في ظلِّ تحوّلات إقليمية وعالمية عاصفة، تقف الاقتصادات العربية أمام مفترق طرق حاسم بحلول عام 2035. ففي حين تستند دول الخليج إلى موارد نفطية ومالية هائلة تسعى إلى تجديد نفسها عبر التنويع الاقتصادي، تكافح دول بلاد عربية أخرى للتعافي من أزمات عميقة وحروب مدمِّرة.
في هذا التقرير الرصدي، يستعرض رصيف22، مستقبل الاقتصاد في دول الخليج العربي، ونرسم ملامح المشهد الاقتصادي لكلٍّ منها عام 2035، وفق أحدث التقارير الدولية.
كما نمرّ على التوقعات بشأن الرفاهية ومستوى المعيشة والقوة الشرائية، ومعدلات البطالة والنمو الاقتصادي، والديون والسياسات الراهنة، بالإضافة إلى تأثيرات التغيّر المناخي ومساعي الاكتفاء الذاتي، وعوامل الاستقرار أو الاضطراب المحتملة. وفي ختام كل فقرة، نقدِّم تقييماً علمياً لإمكانية تحسُّن أو تراجُع الاقتصاد حتى 2035، مع تقدير نسبة النمو أو الانكماش المتوقعة.
وقد اعتمد التقرير التالي على تقارير التوقعات الاقتصادية والدراسات الاكتوارية، من مصادر عالمية، أهمها: البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، وتقرير الأمم المتحدة الإنمائي للمنطقة العربية، مع التركيز على محاور الرفاهية، نسب الفقر وتأثير التغير المناخي، وتقارير رؤية السعودية 2030، رؤية الإمارات 2071، رؤية عُمان 2040، ورؤية الكويت الجديدة.
السعودية… اقتصاد يتجدّد بطموح رؤية 2030
تدخل السعودية عام 2035، بثقةٍ نابعة من زخم رؤية 2030، التي أطلقت ورشة تحول اقتصادي غير مسبوقة. فبرغم اعتماد المملكة تاريخياً على النفط كعمود فقري للاقتصاد، يشهد العقد الجاري جهوداً حثيثةً لتنويع القاعدة الاقتصادية. عائدات النفط الضخمة في السنوات الأخيرة موّلت استثمارات في البنية التحتية والسياحة والصناعة، ما رفع مساهمة القطاعات غير النفطية إلى أكثر من نصف الناتج المحلي.
بالفعل، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق السعودية نمواً سنوياً يتجاوز 5% في القطاعات غير النفطية على المدى المتوسط، مدفوعاً بازدهار السياحة (بعد انفتاح التأشيرات)، وتوطين الصناعات وسلسلة مشاريع كبرى كمدينة "نيوم" المستقبلية.
هذا التحوّل يرافقه ارتفاع ملحوظ في مشاركة النساء في سوق العمل؛ فقد تضاعفت نسبة مشاركة المرأة من 17% عند إطلاق الرؤية، إلى 35% مؤخراً، متجاوزةً هدف 2030. كما انخفضت البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، مسجّلةً نحو 8.6% في 2023، بعد أن كانت 12.8% عام 2017.
هذه المؤشرات تنعكس إيجاباً على رفاهية المواطنين؛ فالسعودي اليوم يشهد تحسناً في مستوى المعيشة مع توافر وظائف جديدة في القطاعات الناشئة، ولو أنّ فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 15% منذ 2020، أثّر مؤقتاً على القوة الشرائية. مع ذلك، يظلّ المواطن السعودي يتمتع بقوة شرائية جيدة بفضل استقرار الأسعار النسبي نتيجة ربط العملة بالدولار وكبح التضخم.
في السعودية، لم تعد رؤية 2030 مجرّد طموح. المملكة تتجه بثبات نحو اقتصاد غير نفطي، مدفوعاً بازدهار السياحة، وتوطين الصناعة، وزيادة توظيف النساء. نسبة البطالة انخفضت، ومشاركة المرأة تضاعفت، والقطاعات الناشئة تنمو بقوة. حتى في مواجهة التغير المناخي، تراهن السعودية على التكنولوجيا والتخطيط طويل المدى
التحدي الأكبر أمام المملكة يتمثل في فك الارتباط التاريخي بين رفاهية الاقتصاد وأسعار النفط. فبرغم الفوائض الحالية، حذّر صندوق النقد من أنّ استمرار الإنفاق النفطي دون إصلاحات قد يفضي إلى نضوب ثروة المنطقة المالية بحلول 2034. تسعى الرياض إلى تجنّب هذا السيناريو عبر تبنّي سياسات مالية جديدة وتنويع مصادر الإيراد الحكومي (مثل مضاعفة إيرادات الصناعات التحويلية ثلاث مرات بحلول 2030).
وعلى صعيد الدين العام، حافظت السعودية على نسب دين معتدلة دون 30% من الناتج، مستفيدةً من سنوات الأسعار العالية لتقليص الدين بدل تضخيمه.
