لم يعد مروّجو المخدرات بحاجة إلى البحث عن زبائن أو ضحايا من أبناء الطبقات الثرية كما كان الأمر قبل عقود عدّة، وذلك بعد ظهور أصناف من المخدرات أو "البضاعة" تناسب "المستهلكين" من جميع الطبقات وخاصة الفقيرة والمتوسطة.
ففي دراسة أعلنها أخيراً الدكتور عبد الرحمن حماد، رئيس وحدة مكافحة الإدمان في مستشفى العباسية في القاهرة، جاء أن 60% من متعاطي المخدرات حالياً في مصر هم من الفئات الفقيرة والمهمشة، و39% منهم هم من الفئات المتوسطة و1% من الطبقات الراقية.
المخدرات صارت سلعةً للفقراء
بحسب هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة الزقازيق، لم تأتِ الدراسة المذكورة بجديد، فجميع الدرسات تثبت أن الفقراء هم الأكثر تعاطياً للمخدرات، باستثناء فترة الثمانينيات من القرن الماضي حين انتشر الإدمان بين أبناء الطبقة الثرية، وذلك لانتشار نوع معين من المخدرات هو الهيرويين الذي كان غالي الثمن.
ففي الثمانينيات، والكلام لزكريا، "ظهرت طبقة محدثة الثراء انضمت إلى قائمة الأغنياء بعد الانفتاح الاقتصادي أواخر عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وكانت أنشطتها التجارية غير أخلاقية، فراج تعاطي المخدرات بين أبناء هذه الفئة الاجتماعية التي تملك المال".
وأوضحت زكريا أن "الفقراء عادة هم أكثر الناس إقبالاً على تعاطي المخدرات في كل الدول لأسباب كثيرة منها أنهم يلجأون إليها لحل مشاكلهم والهرب من الواقع، كما أن الجهل سبب آخر يدفعهم إلى تعاطيها". وأشارت إلى أن فئة السائقين في مصر هي من أكثر الفئات تعاطياً للمخدرات، عازية ذلك إلى ظروف عملهم التي تضطرهم إلى القيادة نحو 18 ساعة متواصلة فيتعاطون المخدرات بهدف البقاء متنبّهين لأطول فترة ممكنة.
وبرغم قلة المعلومات التي توثق معدلات الإدمان في فترة الثمانينيات، فإن تقريراً نشرته مستشفى "دار الأمل للتعافي من الإدمان" في القاهرة، أكّد أن موجة من تعاطي الهيرويين اجتاحت مصر في عقد الثمانينيات، وأن "هذا المخدر كان منتشراً بين الشباب في النوادي الاجتماعية الكبرى، وبين بعض طلاب الجامعات، وامتد إلى فتيات المجتمع المصري الأرستقراطي".
وأرجع التقرير انتشار الهيرويين في ذلك الوقت إلى سرعة تأثيره وتوفّر الأموال في أيدي بعض الفئات التي جنت أموالاً كثيرة نتيجة للتحولات الاقتصادية التي بدأها الرئيس السادات. هذا بالإضافة إلى سهولة تعاطيه شماً وحرقاً وحقناً في أيّ مكان وفي أيّ وقت مع عدم وجود رائحة أو آثار تدل على تعاطيه.
كما تحدث عن سهولة تهريب الهيرويين عبر المطارات والموانئ. وذكر أن هنالك عوامل سياسية خارجية سهلت زراعته وتهريبه مثل الحرب الإيرانية العراقية وحرب أفغانستان، واضطراب الأوضاع في باكستان، إذ ساعدت هذه الاضطرابات على زيادة نشاط العصابات التي تزرع هذا المخدر في هذه الدول.
السينما وتصنيف المدمنين
وقالت لرصيف22 الدكتورة سامية الساعاتي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس وعضو المجلس الأعلى للثقافة: "إن تزايد انتشار المخدرات بين أبناء الطبقات الفقيرة خلال السنوات الأخيرة راجع إلى ظهور أصناف من المخدرات رخيصة السعر كالبانجو والمخدرات الدوائية التي بإمكان الفقراء الحصول عليها. ولكن قبل عقود كانت أصناف المخدرات المنتشرة آنذاك غالية الثمن، لذلك كان من الطبيعي أن يكون جمهورها المستهدف هو أبناء الطبقات الثرية الذين يمتلكون الأموال اللازمة لشرائها".
