روبن هود كولومبيا
ألقاب عدة أطلقت على إسكوبار، منها "الزعيم"، و"مللك الكوكايين"، و"روبن هود كولومبيا" وغيرها. ويبدو أن إسكوبار كان يفضّل "روبن هود"، لأنه مثّل رمزاً لمساعدة الفقراء وكان بذلك مناسباً للصورة التي رغب إسكوبار بترويجها عن نفسه: ابن المدينة الفقيرة الذي يقاوم السطلة والأغنياء ليساند أبناء بلدته "ماديين". نشأ إسكوبار في أسرة فقيرة لأب يعمل في الزراعة وأم تعمل بتدريس اللغة الإنجليزية، ومنذ صغره، حاول جاهداً لتغيير وضعه الاقتصادي، وبدأ بسرقة السيارات قبل أن يتجه إلى التهريب، وبعدها ترأس عصابة صغيرة لتجارة المخدرات، أطلق عليها الـ"Medellín Cartel". استخدم إسكوبار صورته كـ"روبن هود" كولومبيا عندما رشح نفسه عام 1982 لعضوية الكونغرس الكولومبي، ونجح في مسعاه، ولكن بعد عامين من انتخابه تم إجباره على الاستقالة من قبل وزير العدل. بعد أنْ تيقن بأنه لن يصبح سياسياً في بلاده، ولن يكون يوماً "رئيساً" لكولومبيا كما كان حلمه، بحسب عائلته وأصدقائه، وفي ضوء ضغط الولايات المتحدة للقبض عليه، توجه إسكوبار لاستخدام الإرهاب للتأثير في سياسات بلاده. على الرغم من بعد كولومبيا، وغياب الاهتمام بشؤونها الداخلية في المحيط العربي، إلا أنّ الكثيرين تتبعوا قصة إسكوبار، كما يؤكد ابنه خوان لرصيف22، ولكن قلّة منهم كانت على علم بارتباط الزعيم الكولومبي بالشرق الأوسط بسبب الحرب التي خلقها في بلاده. بدأ إسكوبار أعمالاً خيرية أكسبته شعبية واسعة في بلاده، وخاصة في مدينته التي احتضنته ودافعت عنه لفترة طويلة. ولكنه قام أثناء حروبه مع الحكومة، بشنّ حملات إرهابية عنيفة أدت إلى موت المئات، وحولت الرأي العام ضده حتى مقتله عام 1993. نجح إسكوبار في التحكم بـ80 % من تجارة الكوكايين التي كان يتم تهريبها إلى أمريكا، وتحت قيادته تم تهريب كوكايين إلى أمريكا بما يقدّر بـ420 مليون دولار في الأسبوع لما يعادل أكثر من 15 مليون طن. في مقابلة منشورة على موقع اليوتيوب لإثنين من المحققين الأمريكيين الذين تم استدعاؤهما من أمريكا للتحقيق في جرائم إسكوبار في كولومبيا، قال أحدهما، جافيير بينا، الذي ظهرت شخصيته في مسلسل ناركوس الأمريكي: "عندما ذهبت إلى كولومبيا في الثمانيات لأعمل مع فريق للقبض على عصابات "كارتل ميديين"، تحت زعامة بابلو إسكوبار، كان السوق مفتوحاً لتهريب المخدرات إلى ميامي في أمريكا". من ميامي كانت توزع المخدرات إلى كامل البلاد، كما استطرد بينا "كان يتم تهريب مخدرات تباع بنحو 50 إلى 70 ألف دولار في اليوم في الولايات المتحدة"، وبذلك شكّل إسكوبار من مدينته الصغيرة في كولومبيا أزمة خطيرة للولايات المتحدة.قصة بابلو إسكوبار تدخلنا إلى العالم المظلم للمرتزقة وحروب تجّار المخدرات الدموية
ما الذي يربط ملك تجارة المخدرات الكولومبي بالعالم العربي؟
حروب العصابات داخل كولومبيا