وفي مواجهة التغيّر المناخي، برزت المملكة كرائدة إقليمية في مبادرات الاقتصاد الأخضر عبر إطلاق "مبادرة السعودية الخضراء" وزراعة ملايين الأشجار، بجانب استثمارها في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر. ومع أنّ مناخها الصحراوي يزداد تطرفاً بحرارة صيفية تتخطى 50°م أحياناً، تراهن السعودية على التقنيات الحديثة للتكيّف، مثل برامج استمطار السحب لتحسين الأمن المائي. إقليمياً، استفادت المملكة من تحسّن عوامل الاستقرار عقب توقيع هدنة في اليمن وتقاربها الأخير مع إيران، ما يقلّل من مخاطر اندلاع صراع يهدد منشآتها النفطية.
بحلول 2035، من المتوقع أن تقطف السعودية ثمار رؤيتها؛ إذ يرجّح السيناريو الإيجابي أن يقارب النمو الاقتصادي 50% زيادة في ناتجها المحلي مقارنةً بعقد سابق. ومع نجاح تنويع مصادر الدخل، قد تسجّل المملكة متوسط نموّ سنوي بنحو 3-4%، بحيث يبقى اقتصادها الأكبر عربياً مع توقعات نمو إجمالي تقارب 40% حتى 2035. في المقابل، إن تعثرت الإصلاحات أو شهدت أسعار النفط هبوطاً حاداً طويل الأمد، قد يتباطأ النمو إلى أقل من 2% سنوياً. لكن التقييم العلمي المرجّح يميل نحو استمرار التحسن: إذ يُقدَّر نمو الاقتصاد السعودي التراكمي بنحو 35% حتى 2035 (أي نحو 3% سنوياً بالمتوسط)، مدفوعاً بازدهار القطاع غير النفطي وإصلاحات هيكلية تدريجية، ما يبقي اقتصاد المملكة في حالة توسّع مستدام.
الإمارات… تنويع اقتصادي يفتح آفاقاً جديدةً
ترسم الإمارات لنفسها صورة اقتصاد المستقبل في المنطقة، معتمدةً على نموذج نجح حتى الآن في تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط. فعندما يحين عام 2035، ستغدو الإمارات أشبه بـ"واحة اقتصادية" وسط الصحراء، كما تصفها التقارير الدولية، وهي تستمدّ قوتها من مزيج حديث: مركز مالي عالمي في دبي، وصناعات متقدمة وسياحة فاخرة في أبو ظبي، وقطاعات لوجستية وتقنية مزدهرة في سائر الإمارات.
لقد أثبتت التجربة الإماراتية خلال العقدين الماضيين قدرةً على تحقيق الرفاهية لمواطنيها والمقيمين فيها معاً؛ فالدخل الفردي فيها هو من الأعلى عالمياً (نحو 50 ألف دولار حالياً)، والبنية التحتية تضاهي الدول المتقدمة. وبرغم أنّ بريق ناطحات السحاب ومراكز التسوق الفاخرة قد يوحي بأنّ كل شيء مستورد، تمكنت الإمارات من تعزيز الاكتفاء الذاتي نسبياً في بعض المجالات، كالاستثمار في التكنولوجيا الزراعية لإنتاج الغذاء محلياً (مزارع رأس الخيمة مثلاً)، ومشاريع الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء النظيفة، كـ"مجمع محمد بن راشد الشمسي"، الذي يُعدّ أحد أكبر المحطات في العالم.
خلال السنوات الأخيرة، واصلت الإمارات النمو بوتيرة مستقرة تجاوزت 3% سنوياً، حتى مع التحديات العالمية. فالقطاعات غير النفطية تنمو بشكل قوي يقارب 5% سنوياً، مدعومةً بازدهار السياحة (حيث سجلت دبي ملايين الزوّار بعد جائحة كورونا)، والخدمات المالية والنقل والتجارة. ساعد ذلك على تعويض التقلبات في إنتاج النفط نتيجة التزامات أوبك بلس.
بسبب هذه الديناميكية، ظلّ معدل التضخم منخفضاً (2% فقط)، ما حافظ على القوة الشرائية واستقرار تكلفة المعيشة نسبياً. كما بقي معدل البطالة من أدنى المستويات عالمياً حيث الفرص متوافرة باستمرار في سوق العمل المزدهر، وتشير التقديرات الرسمية إلى بطالة شاملة دون 3%، ومعظمها بين المواطنين الباحثين عن وظائف حكومية مفضلة.
لقد ساهمت سياسات مثل منح الإقامة الذهبية للمواهب والمستثمرين في جذب الكفاءات لدعم سوق العمل. في المقابل، يواجه الاقتصاد الإماراتي بعض التحديات: فارتفاع كلفة المعيشة في مراكز كدبي، قد يضغط على الطبقة الوسطى، كما أنّ اعتماد التركيبة السكانية على العمالة الوافدة يعني أنّ جزءاً كبيراً من الإنفاق لا يبقى داخل الاقتصاد (حوالات كبيرة إلى الخارج). لكن الحكومة تعمل على زيادة مساهمة المواطنين في القطاع الخاص، عبر برامج تدريب وحوافز، لضمان استفادة أوسع من عجلة النمو.
أما على صعيد السياسات الاقتصادية، فتستشرف الإمارات المستقبل بخطط طويلة الأمد مثل "مئوية 2071"، التي تطمح إلى جعلها الدولة الأفضل عالمياً في مختلف المجالات. وفي المدى المتوسط، تبنّت الدولة إستراتيجية الاقتصاد الدائري والاستثمار في الثورة الصناعية الرابعة (كالذكاء الاصطناعي والفضاء حيث نجحت في إرسال مسبار إلى المريخ).
