إلى البني القاتم جراء احتفاظها بمخدر «الشيطان». بعد البحث والتقصي تبين أن «مخدر الشيطان»، يتكون من بعض المواد المسكنة، بالإضافة إلى نبات القنب (المكون الأساسي لمخدر الحشيش)، والأتروبين (مركب شبه قلوي يستخرج من النباتات من الفصيلة الباذنجانية)، والهيوسيامين (من مضادات الكولينيات، وهي مادة تعمل على إرخاء العضلات وتستخدم لتهدئة الأسود في السيرك)، الهيوسين (دواء شبه قلوي أيضاً كان يستخدم في الماضي كمهدئ لعلاج الإدمان على الهيروين والكوكايين).استفسار
خالد سلام، باحث في العلوم النفسية والإنسانية، قال لرصيف22: «الاستروكس هو مزيج من أعشاب يتم حقنها ببعض المسكنات والمهدئات، والاستروكس كمادة يوضع للثيران في العشب لتهدئتها. وتأثيره حتى الآن ليس بالوضوح الكافي، لأنه مخدر جديد والدراسات عليه ما زالت دائرة". وأضاف: «الاستروكس لم يدرج بعد في جدول المخدرات التي يعاقب القانون على تجارتها أو تعاطيها، كما قلنا، عدا أن الأبحاث والدراسات ما زالت مستمرة لمعرفة التركيبة الأساسية لهذا النوع. رأيت حالة لشاب كويتي كانت تنتشر في جسمه بثور حمراء، وكان هذا المنظر شنيعاً لم أر له مثيلاً". يذكر أن النائب ثريا الشيخ، تقدمت قبل بضعة أيام بطلب إحاطة للدكتور علي عبد العال رئيس البرلمان، موجهاً للواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية، بشأن انتشار مادة الاستروكس المخدرة بين الشباب، على أنه مخدر خطير خارج نطاق التجريم القانوني في مصر.سوق "البونبون"
وفي إطار الحديث عن «مخدر الشيطان»، كمستحضر كيميائي لاقى رواجاً كبيراً في سوق المخدرات، لنعرج قليلاً على تحليل مبسط لمعرفة أحد الأسباب الرئيسية لرواج هذا المخدر أكثر من غيره من المستحضرات الكيميائية. فمنذ أقل من عام، استيقظ سوق المخدرات الكيميائية على نبأ ارتفاع الأسعار لأكثر من ضعفي الثمن، أي أن مخدر الفراولة «الترامادول» أو الباور «الآدول»، أصبحت العشرة أقراص منه تباع بـ300 جنيه، بدلاً من 100. وزاد الأمر عن ذلك بأن نسبة المخدرات الكيميائية المغشوشة داخل السوق قدرت في ذلك الوقت بأكثر من نصف الكمية التي يتم تداولها، ما دفع الكثير من المدمنين للبحث عن بدائل تسد الفراغ الناجم عن عدم توافر المخدرات الكيميائية الجيدة. وبرزت في تلك الفترة عدة أنواع وأسماء في عالم الإدمان، غير أنها تختلف عن المخدرات بأنها أدوية شرعية تباع في الصيدليات، ولكن أسيء استخدامها، مثل: الحقن والتحاميل الخاصة بمنع الطلق عند النساء الحوامل، والتي تقوم بمهمة إرخاء الجهاز العصبي، والأدوية التي تعالج الكحة، خصوصاً التي تستخدم للأطفال، وقد لجأ إليها المدمنون كبديل عن الأقراص المخدرة، لأن شرب زجاجة كاملة من تلك الأدوية يسبب الهلوسة. كما شاعَ استخدام عقار الـ«فلورست»، الذي يستخدم عادة لتوسيع الشعب الهوائية، فيقوم المدمن بسحق القرص حتى يصبح بودرة، ويتم تعاطيه من خلال الشَم، أو الحقن بعد خلطه بالليمون والماء، وتأثيره على جسد المتعاطي يتمثل ببسط العضلات والشعور بالارتخاء. وبالعودة إلى الاستروكس «مخدر الشيطان»، الذي يتم تعاطيه عن طريق التدخين بعد خلطه بالتبغ، فيعتبر من أخطر أنواع المخدرات. فهو أرخص وأقوى نوع في سوق المخدرات الآن. ولا يسهم هذا المخدر في قتل المدمنين على الفور، بحسب بعض الأبحاث التي أجريت عليه، إذ يلحق بهم الضرر البدني والنفسي أولاً، فيجعل جسد المتعاطي يتغير بشكل واضح، كما يتغير مظهر الوجه، ويساهم في تحويل المدمن إلى شخص بائس ويائس. ويزيد هذا المخدر نسبة التركيز واليقظة حال تعاطيه بجرعات خفيفة، أما الجرعات الكبيرة، فيمكنها إحداث هوس مصاحب للنشوة التي تصيب المتعاطي، بالإضافة إلى زيادة مشاعر الثقة بالنفس، والشعور بشبق جنسي عارم. كما يتسبب هذا المخدر بقمع الشهية ونقص التغذية نتيجة عدم تناول الطعام لفترات طويلة، ومع مرور الوقت يبدأ الجسم باستهلاك أنسجة العضلات ودهون الوجه، ما يجعل مستخدمي هذا المخدر يظهرون بهيئة هزيلة ووجه نحيل أجوف. ومع صناعة «الاستروكس» بشكل احترافي وغير أخلاقي، فقد فاق أقرانه من الأنواع الأخرى في سوق المخدرات، بسبب براعة صانعيه في اختيار اسم دعائي لافت «مخدر الشيطان»، ما ساهم في رواجه بقوة بين أصحاب العقول التائهة. فالمتابع لسوق المخدرات في مصر، يعلم جيداً أن الاسم اللافت يقع على عاتقه الكثير من المسؤولية في ترويج الأنواع المختلفة من المخدرات. وللدلالة على نجاح هذا النهج، فعلى الرغم من أن الحشيش نوع وشكل واحد، إلا أن صانعيه يدمغونه بالكثير من الأسماء، كأسماء فنانات شهيرات أو بعض لاعبي كرة القدم المحترفين.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...