هيروين، كوكايين، ماريوانا، كراك، أفيون… اللائحة طويلة للمخدرات "التقليدية" التي يلجأ إليها الأفراد من أجل الكيف والغرق في عالم الأحلام والأوهام والاسترخاء والإدمان. لا نستطيع أن نضع كل المخدرات في خانة واحدة، فالمخدرات الصلبة يصعب التخلص من إدمانها، بينما المخدرات الخفيفة (رغم تأثيرها السلبي في بعض الحالات)، باتت شرعية في العديد من الدول وتُستخدم لغايات طبية أيضاً.
في هذا المقال، لن نغوص في تفاصيل هذه المخدرات، ولن نتوقف عند سيئاتها أو حسنات بعضها، بل سنرصد أساليب أخرى، يلجأ إليها كثيرون لاستبدال المخدرات "الاعتيادية". والسبب: صعوبة الحصول على المخدرات، غلاء أسعارها، حظرها، والعواقب نتيجتها، أو مجرد البحث عن وسيلة أخرى للكيف. فما هي هذه "المنتجات"؟
الأدوية على أنواعها
كل دواء لعلاج داء معين، إلا أن الخيال والحاجة للانتقال إلى عالم الأوهام والنشوة، حوّلا عدداً من مختلف الأصناف، من مجرد دواء، إلى مخدّر غالباً ما تلجأ إليه مختلف شرائح المجتمع، خصوصاً المراهقين والعمّال بسبب سهولة الحصول عليها، وثمنها غير المرتفع مقارنة بثمن المخدرات عادةً. ولا شك أن أشهر هذه الأدوية هي أشباه الأفيونيات Opioids التي تضم مواد كيميائية لديها مفعول المورفين، لتسكين الأوجاع. من بين هذه الأدوية، معظم أنواع شراب السعال، الذي يحتوي على مادة الكوديين، المسببة للإدمان، إضافة إلى مواد أخرى كالاسيتامينوفين والغايفينيسين. وهي مواد إذا اتُخذت بجرعات كبيرة تُشكلّ خطراً كبيراً على صحة المدمن. من دون أن ننسى الترامادول، وهو مسكن الآلام الأكثر انتشاراً في مصر بين العمال، الذين يعتبرون أنه يساعدهم على العمل ساعات إضافية، والطلاب الذين يساعدهم على الدراسة أكثر. نذكر أيضاً "الإثير"، الذي يُستخدم كمخدّر ومضادات الهيستامين (أدوية الحساسية). ولكن تناول هذه الأدوية بجرعات كبيرة، يسبب الهلوسة، والارتباك وتراجع الرغبة الجنسية، وهذا ما دفع السلطات في العديد من الدول كلبنان ومصر إلى منع بيعها من دون وصفة طبية.أغرب الأساليب التي يلجأ إليها كثيرون لاستبدال المخدرات "الاعتيادية"، بسبب صعوبة الحصول عليها أو غلاء أسعارها
البراز البشري، أملاح الاستحمام، الغراء... التجسيد الفعلي لمقولة "الحاجة أم الاختراع" في عالم استهلاك المخدرات
الاستنشاق يتحوّل إلى آفة
الطلاء، الغراء، طلاء الأظافر، البنزين، مواد التنظيف وحتى القهوة ومطهّرات اليد... كلها مواد يلجأ الأفراد إلى استنشاقها لبلوغ النشوة والاسترخاء، كبديل عن المخدرات البعيدة المنال. ولا شك أن تنشّق الغراء كان الأكثر شعبية قبل سنوات، لا سيما بين المراهقين الذين اكتشفوا أن استنشاقه يمنحهم شعوراً بالنشوة والابتهاج. ومع الوقت، ازداد "المدمنون" ابتكاراً، فظهرت العديد من المستنشقات Inhalants. يتم تشبيع قطعة من القماش من المادة، أو وضعها في كيس من البلاستيك واستنشاقها أو حتى اللجوء إلى تسخين المذيبات في مقلاة، لتعزيز التبخر السريع، أو مجرد رش المادة في الجزء الخلفي من الفم. أما عوارض هذه المستنشقات، فتشمل الدوخة، وفقدان التنسيق، وحركة العضلات، والهلوسة والنعاس الذي قد يؤدي إلى غيبوبة، وفشل في الجهاز التنفسي، أو الموت أحياناً، خصوصاً بسبب الرغبة في التحليق عالياً من أسقف المباني أو السباحة في أعماق البحار....واستنشاق البراز البشري!
