كيف تقمّص بشار الأسد دور

كيف تقمّص بشار الأسد دور "بو نايف" في مسلسل "الخربة"؟

رأي نحن والتنوّع

الثلاثاء 9 ديسمبر 20255 دقائق للقراءة


فلنعد في الذاكرة إلى الحلقة 21 من المسلسل السوري "الخربة" والذي بثّ عام 2011 للكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو، وعنوانها "بلوتوث". دارت أحداث هذه الحلقة حول تسريب فيديوهات لزعيم عائلة بو مالحة بو نايف الذي يؤدي دوره رشيد عساف، والتي كان يتندّر فيها على زعيم عائلة بو قعقور غريمه الأزلي بو نمر.

الفيديوهات صوّرها أحد أفراد أسرته ويدعى رياض، والذي كان يشهر هاتفه علانية بوجه بو نايف، الذي يتحمس بدوره ويبدأ بالتهكم على بو نمر واختلاق القصص عنه، إلى أن تسرّبت الفيديوهات من طريق الخطأ، وبمحض الصدفة عبر خاصيّة البلوتوث، وأصبحت حديث الخربة المنقسمة على نفسها أفقيًّا وعموديًّا، والتي يمكن لأي حادثة عرضية أن تودي بها إلى حرب ضروس بين العائلتين المتصارعتين، في بلدة لا تظهر على الخريطة، ولم يكن معترف بها أساساً، وكانت ملحقة إدارياً ببلدة المصطبة.

هذا التسريب الخطير أحدث أزمة حقيقية، بخاصة عندما وصلت التسجيلات إلى بو نمر الذي يؤدي دوره دريد لحام، والذي سمع قصصاً عن شخصه ليس له أي علم بها، وكلّها أحداث من نسج خيال بو نايف أو "هشت" كما يسميها بو نمر.

وهنا اشتعلت الأحداث حيث بدأت عائلة بو قعقور بالاستعداد للاقتصاص من بو نايف كبير عائلة بو مالحة، ولكن تدخّل العقلاء من عائلة بو قعقور حال دون ذلك.

بعدما شاهدت تسريبات الفيديو للرئيس السوري السابق بشار الأسد من داخل سيارته، أدركت أن لا شيء مستحيل، وأن الصدف والقدر قد يكونان أقوى بكثير مما نتخيّل، فهنا يتقمص الأسد دور بو نايف في مسلسل الخربة، وبالذات في حلقة "بلوتوث"

إلا أن القصة لم تنتهِ بهذه البساطة، حيث جرت مواجهة بين الطرفين المتصارعين في ساحة البلدة وأمام الملأ، حيث واجه بو نمر غريمه بو نايف بما تم تسريبه، واستطاع أن يظهره بموقف الكاذب "الهشيت".

كنت أظن أن هذه الأحداث التمثيلية قد لا تحصل في الواقع، لكن مسلسلي "الخربة" و"ضيعة ضايعة"، ربما يكونان من أكثر المسلسلات التي يمكن أن نسقطها على واقعنا السوري الحي، ومع هذا لم أكن أتخيّل أن تحصل أحداثاً مشابهة كما حصل في حلقة بلوتوث هذه على المستوى الوطني!

فبعدما شاهدت تسريبات الفيديو للرئيس السوري السابق بشار الأسد من داخل سيارته، أدركت أن لا شيء مستحيل، وأن الصدف والقدر قد يكونان أقوى بكثير مما نتخيّل، فهنا يتقمص الأسد دور بو نايف، فيتحدث بأريحية مطلقة عن حلفائه قبل خصومه، يتهكّم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وينتقد "حزب الله"، ويتندر على ضباطه ويحتقر جنوده الذين كانوا يبايعونه بالدم، وكلّه أمام كاميرات من كانوا بالنسبة إليه ظلّه وموضع ثقته.

أتخيل الآن بوتين -الذي يقبع بشار في حمايته من العالم كله تقريباً- بدور بو نمر، يرسل وراء الأسد ليواجهه بما تحدث به عنه حيث تهكّم عليه الأخير بأنه يجري الكثير من عمليات التجميل، فماذا سيقول حينها الأسد؟ هل سيصرّ على موقفه كما أصر بو نايف فيلقى عقاباً شديداً؟ أم أنه سينكر ما حصل رغم وجود التسجيلات والتي انتشرت كالنار في الهشيم؟

لا أعتقد أن هذه التسجيلات ستمر مرور الكرام عند بوتين، ولا عند حلفاء الأسد الذين قدّموا له كل الدعم ووسائل الصمود لـ 13 عاماً، فمن المؤكد أن الصورة ستنقلب في الأيام التالية، من حالة تضامن إلى حالة ازدراء، وإن كان لدى عائلة بو قعقور عقلاء أطفأوا غضب بو نمر وشفعوا لأبو نايف، فربما لن يجد الأسد من يطفئ نار بوتين ويشفع له أبداً

هذه التسجيلات التي صورتها لونا الشبل للأسد بحجة التوثيق لعرضها لاحقًا ضمن أفلام وثائقية، ربما كان الهدف منها ابتزازه في قضايا داخلية أو خارجية، وإجباره على أمور كثيرة لا يريدها، رغم سيطرتها عليه بشكل واضح من خلال التسجيلات، ومن خلال شهادات صحافيين كانوا يترددون على القصر الرئاسي في دمشق ويعرفون طبيعة هذه العلاقة التي تعد بنظري واحدة من أسباب سقوط النظام.

لا أعتقد أن هذه التسجيلات ستمر مرور الكرام عند بوتين، ولا عند حلفاء الأسد الذين قدّموا له كل الدعم ووسائل الصمود لـ 13 عاماً، فمن المؤكد أن الصورة ستنقلب في الأيام التالية، من حالة تضامن إلى حالة ازدراء، وإن كان لدى عائلة بو قعقور عقلاء أطفأوا غضب بو نمر وشفعوا لأبو نايف، فربما لن يجد الأسد من يطفئ نار بوتين ويشفع له أبداً.

نستخلص من قصة الأسد في سيارة الهوندا، أنه علينا أن نتفكر جيداً بكلماتنا قبل التلفظ بها، وأن نعرف كيف نتكلم وأمام من نتكلم، وأن كل كلمة نُجرّ للفظها ربما يكون خلفها مخطط نجهله.

لقد استطاعت الشبل أن تقود الأسد إلى حيث تريد، فتكلّم بالسوء عن أقرب الناس إليه، وربما لو لم تمت الشبل في حادث سير على طريق الديماس في 2 تمّوز/ يوليو 2024 والذي أُثيرت حوله الكثير من علامات الاستفهام، لكان لهذه التسجيلات كلام آخر في مجرى الأحداث السورية .

انتهت أحداث مسلسل الخربة عند الحلقة 30، وبقيت في أذهان كل من حضرها، وأسدل الستار على واحد من أجمل المسلسلات السورية الكوميدية، والتي جسّدت الكثير من الواقع الذي نعيشه في قرانا وخصوصاً في بلاد الشام، لكن يبدو أن حلقات مسلسل سقوط نظام الأسد لم تنتهِ بعد، وحلقة التسريبات التي تشبه حلقة البلوتوث ستفتح الباب من جديد على أحداث جديدة، فلنترقّبها.






رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

الإعلام الموجّه والرسمي لا ينقل الواقع كما هو. 

رصيف22 يعمل كي لا تُحرَّف السردية.


Website by WhiteBeard
Popup Image