في 2025، بَدَت الشاشة العربية كأنها تئنُّ أكثر مما تحكي. لم تكن الأفلام الجيدة هذا العام مجرّد حكايات تُروَى، بل اعترافات حاول صنّاعها الجهر بها، فرأينا الحزن بطلاً خفياً يتسلّل من بين اللقطات، ويجعل لحظات الصمت أطول من الحوار.
الأفلام العربية التي تتضمنها قائمة رصيف22 لأهم وأفضل إصدارات الأفلام في عام 2025 تكشف عن الوجه القبيح للسلطة، وتنكأ جرح الخزي الجمعي تجاه ما يجري في غزة، وتملأ الشاشات بدموع اللاجئين الأفارقة، حتى بعض كوميديا هذه الأفلام تأتي مُثقلة بالمرارة؛ لكن على كل حال، هذه هي السينما، تُضحِك وتُبكي.
تضمّ قائمتنا لأبرز الأفلام العربية هذا العام 13 فيلماً، لم يكن دافعنا وراء اختيار الرقم "13" نذير شؤمٍ أبداً، فليس بيننا "يهوذا" الخائن، ذلك الضيف الثالث عشر في العشاء الأخير للمسيح، والذي بسببه انتشرت أسطورة الخوف من ذلك الرقم. لكننا آثَرْنَا تلك الأفلام الثلاثة عشر، لجودتها وتنوّع المواضيع التي تناقشها، مما أهّلها للمشاركة في مهرجانات عالمية ونَيْلِ العديد من الجوائز العربية والعالمية.
جولة سينمائية استثنائية في أبرز الأفلام العربية في 2025… "مملكة القصب" يعود لزمن صدام حسين، و"هجرة" يستكشف الذات في رحلة واقعية بالسعودية، ودراما تونسية صادمة عن اللاجئين في "سماء بلا أرض"، وجرعة مكثّفة في تاريخ مصر الحديث في "القصص"
"مملكة القصب" ـ العراق

يُعد "مملكة القصب" - ويُعرف دولياً أيضاً باسم "كعكة الرئيس" - أول فيلم عراقي يُصوَّر داخل البلاد ويتناول بشكل مباشر فترة تسعينيات القرن العشرين، حين كان صدام حسين يحكم البلاد بقبضة حديد. وتدور أحداث الفيلم في ظل الاستعدادات الرسمية للاحتفالات بعيد ميلاد صدام حسين الثالث والخمسين، حيث كانت المدارس في أنحاء العراق تُلزَم بتقديم كعكة احتفالية عن كل فصل. طقس يبدو شكلياً في ظاهره، لكنه يعكس مناخاً عاماً تتحوّل فيه الطاعة إلى واجب يومي لا يقبل التأجيل.
يقول الناقد السينمائي أندرو محسن، رئيس البرمجة في مهرجان الجونة السينمائي لرصيف22: "يمكن القول إن فيلم مملكة القصب للمخرج حسن هادي، كان أحد المفاجآت السارة لهذا العام في مهرجان "كان" السينمائي الدولي. أما الناقد السينمائي محمد نبيل، مدير البرنامج العربي بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، فيقول إن "أجمل ما في الفيلم أنه طرح السؤال الصعب: هل للكرامة مكان في دولة تحت حكم مستبد؟".
"نجوم الأمل والألم" ـ لبنان

اختار مخرج فيلم "نجوم الأمل والألم"، اللبناني سيريل عريس، أن يجعل من مأساة الحرب الأهلية اللبنانية (1957 - 1990) إطاراً عاماً لفيلمه، الذي يحكي قصة حب تنشأ بين طفل وطفلة وُلِدَا في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، لكنهما لم يستطيعا التخلّص من ذكرياتها المريرة التي ظلّت تلاحقهما طوال الوقت.
وأجمل ما في الفيلم من وجهة نظر الناقد أندرو محسن أنه "من النادر أن نجد فيلماً يتحدّث عن مأساة من دون أن يُفرِط في في الكآبة والحزن، وهذا الفيلم يتحدّث عن الظروف المريرة التي مرّ بها اللبنانيون في السنوات الأخيرة، من خلال قصة حب رقيقة".
"صوت هند رجب" ـ تونس

