ليلة الإشعاع الكبرى… ضربة نووية

ليلة الإشعاع الكبرى… ضربة نووية "إيرانية إسرائيلية" تحرق الخليج ومصر

مدونة

السبت 19 يوليو 202514 دقيقة للقراءة

يُنشر هذا النص ضمن ملف "لنتخيّل"، وهو ملف مفتوح يضمّ نصوصاً، مدوّنات، قصصاً، مقابلات، وتقارير صحافية، يتيح مساحة للخيال ولضرورته، سواء في تخيّل ماضٍ بديل، أو واقعٍ مختلف، أو مستقبلٍ نودّ أن نعيش فيه، أو ذاك الذي قد يُفرض علينا.

إنها الثالثة فجراً بتوقيت القاهرة. في حجرة مُظلمة، مُغلقة النوافذ، حيث الهواء محظور دخوله، والأكسجين يصارع للبقاء، انكفأت دعاء على نفسها، واضعةً رأسها بين ساقيها، يحيط بهم كسياج ساعداها، فيما تواصل الدموع رسم مجراها لتشقّ طريقها في خط ملتوٍ من ركبتها إلى أسفل أصابعها. الخوف يتوحش في الأرجاء، والهلع يبتسم ابتسامة النصر، فيما تدوّي الصرخات في الخارج، وُكثر يهرولون في الشوارع، ولا صوت يعلو فوق نداءات متكررة: "أقفلوا الشبابيك، ومتخلّوش نَفس يدخل حتى من تحت عُقب الباب".

قبل ذلك بساعة واحدة، مع اختلاف فروق التوقيت، وبالتحديد عند الثالثة فجراً في الدوحة، تقفز "عنود" من سباتها على صوت انفجار يدوّي في الأرجاء، تفتح عينيها الواسعتين كبحر لا حدود له، على مشهد السماء الصافية التي عكّر صفوها وميض أبيض اخترقها، قبل أن يتحوّل إلى كتلة نارية تُرى من مئات الكيلومترات، حتى أنّ ألسنة اللهب عانقت السماء في مشهد سينمائي هوليودي، بينما راحت الأرض تهتزّ كزلزال ياباني بامتياز، والأفكار تتصارع داخلها: أمستيقظة أنا أو هذا كابوس؟ قبل أن تتأكد من أنّ الكارثة حَلّت عندما تقافزت إلى هاتفها الأنباء ملتهمةً بعضها بشكل جنوني عبر السوشال ميديا.

دقائق معدودة سابقة، وبينما كان هدوء ثقيل يخيّم على محافظة هرمزجان (استان هرمزگان)، تلك المحافظة الإيرانية الواقعة على مضيق هرمز، والتي تضمّ ميناء بندر عباس الأشهر لدى الفرس، وتُطلّ مباشرةً على الخليج العربي لا تفصلها سوى كيلومترات معدودة في عرض البحر… فجأةً سحابة فطرية ضخمة، تضيء الليل بلونٍ كهرماني مرعب، ليتبعها انفجار ثانوي من باطن الأرض، يُخرج ما في جوفها

دقائق معدودة سابقة، وبينما كان هدوء ثقيل يخيّم على محافظة هرمزجان (استان هرمزگان)، تلك المحافظة الإيرانية الواقعة على مضيق هرمز، والتي تضمّ ميناء بندر عباس الأشهر لدى الفرس، وتُطلّ مباشرةً على الخليج العربي لا تفصلها سوى كيلومترات معدودة في عرض البحر… فجأةً سحابة فطرية ضخمة، تضيء الليل بلونٍ كهرماني مرعب، ليتبعها انفجار ثانوي من باطن الأرض، يُخرج ما في جوفها، فيما تدوّي صافرات الإنذار، والأنظمة الدفاعية الإيرانية تقف عاجزةً، فالضربة كانت مباغتةً، وكارثية.

المفاجأة الأكبر أنّ الضربة كانت "عشوائيةً" وغير مقصودة، فالقاذفات الشبحية الأمريكية B-2، التي يتجاوز ثمن الواحدة منها مليارَي دولار، وهي الوحيدة القادرة على حمل قنبلة GBU-57 الخارقة للتحصينات والتي يتجاوز وزنها 13 طناً وقادرة على اختراق عشرات الأمتار في الأعماق قبل أن تنفجر، أخذت وضع التخفّي عن الرادارات، وكانت في طريقها من قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهادي نحو منشأة "فوردو" النووية الأكثر تحصيناً في إيران، وتقع على عمق يصل إلى 100 متر في باطن الجبال.

