شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
مسلسل

مسلسل "عقد إلحاق"... لماذا يمكن عدّه تجربةً جريئة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والحقوق الأساسية

السبت 31 أغسطس 202409:10 ص

لم تعد مقولة "الجمهور عاوز كده"، صالحةً أو حتى حجةً لتقديم الأعمال "الهابطة" أو "الساذجة" إذا صحّ التعبير. فجمهور اليوم أصبح أكثر قدرةً على انتقاء الأعمال التي يودّ مشاهدتها، خاصةً في ظل التنوع والثراء والقدرة على الانتقال بين القنوات الفضائية ومنصات العرض.

خير مثال على ذلك، ما جرى مؤخراً مع المسلسل السوري "عقد إلحاق"، الذي انتهى عرضه قبل أيام على إحدى المنصات الخاصة، والذي بحث عنه الجمهور وتابعه، وهو عمل درامي سوري من 12 حلقةً، كُتبت حلقاته على نار هادئة جداً من قبل مجموعة من الشباب الواعدين ضمن ورشة ضمّت كلّاً من دعاء حرون، أحمد أبو شقير، هدى بيرقدار، بيسان شقير، ومحمد رجب، بجانب المخرج ورد حيدر، بينما أنتجته شركة "ببنتالنس".

ملصق مسلسل "عقد إلحاق"

تبدو فكرة تقديم عمل سوري مع مخرج شاب وورشة كتابة غير معروف نتاجها سابقاً، نوعاً من المغامرة بالنسبة لكثيرين، خاصةً في حال كان موضوع العمل معقّداً وغير سطحي، ويسير وفق خطوط درامية متوازية ومتداخلة وعميقة قد لا تجذب جمهور الشباب الذي اعتاد على التبسيط. لكن المغامرة تحتاج إلى قلب قويّ وإيمان كبير ليكون حليفها النجاح. وهذا ما حصل بالفعل مع المخرج الشاب ورد حيدر، القادم من عالم السينما بعد سنوات من الدراسة في العاصمة الماليزية كوالالمبور، ليقدّم نفسه في سوق العمل كمخرج ناضج وقادر على التحدي والمغامرة.

تدور قصة العمل حول ريما الطفلة مجهولة النسب، التي ستجد نفسها في أحد الملاجئ إلى أن تتبناها عائلة ثرية وفق عقد إلحاق، وستقوم برعايتها وتربيتها إلى أن تصبح شابةً وفنانةً 

في مسلسل "عقد إلحاق"، لا يتفوق الإخراج على النص كما يحصل عادةً في بعض الأعمال الدرامية التي يحاول المخرج الرفع من قيمتها عبر صورة فنية رائعة، بل إن النص والإخراج سارا على خطٍّ متوازٍ ليخرج العمل على تلك الشاكلة من الإتقان والاحترافية، بحيث لا يمكننا كمشاهدين تخطّي أي حلقة منه، ولا حتى تجاوز مقدمته "ما قبل الشارة"، لأن أي تجاوز سيفقدنا جزءاً مهماً من تفاصيل الحكاية المشوّقة، وهذا بطبيعة الحال يُحسَب للمخرج الذي كان بدوره جزءاً من ورشة الكتابة، وقد مكّنه ذلك من وضع وجهة نظره الإخراجية للعمل بدايةً من الورق وليس العكس. أضف إلى ذلك، شارة العمل البديعة التي صممها إبراهيم الطويل، والموسيقى التصويرية الساحرة التي ألّفها أري جان سرحان.

تدور قصة العمل باختصار شديد حول ريما الطفلة مجهولة النسب، التي ستجد نفسها في أحد الملاجئ إلى أن تتبناها عائلة ثرية وفق عقد إلحاق، وستقوم برعايتها وتربيتها إلى أن تصبح شابةً وفنانةً صاحبة موهبة كبيرة في فن النحت والرسم. لكن العمل لا يتوقف عند قصة ريما التي سنكتشف لاحقاً خباياها النفسية ودمارها، بل سيدخل أيضاً في عالم سرقة الآثار والهجرة غير الشرعية وبعض الأمراض النفسية.

لقطة من مسلسل "عقد إلحاق"

إنها مجموعة خطوط درامية نفسية تتشابك في عالم تلك الفتاة ومحيطها، لكن الحب كما تشير نهاية العمل سيكون الحل الوحيد القادر على علاج كل العلل بما فيها قسوة الحياة والمجتمع. تقول هدى بيرقدار، إحدى المشاركات في كتابة النص، لرصيف22: "بدأ العمل من فكرة قدّمتها دعاء حرون، التي كانت بدورها المسؤولة عن خطّ بطلة العمل ريما، منذ طفولتها إلى أن كبرت، بينما أنا كنت مسؤولةً عن كتابة خط جاد خطيبها الذي لعب دوره مهيار خضور، وليس فقط جاد بل كل دوائره من أصدقاء العمل وعائلته، وكان محور الشخصيات الوهمية التي ستتخيلها ريما في معظمها، من كتابة بيسان شقير.

ممثلون مسلسل "عقد إلحاق"

ولأن الشخصيات كانت متخيلةً، لم يكن لدينا أي تضارب في الخطوط ولا حتى أي مشاهد مشتركة، الأمر الذي سهّل علينا الكتابة". مضيفةً: "وكانت الحلقة، بعد أن ننتهي من كتابة محاورها، تعود لدعاء حرون لمعالجتها، وكان كل ما سبق بإشراف المستشارة النفسية الأستاذة رفيف الساجر التي كانت تتابعنا خطوةً خطوة حول المرض النفسي والتبريرات النفسية للشخصيات، فتعدّل على ما كتبنا أو تثني عليه".

تلعب قدرة المخرج على إدارة ممثليه دوراً كبيراً في نجاح أو فشل أي عمل درامي، إلى درجة بات بعض المخرجين يلجؤون إلى مدربين لضمان نجاح أعمالهم. وبعيداً عن أبطال العمل من الأطفال، أمثال غزل كردية وروسيل الإبراهيم وبيان أبو الهوى وغيرهم الذين قام يزن مرتجي ولميس محمد بتدريبهم، يبقى السؤال: كيف استطاع هذا المخرج الشاب إدارة وتوجيه كل هذا العدد من الممثلين، وفيه مخضرمون أمثال سمر سامي، حسن عويتي، صباح الجزائري، سلمى المصري، وأمانة والي، بجانب ممثلين شباب لهم باع في الدراما وسبق أن سجلت أعمالهم العديد من النجاحات، أمثال سعد مينا، دانا مارديني، ومهيار خضور، وشادي الصفدي، ونانسي خوري، وكفاح الخوص، وأندريه سكاف، وقمر خلف، بالإضافة إلى بعض الوجوه الشابة من خرّيجي المعهد العالي للفنون المسرحي، كسارة بركة، حسن دوبا، شريف قصار، لؤي النوري، فادي حواشي وفرح الديبات، والقائمة تطول.

إنها مجموعة خطوط درامية نفسية تتشابك في عالم تلك الفتاة ومحيطها، لكن الحب كما تشير نهاية العمل سيكون الحل الوحيد القادر على علاج كل العلل بما فيها قسوة الحياة والمجتمع

يقول المخرج في تعليق كتبه على فيسبوك: "نعم لقد تشاركت الحلم مع هؤلاء العظماء. ما كل هذا الحظ الذي عندي؟!". في الحقيقة لم يكن الأمر مجرد حظ، بل كان بمثابة الوثبة العالية لمخرج سيلمع نجمه قريباً في عالم الدراما وسيحقق نجاحات كثيرةً في حال حصل على الفرص المناسبة.

أداء ساحر لنجوم العمل

تبدو الفنانتان سمر سامي ودانا مارديني، وجهين لعملة واحدة، إلى درجة تكاد تصدق أنهما من عائلة واحدة (أمّ وابنتها)، بل أكثر من ذلك قدّمت دانا دورها وكأنها نسخة من سمر سامي في شبابها، إلى درجة أنك لو أغمضت عينيك لحظةً لاعتقدت أنها ارتدت روحها. وبرغم أن الدور يستدعي دراسةً كاملةً للحالة النفسية للشخصية، إلا أن دانا وبعيداً عن تلعثمها البسيط جداً في الكلام، لم تغرق وتتماهى مع تفاصيل الشخصية، بحيث أدخلت الشك إلى الجمهور نفسه في اضطرابها النفسي من عدمه.

تصوير مسلسل "عقد إلحاق"

أما سمر سامي، فلقد كان العمل بمثابة التفاتة رائعة لذاكرتنا إلى فنانة مخضرمة موهوبة لا تستوقفها إلا الأدوار الصعبة وربما المركبة، فهي تمتلك إحساساً عالياً يكاد يخرج من الشاشة ليلامس قلوب الجمهور نفسه. واللافت في العمل الذي برغم أنه يدور حول ريما كبطلة محورية، أنه عمل من بطولة جماعية بامتياز، فكل ممثل في مكانه بدءاً من الفنانة صباح جزائري، التي كانت لها بصمة قوية ومؤثرة بالرغم من مشاهدها القليلة، ولكنها كانت من أكثر المشاهد الإنسانية.

كما أن العمل سجّل عودةً ذات ملامح مغايرة للفنان حسن عويتي، كما لعبت نانسي خوري أحد أجمل أدوارها فيه، وقدّم مهيار خضور شخصيةً جديدةً ومختلفةً كلياً عن أدوراه السابقة، وأدى وسام رضا النجم الصاعد شخصيةً مميزةً مركبةً ومعقدةً تستحق الوقوف مطولاً عندها والكتابة عنها.

لكن يبقى السؤال المهم الذي ربما سيطرحه البعض: هل هذا هو الوقت المناسب للحديث عن الأمراض النفسية للشخصية في ظل وجود قضايا أكثر أهميةً على صعيد عربي ومحلي؟ حول ذلك تقول رفيف الساجر لرصيف22: "برغم كل ما يحدث من خذلان وصراعات وتصدّع مجتمعي وقلق اقتصادي، نحن بحاجة إلى الحديث عن الاضطرابات النفسية التي تصيب الإنسان، لأننا نعوّل على الإنسان الفرد في المجتمع لينهض وليعود معه الوعي المجتمعي، فهذا الشخص الذي خذله مجتمعه وخذلته دولته وسياسته وخذله الوضع الاجتماعي والسياسي، وخُذل أيضاً على صعيد الحب والانتماء والاحتواء، هو شخص أسير الاضطراب النفسي، فكيف يمكن أن نعوّل عليه في المستقبل وفي ما هو قادم؟ وريما البطلة من جيل غالبته تشعر بالخذلان، ومشكلتها واضحة جداً وجائرة وتتعلق بعلاقتها بالمجتمع، وهو مجتمع فاسد رفضها ولم يتقبلها وتعالى عليها، ولو احتضنها لما وصلت إلى تلك الحالة النفسية من الاضطراب بلا أمل أو حلّ".

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard