اتفاقية الدفاع السعودية الأمريكية... نفوذ أكبر للرياض أو التزامات أثقل؟

اتفاقية الدفاع السعودية الأمريكية... نفوذ أكبر للرياض أو التزامات أثقل؟

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 25 نوفمبر 202512 دقيقة للقراءة


المملكة اليوم أكثر ثراءً وثقةً وأكثر حزماً دبلوماسياً من أي وقت مضى. كما يبدو ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد، الأمير محمد بن سلمان، أكثر ثقة سياسياً كزعيم مستقبلي للملكية السعودية. إذ أعاد تموضع الرياض كضامن للاستقرار الإقليمي الأوسع، بحسب تشاتام هاوس، وهي مؤسسة بحثية بريطانية. لذلك، سعى ولي العهد خلال زيارته إلى واشنطن في الثامن عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، إلى تأمين مستقبل العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، من خلال اتفاقيات اقتصادية وأمنية أقوى.

أسفرت الزيارة عن حزمة واسعة من التفاهمات والاتفاقيات الاستراتيجية، شملت توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي، وشراكة استراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي، وإعلان اكتمال المفاوضات حول التعاون المدني للطاقة النووية، وإطار للتعاون في تأمين سلاسل إمداد اليورانيوم والمعادن الحرجة والمغانط الدائمة مع إطار عمل لتسهيل الاستثمارات السعودية وتسريعها. كذلك ترتيبات للشراكة المالية والاقتصادية، والتعاون في قطاع الأسواق المالية، بجانب الاعتراف المتبادل بالمواصفات الفيدرالية الأمريكية لسلامة المركبات ومذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في هذا المجال.

فالمملكة تسعى إلى ترسيخ موقعها كلاعب استراتيجي يجمع بين تعزيز الاقتصاد الوطني عبر استثمارات كبرى، والحفاظ على توازن سياسي يحمي مصالحها الإقليمية، مع الاستجابة لتطلعات شركائها الدوليين، وفي مقدمتهم أمريكا. لذا، تمثل زيارة الأمير السعودي إلى واشنطن اختباراً لشراكة الدولتين، يقيس قدرتهما على التوفيق بين الاقتصاد والأمن والسياسة، وإدارة ملفات حساسة كالدفاع والتطبيع والأمن الإقليمي وسط بيئة دولية متقلبة، بحسب موقع بي بي سي عربي.

ويأتي ذلك بعد تحول الرياض خلال السنوات الأخيرة إلى لاعب استراتيجي بارز، يجمع بين النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي والسياسي، يضيف الموقع. فسياسياً ودبلوماسياً، برزت المملكة كوسيط دولي في ملفات معقدة مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، مستضيفة محادثات بين موسكو وواشنطن، ما يعكس انتقالها من التركيز على النفط إلى الانخراط في قضايا الأمن والاستقرار الدولي. واقتصادياً، عززت موقعها المحوري في سوق الطاقة عبر "أوبك بلس"، وفتحت أبوابها للاستثمارات الأجنبية الضخمة بهدف تنويع الاقتصاد وجذب التكنولوجيا العالمية.

القيادة الإقليمية للرياض

تضع السعودية الضمان الأمني أو اتفاقية الدفاع مع أمريكا في صدارة أولوياتها، وتسعى إليه منذ سنوات، حسب مجلة المجلة. لكنه يظل معقّداً بسبب الحاجة إلى موافقة الكونغرس، وهو ما تعمل واشنطن على تأمينه، لإبقاء السعودية شريكاً استراتيجياً في الفلك الأمريكي، بعيداً من نفوذ الصين وروسيا، بحسب "بي بي سي".

لذا، لجأت الإدارة الأمريكية إلى اتفاق بصيغة أمر تنفيذي يمنح الرياض وضعاً يوازي المعاهدة الدفاعية، بحسب المجلة. ويُعدّ أعلى درجات التعاون العسكري والأمني الممنوحة لدولة خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفق صحيفة الشرق الأوسط يوفّر امتيازات بارزة، كأولوية الحصول على الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، وإمكانية شراء أو استئجار المعدات العسكرية بشروط ميسّرة، والمشاركة في برامج تطوير الأسلحة والمشاريع المشتركة للبحث والتطوير العسكري.