الأمريكان وضعوا خطتهم لضرب المنشآت الإيرانية والحيلولة دون امتلاك طهران سلاحاً نووياً يهدد أمن تل أبيب وتغوّلها في المنطقة، بمعلومات استخباراتية، واضطلعت فيها إسرائيل بدور الجاسوس على الأرض عبر شبكة وظفها الموساد. لا مجال للخطأ، فالتقارير جميعها تؤكد أنّ "فوردو" تحمل في باطنها اليورانيوم المخصّب بنسبة تقترب من صُنع سلاح نووي، والإشارة جاءت من رأس الشيطان في البيت الأبيض، لتنطلق القاذفات التي صاحبتها مقاتلات من أطرزة عدة تشقّ المحيط الهادئ وصولاً إلى خليج عمان، إلا أنّ إشارةً مفاجئةً جاءتها بوجود منطقة مُحاطة بدفاعات جوية شديدة التحصين بالقرب من مضيق هرمز، عليها صواريخ في وضع الاستعداد.

جنون العظمة الذي يسيطر على صاحب البيت الأبيض، تسلل إلى مقاتلي بلاده، فقرر أحدهم بشكل غير متوقع إطلاق صاروخ من مقاتلة F-35، باتجاه إحدى منظومات الدفاع الجوي، والاعتقاد السائد أنها موجودة لتأمين ميناء بندر عباس، لكن تلك الضربة جعلت الجميع يطلق ذخائره، حتى أنزلت القاذفات الشبحية حمولتها فوق المنطقة المُحصنة، وكانت الصدمة بانفجار تجاوز مأساة هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين، حيث طالت ألسنة النيران المقاتلات في السماء، وسط حيرة حول ما الذي جرى في الأسفل لتحدث تلك الكارثة؟

جنون العظمة الذي يسيطر على صاحب البيت الأبيض، تسلل إلى مقاتلي بلاده، فقرر أحدهم بشكل غير متوقع إطلاق صاروخ من مقاتلة F-35، باتجاه إحدى منظومات الدفاع الجوي، والاعتقاد السائد أنها موجودة لتأمين ميناء بندر عباس، لكن تلك الضربة جعلت الجميع يطلق ذخائره

الانفجارات دخلت سباق عدو، فلاحقت بعضها، فيما بدا أنّ يوم القيامة قد جاء والحساب عسير على الجميع دون استثناء، فيكفي أنّ النوافذ الزجاجية تحطمت في دول الخليج القريبة من مضيق هرمز من شدّة الانفجارات، فيما كانت الهواتف لا تتوقف عن الرنين، وقنوات الأخبار تبثّ صوراً مشوشةً لانفجارات وكتل نيران تعلو في سماء إيران وكأنها شبح قادم لالتهام الخليج، بينما بدأت شائعات عن تسربات إشعاعية تنتشر كالنار في الهشيم على وسائل التواصل.

عندما تدرك أنّ عمل سنوات تحول إلى رماد منثور في لحظة، فإنّ الخسارة لن تختلف ولن يُصبح العزيز عزيزاً، هذا هو الحال الذي سيطر على قيادات إيران العسكرية والتي قررت أن تمضي قدماً في الخطة (ج)، التي وُضعت في حالة خسارة البرنامج النووي، لتنطلق الصواريخ الباليستية (خرموخارق) الأكثر فتكاً في الترسانة الصاروخية الإيرانية، والهدف هو مفاعل ديمونا النووي جنوبي إسرائيل. وهل تمتلك تل أبيب أعزّ من النووي لتخسره؟