يُعيد "صوت هند رجب" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية رواية القصة المأساوية للطفلة الغزّية هند رجب التي قتلتها إسرائيل عام 2024، بعدما مرت بتجربة قاسية، حين كانت برفقة بعض أقاربها في سيارة، وهاجمتهم دبابات إسرائيلية أودت بحياة أقاربها الذين كانوا معها، ولم يبقَ في المشهد سوى هند التي أدمت القلوب بسماع صوتها المرتجف عبر مكالمة هاتفية مع مسعفة الهلال الأحمر الفلسطيني تستجديها أن تأتي لإنقاذها.
ويقول أندرو محسن إن قيمة هذا الفيلم ليست فقط في القضية التي يطرحها وفي توقيت عرضه، ولكن أيضاً أن كوثر بن هنية قدمت فيلماً درامياً متماسكاً ومؤثراً سينمائياً، ولم تكتفِ فقط بقوة القضية التي تطرحها.
"كان يا ما كان في غزة" ـ فلسطين

في فيلم "كان يا ما كان في غزة" للأخوين الفلسطينيين عرب وطرزان ناصر، يتجسّد مزيج من الكوميديا السوداء والسرد الواقعي. ويرى الناقد محمد نبيل أن الأخوين كانت لديهما "قدرة مدهشة على المزج بين الدراما الاجتماعية والسياسة، في سياق غزة تحت الحصار، مع اختيار تاريخ 2007 الحاسم (تاريخ تولي حركة حماس حكم غزّة وبدء الحصار الإسرائيلي للقطاع)، فندخل مع القصة خبايا الفساد، والحصار، والعنف، كل هذا في قراءة سينمائية في منتهى الجرأة".
يروي الفيلم حكاية غزّاوية لثلاثة أصدقاء: طالب، وتاجر مخدرات، ورجل فاسد يعمل ضمن السلطة، تجمعهم الحياة داخل غزة تحت وطأة الاحتلال. وتتقاطع مصائرهم عبر سلسلة من الأحداث المتصاعدة، إلى أن يصلوا جميعاً إلى لحظة شديدة القسوة. شخصيات الفيلم وتفاصيله مستمدة بالكامل من الواقع الفلسطيني، وليست نتاج خيال مُجرَّد؛ إذ يقدّم صورة صادقة لغزة كما هي، بلا تجميل، ومن دون أن يحصر أهلها في صورة الضحايا فقط.
ذكريات الحرب الأهلية اللبنانية، ومعاناة اللاجئين الأفارقة في مصر وتونس، وأزمات الهوية والاغتراب ومقاومة النسيان جميعها حاضرة في أهم إصدارات الأفلام العربية في 2025، أعمال جمعت الجودة الفنية وعمق المشاعر الإنسانية نرشّحها لكم/ن
"المستعمرة" ـ مصر

فيلم "المستعمرة" مستوحى من وقائع حقيقية، ويتناول قصة شقيقين يعيشان في إحدى المناطق المهمَّشة في مدينة الإسكندرية المصرية. وبعد وفاة والدهما في حادث عمل، يعرض عليهما المصنع المحلي وظائف كتعويض غير مباشر، بدلاً من اللجوء إلى القضاء. ومع بدء الشقيقين حياتهما العملية الجديدة، تتسلّل إليهما الشكوك، ويتساءلان: هل كانت وفاة والدهما مجرد حادث عابر أم أن وراءها ما هو أبعد؟
يقول الناقد محمد نبيل: "الفيلم يمتلك جماليات بصرية قوية، مع أداءات لافتة من ممثلين أغلبهم غير محترفين، مما يعطيه إحساساً حيّاً وأصيلاً بعيداً من التكلف، كما يتناول قضايا مسكوتاً عنها مثل بيئة العمل القاسية، والاستغلال، والتساؤل حول مفهوم العدالة. أما أندرو محسن، فيرشح الفيلم بقوة للمشاهدة، لأنه يرى فيه "الإسكندرية كما لم نرها من قبل، إذ قدّمها المخرج المصري محمد رشاد في إطار رحلة مؤلمة يخوضها البطل للتعرف إلى نفسه من خلال العمل في مصنع عتيق يمتص طاقة الروح قبل الجسد".
"يونان" ـ سوريا

فيلم "يونان" هو ثاني فيلم طويل لمخرجه السوري أمير فخر الدين، وبحسب رئيس البرمجة في مهرجان الجونة السينمائي، فإن الفيلم "تتضح فيه معالم المشروع السينمائي للمخرج، فاستغل الميزانية الأكبر التي أتيحت له، فقدم فيلماً يجمع ممثلين من مختلف الدول، ليُكمل صورة الاغتراب التي بدأها في فيلمه الأول".
تدور أحداث الفيلم حول شخصية "منير"، كاتب عربي يعيش في المنفى، يختار العزلة في جزيرة ألمانية نائية بنيِّة وضع حد لحياته، ويتناول الفيلم قضايا النزوح والهوية وإشكاليات التواصل الإنساني. وهي الشخصية التي يجسّدها جورج خبّاز.
"القصص" ـ مصر

فيلم "القصص" المُنتظر في مصر بمجرد عرض البرومو الخاص به، وفيه يقدم المخرج أبو بكر شوقي "رحلة مكثفة في تاريخ مصر الحديث"، وفقاً لأندرو محسن. تدور أحداث الفيلم في الفترة من عام 1967 حتى أواخر ثمانينيات القرن العشرين، ونرى فيه قصة حب تنشأ بين أحمد، عازف البيانو، وشابة نمساوية، وتظل علاقتهما قائمة رغم البُعد الجغرافي، وتبايُن الثقافات، وتقلّبات الواقع السياسي والاجتماعي المحيط بهما، ومن خلال ذلك، نتتبع سرداً اجتماعياً لتلك الفترة الحساسة من تاريخ مصر.
وبحسب تصريحات أندرو، المختلف في هذا الفيلم، الذي تؤدي بطولته نيللي كريم، ورغم وجود أعمال أخرى قدمت هذه المرحلة من تاريخ مصر، "هو السحر الخاص في تفاصيل الأسرة التي قدمها المخرج".
"هجرة" ـ السعودية

في فيلم "هجرة"، تتبّع المخرجة السعودية شهد أمين "نهجاً واقعياً تأخذنا خلاله في جولة داخل عدة مناطق في السعودية بفيلم من نوع أفلام الطريق، تمر بين مشاهده بكثير من المراحل والمحطات المهمة في بداية الألفية، بحسب أندرو محسن.
يسرد العمل حكايات أشخاص اختاروا الاستقرار في السعودية عقب أداء فريضة الحج، مع تركيز خاص على تجارب النساء من بينهم، في إطار إنساني مشحون بالمشاعر وتساؤلات الهوية واكتشاف الذات.
"سينما كواكب" ـ الأردن

يصف رئيس البرمجة في مهرجان الجونة السينمائي فيلم "سينما كواكب" بأنه أحد أذكى الأفلام التي قدمت قصة احتلال فلسطين من خلال الربط بدار عرض مُغلقة بعد جائحة كورونا في الأردن، ومن خلال الفيلم يقدم المخرج محمود مسّاد كنزاً من المشاهد الأرشيفية.
"سينما كواكب"، هو فيلم وثائقي أردني يرصد رحلة مخرج يحاول إنقاذ دار سينما آيلة للاندثار في عمّان، وخلال الأحداث يتحول إلى متسوّل خردة مُولَع بالأفلام، في طرح تأملي عن الفقد والذاكرة ومقاومة الزوال في مواجهة النسيان.
"سماء بلا أرض" ـ تونس