السعودية اليوم ليست كالأمس، فالمملكة تسعى إلى ترسيخ موقعها كقوة إقليمية تقود توازنات المنطقة، عبر الاستثمارات الضخمة والتحالفات الدفاعية والتقنيات المتقدمة. لكن السؤال: هل تنجح في تثبيت دورها الجديد وسط صراع القوى الكبرى وتقلبات الشرق الأوسط؟

وينبع الاهتمام الخليجي بالشراكات الأمنية من تعدّد التهديدات المحيطة من فواعل حكومية وغير حكومية، بحسب مركز ستيمسون. عليه، عملت السعودية على تعميق وتنويع شراكاتها الإقليمية والدولية، مع الولايات المتحدة وباكستان ومصر وتركيا، بجانب تدريبات مشتركة مع الصين وغيرها، بما يعكس سعيها لبناء شبكة أمنية متعددة الأبعاد تظلل كامل المنطقة.

في هذا السياق، يستشهد الخبير الاستراتيجي واللواء السابق في القوى الجوية السعودية، عبد الله القحطاني، بتصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، "ثلاثون دقيقة جعلتني أستجيب لمطالب المملكة"، مقرناً بأن تدخل الرياض كشف له حجم مأساة السودان ودفعه للاستجابة الفورية. أيضاً، اضطلعت الرياض بدور مؤثر في سوريا، عبر علاقاتها وضغطها بالتنسيق مع واشنطن. وفي مجال مكافحة الإرهاب في الجزيرة العربية ومصر، كان لها تأثير مباشر على مواقف القوى الكبرى بهذا الشأن، وكان الموقف السعودي حاسماً في دعم استقرار مصر خلال حكم الإخوان، ودفع الأوروبيين والأمريكيين إلى تبني موقف منسجم مع الرياض. إضافة لجهودها في دفع الولايات المتحدة للاهتمام بأزمات العراق واليمن.

يضيف القحطاني لرصيف22، السعودية اليوم ليست قوة صاعدة فحسب، بل قوة إقليمية راسخة ومؤثرة، تستثمر ثباتها الداخلي وحكمة قيادتها في التأثير على المسارات الدولية، وحماية البيئة الإقليمية، وتقديم نموذج تنموي ورؤية مستقبلية فريدة. ويشير إلى أن الولايات المتحدة، باعتبارها قوة عظمى، تدرك أن السعودية بما تمتلكه من ثقل اقتصادي ومعرفي وتاريخي وديني، ودور محوري في الطاقة والسياسة الداخلية والخارجية، باتت قوة إقليمية ودولية مؤثرة في رسم السياسات والعلاقات الدولية. منوهاً بأن اتساع شبكة حلفائها في الأمريكيتين وأوروبا وآسيا وأفريقيا، أعطى المملكة قدرة التحدث في المحافل الدولية لمصلحة قاعدة واسعة من الدول والشعوب العربية والإسلامية والأصدقاء حول العالم، مستثمرة هذه القوة بحكمة وتواضع وصدقية.

وساطات السلم والحرب

وبجانب تحفيز الإدارة الأمريكية على انخراط إيجابي لإنهاء الأزمة السودانية، تداولت بعض المصادر المفتوحة إمكان تصدّر المملكة لوساطة في المفاوضات النووية المتعثرة بين الولايات المتحدة وإيران، وهو ما ذكره رئيس مركز التفكير السياسي، الدكتور إحسان الشمري، خلال حديثه لرصيف22. بتقديره، تمثّل زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن نقلة نوعية في الدبلوماسية السعودية، إذ عكست الحفاوة والاحتفاء بالزيارة ثقل المملكة ومكانتها المتنامية. وقد برز ذلك من خلال طبيعة تعاطيها مع ملفات المنطقة، بدءاً من القضية الفلسطينية، مروراً بوساطاتها في أزمات إقليمية، ودعمها لسوريا ولبنان، وصولاً إلى جهودها في تقريب وجهات النظر بين إيران والولايات المتحدة.

اتفاقية الدفاع الاستراتيجي نقلت الرياض من شراكة تقليدية مع واشنطن إلى موقع النفوذ. فهل تمنحها هذه الترتيبات ضمانات حقيقية أم تفتح باب التزامات ثقيلة على المدى البعيد؟

كما حملت الزيارة ملفات استراتيجية ترتبط بالمصالح السعودية، مثل التعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وصفقات الطائرات، فضلًا عن حصول المملكة على وضع الحليف الاستراتيجي خارج الناتو مع الولايات المتحدة. وبذلك يمكن القول إن السعودية اليوم باتت قوة إقليمية متقدمة، تتجاوز الأدوار التقليدية، وتُصنّف كقوة قائدة في الشرق الأوسط ذات تأثير عالمي، بحسب الشمري.

"أثبتت الرياض حضوراً فاعلاً في إدارة الأزمات الدولية، وعلى رأسها الحرب الروسية-الأوكرانية، بما يعكس نجاحاً دبلوماسياً لافتاً"، قال الشمري. وهذا النجاح كان مدركاً من الرئيس ترامب، الذي تعامل مع السعودية باعتبارها دولة ذات ثقل وقيادة واعية بالتحولات الدولية. من جانب آخر، جسدت الزيارة نموذجاً واضحاً لنجاح دبلوماسية الأمير محمد بن سلمان، الذي استطاع أن يرسّخ مدرسة دبلوماسية في العلاقات الدولية، وأن يترك أثراً مباشراً على البيت الأبيض وصانع القرار العالمي.

بدوره، يؤيد معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ما ذهب إليه الضيفان، منوهاً بإعادة تأكيد القيادة الإقليمية للمملكة، في ظل تزايد الدور الدبلوماسي النشط للمملكة إقليمياً ودولياً. أعادت الرياض علاقاتها مع إيران بوساطة صينية، ودعمها الدبلوماسية والسياسية لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وفق مبدأ "حل الدولتين"، وقيادتها لمبادرات تعزيز الحكومة الانتقالية في السودان وتحقيق الاستقرار في اليمن والصومال. بجانب ارتباط هذه التحركات بأجندة داخلية تقوم على التنويع الاقتصادي الطموح، وتعزيز مكانة السعودية كقوة متوسطة ذات سياسة خارجية مستقلة، تجمع بين التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة والانفتاح على الصين وروسيا في ظل المنافسة العالمية.

التزامات أحادية الجانب

سابقاً، ناقشت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، مع الرياض معاهدة كانت ستتضمن قيوداً على التعاون العسكري السعودي مع الصين، إضافة إلى ضمان وصول القوات الأمريكية إلى الأراضي السعودية عند الحاجة للدفاع عن الولايات المتحدة، بحسب المجلس الأطلسي. لكن ترامب لم يوضح ما إذا كان سيمنح الرياض ضماناً أمنياً أحادي الاتجاه أو التزامات متبادلة. حيث تبقى بكين قضية حساسة في العلاقات الدفاعية بين واشنطن والرياض. إذ أعربت وكالات الاستخبارات الأمريكية عن مخاوف من احتمال وصول بكين إلى تكنولوجيا طائرة F-35 في حال المضي بصفقة بيعها إلى الرياض.

أيضاً، يبدو أن ترامب لم يشترط ربط صفقة الـ "F-35" بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ترامب يقول إنه تلقى "رداً إيجابياً". لكن ولي العهد أوضح أن رغبته في الانضمام إلى "اتفاقات إبراهيم"، مقترنة بضرورة أن تتيح إسرائيل مساراً نحو إقامة دولة فلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل حتى الآن، بحسب وكالة DW. وهو ما يمثل تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية، قد يُعيد رسم التوازن العسكري الإقليمي، بحسب تقرير آخر للوكالة الألمانية، ويضع اختباراً عملياً لمفهوم حفاظ واشنطن على "التفوق العسكري النوعي" لإسرائيل، الدولة الوحيدة في المنطقة المالكة لمقاتلات F-35. يؤيد ذلك أيضاً، معهد واشنطن.

"السعودية حليف كبير، وإسرائيل أيضاً حليف كبير. أعلم أنهم يفضّلون (الإسرائيليون) أن تحصلوا على طائرات أقل تقدّماً، لكن من جانبي أرى أن البلدين يستحقان الأفضل"، قال ترامب. أضاف، إن النسخة التي قد تُباع للسعودية ستكون مماثلة لتلك التي تشغّلها إسرائيل.

تبرع المملكة اليوم في ممارسة دبلوماسية “الحياد النشط”، والتي تجمع بين الانفتاح على بكين وموسكو والشراكة الوثيقة مع واشنطن، وفي ذات الوقت تخوض وساطات في أوكرانيا والسودان ولبنان. لكن إلى أي حد يمكن لهذا التوازن أن يصمد أمام ضغوط التنافس الأميركي–الصيني؟

هذه المكانة لم تأتِ من فراغ، بحسب القحطاني، بل بُنيت على تراكمات تاريخية منذ عهد الملك المؤسس، عبد العزيز آل سعود، الذي أسس لعلاقات استراتيجية مع واشنطن منذ لقائه بالرئيس الأمريكي الأسبق، فرانكلين روزفلت، في البحيرات المرة عام 1945. ومنذ ذلك الحين، واصلت المملكة بناء مكانتها عبر قيادة حكيمة، ذات صدقية عالمية، إضافة إلى وحدة داخلية صلبة، بجانب استقرار سياسي واجتماعي جعل صوتها واحداً ومؤثراً، وهذه قوة لا تتوافر لكثير من الدول.

يردف القحطاني، رغم مواقف بعض القادة الأمريكيين غير الودية، أثبتت الرياض قدرتها على الحفاظ على علاقات متوازنة، قائمة على سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤون الآخرين، مع التمسك بدورها الذي تعتبره واجباً تجاه المنطقة والعالم، من خلال رؤية واضحة تقود المنطقة نحو التقدم، مع مراعاة مصالح الآخرين كما تراعي مصالحها. إضافة إلى التأكيد على أن علاقاتها مع الولايات المتحدة تهدف إلى حماية الأمن القومي العربي وخدمة المنطقة عموماً، وليست بغرض استهداف أي دولة.

ويدفع التنافس الأميركي-الصيني على السعودية واشنطن إلى تقديم خطوات تلبي مصالح الرياض، بحسب معهد واشنطن. لكن المملكة تظهر إدراكاً لحدود التعاون مع بكين في المجالات التكنولوجية الحساسة، بخاصة مع تصاعد المخاوف الأميركية بشأن الأمن القومي وتبادل المعلومات الاستخبارية. وفي إطار تعزيز مواءمتها مع أمريكا، أعلنت شركة الذكاء الاصطناعي السعودية الناشئة "هيومين" التزامها بالابتعاد عن استخدام رقائق هواوي الصينية، كما أبدت الرياض اهتماماً متزايداً بجذب الاستثمارات الأميركية في قطاع الذكاء الاصطناعي، بالتوازي مع جهودها لتوسيع قدراتها المحلية في هذا المجال.

مع ذلك، يزداد القلق الأمريكي من توسع علاقات الخليج مع الصين، بحسب معهد كوينسي. إذ يرى ترامب أن السعوديين ابتعدوا عن واشنطن بسبب ضعف الدعم، متعهداً بإعادتهم وحمايتهم. ويُطرح أن ترتيباً دفاعياً رسمياً قد يكون ضرورياً لإبقاء الرياض في المدار الأمريكي. معتبراً أن إدارة ترامب، مثل بايدن، تراهن على أن وعود الحماية قد تدفع السعودية نحو التطبيع مع إسرائيل، وتفتح المجال لصفقة أوسع تشمل أولويات أمريكية مثل استقرار غزة بعد الحرب. لكن هذه الوعود لا تكفي لإبعاد الرياض عن بكين، التي تُعد شريكاً أساسياً في تنويع اقتصادها وتعزيز مكانتها الدولية، برأي كوينسي الذي يتبنى غالباً وجهات نظر إيران حتى على حساب المصالح الأمريكية، ويعارض مصالح وسياسات السعودية.

لكن رغم محاولات التشويش على مكانة المملكة من خلال قضايا الدين أو المرأة أو التراث، تثبت الرياض أنها صديق للإنسانية وشريك لكل العالم، بحسب القحطاني. فهي عززت حضورها في مجالات الصناعة والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، واستثمرت في العقول والكوادر البشرية، حيث خرّجت مئات الآلاف من أبنائها من الجامعات العالمية في تخصصات دقيقة، مما جعلها قادرة على قيادة التنمية والتأثير في الاقتصاد العالمي. وأثبتت أنها شريك عالمي في مكافحة الإرهاب وحماية أمن الطاقة الدولية. وقد اعترفت القوى الكبرى بهذا الدور.




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image