الصواريخ الإيرانية التي صُوّبت باتجاه المفاعل الإسرائيلي، دقائق وكانت تخوض معركةً في الجو عجزت فيها عن الوصول إلى وجهتها، في ظلّ وجود ترسانة من الدفاعات الجوية الأكثر تطوراً في العالم تُحيط بديمونا؛ لكن القدر أراد أن يجعلها ليلةً تختلف عن مثيلاتها في العصر الحديث، فأخطأ صاروخان الهدف ليسقطا في "مِتْسَبِيه رَامُون"، حيث توجد قاعدة رامون جنوبي إسرائيل على بُعد 30 كلم فقط من الحدود المصرية، وكانت المفاجأة الثانية حينما اهتزّ المكان بانفجار هائل، وبدأت أنظمة الإنذار في الصراخ، بالتزامن مع سحابة سوداء كثيفة ارتفعت في السماء، وصوت هدير الانفجارات يقتلع آذان سكان القناة في مصر، بينما تحولت إسرائيل إلى ذئب يعوي من رصاصة قاتلة اخترقت جسده. وكيف لا؟! فالخسارة فادحة والقنابل النووية كانت في موقع الإصابة، بعد أن تم نقلها قبل أيام قليلة خوفاً من السيناريو المشؤوم.

الساعات التالية تمرّ بطيئةً كأنها دهر، لا أحد يعلم من ضرب من، أو من بدأ اللعبة، وكل طرف يتهم الآخر، لكن الحقيقة الوحيدة الآن: الشرق الأوسط على شفير الهاوية، وسرعة الرياح وشدة المطر باتتا الأكثر متابعةً. كيف لا، والحديث عن دورهما في توجيه التسريب الإشعاعي؟ الجميع يتذكر الربّ ويصلّي لتمضي الرياح بالإشعاع في اتجاه معاكس بغض النظر عن هوية الموجودين في هذا الاتجاه، والملايين باتوا غارقين في رعب الخوف من الموت القادم عبر الغبار الإشعاعي.

الخليج يُمنّي النفس بألا تتلوث مياه بحره الذي تعتمد عليه الدول كمصدر للحياة من خلال محطات تحلية المياه، خاصةً أنّ الانفجار الإيراني على بُعد كيلومترات معدودة، بينما تبدأ الجزئيات المشعّة تنطلق في الأجواء، فيما سيطر الهلع على سكان مصر والأردن وفلسطين، مع مخاوف من أن تتحول المنطقة إلى مستنقع مميت، ومستعمرة جذام، يتفاداها الجميع وتُعزل عن العالم. 

الساعات التالية تمرّ بطيئةً كأنها دهر، لا أحد يعلم من ضرب من، أو من بدأ اللعبة، وكل طرف يتهم الآخر، لكن الحقيقة الوحيدة الآن: الشرق الأوسط على شفير الهاوية، وسرعة الرياح وشدة المطر باتتا الأكثر متابعةً.

3 ساعات فقط، وتشرق شمس اليوم التالي، شمس يكسوها السواد، فاليوم ليس كالأمس، وما هو قادم مُرعب، الأسواق المالية تنهار، النفط يقفز بجنون، الطائرات تُمنع من الإقلاع، أصوات الأذان تختلط بأصوات طائرات حربية تمرّ في السماء العالية، لا أحد يعرف إن كان القادم عاصفةً نوويةً، أو نهاية الكوكب.

اليوم بدأ وكأنه لم يأتِ، فالشوارع شبه خالية، والملايين في منازلهم منكفئون لمتابعة شاشات التلفاز والهواتف الجوالة، حيث تُبثّ اجتماعات واتصالات قادة الدول، وتحركات الجيوش واستعداداتها، بينما تعود الكمامات للظهور، ليس بسبب وباء؛ بل خوفاً من الإشعاع، فيما هرع الإسرائيليون باتجاه الملاجئ المُحصنة تحت الأرض.

"ليلة الإشعاع الكبرى"؛ هكذا خرجت المانشيتات الرئيسية لصحف العالم، في الوقت الذي تسرّب القلق فيه مع مياه الشرق الأوسط الملوثة باتجاه شتى مناطق العالم. وكيف لا وتلك المنطقة التي باتت في حُكم "المنكوبة" تُعدّ خزّان العالم النفطي وحلقة الوصل بين الشرق والغرب؟ يكفي أن أخبرك بأنّ سعر برميل النفط تجاوز المئتي دولار من مستوى 65 دولاراً قبل وقوع الكارثة.

الأحداث متسارعة بشكل غير مسبوق، فالقاهرة تعلن غلق المجال الجوي مؤقتاً، وتبدأ حملات فحص إشعاعي في سيناء والدلتا، وسط إشاعات عن سحابة مشعة تحوم فوق المتوسط تؤدي إلى هلع جماعي في الإسكندرية ومطروح ومنها إلى الصعيد، فيما تتوقف عمليات تحلية مياه البحر في دول الخليج، التي أنشأت "غرف عمليات متواصلة" لبحث التسربات الإشعاعية، مع توظيف الأبواق الإعلامية لتهدئة الجمهور وتوجيه رسائل بأنّ "الوضع تحت السيطرة"، إلا أنّ القلق تَوحّش والهواجس سيطرت على الأذهان، حتى بات الشارع لا يصدّق.