دخل إسكوبار في حرب ضد الدولة واستخدم فيها كل السبل لبقاء إمبراطوريته، فكوَّن جيشه الخاص الذي استعان به في قتل رجال الشرطة والمسؤولين الحكوميين وفي التفجيرات داخل كولومبيا. في حروبه لحماية تجارة المخدرات، تسبب إسكوبار بقتل المدنيين أيضاً، حيث كان يتخلص من أي شخص يقف في طريقه، وفقاً لأحد القتلة المستأجرين الذي كان يعمل تحت إمرته. وفي حوار صحفي نشره موقع صحيفة الميرور البريطانية، سُئل أحد أفراد عصابته عن المرة الأولى التي قابل فيها بابلو إسكوبار، فأجاب: "كأنني رأيت آلهة، فلإسكوبار حضور قوي وكاريزما عالية، إضافة إلى جاذبية غير معهودة، ولحظة نظرت إلى عيني بابلو، عرفت أنني من الممكن أن أموت لأجله". وحقيقة، مات الكثيرون لأجل إسكوبار وبسببه. ظلت والدة إسكوبار من أشد المدافعين عنه حتى بعد موته، وبالرغم من اتهامه بقتل نحو 4000 مواطن كولومبي شملت رجال شرطة وصحفيين وقضاة ومدنين. وفي حوار سابق معها، منسوب "لأرشيف بابلو"، قالت أنها عندما سألته عن ما ينشر في الأخبار عنه وعن كراهية الشعب الكولومبي له، واستعدادهم للحصول على جائزة مقابل رأسه، طلب منها ألا تصدق كل ما يقال عنه، وأضاف "أنا لست قديساً، ولكن إذا أجبروني أن أكون سيئاً فماذا أفعل".كولومبيا ولبنان والثمانينات
في العقود التي نشطت فيها عصابة إسكوبار في أمريكا الجنوبية، كانت لبنان تمرّ بحربها الأهلية (1975 _1990)، وفي مطلع الثمانينات، عام 1982 بالتحديد، تمّ غزو لبنان من قبل إسرائيل. ولا يخفى على أحد خطورة الانقسامات التي عاشتها الطوائف والأحزاب المختلفة في لبنان وفي المنطقة كلها وقتها. ما كان يجمع لبنان وكولومبيا، رغم اختلاف ظروفهما، هو حالة الفوضى والحروب الداخلية، وحاجة الفرق المتحاربة للسلاح والتدريب العسكري والاستخباراتي. في فترة بداية الثمانينات، في نفس الوقت الذي غزت فيه إسرائيل لبنان، تأسست في إسرائيل شركة خاصة لخدمة المرتزقة العسكرية سميت "سبيرهيد"، وكان أول عقد رسمي لها توفير الخدمات والأسلحة لحزب الكتائب اللبنانية. وكذلك في كولومبيا، في الحرب الشرسة التي شنّها إسكوبار ضد الدولة وضد رجال مكافحة تجار المخدرات الأمريكيين، استعان بنفس الشركة، وبمؤسسها الجنرال الإسرائيلي كلين، الذي قدم خدمات مؤسسته مقابل المال.وفقاً لتقرير منشور على موقع "بي بي سي"، ألقي القبض على كلين في مطار موسكو، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات لاتهامه بتدريب رجال تجار المخدرات والجماعات اليمينية في الثمانينات. اتهم كلين بتدريب رجال عصابات تجار المخدرات التابعة لإسكوبار في كولومبيا، وقالت السلطات هناك أنّ بابلو إسكوبار هو من استدعاه وطلب خبرته، وأنشأ كلين بدوره مدرسة للتدريب على القتال. فجَّر إسكوبار بمساعدة كلين طائرة تحمل 107 راكباً، وهي في طريقها من عاصمة كولومبيا "بوغوتا" عام 1989، وقتل كل من كان على متنها، وفقاً للتحقيقات فهو المتهم الوحيد حيث خطط للتفجير للتخلص من المرشح الرئاسي وقتها الذي لم يصعد إلى الطائرة ونجا من الحادث.ماذا يقول ابن ملك مخدرات الثمانينات في كولومبيا عن القصص المرعبة لعصابة أبيه؟