مرة أخرى مع معاناة اللاجئين الأفارقة، لكن هذه المرة عن الذين يعيشون في تونس، وبعدسة المخرجة أريج السحيري، التي صرحت من قبل بأن فيلمها "سماء بلا أرض": "يسعى إلى تناول قضية الهجرة من زاوية مختلفة، بعيداً من الصورة النمطية التي تحصرها في حلم العبور إلى أوروبا، مؤكدةً أن الخطاب السائد يختزل الهجرة في بعدها الأوروبي، بينما تشير الوقائع إلى أن ما يقرب من 80% من حركات التنقل تتم داخل القارة الإفريقية نفسها".
وركزت السحيري على ما تعانيه اللاجئات الإفريقيات على نحو خاص في تونس، مبتعدةً قصداً عن إظهارهن في طور الثنائية المعتادة: ضحايا أو بطلات، واكتفت بإظهار الواقع الذي تعيشه اللاجئات إفريقيات في تونس كما هو.
"عائشة لا تستطيع الطيران" ـ مصر

"عائشة لا تستطيع الطيران" هو واحد من أكثر الأفلام التي أثارت الجدل هذا العام، مرة بسبب موضوعه، ومرات بسبب مخرجه مراد مصطفى، الذي دخل في صراع مع بعض منتقديه، ورغم ذلك يرشحه الناقد محمد نبيل كأحد أفضل أفلام هذا العالم، بسبب "قصته التي لم تُطرَح في السينما المصرية من قبل، ففيها نرى تعامل المصريين مع الأقليات الإفريقية".
يقول نبيل: "مراد مصطفى اختار استخدام طريقة صادمة للتعبير عن العالم القاسي الذي تعيشه فتاة سودانية في مصر، وما تواجهه من قهر وعنف واستغلال" في حياتها اليومية.
13 فيلماً عربياً تئن باعترافات جريئة، وتكشف الوجه القبيح للسلطة، وتوثق المعاناة الإنسانية من غزة إلى تونس، ومن مصر إلى العراق. أفلام تجاوزت السرد القصصي لتصبح صرخات مدوية في المهرجانات العالمية
"زنقة مالقة" ـ المغرب

في فيلم "زنقة مالقة"، تعيش امرأة إسبانية في التاسعة والسبعين من عمرها وحيدةً في مدينة طنجة المغربية، مستمتعةً بإيقاع حياتها الهادئ، قبل أن تنقلب أيامها رأساً على عقب مع قدوم ابنتها من مدريد بهدف بيع الشقة التي عاشت فيها لسنوات طويلة. تصر السيدة السبعينية على التمسّك بمنزلها وذكرياتها، وتخوض رحلة لاستعادة حقها وممتلكاتها، لتفاجأ بعودة الحب والمغامرة إلى حياتها.
وتستند مخرجة الفيلم، المغربية مريم توزاني، على أداء تمثيلي رائع، وتقدم واحداً من أقوى الأفلام العربية هذا العام، بحسب تعبير مدير البرنامج العربي بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي وصف الفيلم بأن فيه "تعمُّقاً حساساً في قضية الانتماء للمكان والذاكرة الفردية والجمعية، وتأرجح الهوية، فضلاً عن براعة إظهار الصراع بين القديم والحديث".
"اغتراب" ـ تونس

يقول الناقد محمد نبيل إن المخرج التونسي مهدي هميلي في فيلم "اغتراب" اختار بيئة خشنة لتكون مسرحاً لأحداثه، وفيها يعتصر الاغتراب الداخلي نفس البطل.
وفقاً لنبيل، فالفيلم "يحكي عن غربة الوطن وغربة الإنسان عن ذاته، هنا العمال في مهب الريح، لا ضمان لمستقبل أفضل ولا شعور بالتحقق الكافي، فنرى كل هذا من خلال كاميرا قريبة وإضاءة خافتة أشباه عمال مُحَاصَرين داخل إطار قاسٍ، مع وضع قضايا الفساد والإهمال الرسمي في خلفية الأحداث على امتداد الفيلم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