ليلة الإشعاع الكبرى"؛ هكذا خرجت المانشيتات الرئيسية لصحف العالم، في الوقت الذي تسرّب القلق فيه مع مياه الشرق الأوسط الملوثة باتجاه شتى مناطق العالم. وكيف لا وتلك المنطقة التي باتت في حُكم "المنكوبة" تُعدّ خزّان العالم النفطي وحلقة الوصل بين الشرق والغرب؟

الاحتجاجات تخرج في أوروبا بشكل غير مسبوق مناديةً بضرورة معاقبة الأمريكيين، حليفهم الرئيسي، على الكارثة التي أصابت العالم وليس الشرق الأوسط فقط؛ فيما حاولت واشنطن التنصل من جريمتها عبر تسريب معلومات عبر قنواتها الإعلامية، بأنّ قمراً صناعياً التقط صوراً "غريبةً" تشير إلى ضربة نُفّذت بأسلحة غير تقليدية -ليست نوويةً بالكامل- ولكنها تحاكي أثرها، مع حديث عن هجوم بواسطة كائنات فضائية مجهولة؛ وليس أفضل من إيلون ماسك ليظهر ويحاول إقناع العالم بالرواية الترامباوية.

وفيما يسيطر الهلع والرعب على العالم، كان الفلسطينيون يتابعون المشهد بعين من فقد كل شيء حتى لم يعد هناك ما يخشونه، فالحياة كانت تعود لتنبض من جديد في قطاع غزة، وكثيرون يمنّون النفس بأن تتخذ الرياح اتجاه تل أبيب وحيفا، لعلها تنجح في ما فشل فيه العرب، وتقتلع جذور الكيان المغتصب للأرض، والمتوحش دون رادع في سنوات لعب فيها العرب دور الحمل الوديع، فيما كانت إسرائيل تنتزع دور أسد الغابة المُفتري، وسط تصفيق الجميع.

الفلسطينيون الذين عاشوا ويلات آلاف الأطنان من المتفجرات تنهمر عليهم كالمطر من السماء لأشهر طويلة، التقطوا أنفاسهم مع توقف ضربات الاحتلال الذي لجأ إلى محاولة النجاة في جحر الأنفاق، وبينما الجميع يتذوق طعم الرعب والهلع للمرة الأولى في الخليج والمنطقة، كان الفلسطينيون يهرعون نحو الحياة مُحاولين الحصول على الطعام من الأرض المُحتلة التي تُركت معابرها مفتوحةً خوفاً من غبار إشعاعي يفتك بالجميع.

غروب شمس شاحب يعلن نهاية أسبوع مَرّ كسنوات على العرب، تحولت فيه منطقة الخليج إلى منطقة أمنية مُغلقة، ومراقبة عبر الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار، لتلقّف أي إشعاع هنا أو هناك، فيما هرب من استطاع من الخليجيين صوب أوروبا وشواطئ ميامي، ومصر تُعلن إنشاء "خط دفاع إستراتيجي" من البحر الأحمر حتى السلّوم، وتشكل "قوات حماية مدنية نووية"، بينما يُعلن صندوق النقد الدولي عن التدخل لتفادي انهيار اقتصادي كامل في المنطقة، والعودة إلى عصر ما قبل البترول، والشاشات تتزاحم لتغطية أول مؤتمر دولي يُعقَد في جنيف تحت عنوان "حافة القيامة: منع تكرار كارثة هرمزجان ومِتْسَبِيه رَامُون".

الناس لم تعد تبحث عن الحقيقة، ومن المخطئ ألا يكون الغد أسوأ من اليوم. الأيام تُمرّ ثقيلةً بطيئةً ومشوبةً بالقلق، وسط أنباء عن انتشار السرطان في مناطق معيّنة بشكل جماعي، وشائعات تغذّي السوشال ميديا بشكل غير مسبوق، ومن امتلك المال قرر أن يعيش بعيداً عن تلك المنطقة التي وضعت لافتةً في عَرض المحيط مكتوباً عليها "ممنوع الاقتراب.. خطر الموت".