ولفت الدكتور عمرو عثمان، رئيس صندوق مكافحة الإدمان، إلى ظهور مخدرات رخيصة الثمن "وصارت هنالك أنواع من الهيرويين الرخيص بعد خلطه بمواد أخرى، إلى درجة أن هنالك مخدرات تناسب أطفال الشوارع والحرفيين كالكولة".
وأشارت الساعاتي إلى أن السينما المصرية عكست واقع تعاطي المخدرات بشكل واضح، فكانت الأفلام تظهر استهداف مروجي المخدرات أبناء الأثرياء المدللين الذين غابت عنهم الرقابة الأسرية، بينما حالياً تظهر أن سكان الأحياء الفقيرة هم الأكثر تعاطياً لها خاصة في المناسبات الاجتماعية كالأفراح والاحتفالات. ولفتت إلى أن كثيرين من متعاطي المخدرات في المناطق الفقيرة يرون أن تعاطي المخدرات أمرٌ جيّد يُظهر "جدعنة" ورجولة الشخص المتعاطي، وهذا ما ساهم في زيادة انتشارها في أوساط هذه الطبقات.
البلطجي قدوة المدمنين
وأكّد الدكتور وليد حسن، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، الرؤية السابقة وقال لرصيف22 إن "الظروف الاجتماعية هي من العوامل المؤثرة في الإقبال على تعاطي المخدرات من عدمه. ففي الأوساط الفقيرة يكون النموذج القدوة هو البلطجي الذي يتعاطى المخدرات".
وأشار عمرو عثمان إلى "انتشار مفاهيم مغلوطة في الطبقات الفقيرة ومحدودة الثقافة كالاعتقاد بالارتباط بين تعاطي المخدرات وزيادة القدرات البدنية والذهنية".
وعن تكلفة إدمان المخدرات التي ينتشر تعاطيها الآن، قال عثمان إن آخر إحصاء يظهر أن المخدرات تكلف الفرد المدمن 240 جنيهاً شهرياً (30 دولاراً).
6 ملايين مدمن في مصر
الدكتور عبد الرحمن حماد الذي اعتذر لرصيف22 عن الإدلاء بتصريحات جديدة بسبب إحالته على التحقيق الإداري بعد إعلانه نتائج إحصاء أجرته وزارة الصحة عن عدد المدمنين.
وكان قد قال في تصريحات سابقة إن نسبة المدمنين الفعليين الذين يتعاملون مع المخدرات بصورة مستمرة وضارة، ولا يمكنهم الإقلاع عنها تبلغ 6% من المصريين. وهذا يعني أن عدد الذين يحتاجون إلى علاج من الإدمان يراوح بين 5 و6 ملايين.
وأضاف أنه في ضوء الأرقام التي رصدها البحث القومي للإدمان، وهو بحث بإشراف وزارة الصحة وأظهر نتائج وأرقاماً معبرة، فإن نسبة استخدام المخدرات في مصر تبلغ %20.6، ما يعني أن أكثر من %20 من أبناء الشعب المصري تعاملوا مع المخدرات، سواء لمرة واحدة أو أكثر في حياتهم، أو على فترات متقطعة في المناسبات كالأعياد والأفراح، أو بصورة منتظمة لكن لأقل من سنة، ويمكنهم التحكم في الإقلاع عنها، أو بصورة منتظمة ولا يمكنهم الإقلاع عنها.
وذكر حماد أن الأبحاث تؤكد أن هنالك عوامل متشابكة في المناطق الفقيرة، خاصةً في العشوائيات، تزيد من نسبة التعاطي، فالسيطرة الأمنية على هذه المناطق ضعيفة، وفيها ينتشر البلطجية، وتتدنى مستويات الوعي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون