10 أسباب دفعت الدول الخليجية إلى تسريع بناء قبة حديدية مشتركة

10 أسباب دفعت الدول الخليجية إلى تسريع بناء قبة حديدية مشتركة

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 16 ديسمبر 202518 دقيقة للقراءة

على مدى أربعة عقود، ارتكز النظام الأمني الإقليمي على إطار التنسيق الدفاعي المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي، غير أن التحولات الإقليمية المتسارعة خلال العامين الماضيين دفعت هذا التنسيق إلى مرحلة أكثر تقدماً، تقوم على التكامل الدفاعي الشامل. فقد شكّل الهجوم الإيراني على قاعدة العديد في قطر في حزيران/ يونيو 2025، تلاه استهداف إسرائيل لمقر حركة حماس في الدوحة في أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، جرس إنذار صارخاً أعاد إلى الواجهة الحاجة الماسّة إلى بنية دفاعية موحدة، أكثر صلابة وقادرة على الردع والصد. ومع تصاعد التهديدات الإقليمية وتنامي المخاطر الصاروخية والطائرات المسيّرة، وجدت الدول الخليجية نفسها أمام مرحلة حاسمة في مشروعها الدفاعي المشترك، تتجه فيها نحو تطوير قدرات الردع وتعزيز الأمن القومي جماعياً.

في هذا الإطار، تسعى دول مجلس التعاون إلى إنشاء منظومة "قبة حديدية" خليجية موحدة، كجزء من نظام دفاعي مشترك قادر على التصدي للهجمات الصاروخية والتهديدات الجوية المتزايدة، وهو المشروع الذي كشف عنه جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون، خلال اجتماع صحافي في العاصمة البحرينية المنامة قبيل القمة السادسة والأربعين، مؤكداً أن المبادرة تهدف إلى حماية أراضي الدول الأعضاء وتعزيز الأمن الإقليمي.

ويطرح هذا المشروع تساؤلات جوهرية عدة: ما الدوافع الحقيقية التي دفعت دول المجلس نحو تبني نظام دفاع جماعي؟ وما الأهداف الإستراتيجية المرجو تحقيقها؟ وكيف يعكس هذا المشروع تاريخ التعاون الدفاعي الخليجي، وما العقبات والتحديات التي قد تعترض طريق تنفيذه؟ هذه التساؤلات تشكل المحرك الأساسي لفهم أهمية القبة الحديدية الخليجية في رسم مستقبل الأمن الجماعي بالمنطقة، وتحويله من رؤية طموحة إلى واقع عملي قادر على حماية مصالح الدول الأعضاء وضمان استقرار المنطقة على المدى الطويل.

خلفية تاريخية لتشكّل مشروع القبة الحديدية الخليجية

تعود جذور التعاون الدفاعي الصاروخي في المنطقة إلى حرب الخليج عام 1991، حين كشفت الصواريخ الباليستية العراقية التي استهدفت إسرائيل والسعودية عن هشاشة المنظومات الدفاعية الأمريكية وقوات الحلفاء المنتشرة في المنطقة. ومنذ ذلك الحين، سعت الولايات المتحدة إلى بناء شراكة وثيقة مع إسرائيل في مجال الدفاع الصاروخي، مما أسفر عن تطوير أنظمة متقدمة تُعدّ من الأكثر تطوراً في العالم، وعلى رأسها القبة الحديدية. وفي عام 2007، عززت واشنطن هذا التعاون بنشر رادار متقدم من طراز X-band داخل الأراضي الإسرائيلية، فيما واصلت تل أبيب وواشنطن على مدار ربع قرن تنفيذ عشرات المناورات المشتركة، لتعزيز جهوزية الدفاع الصاروخي في المنطقة.

تحوّل إستراتيجي في أمن الخليج… الانتقال من التنسيق الدفاعي المشترك إلى التكامل الدفاعي الشامل عبر مشروع القبة الحديدية الخليجية. كيف عزّزت تطوّرات 2025 والتهديدات المتصاعدة من إيران وإسرائيل معادلة ردع جديدة لحماية الأمن القومي الجماعي لدول الخليج؟

أما الجهود الخليجية الفعلية لإنشاء منظومة دفاعية موحدة فقد انطلقت بجدية في الدورة الأولى عام 2015، عقب توقيع الاتفاق النووي الإيراني وتصاعد المخاوف من توسع الترسانة الصاروخية لطهران. في تلك المرحلة، كشفت التقارير الإعلامية عن مباحثات خليجية مع شركات أمريكية، أبرزها "رايثيون"، لاقتناء المنظومة. وكان وزير خارجية البحرين، خالد بن محمد، قد حذّر آنذاك من أن رفع العقوبات عن إيران قد يمنحها القدرة على تخزين كميات ضخمة من الصواريخ، مما يهدد أي منظومة دفاعية خليجية. وفي سياق رؤيتها الإستراتيجية، أكدت دول المجلس رغبتها في إنشاء "قبة حديدية كبيرة تغطي المنطقة بأكملها"، ليكون الرد الجماعي على التهديدات الإقليمية أداة حماية شاملة، حيث صرح خالد بن محمد في مقابلة مع سكاي نيوز: "إسرائيل لديها قبة حديدية صغيرة؛ أما نحن في مجلس التعاون الخليجي فسنمتلك قبة حديدية أكبر بكثير".

تواصلت الجهود في الدورة الثانية عام 2019، بعد الهجوم على منشأتي بقيق وخريص النفطيّتين في السعودية، والذي عطل نحو نصف إنتاج النفط مؤقتاً، وأظهر محدودية الدفاعات التقليدية أمام الهجمات المركّبة من صواريخ مجنحة وطائرات مسيّرة. في هذا الإطار، أشارت مصادر إسرائيلية إلى موافقة مسؤولين عسكريين على نشر أجزاء من القبة الحديدية في قواعد أمريكية بالشرق الأوسط، فيما كثّفت السعودية ودول خليجية أخرى مساعيها للحصول على المنظومة، مستفيدين من الشراكات الأمريكية–الإسرائيلية لتسهيل تصدير النسخة الأمريكية. وقد أكد الباحث الإسرائيلي غوزنسكي، المتخصص في شؤون الأمن الخليجي، أن "الخليج لا يملك حاليًا أنظمة دفاع جوي مثالية، ويمكن لإسرائيل أن تقدم الأنظمة نفسها وتزود شركائها الجدد بالإرشاد والمشورة". كذلك، أشارت صحيفة العرب اللندنية إلى أن إسرائيل تعمل على إقناع دول الشرق الأوسط ببناء تحالف أمني متين يشكل "قبة حديدية جماعية" ضد الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، بينما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، أن بلاده تسعى لإنشاء تحالف دفاع جوي إقليمي بقيادة الولايات المتحدة، بهدف تعزيز الأمن وتنسيق منظومات الدفاع الصاروخي بشكل مشترك.

أما الدورة الثالثة عام 2025، فقد كانت الحاسمة، بعد الهجومين على قطر من إيران وإسرائيل، مما دفع قادة دول المجلس إلى التحرك السريع لإنشاء درع صاروخية موحدة. عقد مجلس الدفاع الخليجي المشترك اجتماعاً طارئاً في الدوحة بتاريخ 18 أيلول/ سبتمبر، أعلن خلاله سلسلة خطوات لتعزيز الدفاع المشترك، شملت رفع مستوى تبادل المعلومات الاستخبارية عبر القيادة العسكرية الموحدة، وتسريع إنشاء منظومة الإنذار المبكر، وتحديث الخطط الدفاعية، وتنفيذ تدريبات مشتركة بين مراكز الدفاع الجوي للدول الأعضاء. وتلا ذلك الاجتماع الـ22 في الكويت بتاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث شدد الأمين العام لمجلس التعاون، جاسم البديوي، على أن أمن الخليج "كل لا يتجزأ"، وأن الاعتداءين على قطر كانا "جرس إنذار يستدعي رفع مستوى التنسيق الدفاعي". وأوضح خلال جلسة حوارية في المنامة قبيل القمة الخليجية السادسة والأربعين، أن الدول ناقشت اعتماد منظومة دفاعية خليجية موحدة، بما في ذلك إنشاء قبة حديدية مشتركة لحماية أراضي الدول الست من التهديدات القادمة من جميع الاتجاهات، وهو ما يكتسب أهمية بالغة في ظل التطورات الإقليمية والدولية الأخيرة.

وأشار البديوي إلى أن دول المجلس تفاوضت مع الدول المنتجة لأنظمة القبة الصاروخية، والتي تمثل ثمرة تعاون بين شركة رافائيل الإسرائيلية والدعم المالي والتقني الأمريكي، حيث خصصت الولايات المتحدة مليارات الدولارات لإنتاج البطاريات، وتمويل الصواريخ الاعتراضية، وتكاليف الصيانة، بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي داخل الكونغرس، معرباً عن أمله في التوصل إلى حل قريب يمكّن دول المجلس من إتمام هذا المشروع الدفاعي الإستراتيجي الذي سيعيد تشكيل الأمن الجماعي في دول المجلس التعاون الخليجي.

وعند النظر إلى الدورات الثلاث للمساعي الخليجية لبناء منظومة دفاع صاروخي موحّدة، يتضح أن الدافعية في المرحلتين الأولى (2015) والثانية (2019) كانت نابعة في الأساس من داخل دول مجلس التعاون نفسها، سواء بسبب المخاوف من تطور البرنامج الصاروخي الإيراني أو نتيجة الهجمات التي استهدفت البنية التحتية النفطية في السعودية. أما في الدورة الثالثة عام 2025، فقد اختلف المشهد جذريًا؛ إذ لم يعد التهديد محصورًا في إيران وحدها، بل برزت الهجمات الإسرائيلية المباشرة على دول عربية، بما فيها قطر، كعامل صادم دفع المجلس إلى التحرّك السريع. وتزايد هذا القلق في ظل توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية خارج غزة، لتشمل لبنان وسوريا، وما رافق ذلك من مؤشرات على استعداد إسرائيل لاستخدام القوة بشكل عابر للحدود، الأمر الذي جعل الدول الخليجية ترى أن أمنها لم يعد بمنأى عن هذه التحولات، وأن الحاجة إلى درع صاروخية موحّدة لم تعد خياراً إستراتيجياً بل ضرورة وجودية.

أهداف دول مجلس التعاون الخليجي

تسعى دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال إنشاء منظومة القبة الحديدية المشتركة، إلى تحقيق مجموعة متكاملة من الأهداف الإستراتيجية والأمنية الحيوية، التي تعزز قدرتها على حماية الأمن الوطني والاستقرار الإقليمي، وترسخ مفهوماً متقدماً للتعاون الدفاعي المشترك بين الدول الأعضاء.

يتجلى المسعى الأول في تعزيز القدرة على الردع الدفاعي، لضمان حماية أراضي دول المجلس من أي تهديد صاروخي أو هجمات الطائرات المسيّرة، والحد من أي تأثير محتمل لأي عدوان خارجي على الأمن الوطني. ويتيح هذا النظام للدول الأعضاء الاستجابة بسرعة ودقة وفاعلية لأي تهديد، لتكون الدرع المثلى التي يعتمد عليها المجلس في التصدي لأي مخاطر مفاجئة، عاكساً رؤية إستراتيجية راسخة لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية المعقدة.

يركز المسعى الثاني على ترجمة مفهوم الأمن الجماعي الخليجي إلى سياسات عملية وملموسة، حيث أكدت القمم الخليجية المتعاقبة، وعلى رأسها القمة السادسة والأربعون في المنامة 2025 وإعلان الصخير، أن أمن دول المجلس يشكل وحدة متكاملة لا تتجزأ، وأن أي انتهاك لسيادة دولة عضو يُعد تهديداً مباشراً للأمن الجماعي، مما يجعل التعاون الدفاعي الجماعي أداة إستراتيجية لحماية كل دولة عضو، مع الحفاظ على احترام السيادة الوطنية ورفض أي تدخل في الشؤون الداخلية.

يتعلق المرمى الثالث بدرء التهديدات الإقليمية المحتملة من إيران، في ظل استمرار السلوك الذي يثير القلق، رغم الرغبة في إقامة علاقات طبيعية قائمة على حسن الجوار. وقد تجلت الحاجة الماسة لذلك بعد استهداف قاعدة العُديد الأمريكية في الدوحة بتاريخ 23 حزيران/ يونيو 2025، وغموض مستقبل البرنامج النووي الإيراني، وقرب بعض المنشآت النووية من الأراضي الكويتية، مما يعكس ضرورة وجود منظومة دفاعية متقدمة وموحدة للتعامل مع هذه المخاطر بكفاءة عالية.

ويتمثل الدافع الرابع في التصدي للتهديدات القادمة من إسرائيل، خصوصاً بعد حرب غزة 2023 واستهداف إسرائيل لقادة حركة حماس في الدوحة في أيلول/ سبتمبر 2025، مما دفع قادة دول المجلس لعقد اجتماع استثنائي لتنسيق الإجراءات الدفاعية وتعزيز العمل العسكري الخليجي المشترك، بما يضمن حماية الدول الأعضاء من أي اعتداءات مماثلة، ويؤكد ضرورة امتلاك منظومة دفاعية مستقلة ومرنة تقلل من الاعتماد المطلق على المظلة الأمنية الأمريكية.

تركز الغاية الخامسة على مواجهة تهديدات جماعة الحوثي في اليمن، التي نفذت سلسلة هجمات صاروخية وطائرات مسيّرة بين 2017 و2022 استهدفت منشآت اقتصادية وعسكرية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مما أبرز الحاجة الماسة إلى تطوير نظام دفاع جوي خليجي جماعي متكامل يحمي البنية التحتية الحيوية ويضمن استقرار المنطقة ويعزز الأمن الإستراتيجي لدول المجلس.

يشمل الدافع السادس استباق الترتيبات الإقليمية المحتملة للأمن والتعاون، إذ ترتبط جهود إنشاء المنظومة بالمناقشات الإقليمية حول الأمن بين كافة الأطراف، لا سيما بعد نهاية حرب غزة، ومواجهة التحديات الناتجة من الصراعات الداخلية والتنظيمات المسلحة والدول الفاشلة، مما يجعل تطوير منظومة دفاعية شاملة ضرورة حيوية للحفاظ على الأمن والاستقرار الخليجي على المدى الطويل.

لتحقيق الردع الإستراتيجي ضد التهديدات الإيرانية والإسرائيلية والحوثية على السواء، وحماية الاقتصاد والنفط… رؤية خليجية موحدة لترسيخ الأمن الجماعي وتقليل الاعتماد المطلق على المظلة الخارجية، فما هي أهداف "القبة الخليجية"؟

يركز المسعى السابع على توظيف العلاقات الإستراتيجية الخليجية–الأمريكية واستغلال المرحلة الراهنة لتعزيز الدفاع الجوي، لا سيما في ضوء مشروع "القبة الذهبية" الأمريكي متعدد الطبقات، الذي يعتمد على شبكة من الأقمار الصناعية وأنظمة الصواريخ الاعتراضية لرصد الصواريخ والقذائف وتعقبها واعتراضها، مع الاستفادة من دعم شركات الدفاع الأمريكية الكبرى لضمان فاعلية هذا النظام، مما يوفر فرصة لدول المجلس التعاون للاستفادة من أحدث التقنيات الدفاعية المتقدمة.

يرتبط المرمى الثامن بمواكبة التطورات الدفاعية الإسرائيلية والدولية، حيث تتابع دول المجلس خطط إسرائيل لتوسيع إنتاج منظومة القبة الحديدية، وتستفيد أيضاً من التجارب الأوروبية، مثل "قبة مايكل أنجلو" الإيطالية، لتعزيز قدراتها الدفاعية ومواكبة أحدث التقنيات العالمية في مجالات الدفاع الصاروخي والاعتراضي، بما يضمن كفاءة عالية للمنظومة الخليجية.

تركز الغاية التاسعة على حماية البنية التحتية الحيوية والاقتصاد الإقليمي، من خلال تأمين المنشآت الاقتصادية ومرافق الطاقة والموانئ والملاحة البحرية والتجارة الدولية، لضمان استمرار النشاط الاقتصادي الحيوي دون أي تعطيل، مما يعكس إدراك المجلس لأهمية الأمن الاقتصادي كجزء لا يتجزأ من الأمن الإستراتيجي الشامل للدول الخليجية.

وأخيراً، يتمثل الدافع العاشر في رفع مستوى التنسيق العسكري والاستخباري بين الدول الأعضاء، عبر تطوير آليات تبادل المعلومات وتنفيذ تدريبات مشتركة، لضمان سرعة الاستجابة لأي تهديد محتمل وتحقيق فاعلية عالية في إدارة الأزمات، بما يعكس التزام المجلس بتقوية التعاون الدفاعي الجماعي وتحويله إلى أداة إستراتيجية مستدامة تحمي مصالح الدول الأعضاء على المدى الطويل.

أبرز التحديات والموانع

يمثل إنشاء منظومة القبة الحديدية الخليجية خطوة إستراتيجية كبرى لتعزيز الأمن الجماعي في المنطقة، لكنه يواجه مجموعة من التحديات الجوهرية التي تتطلب تعاملاً حذراً وفاعلاً لضمان نجاح المشروع واستمراريته. وتشمل هذه التحديات جوانب لوجستية وتقنية ومالية وسياسية ودبلوماسية، يمكن أن تؤثر في سرعة التنفيذ وفاعلية المنظومة.