قد يكون الأغرب على الإطلاق في هذه القائمة، وقد لا تكون رائجة في كل الدول، بل ولِدت في زامبيا مع أطفال الشوارع. "جينميم" Jenkem، مستنشق مهلوس يُصنع من البراز البشري المخمّر. فيتمّ حفظ البراز والبول في وعاء مع بالون صغير ثم تخميرهما تحت أشعة الشمس لاستنشاق المزيج لاحقاً.الأوهام السمعية
أو ما يُعرف بالإنجليزية بـBinaural beats التي هي نتيجة لعب نغمتَين مرتفعتي الصوت جداً ومتشابهتيَ التردد في كل أذن. حينها، يقوم الدماغ بمعالجة ذلك من خلال خلق نغمة ثالثة، هي الفرق بين النغمتين. مثلاً تلعب نغمة 400 هرتز في أذن وأخرى 410 هيرتز في الأذن الثانية، تكون النغمة الثالثة من 10 هيرتز. وتقوم النظرية على أن هذه النغمات الجديدة ستُحفّز الدماغ لإنتاج نغمة تحملك إلى عالم آخر. فكلما انخفضت الترددات تقلّص تركيزك الإدراكي واليقظة، وتنزلق في حالة تأملية إلى أن تجد نفسك في حالة من النشوة. وتُعرف أيضاً هذه الظاهرة بـiDosing، إلا أن تغييرات الأوضاع النفسية جراء الإصغاء إلى هذه النغمات الخاصة لم تُثبت علمياً بعد.أملاح الاستحمام… للكيف أيضاً
لا شك أن معظمنا غالباً ما يحلُم بالاسترخاء في حمام من المياه الساخنة والأملاح بعد يوم طويل من العمل. ولكن هل فكّرتم يوماً أن أملاح الاستحمام هي مخدرات بلورية اصطناعية، قد تبدو من دون أي أذى متى تم استعمالهما في الحمام، إلا أنها تملك مفعول الميفيدرون Mephedrone؟ أما التأثيرات الجانبية لتناول أملاح الاستحمام، سواء عن طريق الاستنشاق أو ابتلاعها أو تدخينها، فخطيرة جداً، بدءاً من التصرفات النفسية المضطربة، والذهان ونوبات الهلع، والسلوك العنيف، وصولاً إلى احتمال الإصابة بنوبة قلبية وارتفاع قوي لدرجات حرارة الجسد.البالونات السعيدة لثوانٍ من الضحك
تتنشق الهواء في البالون المنفوخ لبضع ثوانِ ثم تتخلص منه لتصيبك نوبة من الضحك لثوان معدودة أيضاً. السبب؟ أنت لا تتنشق الهواء العادي، بل أكسيد النيتروس Nitrous oxide وهو غاز من دون لون وغير قابل للاشتعال، ويستخدم في الجراحة وطب الأسنان لآثاره المسكنة والمخدرة. إلا أنه تحوّل رديفاً لغاز الضحك المنخفض الثمن، الذي يبدو غير مضر بداية، إلا أن استعماله غير القانوني أدى إلى عدد من الوفيات بسبب إزالته للأوكسيجين من الرئتين. إضافة الى أّنه قد يؤدي إلى عدم انتظام دقات القلب، والنوبات القلبية والسكتات الدماغية. لا شك أن مقولة "الحاجة أم الاختراع" قد صدقت مرات عدة وتحديداً لدى كل الذين يبحثون عن ثوانِ أو بضع دقائق من النشوة والاسترخاء والكيف. فتعددت واختلفت الوسائل مع اختلاف الدول وتنوّع المستخدمين أو المدمنين. لكن يبقى أن هذه الوسائل تُشكّل أيضاً نوعاً آخر من الإدمان ذي الآثار الجانبية الصحية الخطيرة، ولا بد من التوعية من أضراره لتجنّب الانزلاق في جحيمه.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...