نجل إسكوبار يتحدث
في عام 1993، بعد مقتل إسكوبار على يد الشرطة الكولومبية، حسب الرواية الرسمية، أو بعد أن قتل نفسه كما تؤكد رواية أخرى، هاجرت أسرة إسكوبار، زوجته وابنه وابنته، إلى الأرجنتين وغيرت إسمها، وابتعدت عن الإعلام بعد أن رفضت العديد من الدول استضافتها بسبب أعمال إسكوبار وسمعته. قال ابنه خوان بابلو إسكوبار في حديث لرصيف22: "قصة والدي يجب ألا تكرر"، وعبّر عن استيائه من المسلسل الأمريكي ناركوس، لأن المسلسل نقل قصصاً كاذبة عن بابلو إسكوبار، صوّرت حياة تجار المخدرات على أنها مثيرة، وبذلك علّمت الشباب أنّه من الممكن أن يصبح المرء تاجر مخدرات. بالنسبة له، فإن حياة والده علمته عكس ذلك، على حد قوله، وهو اليوم يكرّس وقته لتغيير الإرث الذي تركه إسكوبار، ويسافر ليعطي محاضرات عن النتائج السلبية للمخدرات والعنف. وهي محاولة أيضاً للتصالح مع حقبة صعبة من تاريخ كولومبيا. ومع أنّ قصة بابلو إسكوبار استثنائية، من الصعب أنْ تتكرر، إلا أنّ فيها سؤال يخاطب كل الناس: كيف نتعامل مع تاريخ أسرِنا أو مدننا أو بلادنا؟ وكيف نتصالح مع النقاط المظلمة فيه؟ وهل من واجبنا تصحيحها؟ [caption id="attachment_110824" align="alignnone" width="700"] خوان بابلو أسكوبار[/caption]عن علاقة والده بالعالم العربي قال خوان: "عرفت من بعض أصدقائه أنه كان معروفاً هناك"، ولم يقم أيّ أحد حتى الآن بتتبع تفاصيل هذه العلاقة أو بتوثيقها.
في كل حرب وفوضى يبرز دور المرتزقة وتجار الدم والمجرمين، ولكن قصة إسكوبار تساعدنا على فهم فظاعة هذه الممارسات لأننا نراها عن قرب، كما أضاف خوان: "أعتقد أن قصة والدي تساعدنا على الوعي بنتائج العنف فهو من جعلنا نتعرف على الطرق التي علينا ألا نسلكها ثانية". عن علاقة والده بالجنرال الإسرائيلي يير كلين قال خوان: "درب كلين عدداً من العصابات في كولومبيا، كان الكثير منهم جماعات يمينية، عملوا لدى الأخوة Castaño، ثم تحوّلوا بعد ذلك لعصابات "Los Pepes"، وتحدثت عنهم بإسهاب في كتابي والدي بابلو اسكوبار". ورفض التعليق عن أحقية السلطات الكولومبية في القبض على الجنرال الإسرائيلي. أما عن عدم توجيه نسخة من كتابه للعالم العربي قال أنه متحمسٌ جداً لفكرة نشر كتبه باللغة العربية وأنه بانتظار الناشرين المهتمين. كتاب خوان عن أبيه ترجم إلى 14 لغة، وكتابه الثاني Escobar In Fraganti الذي شرح فيه علاقة والده بالـCIA و الـDEA متاح أيضاً بخمس لغات. طالب خوان إسكوبار ضحايا والده بالصفح عنه، فى حوار سابق نشره موقع قناة العربية، كما شكك بمصداقية العديد من الأحداث التي نقلها مسلسل ناركوس الأمريكي، مثل موت إسكوبار على أسطح أحد المنازل، مؤكداً أنّ والده قتل نفسه قبل أن تصل إليه الشرطة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...