ترقب الجمهور عودة الممثل محمد سلام، الذي تم إقصاؤه عن الساحة الفنية بعدما هاجم عرض المسرحيات الكوميدية في إحدى الفعاليات خلال أحداث غزة، وقد عاد بالفعل بمسلسل يقدم فيه دور البطولة للمرة الأولى. يبدو المسلسل لأول وهلة كوميديا لطيفة تتشابه مع أعماله السابقة، غير أن حلقات "كارثة طبيعية" كشفت عن جانب قاتم في طرافته، جانب جعل المسلسل الخفيف يثقل قلوب الكثير من المتفرجين، ويضغط على مواضع قلقهم، لكنهم لا يستطيعون التوقف عن مشاهدته.
مسلسل "كارثة طبيعية" هو عمل درامي كوميدي أسود يُعرض على منصة Watch It، من تأليف أحمد عاطف فياض وإخراج حسام حامد. يتكون المسلسل من 10 حلقات، ويشارك في بطولته عدد من الممثلين منهم محمد سلام في دور محمد شعبان، جهاد حسام الدين، كمال أبو رية، حمزة العيلي.
لا يخيف مسلسل "كارثة طبيعية" مشاهديه بعدد الأطفال السبعة، بل لأنه يضعهم أمام الحقيقة القاسية: في عالم هش اقتصاديًا واجتماعيًا، قد يتحول أي حدث عابر إلى انهيار كامل لحياة أسرة من الطبقة الوسطى
محمد (محمد سلام) وشروق (جهاد حسام الدين) زوجان منذ ثلاث سنوات، يعيشان ضمن إطار الطبقة الوسطى الدنيا، مرتبهما يكفي بالكاد للإنفاق على معيشتهما، مع بعض الرفاهيات المحدودة مثل كريم للبشرة أو نوع شامبو شعر غالٍ، وبينهما اتفاق على تأجيل الإنجاب لأجل غير مسمى، بهدف إتاحة الفرصة لمحمد للتركيز على حلمه في كتابة السيناريوهات السينمائية.
كوابيس الطبقة الوسطى على الشاشة
منذ المشاهد الأولى يُجبر مسلسل "كارثة طبيعية" متفرجيه على الاشتباك مع أسئلة شائكة للغاية؛ أولها: من له الحق في اختيار قرار الحمل؟ هل هي المرأة التي تحمل الجنين تسعة أشهر ثم تتحمل مسؤوليته شبه الكاملة، أم الوالدان معًا؟ هل يحق لأحد طرفي العلاقة حرمان الآخر من الأمومة أو الأبوة؟ وفي الوقت ذاته، هل يحق لأحدهما فرض هذه المسؤولية التي تمتد لسنوات على طرف غير مستعد؟

غير أن شروق، بعد أن شعرت برفض محمد لأي مناقشة حول الموضوع، قررّت وحدها التوقف عن استخدام وسيلة منع الحمل، لتحمل بالفعل؛ الأمر الذي أثار غضب الزوج بطبيعة الحال، غير أن هذا الغضب لم يستمر طويلاً عندما واجه حقيقة تقلب الأمور رأساً على عقب. فبينما يرفض محمد إنجاب طفل واحد لأنه يحلم بحياة مختلفة، يجد نفسه وزوجته مواجهين بحقيقة أنها ستنجب خمسة أطفال دفعة واحدة، فيما اعتبراه "كارثة طبيعية".
تقدم الحلقات التالية انهياراً سريعاً لحياة الزوجين بما يشبه انهيار الطبقة الوسطى، خصوصاً الدنيا منها، إلى حافة الفقر. إنجاب هذا العدد المهول من الأطفال، والذي تطور إلى سبعة بعد الولادة، يشكل ضغطاً هائلاً على دخلهما، خصوصاً وأن رعاية هذا العدد من الأطفال بدون أي نظامِ دعمٍ يحرم الأسرة من دخل الزوجة. وتبدأ الكوارث في التداعي واحدة تلو الأخرى، بشكل في غاية الواقعية يتناسب مع ما يحدث في عالمنا الحقيقي، ليمثل المسلسل أسوأ كوابيس العديد من المشاهدين.
نتماهى كمشاهدين مع أبطال "كارثة طبيعية" ليس خوفاً من إنجاب هذا العدد المفاجئ من الأطفال، بل لأن ما يحدث على الشاشة يمثل صدى لما يمكن أن يحدث في حياتنا الحقيقية لأسباب أكثر بساطة: مرض مفاجئ يحرم الأسرة من مدخراتها، صاحب منزل يُجبر المستأجرين على الرحيل لأنهم لا يدفعون الإيجار، موظف يتم تسريحه من وظيفته نتيجة تحولات رأسمالية لا تنتهي.
لتبقى حلقات المسلسل العشرُ شهادةً على هشاشة حياة المواطن المصري المعاصر، الذي لا يقلق من الكارثة الطبيعية في المسلسل على وجه التحديد، بل من طوفان الكوارث الأخرى التي يهلع لها يومياً، ويحاول أن يتناساها قبل أن يواجهه المسلسل بها. لكن رغم كل هذا الطابع الكابوسي للمسلسل، إلا أن الجمهور لا يستطيع التوقف عن المشاهدة، وينتظر الحلقة الأخيرة التي قد تحمل انفراجة درامية يحلم بها في حياته الواقعية.
كيف نناقش النّسوية عندما نكون أمام كارثة طبيعية؟
يفتح المسلسل نقاشاً حتمياً حول ضرورة الدعم الذي تتلقاه الأمهات الجدد بعد الولادة. فشروق هي امرأة شابة فقدت والدتها وهي لا تزال وليدة، وبعد إنجابها افتقدت كل أنظمة الدعم المتاحة لمن هن في مثل وضعها، فيتركها والدها بعد تهنئتها بالولادة، بينما تتخلى عنها عمة الأطفال. وعلى الجانب الآخر، يُجازى زوجها لأخذه إجازة لأيام قليلة لمساعدتها في رعاية الأطفال، ويتم تسريحها من عملها في ظل قوانين لا تحمي الأمهات بشكل كافٍ، خصوصاً في القطاع الخاص، وفي زمن أخلت فيه قوانين العمل الحر أو "الفريلانس" بكل المواد القانونية المتعلقة بإجازة الوضع ورعاية الطفل.
تُترك شروق وحيدة إزاء مسؤولية عملاقة تُهلِك أي امرأة أخرى، غير أن مساحة مناقشة القضايا النِسوية في المسلسل تنكمش نتيجة للضغط الاقتصادي الهائل الواقع على الزوجين، ليدخل الشخصان في حلقة مفرغة من البحث عن المال لسدّ الاحتياجات الأساسية؛ حلقة تجعل السردية النسوية تبدو رفاهية. لكن هل هي كذلك؟
متى أصبح قرار الإنجاب رفاهية لا قدرة على تحملها وكيف صارت النسوية ترفاً؟
علمنا التاريخ أن في حال الضغوط السياسية أو الاقتصادية الهائلة يتراجع النقاش حول حقوق المرأة، فهناك حجج جاهزة مثل: عندما تنتهي الأزمة الحالية ستحصلين على حقوقك، بينما في الحقيقة، حقوق المرأة ضرورة في كل زمان. فإزاء وضع مثل الذي يعيشه محمد وشروق، وفي حالة وجود قوانين تحمي شروق من التسريح من العمل رغماً عن إرادتها، وقوانين أخرى تُجبر أماكن العمل على إقامة حضانات ملائمة للأطفال، لاستمرت في وظيفتها، ولم تفقد دخلها.
وإن حصل الزوج على إجازة رعاية طفل بعد إنجاب زوجته، كما تحتم القوانين في بعض البلاد، تضمن دعم الزوج في رعاية الأطفال، كان استطاع العودة للعمل بعد إجازة الوضع.
كل هذه الإجراءات القانونية والدعم المؤسسي تجعل من مناقشة القضايا النِسوية أمراً ممكناً حتى في ظل ضغوط الحياة اليومية، وتعيد التوازن بين الأدوار المتعددة التي تتحملها المرأة، وتجعل من الأب شريكاً حقيقياً في رعاية الأسرة.
"كارثة طبيعية" بطابعه الكوميدي والساخر أحياناً، يعكس الواقع الصعب للنساء اللواتي يفتقدن للدعم، ويضع المشاهد أمام تساؤل مهم: هل يمكن اعتبار الحقوق النسوية رفاهية أم ضرورة أساسية للحياة الكريمة؟
من خلال شروق وتجاربها، يدعو المسلسل إلى إعادة التفكير في دور الدولة، قوانين العمل، والمجتمع ككل في دعم الأمهات والأزواج، ويُظهر أن حماية حقوق المرأة ليست خياراً بل واجباً، وأن النقاش حول النِّسوية يجب أن يستمر حتى في الأزمات الكبرى، وليس فقط عند تراجع الضغوط الاقتصادية أو السياسية.

مسلسل كارثة طبيعية ليس مجرد كوميديا خفيفة، بل مرآة صادقة تعكس ضغوط الحياة اليومية للطبقة الوسطى في مصر، وتسلط الضوء على هشاشة الأمن المالي والاجتماعي. من خلال رحلة محمد وشروق، يضع المسلسلُ المشاهدَ أمام تحديات الأبوة والأمومة، وحاجة المجتمع والدولة لدعم الأمهات والأزواج، ويعيد النقاش حول الحقوق النّسوية إلى صميم الأولويات، حتى في أصعب الأزمات.
في النهاية، يتركنا العمل مع سؤال مهم: هل أصبح اليوم إنجابُ الأطفال رفاهية؟ وهل سيتحول الإنجاب بعد سنوات إلى حق للطبقات الثرية فقط، بينما تقف برامج تحديد النسل بالمرصاد لهؤلاء الذين لا يمتلكون ما يكفي لرعاية طفل أو إثنين في زمن يتحول إلى كابوس يومي للجميع؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