أولى الصعوبات تكمن في ضمان توافر مخزون كافٍ من الصواريخ الاعتراضية، إذ تُعد القدرة على الاعتراض الفوري لأي تهديد صاروخي أو هجومي حجر الزاوية لنجاح المشروع. وقد تأثر المخزون الحالي نتيجة العمليات العسكرية الأخيرة في أوكرانيا ومنطقة الشرق الأوسط، مما يجعل تأمين كميات كافية خلال الأزمات أمراً لوجستياً معقداً يتطلب خطط توريد وصيانة دقيقة، مع ضمان جهوزية المنظومة في جميع الظروف.

من جهة أخرى، تمثل التكاليف التشغيلية المرتفعة تحدياً رئيسياً، إذ غالباً ما تكون تكلفة إطلاق الصاروخ الاعتراضي أعلى بكثير من تكلفة الصاروخ المهاجم، ويتطلب المشروع استثمارات ضخمة في التدريب والصيانة والتحديثات التكنولوجية المستمرة. هذا يشكل ضغطًا ماليًا كبيرًا على ميزانيات الدول الأعضاء، خصوصاً مع تفاوت القدرات الاقتصادية بينها. وبحسب تقرير لصحيفة Jewish Journal، فإنّ عقداً متعدّد الأطراف لشراء منظومة "القبة الحديدية" من إسرائيل قد يترتّب عليه تكلفة قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات للدول الخليجية. وتقدر بعض الدراسات تكلفة المشروع بما يصل إلى 175 مليار دولار، في ظل غموض مستمر حول البنية الأساسية للعناصر الرئيسة ومتطلبات البنية التحتية، مما يزيد من تعقيد التخطيط والتنفيذ.

على الصعيد الفني، يواجه المشروع صعوبات تقنية وتكنولوجية كبيرة، تشمل ضعف المنظومة أمام هجمات الإشباع التي تتجاوز قدرتها على الاعتراض المتزامن، وصعوبة التعامل مع الطائرات المسيّرة منخفضة الارتفاع التي تهرب من الرادارات. كما أن البنية التحتية المطلوبة لم تُحدد بعد، بما في ذلك عدد منصات الإطلاق والصواريخ والمحطات الأرضية، مما يعقد عملية التخطيط. ويعتمد نجاح المشروع على دمج أحدث التقنيات الدفاعية مثل الليزرات عالية الطاقة والأسلحة الميكروويفية والأنظمة المدمجة بالذكاء الاصطناعي، مما يفرض تحديات كبيرة في التطوير المحلي والاعتماد على شركات دولية وحماية الملكية الفكرية وحساسية التكنولوجيا العسكرية.

على صعيد السياسة والدبلوماسية، تشكل الاختلافات بين الدول الأعضاء تحدياً جوهرياً، إذ تؤثر في مشاركة البيانات الرادارية والاستخبارية، واختلاف مصادر الأسلحة، وعدم وجود قيادة موحدة للمنظومة. كما قد تختلف أولويات الدول الأعضاء؛ فمثلاً عمان تتبنى مقاربة أكثر اعتدالًا تجاه إيران مقارنة بدول مثل السعودية والإمارات، مما قد يؤثر في سرعة اتخاذ القرارات، توزيع الموارد، وإدارة القيادة المشتركة، بخاصة في ظلّ التوترات الإقليمية المستمرة.

علاوة على ذلك، يمثل تعزيز إستراتيجيات ما قبل الإطلاق تحدياً تقنياً وسياسياً، إذ يتطلب اعتماد عمليات سيبرانية وحرب إلكترونية لتعطيل الصواريخ قبل إطلاقها. لكن تطوير هذه القدرات يحتاج إلى تنسيق عالي المستوى بين الدول الأعضاء، ويثير مخاطر سياسية وقانونية، خصوصاً في ما يتعلق بالعمليات السيبرانية العابرة للحدود.

