مئات المليارات... من سيفوز بصفقات إعادة الإعمار الرياض أم القاهرة؟

مئات المليارات... من سيفوز بصفقات إعادة الإعمار الرياض أم القاهرة؟

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 6 نوفمبر 20257 دقائق للقراءة


تلوح هذه الأيام مبادرة مصرية سعودية تحمل طابعاً صناعياً، إذ تسعى القاهرة والرياض إلى تأسيس تحالف إقليمي في صناعة الحديد والصلب، بهدف دعم جهود إعادة إعمار غزة والمناطق العربية التي أنهكتها الحروب خلال السنوات الأخيرة.

حجم الدمار في الدول العربية

فبعد أن وضعت الحرب أوزارها في غزة، في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، بدأ الحديث عن عملية إعادة الإعمار، ولا سيما وأن عدد المباني المدمرة تقدر بنحو 190,115 مبنى، بحسب تقريرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني

وإذ أدرت وجهك ستجد سوريا، البلد الذي أنهكته الحرب على مدار الـ13 عاماً مما جعل حجم الأضرار المادية المباشرة للبنية التحتية والمباني السكنية وغير السكنية تصل إلى 108 مليارات دولار، منها 52 ملياراً إجمالي الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية وحدها، وفقاً لتقديرات البنك الدولي.

وليس الحال في اليمن أو السودان بافضل، إذ قدر البنك الدولي حجم الخسائر المادية الناجمة عن الحرب التي أشعلها الحوثيون في 16 مدينة يمنية رئيسية بين آذار/ مارس 2015 وكانون الثاني/ يناير 2020 إلى 8.5 مليارات دولار، أما الوضع في السودان، فلا توجد إحصائيات رسمية حول حجم الدمار الفعلي الذي لحق به بعد، في ظل استمرار الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع.

تشهد القاهرة والرياض اليوم تقارباً صناعياً جديداً عبر مشروع تحالف إقليمي لإنتاج الحديد والصلب بهدف دعم إعادة إعمار غزة وسوريا واليمن والسودان. المبادرة تُعد ركيزة استراتيجية لمواجهة الطلب الهائل المتوقع على مواد البناء بعد الحروب المدمّرة

كل هذا الدمار يجعل التحالف الصناعي المزمع إنشاؤه أمام تحد كبير حول مدى قدرة مصانع الحديد والصلب في مصر والسعودية على تلبية هذا الطلب الهائل، رغم أن نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل المصري، الفريق كامل الوزير، أكد خلال مشاركته في المؤتمر السعودي الدولي الثالث للحديد والصلب، الذي عقد هذا الشهر في الرياض، أن مصر ستتعاون مع السعودية لتوفير كميات الحديد المطلوبة لإعادة الإعمار.

وفي نفس السياق اتفقت سوريا مع الرياض، على تحويل اتفاقيات ومذكرات تفاهم بقيمة 6.4 مليارات دولار إلى مشاريع قيد التنفيذ، ومن بينها الإسكان، والبنية التحتية، وتشمل تأهيل الطرق في دمشق وريفها وإعادة تأهيل مدارس ومستشفيات ومخابز في أرجاء البلاد، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية سانا.

إنتاج مصر والسعودية من الحديد

يؤكد الخبير العقاري، داكر عبد اللاه، عضو لجنة التطوير والعقاري والمقاولات في جمعية رجال الأعمال المصريين، وعضو شعبة الاستثمار العقاري باتحاد الغرف التجارية المصرية، أن التحالف المصري السعودي، هو بوابة لإعمار غزة، والدول العربية المنكوبة من الحروب الخارجية والصراعات الداخلية، مشيراً إلى أن هذا التحالف الصناعي لا بد أن يشمل مجمعات صناعية ضخمة في البلدين، لإنتاج الحديد والصلب، وتوفير الكميات المطلوبة للدول العربية التي تحتاج لإعادة إعمار.

وتأتي مصر في المركز الـ19 عالمياً من حيث إنتاج الحديد، إذ بلغ في عام 2024 نحو 10.9 ملايين طن، مرتفعاً من 10.4 خلال عام 2023، أما السعودية فحلّت في المركز الـ20، فقد بلغ إنتاجها في العام الماضي 9.6 ملايين طن، مقارنة بـ 9.9 في عام 2023، بحسب بيانات منظمة الصلب العالمية.

حجم الأضرار في المنطقة العربية يضع التحالف أمام تحد غير مسبوق، إذ بلغت تكلفة الدمار في سوريا نحو 108 مليارات دولار، فيما تحتاج غزة إلى نحو 70 مليار دولار لإعادة البناء.

ويوضح عبد اللاه، في تصريحه لرصيف 22، أن إنشاء هذا التحالف الصناعي، سيعمل على تخفيف تكاليف نقل الكميات المطلوبة من الحديد إلى الدول التي تحتاج لإعادة الإعمار، ولا سيما وأن مصر تمتلك موقعاً جغرافياً مميزاً، كما أنها تمتلك العديد من الموانئ التي يمكن من خلالها نقل الحديد إلى الدول المجاورة، لافتاً إلى أنه يجب أن يغطي الإنتاج المحلي لمصر والسعودية حجم الطلب، عبر الاعتماد على مقدار الخردة الموجودة في البلدين، كما أنه يجب أن يكون هناك تنسيق ثنائي بينهما في عمليات التصدير والتوريد لخام الحديد بين القاهرة والرياض.