الفلسطينيون الذين عاشوا ويلات آلاف الأطنان من المتفجرات تنهمر عليهم كالمطر من السماء لأشهر طويلة، التقطوا أنفاسهم مع توقف ضربات الاحتلال الذي لجأ إلى محاولة النجاة في جحر الأنفاق

مرّت سنة على الانفجارات، والشرق الأوسط ليس كما كان، فإيران تعيش في حالة طوارئ مفتوحة، والمفاعل المدمّر تحوّل إلى منطقة عسكرية مغلقة تُحاط بأسوار سوداء وأسلاك كهربائية، فيما ظهرت موجات من السرطان الغامض في القرى المجاورة، لكن النظام ينفي كل شيء.

إسرائيل تُعلن ما يُسمّى "إعادة الهيكلة الدفاعية"، حيث تُبنى منشآت نووية جديدة تحت الأرض بتمويل سرّي، وحلفاؤها في واشنطن في مقدمة الداعمين؛ لكن المجتمع هناك يعيش في رعب دائم، فأكثر من مليون إسرائيلي هاجروا إلى أوروبا خلال العام الأول، ونصف مليون آخر صوب واشنطن، حتى قررت السلطات منع السفر لمن هم دون الـ50 عاماً.

القاهرة غيّرت عقيدتها العسكرية، وأُنشئت وزارة جديدة اسمها "الأمن الحيوي"، ورفعت موازنة الدفاع بنسبة 70%، بالتزامن مع خمود أصاب الحراك السياسي، وباتت السياسة بعيدةً عن أفواه البشر. لا حديثاً يعلو فوق الحديث عن القادم، مع أصوات إعلامية تطالب بوضع "ستارة صناعية" على بعد كيلومترين من الحدود الإسرائيلية وعلى امتداد تلك الحدود لمنع التسريب، وحديث عن دراسات علمية تؤكد إمكانية ذلك، وقدرة المصريين على صنع المعجزة.

الخليج صار أشبه بجزيرة محصنة وسط بحار مشتعلة؛ شُيّدت ملاجئ نووية تحت المدن، وبدأت الإمارات والسعودية وقطر أول مشاريعها المشتركة للطاقة النظيفة كبديل إستراتيجي، لكن خلف التعاون تقبع مخاوف من خيانة كبرى مستقبلًا، خاصةً أن واشنطن لم تحفظ العهد وتصُن الأموال التي نهبتها لسنوات، وأقدمت على ضربة أعادت تشكيل المنطقة، وإن كانت تلك الضربة مطلوبةً خليجياً للجم جموح إيران، إلا أنّ التنفيذ كان كارثياً.

ها هي الذكرى الأولى لحلول الكارثة، ومعها احتفالات شاحبة بأعياد ميلاد جيل وُلد على أصوات صفارات الإنذار وتجارب الإخلاء، وباتت المدارس تُدرّس مادة جديدة: "السلام الذكي"، لتعليم الأطفال كيف يعيشون في عالم على شفا الكارثة، فيما ينشر كاتب روايته "ليلة الإشعاع الكبرى" بمقدمة جاء فيها:

"في طفولتي، خفنا من الظلام… الآن، نخاف من الضوء. ليست القنابل التي تغيّر العالم، بل الخوف الذي تزرعه… الخوف الذي يصنع الوحوش داخلنا".

تمضي السنوات، ويبدأ عصر الجليد الدافئ، فالعالم أصبح قطبياً من جديد، بعد تحالف شرقي بقيادة الصين وروسيا وإيران، يحمل شعار "العدالة ما بعد الغرب"، وتحالف غربي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل والخليج، يُعيد تعريف الأمن العالمي بطريقة أكثر عنفاً ووقائيةً، وصراعات جديدة بالوكالة تظهر في إفريقيا، البحر الأحمر، وشرق آسيا، فيما لم تعد الحروب تُخاض بالجنود فقط، بل بفيروسات سيبرانية، وطائرات من دون طيار، ونزاعات اقتصادية.

في النهاية، لا حرباً عالميةً اندلعت؛ لكن لا سلام تحقق… الحياة عادت، لكن بلون باهت، لا أحد يخطط لما هو أبعد من الغد.. الشرق الأوسط لم يمت، لكنه لم يشفَ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image