عقبات ضخمة تواجه الحلم الخليجي، من بينها التكلفة الباهظة، والتحديات التقنية، والحاجة إلى نسخة تتفوَّق على النظام الإسرائيلي… إلى أي مدى قد تنجح "القبة الخليجية"؟

من جهة أخرى، يفرض تنامي الهجمات المركّبة التي تشمل صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة في آن واحد ضرورةَ تطوير منظومة دفاعية متعدّدة الطبقات، وهو ما يجعل التكامل بين الأنظمة الدفاعية المختلفة تحدّياً جوهرياً، خصوصاً مع اختلاف قدرات الدول الأعضاء والتقنيات المتوافرة لديها على المدى القريب. وتُعَدّ منظومة القبة الحديدية واحدةً من أبرز أنظمة الدفاع الصاروخي قصيرة المدى، إذ نجحت منذ دخولها الخدمة عام 2011 في اعتراض نحو 85% فقط من الصواريخ التي أُطلقت من قطاع غزة، مما كشف بطبيعة الحال عن حدودها العملانية، وقد برزت هذه الثغرات بشكل أوضح خلال الحرب لاثني عشر يوماً مع إيران، وكذلك في الأيام الأخيرة من الحرب، حيث أظهرت الأنظمة أخطاءً تشغيلية وثغرات في التعامل مع الهجمات المتزامنة والمكثفة. وعليه، فإن الدول الخليجية تحتاج إلى منظومة أكثر تطوراً وقدرة، تتفوّق على النسخة المستخدمة في إسرائيل، وذلك لتتمكّن من العمل بفاعلية في بيئة تهديدات أشدّ تعقيدًا واتساعًا، وكي تكون قادرة أيضًا على تحمّل أي سيناريوهات محتملة لهجمات عدائية، بما في ذلك الهجمات الإسرائيلية، ضمن السياقات الأمنية المستقبلية.

تحقيق التكامل الفعلي للدفاع الإقليمي يمثل تحدياً آخر، إذ يتطلب المشروع قيادة مشتركة وتبادل البيانات الاستخبارية في الوقت الحقيقي بين الدول الأعضاء. غير أن حماية المعلومات الحساسة، التباين في مستوى البنية التحتية الرقمية والعسكرية، والقوانين المتعلقة بالسيادة الوطنية تمثل عقبات كبيرة قد تؤخر التكامل الكامل للمنظومة.

على صعيد الأبعاد الإقليمية والدولية، تواجه المنظومة تحديات إستراتيجية، إذ قد تتأثر بالتوترات مع إيران أو القوى الإقليمية الأخرى، إضافة إلى التوازنات الدولية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، لكون بعض التقنيات الأساسية تعتمد على دعم خارجي. وتالياً، فإن استمرار التعاون الدولي والحفاظ على تحالفات موثوق بها يمثل أمراً حيوياً لاستدامة المشروع.

من ناحية الموارد البشرية، يحتاج المشروع إلى كوادر مدربة على تشغيل أنظمة متقدمة، مما يستدعي برامج تدريب متكاملة ومستدامة. ويواجه المشروع تحدياً في توحيد البرامج التدريبية والمعايير التشغيلية بين الدول الأعضاء لضمان كفاءة العمليات والدفاع المشترك.

أخيراً، يمثل التعامل مع التهديدات المستقبلية غير التقليدية تحدياً طويل الأمد، الذي يشمل الصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيّرة عالية المناورة، والأسلحة السيبرانية والهجينة. ومواجهة هذه التهديدات تتطلب تحديثاً مستمراً للمنظومة، ومرونة في تطوير الإستراتيجيات الدفاعية، واستثمارات مستمرة في البحث والتطوير والتقنيات الحديثة، لضمان استدامة الأمن الإقليمي على المدى الطويل.

على أيّ حال، يواجه تنفيذ مشروع القبة الحديدية الخليجية المشتركة تحدّيات كبيرة. فالتنسيق الكامل بين الدول الستّ الأعضاء، وتوحيد المعايير الفنية، وإنشاء شبكات رادارية ومنظومات قيادة وسيطرة مشتركة، إضافةً إلى توفير الموارد المالية الضخمة اللازمة لشراء المنظومات وصيانتها وتحديثها، تُعدّ من أبرز العقبات التي تقف أمام المشروع. كما أنّ تدريب القوى العسكرية على استخدام هذه التقنيات المتقدّمة، وإجراء المناورات الدورية لضمان سرعة الاستجابة والتنسيق الفاعل، يضيف مزيدًا من التعقيد على المستوى العملياتي. وفي النهاية، فإن نجاح هذا المشروع يعتمد على التزام سياسي طويل الأمد، وتنسيق عملي كامل، وإدارة دقيقة للموارد، وهي متطلبات تبدو معقّدة وصعبة في ظل الظروف الحالية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image