تقديرات إعادة الإعمار

ويشير الخبير العقاري إلى الجزء المهم في عمليات إعادة الإعمار التي تتطلب في البداية إزالة الركام والأنقاض الموجودة في الدول المنكوبة، والتي تبلغ نحو 55 مليون طن في قطاع غزة وحده، هذه المرحلة تتطلب ما يقارب الـ 20 مليون دولار، لكي تبدأ بعدها مرحلة التشييد والبناء للمباني السكنية وغير السكنية، والبنية التحتية التي تم تدميرها في القطاع، كاشفاً أن عملية إدخال مواد البناء ومن بينها الحديد إلى الدول التي تحتاج إلى إعادة الإعمار يعتبر التحدي الأكبر، ومع بدء ضخ التمويل المالي المطلوب من المؤسسات والدول المانحة، ستحدث طفرة كبيرة في المشروعات السكنية، وبالتالي يرتفع الطلب على الحديد الذي تصل نسبة مشاركته في المبني الواحد لـ4% من حجم الخرسانة، حيث أنه لكل متر مسطح في الأدوار غير المرتفعة من 70 إلى 100 كيلوجرام من الحديد.

ويرجح أن عمليات إعادة الإعمار ستحتاج إلى ما يقرب من 2 مليوني طن سنوياً على الأقل في العام الأول من التشييد والبناء.

وبالنظر إلى تقديرات إعادة الإعمار في بعض الدول العربية، نجد أن البنك الدولي، قدر تكلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 216 مليار دولار، أما غزة فترى الأمم المتحدة أن إعادة إعمارها يحتاج إلى نحو 70 مليار دولار، وفي اليمن تذهب تقديرات البنك الدولي إلى 25 مليار دولار، أما في السودان فتذهب التقديرات الحكومية إلى نحو 700 مليار دولار، نصفها تقريباً للخرطوم وحدها، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس.

ويضيف عبد اللاه أن هناك العديد من شركات المقاولات المصرية التي أبدت استعدادها هذه الفترة للتعاون مع السعودية وتركيا، والهند وغيرها من الدول، للمساهمة في عمليات إعادة الإعمار.

الطلب المتوقع على الحديد

من جانبه يؤكد الخبير العقاري، أحمد كوتي، أن التحالف الصناعي بين مصر والسعودية يمثل خطوة استراتيجية نحو تعزيز التكامل الصناعي العربي، خصوصاً في القطاعات الحيوية مثل الحديد والصلب التي تعد العمود الفقري لأي عملية إعمار، مشيراً إلى أن هذا التعاون يمكن أن يسهم في تأمين إمدادات مستقرة من الحديد بأسعار تنافسية للدول العربية المتضررة، وتوطين الصناعة وتقليل الاعتماد على الاستيراد من الخارج، مما يسرع من وتيرة إعادة الإعمار، وتحقيق اقتصاديات الحجم عبر تنسيق الإنتاج والتوزيع بين البلدين. 

وبالتالي، فالتحالف لن يخدم فقط السوقين المصري والسعودي، بل سيمتد أثره إلى دول المنطقة التي تحتاج إلى مواد بناء بكميات ضخمة لإعادة بناء بنيتها التحتية.

الإنتاج المصري والسعودي من الحديد بلغ نحو 21 مليون طن سنوياً، كما يُتوقع أن يلعب التحالف الصناعي دوراً محورياً في تخفيف تكاليف النقل وتوفير الإمدادات للدول المتضررة، مع تنسيق ثنائي لتوريد الخردة وخام الحديد، وتوسيع المجمعات الصناعية المشتركة

ويوضح كوتي، لرصيف22، وجود عدد من التحديات التمويلية التي قد تواجه مشاريع إعادة الإعمار ومن أبرزها، نقص السيولة في بعض الدول المتضررة نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية، وارتفاع تكلفة التمويل بسبب تقلب أسعار الفائدة عالمياً، وتأخر تدفقات المساعدات الدولية أو الاستثمار الأجنبي المباشر، ومع ذلك، فالطلب على الحديد سيظل مرتفعاً على المدى المتوسط والطويل لأن إعادة الإعمار ليست خياراً بل ضرورة اقتصادية وإنسانية.

ويتوقع أحدث تقرير صادر عن منظمة الصلب العالمية في تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، أن الطلب العالمي على الصلب سيشهد ارتفاعاً بنحو 3.4% خلال العام الحالي، على أن يصل إلي 4.7% العام المقبل، مدفوعاً بالأداء القوي في الهند وبعض دول آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك في الاقتصادات النامية.

وحول نسبة الحديد في مشروعات إعادة الإعمار، يشير الخبير العقاري، إلى أنها تختلف بحسب نوع المشروع ما بين سكني، وتجاري، وبنية تحتية، لكن في المتوسط، يشكل نحو 10% إلى 15% من إجمالي تكلفة البناء، بينما يصل في بعض المشروعات الخرسانية الكبرى إلى 20%. 





رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image