من مركز مالي عالمي توسّعت الدولة خارج عباءة النفط. بالتركيز على الاستثمار في الزراعة الذكية والطاقة المتجددة وبرنامج الإقامة الذهبية، ما جعل الإمارات بيئة جاذبة للمواهب والمستثمرين.
كما تعهّدت الإمارات بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، وبدأت بالفعل بتشغيل محطة "براكة" النووية لتوليد الطاقة النظيفة. ومع استضافتها قمة المناخ COP28، تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، اكتسبت زخماً إضافياً في دفع أجندة الاستدامة. هذه التحولات تجعل الاقتصاد الإماراتي أكثر قدرةً على التكيف مع التغير المناخي؛ فبرغم الحرارة الشديدة وشحّ المياه محلياً، تملك الإمارات موارد ماليةً وتقنيةً تمكّنها من تحلية المياه وتأمين الغذاء (من خلال استثمارات زراعية في الخارج أيضاً). أمنياً وسياسياً، تنعم الإمارات بالاستقرار تحت قيادة رشيدة، وتدير سياسةً خارجيةً متوازنةً تحمي مصالحها الاقتصادية وتُبقيها بعيداً عن أزمات الإقليم، ما يعزّز بيئة الأعمال ويطمئن المستثمرين.
بحلول 2035، يُنتظر أن يواصل الاقتصاد الإماراتي نموّه المنتظم بوتيرة قوية نسبياً. وبناءً على المعطيات الحالية، يُقدَّر أن تشهد الإمارات نمواً تراكمياً يقارب 40% خلال العقد المقبل -أي ما متوسطه 3-4% سنوياً- مدفوعاً بمشاريع التنويع المستمرة. هذا السيناريو يعني ارتفاع الناتج المحلي واستمرار ارتفاع دخل الفرد، ما يحافظ على موقع الدولة بين أعلى مستويات المعيشة عالمياً.
وإذا نجحت الإمارات في التحول إلى الطاقة النظيفة وتصدير فائضها، فضلاً عن تعزيز مكانتها كمحور مالي ولوجستي بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، فقد تتسارع وتيرة النمو إلى نطاق 5% سنوياً مؤقتاً. وعليه، يُرجَّح تحسُّن الاقتصاد الإماراتي بثبات حتى 2035، مع نسبة نمو إجمالية مقدّرة بنحو 35%، في حين تبدو مخاطر الانكماش ضئيلةً جداً إلا في حال أزمات عالمية حادّة غير متوقعة.
قطر… ثروة الغاز تحت اختبار عصر التحوّل
رسمت قطر مساراً اقتصادياً فريداً قائماً على ثروة الغاز الطبيعي الضخمة التي تمتلكها، وبحلول 2035، ستكون هذه الدولة الصغيرة حجماً والكبيرة تأثيراً، قد قطعت شوطاً مهماً في استثمار "كنزها الأزرق"، مع الاستعداد لعصر ما بعد الوقود الأحفوري.
فمنذ أن جعلها الغاز المسال من بين أغنى دول العالم من حيث دخل الفرد، وقطر تسعى إلى تحويل عائداته إلى ضمانة لمستقبل الأجيال القادمة. وقد شرعت الدوحة في تنفيذ خطة توسيع حقل الشمال للغاز (أكبر مشروع غازي في تاريخها الحديث)، والذي سيزيد إنتاجها بنحو 60% بحلول 2027.
هذا التوسع الكبير، المرفق بعقود طويلة الأجل لتوريد الغاز إلى أوروبا وآسيا لمدة عقدين، يوفّر قاعدةً صلبةً لاستدامة النمو خلال العقد المقبل. وبرغم مخاوف بعض المراقبين من تراجع الطلب الأوروبي على الغاز مستقبلاً مع التحول للطاقة النظيفة، فقد أظهرت أزمة أوكرانيا الأهمية الإستراتيجية للغاز القطري بوصفه بديلاً موثوقاً يحظى بدعم الشركاء.
اقتصادياً، نجحت قطر في اجتياز تبعات الحصار الإقليمي السابق (2017-2021)، بتعزيز الاكتفاء الذاتي في مجالات الغذاء والصناعة. فعلى سبيل المثال، انتقلت من الاعتماد الكلي على استيراد الألبان، إلى تحقيق اكتفاء عبر مشاريع محلية. كما طوّرت ميناء "حمد"، ليصبح مركزاً تجارياً إقليمياً، وأقامت مناطق اقتصاديةً لجذب الاستثمار. ونتيجةً لذلك، حافظ الاقتصاد القطري على استقراره النسبي؛ فقبل توسيع الغاز المرتقب، كان نمو الناتج المحلي يُقدَّر بنحو 2.1% في 2024، مع تضخم منخفض يقارب 3%، ما يشير إلى قوة القوة الشرائية واستقرار الأسعار بفضل ربط الريال بالدولار والإدارة النقدية الذكية.
ويظلّ معدل البطالة في قطر شبه معدوم بحكم سياسة العمالة الوافدة (بلغت البطالة نحو 0.1% فقط عام 2024 بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية). أما رفاهية المواطن القطري، فتبقى في أعلى المستويات العالمية، مع استمرار الإنفاق الحكومي السخي على الخدمات العامة والصحة والتعليم دون انقطاع، وإن بدأت الحكومة تفكر في تطبيق ضريبة قيمة مضافة (VAT)، بحلول 2025، لزيادة الإيرادات غير النفطية.
على الجانب الآخر، تدرك قطر كحال بقية الدول الخليجية، أنّ الاعتماد شبه الكامل على الغاز يشكّل تحدّياً إستراتيجياً في عصر التحول العالمي إلى الطاقة الخضراء. لذلك وضعت رؤية قطر الوطنية 2030، التي ترتكز على تنويع الاقتصاد عبر الاستثمار في التعليم والبحث العلمي وبناء اقتصاد معرفي. أنشأت الدوحة، المدينة التعليمية، وجذبت جامعات عالميةً لتعزيز رأس المال البشري، كما استثمرت عبر جهاز قطر للاستثمار في أصول متنوعة حول العالم لضمان موارد دخل مستقرة.
وتسعى أيضاً إلى تطوير قطاعات مثل السياحة الرياضية، بعد تنظيم كأس العالم 2022 بنجاح. وإدراكاً لمخاطر التغير المناخي على المدى الطويل -كارتفاع الحرارة والرطوبة في الخليج- التزمت قطر بخفض انبعاثاتها 25% بحلول 2030، عبر تحسين كفاءة الطاقة واستخدام تقنية احتجاز الكربون في منشآت الغاز، بالإضافة إلى حماية سواحلها من ارتفاع مستوى البحر. أما الاستقرار السياسي، فيُعدّ عاملاً إيجابياً حيث تجاوزت قطر أزمة الحصار بالمصالحة الخليجية (2021)، وأصبحت أكثر انفتاحاً وتعاوناً مع محيطها، ما يرسّخ الثقة باقتصادها ويضمن عدم تعرّضها لاضطرابات تعيق مسيرتها التنموية.
في عُمان، ليست الموارد الوفيرة هي المحرّك كبقية الخليج، بل التخطيط والإصلاح المالي. فالبلاد تسدّد ديونها وتبني اقتصاداً متنوعاً يقوده القطاع الخاص. السياحة والتعدين والتصنيع تتوسع، والتضخم شبه معدوم. وعلى الرغم من التحديات المناخية، تستثمر السلطنة في الطاقة المتجددة وتكافح البطالة بتدريج
بحساب كل المعطيات، يبدو مستقبل الاقتصاد القطري واعداً شريطة استمرار الإدارة الرشيدة للموارد. فمن المتوقع مع بدء إنتاج مشاريع الغاز الجديدة بعد 2025، أن يقفز الناتج المحلي بوتيرة عالية لبضع سنوات قد تصل إلى %13 سنوياً في ذروة توسع الغاز، قبل أن يستقر النمو عند معدلات أكثر اعتدالاً.
بشكل عام، يُرجّح أن تحقق قطر نمواً تراكمياً يقارب 40% بحلول 2035، أي بمتوسط 3-4% سنوياً، مع الأخذ في الحسبان ارتفاع قاعدة الاقتصاد. هذا السيناريو يفترض نجاح الدوحة في تعزيز التنويع تدريجياً، بحيث تصبح قطاعات كالصناعة والسياحة مكملةً للغاز. وإذا وازنت قطر بحكمة، بين استغلال ثروة الغاز واستثمار عائداته في تنمية مستدامة، فسوف يبقى اقتصادها في تحسّن معتدل ومستمر دون الوقوع في فخّ الانكماش. أما في حال شهدت أسواق الطاقة العالمية انقلاباً مفاجئاً يقلّص الطلب على الغاز، فقد يتباطأ النمو القطري بشكل ملحوظ إلى ما دون 2% سنوياً. لكن المرجّح وفق المؤشرات الحالية، استمرار النمو الإيجابي بنسبة تراكمية تربو على 35% خلال العقد القادم، ما يعني بقاء قطر واحدةً من أكثر الاقتصادات نمواً واستقراراً في المنطقة.
الكويت… مفترق طرق بين الرفاه النفطي والتغيير الاقتصادي
تواجه الكويت تحدّياً مزدوجاً بحلول 2035: الحفاظ على مستوى الرفاهية العالي الذي اعتاده مواطنوها بفضل الثروة النفطية، وفي الوقت ذاته إجراء تحوّل اقتصادي يجنّب البلاد مصير الاقتصادات الريعية المهددة بالنفاد. فعلى مدى عقود، تمتّع الكويتيون برفاه اجتماعي سخي (رواتب حكومية مرتفعة ودعم واسع للوقود والكهرباء ومجانية التعليم والصحة)، مستند إلى عائدات نفطية وفيرة تراكمت في صندوق سيادي ضخم (يُقدَّر بأكثر من 700 مليار دولار). غير أنّ هذا النموذج يواجه ضغوطاً متزايدةً؛ إذ حذّرت دراسات صندوق النقد الدولي من أن الاستنزاف المالي قد يجعل الاحتياطيات الخليجية تنضب بحلول 2035، إذا استمرت سياسات الإنفاق بلا إصلاح. والكويت ليست استثناءً، فمع تباطؤ نمو إنتاجها النفطي وبقاء اقتصادها أقل تنوعاً مقارنةً بجيرانها، تجد نفسها عند مفترق طرق.
في السنوات الأخيرة، تأرجح النمو الاقتصادي الكويتي وفق التقلبات النفطية؛ فبعد انكماش الناتج بنسبة 2.4% في 2024، إثر خفض إنتاج النفط، يُتوقع أن يعاود النمو إلى نحو 3.0% في 2025، بفضل انتعاش الإنتاج واستثمارات حكومية.
أما القطاعات غير النفطية، فلا تزال تنمو ببطء (نحو 2.6% لعام 2025)، ما يعكس الحاجة الماسة إلى تنشيط القطاع الخاص وجذب الاستثمار الأجنبي. وتعوّل الكويت على رؤية "كويت جديدة 2035"، لتحويلها إلى مركز مالي وتجاري إقليمي، عبر سبعة محاور تنموية تشمل تطوير البنية التحتية (مثل مشروع مدينة الحرير وميناء مبارك الكبير)، وتحسين بيئة الأعمال وتشجيع القطاع الخاص على قيادة النمو. لكن هذه الرؤية الطموحة اصطدمت مراراً بمعوّقات سياسية؛ فالتجاذب بين الحكومة ومجلس الأمة عطّل إقرار قوانين الإصلاح الاقتصادي كقانون الدين العام أو إعادة هيكلة الدعم.
وعليه، تأخر تنفيذ كثير من المشاريع الإستراتيجية، لتبقى البطالة المقنّعة بين الكويتيين تحدياً حيث ينتظر الآلاف وظائف حكوميةً مريحة. ومع أنّ البطالة الرسمية منخفضة (نحو 3% فقط)، إلا أنّ معظم المواطنين يعملون في القطاع الحكومي، بينما يشغل الوافدون 85% من وظائف القطاع الخاص، ما يدفع الدولة إلى تبنّي سياسات "تكويت الوظائف" تدريجياً.
من ناحية الديون، استفادت الكويت من فوائضها المالية التاريخية، فحافظت على دين عام منخفض جداً، إلا أنها استنزفت جزءاً من احتياطياتها السائلة خلال فترات العجز (2015-2020)، في ظل غياب قانون يسمح بالاقتراض الحكومي. وبرغم ضخامة صندوق الأجيال القادمة الذي تُدّخر فيه غالبية الثروة النفطية، إلا أنّ الاعتماد عليه لتغطية العجز دون إصلاح، يهدد استدامة الثروة. لذا أدخلت الحكومة بعض الإجراءات لضبط الموازنة، مثل خفض دعم الكهرباء والماء ورفع أسعار البنزين في 2016، وتخطط أخيراً لتطبيق ضريبة القيمة المضافة أسوةً بجيرانها.
تقف الكويت اليوم على مفترق حاد: الإصلاح أو الاستنزاف. فرغم الفوائض والدينار القوي، إلا أن النمو ضعيف ونسبة البطالة المقنّعة مرتفعة. لذا فالرؤية الطموحة متوقفة على كسر الجمود السياسي المزمن.
أما على صعيد القوة الشرائية، فما زال الدينار الكويتي من أقوى العملات عالمياً (نحو 3.3 دولارات للدينار الواحد)، ما يساعد في إبقاء التضخم منخفضاً. بيد أنّ المواطن الكويتي بدأ يشعر بتغيّرات بسيطة كارتفاع أسعار بعض الخدمات وانخفاض الدعم، لكن مستوى معيشته العام يظلّ من الأعلى خليجياً. وإحدى الإشارات الإيجابية، أنّ الكويت تتصدر الدول العربية في مؤشر جودة التعليم مثلاً، ما يوفر قاعدةً بشريةً صلبةً لأيّ تحوّل اقتصادي مستقبلاً.
أما بالنسبة إلى تأثيرات التغيّر المناخي، فتعاني الكويت مثل جيرانها من ارتفاع شديد في الحرارة صيفاً وزيادة وتيرة العواصف الرملية. تُظهر بعض الدراسات المحلية احتمال ارتفاع مستوى مياه الخليج بما قد يؤثر على بعض المناطق الساحلية بحلول منتصف القرن. ولحماية بيئتها، أعلنت الكويت نيّتها توليد 15% من طاقتها عبر مصادر متجددة بحلول 2030. كما تدرس حلولاً لمشكلة شحّ المياه عبر مشاريع تحلية جديدة، وإن كان اعتمادها الكامل على تحلية مياه البحر بالكهرباء النفطية يطرح معضلة استهلاك الطاقة محلياً.
بالإضافة إلى ذلك، تبقى الكويت ملتزمةً باتفاقيات خفض الانبعاثات وتطوير مصافي النفط لتكون أقل تلويثاً. في المقابل، تنعم البلاد باستقرار داخلي متين برغم الحراك السياسي النشط؛ فالمجتمع الكويتي موحّد الهوية وتقاليد الديمقراطية البرلمانية فيه راسخة، ما يجعل الخلافات تحلّ ضمن الأطر الدستورية. وعلى الصعيد الإقليمي، استفادت الكويت من موقف الحياد الإيجابي في أزمات الخليج ما جنّبها انعكاسات خطيرة.
في ضوء ذلك كله، يبدو مستقبل الاقتصاد الكويتي معلّقاً على مدى القدرة على تنفيذ الإصلاح. إن تمكنت الدولة من كسر جمود "مثلث الرفاه السياسي"، أي تنويع الإيرادات، تمكين القطاع الخاص، وتحسين كفاءة الإنفاق، فستستطيع الكويت الحفاظ على رفاهية مواطنيها وخلق فرص جديدة بحلول 2035. في هذا السيناريو الإيجابي، قد يرتفع نمو الناتج السنوي إلى قرابة 4%، ما يعني زيادةً تراكميةً ربما بنحو 30% حتى 2035.
في المقابل، إن استمرت المماطلة، فقد تواجه الكويت ركوداً اقتصادياً نسبيّاً مع نمو يراوح 1-2% سنوياً فقط برغم الثروة، الأمر الذي قد يفرض واقعاً جديداً من شدّ الأحزمة. التقييم العلمي هنا يرجح إمكانية تحسّن معتدل للاقتصاد الكويتي بنسبة إجمالية تتراوح ما بين 20 و25% خلال العقد المقبل -أقلّ من طموحات الرؤية- ما لم تحدث قفزة إصلاحية تعزز النمو، أي أنّ الكويت ستظل في منطقة وسطى بين الوفرة النفطية والتغيير الاقتصادي، وسيكون أداء اقتصادها حتى 2035، عند مستوى نمو محدود لكنه إيجابي (2% سنوياً)، مع فرصة لارتفاعه إلى 3% فأكثر، إذا نُفّذت الإصلاحات المتأخرة بنجاح.
عُمان… توازن صعب بين موارد محدودة ورؤى مستقبلية
شقّت سلطنة عُمان طريقها الاقتصادي خلال العقود الماضية بحذرٍ وصبر، معتمدةً على كميات نفط وغاز أقلّ من جاراتها، ما جعلها الأكثر تنوعاً قسراً بين دول الخليج. بحلول 2035، تأمل عُمان أن تكون قد نجحت في قلب المعادلة من اقتصاد عالي الاعتماد على النفط إلى اقتصاد متوازن مستدام.
عُمان اليوم تطبّق رؤية 2040، التي تركّز على بناء اقتصاد متنوع يقوده القطاع الخاص، وتوفير فرص عمل للشباب العُماني، وتحقيق الاستدامة المالية. أظهرت السلطنة تقدماً ملحوظاً في تحسين أوضاعها المالية مؤخراً؛ فبعد أزمة انخفاض أسعار النفط 2014، التي رفعت الدين العام إلى نحو 68% من الناتج في 2020، استطاعت عُمان الاستفادة من ارتفاع أسعار الخام 2022، لسداد جزء كبير من الدين، ليهبط إلى قرابة 44% فقط في 2024، بل إن المالية العامة حققت فائضاً بنحو 6.6% من الناتج في 2023، مع سياسة تقشّف نسبي ورفع ضريبة القيمة المضافة إلى 5%. هذه الإجراءات ساهمت في تخفيف عبء المديونية وأعادت الثقة بقدرة السلطنة على الوفاء بالتزاماتها.
على صعيد النمو الاقتصادي، حققت عُمان معدل نمو متواضعاً بلغ نحو 1.7% فقط في 2024، إذ كبحت اتفاقيات أوبك بلس إنتاج النفط. لكن في المقابل، نما القطاع غير النفطي بنحو 3.9%، بقيادة صناعات التحويل والتشييد والسياحة. وهذا يشير إلى نجاح جهود التنويع جزئياً، حيث ارتفعت مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج.
وتطمح مسقط إلى رفع هذه النسبة أكثر عبر مشاريع مثل تطوير منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة، لتكون مركزاً صناعياً وميناء إقليمياً، وتعزيز قطاع التعدين لاستغلال الثروات المعدنية (كالنحاس والذهب). كما تراهن عُمان على السياحة الطبيعية والتراثية؛ فقد افتتحت منتجعات ومواقع جذب عدة في ظفار ومسندم وغيرهما.
وبرغم أنّ البطالة الإجمالية في السلطنة ليست مرتفعةً جداً (نحو 5% رسمياً)، إلا أنّ بطالة الشباب العُماني، خاصةً الإناث، تبقى تحدّياً (تفيد بيانات 2024، بارتفاع البطالة بين الشابات إلى نحو 31%). وقد واصلت الحكومة برامج "التعمين"، لإحلال العمانيين محل الوافدين في الوظائف، ونجحت في توظيف 14 ألف عماني إضافي خلال نصف عام (2023). غير أن خلق وظائف نوعية جديدة رهن بتحفيز الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، وهو ما تعمل عُمان عليه عبر تبسيط إجراءات الأعمال ومنح حوافز ضريبية وإعفاءات.
من ناحية المعيشة والقوة الشرائية، يشعر المواطن العُماني بتحسّن نسبي بعد فترة تقشف صعبة 2015-2020. فالتضخم انخفض إلى مستوى متدنٍّ جداً قارب 0.6% فقط في 2024، ما يعني استقرار الأسعار ودعم القوة الشرائية. وبرغم تطبيق ضريبة القيمة المضافة (VAT) قبل أعوام، تأقلم الناس مع التأثير المحدود لها بفضل ضبط السوق. كما أن مستوى الدخل بالمجمل جيد -متوسط نصيب الفرد نحو 16 ألف دولار سنوياً- لكنه أدنى مقارنة بجيران الخليج الأغنى، ما يجعل بعض الكفاءات تهاجر للعمل في الدول المجاورة.
إلا أنّ الحكومة تعمل على تحسين جودة الحياة محلياً، بتطوير قطاع الصحة والتعليم وتوفير مساكن ميسّرة، لجعل السلطنة أكثر جاذبيةً لشبابها والمستثمرين على السواء. على صعيد المناخ والبيئة، تواجه عُمان مخاطر متناميةً من الأعاصير المدارية النادرة، ولكن المدمّرة التي تضرب سواحلها (مثل إعصار "جونو" 2007، الذي تسبب في خسائر هائلة).
ومع ارتفاع حرارة مياه بحر العرب بسبب تغيّر المناخ، يتوقع الخبراء تزايد احتمال الأعاصير الشديدة مستقبلاً. أضف إلى ذلك مشكلات التصحّر في الداخل وضعف هطول الأمطار الذي يؤثر على موارد المياه الجوفية. لذلك تبذل السلطنة جهوداً للتكيّف، عبر تعزيز أنظمة الإنذار المبكر وإنشاء سدود للحماية من السيول، وإقامة مشاريع تحلية جديدة على الساحل لتأمين مياه الشرب. كما تستثمر في الطاقة المتجددة (أطلقت بالفعل أول مزرعة رياح في ظفار ومشاريع شمسية في الداخلية)، لخفض انبعاثاتها والتوفير من الغاز المحروق لتوليد الكهرباء.
سياسياً وأمنياً، تواصل عُمان نهجها الهادئ المتزن الذي حافظ على استقرارها الداخلي لعقود. فبعد تولّي السلطان هيثم بن طارق، الحكم في 2020، استمرت مسيرة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد، وحظيت إجراءات التقشف المالي بقبول اجتماعي نسبي على عكس دول أخرى، ربما بفضل الثقة الشعبية في القيادة.
صحيح أنّ السلطنة شهدت بعض الاعتصامات الشبابية المطالبة بوظائف في 2021، لكنها تجاوبت سريعاً بتوفير آلاف الفرص والإعانات للباحثين عن عمل، ما ساعد في احتواء التململ. ويبقى النسيج الاجتماعي العُماني متماسكاً، والسلم الأهلي راسخاً. خارجياً، تحافظ عُمان على سياسة الحياد الإيجابي التي جنبتها التورط في صراعات إقليمية، بل جعلتها وسيطاً مرحّباً به في أزمات المنطقة (مثل استضافتها محادثات أمريكيةً إيرانيةً). هذا الجوار الآمن يخدم الاقتصاد بالطبع، حيث لا يتوقع أن تتعرض عُمان لتهديدات أمنية مباشرة.
في المحصّلة، يبدو الاقتصاد العُماني بحلول 2035، على مسار التعافي الحذر. التوقعات العلمية ترجّح تمكّن السلطنة من تحقيق نمو سنويّ متوسط بحدود 4% بعد 2025، مع زوال تأثير تخفيضات النفط، مدفوعاً بزيادة الإنتاج لاحقاً ومشاريع استثمارية جديدة. هذا قد يعني نمواً تراكمياً يقارب 40% في ناتجها المحلي مع نهاية العقد الحالي. مع ذلك، ونظراً إلى انطلاق الاقتصاد من حجم أصغر مقارنةً بجيرانه، قد لا ينعكس ذلك بطفرة ضخمة في دخل الفرد، بل بتحسن تدريجي. وفي حال نجحت رؤية 2040، في جذب استثمارات كبيرة خاصةً في اللوجستيات والسياحة والتعدين، ربما يرتفع النمو أكثر ليبلغ 5-6% لبعض السنوات.
أما مخاطر الانكماش، فمرتبطة بتقلبات أسعار النفط؛ أي انخفاض كبير ودائم للأسعار قد يعيد عُمان إلى عجز مالي وضغط على النمو (كما حدث بين عامَي 2015 و2019). لكن الإجراءات الوقائية المتخذة وخفض الدين يجعلان السلطنة أكثر تحصيناً. بناءً على المعطيات الحالية، يميل التقييم إلى أنّ عُمان ستواصل التحسن الاقتصادي المعتدل حتى 2035، مسجلةً نمواً إجمالياً بنحو 30% خلال العقد (متوسط 3% سنوياً)، مع إمكانية تسارع أعلى قليلًا إن تحققت إصلاحات هيكلية إضافية وازدهرت القطاعات غير النفطية كما هو مأمول.
البحرين… اقتصاد صغير تحت ضغوط الدَّين والإصلاح
تمثّل البحرين الحالة الكلاسيكية للاقتصاد الخليجي الصغير محدود الموارد الذي يحاول الموازنة بين الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية، وإجراء إصلاحات مالية ضرورية.
فمع حلول 2035، ستكون المنامة قد قضت سنوات في معركة صعبة لكبح جماح الدَّين العام المتضخم وإنعاش اقتصادها في ظل منافسة إقليمية محتدمة. تعاني البحرين اليوم، من أعلى نسبة دين حكومي خليجياً تجاوزت 130% من الناتج في 2025، وهو مستوى مقلق دفع وكالات التصنيف مثل S&P إلى وضع تصنيف المملكة عند درجة +B مع نظرة مستقبلية سلبية.
سابقاً، صرح مسؤول رفيع في صندوق النقد بأنّ البحرين "لا خيار أمامها سوى ضبط أوضاعها المالية بشكل جذري"، عبر خفض الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات. بالفعل، اتخذت المنامة خطوات أوليةً كتطبيق ضريبة قيمة مضافة 10%، بدءاً من 2019، ورفع بعض الدعم، بجانب الحصول على حزمة إنقاذ مالي بـ10 مليارات دولار من جيرانها الخليجيين في 2018، لتهدئة الأزمة.
هذه الإجراءات نجحت في تقليص عجز الموازنة من 15% من الناتج في 2015، إلى نحو 8% مؤخراً، ولكن على حساب تباطؤ الاقتصاد وارتفاع الأسعار.
الاقتصاد البحريني يُظهر مرونة رغم أعباء الدين المرتفعة. وعلى الرغم من أن الاستثمار في النفط والتكنولوجيا المالية يساعد في دعم الاقتصاد، لكن التقارير الدولية لا تشيد بأية إصلاحات جذرية، لذا تبقى المنامة عالقة في دائرة النمو المحدود والدعم الخليجي
برغم ذلك، أظهر اقتصاد البحرين مرونةً نسبيةً في 2023-2024، مع انتعاش القطاعات غير النفطية كالتصنيع والخدمات المالية. قُدِّر النمو بنحو 3.5% في 2025، مع إنجاز مشروع توسيع مصفاة النفط (بابكو)، الذي سيزيد الطاقة التكريرية، ما يرفع مساهمة الصناعة. كما تسعى البحرين إلى جذب مزيد من الاستثمارات في قطاع الخدمات المالية الإسلامية الذي تُعدّ رائدةً فيه، وكذلك قطاع الاقتصاد الرقمي عبر مبادرات التكنولوجيا المالية (فنتك).
ولولا المعوقات المالية، لتسارع النمو أكثر؛ إذ لدى البحرين أصول كامنة يمكن استثمارها كقطاع السياحة (استقطبت 8 ملايين زائر في 2019 قبل الجائحة)، وقطاع المواصلات والخدمات اللوجستية، مستفيدةً من جسر الملك فهد الذي يربطها بالسعودية. لكن ضعف الإنفاق الحكومي الاستثماري بسبب قيود الميزانية حدَّ من توسع هذه القطاعات. على صعيد البطالة، يبلغ المعدل الرسمي قرابة 7.7%، إلا أنه يرتفع بين الشباب البحريني. وقد اتخذت الحكومة خطوات لتوظيف المواطنين عبر تدريبهم وتشجيع ريادة الأعمال، مع إعانات بطالة مؤقتة. بيد أنّ توفير فرص عمل كافية يظلّ تحدّياً مع كِبر حجم القطاع العام حالياً، وصغر السوق الخاص.
بالنسبة إلى مستوى المعيشة، تراجعت بعض الشيء جرّاء إجراءات التقشف. فقد اعتاد البحرينيون على دعم حكومي سخي في الوقود والكهرباء لعقود، وتم تقليصه تدريجياً. كذلك ارتفعت كلفة المعيشة بعد فرض الضريبة الجديدة، وإن بقيت الأسعار معقولةً مقارنةً بدول الخليج الأغنى.
ويبلغ نصيب الفرد من الناتج نحو 25 ألف دولار سنوياً، وهو أدنى بفارق ملحوظ عن قطر والإمارات، ما يدفع بكثير من الكوادر البحرينية أحياناً للعمل في دول الجوار الأعلى أجراً. ومع ذلك، يحرص قادة البحرين على عدم المساس بأساسيات الرفاه؛ فالتعليم والصحة لا يزالان مجانيين، وتقدّم الحكومة دعماً نقدياً مباشراً للأسر متوسطة الدخل لتعويض ارتفاع الأسعار.
التوترات السياسية التي شهدتها البحرين في 2011، ألقت بظلالها أيضاً على المناخ الاقتصادي. فعلى الرغم من عودة الاستقرار الظاهري بعد تدخل قوات درع الجزيرة وفرض الأمن، يراقب المستثمرون الأجانب الوضع بحذر. وقد اضطرت الدولة إلى إشراك القطاع الخاص الخليجي في دعم استقرارها المالي -كما ذكرنا- عبر المعونات، الأمر الذي يبقي اقتصادها مرتبطاً بمحيطها الإستراتيجي. وتحاول المنامة ترميم الثقة وجذب الاستثمارات بتعديل بعض القوانين التجارية وتسهيل التملك الأجنبي والحصول على تأييد شركائها في الخليج لإقامة مشاريع مشتركة (مثل الجسر الثاني المخطط مع السعودية، ومشروع سكة الحديد الخليجية).
كذلك فإنّ التغير المناخي ليس ببعيد عن البحرين برغم صغرها؛ فهي أرخبيل من الجزر المنخفضة، ما يجعلها معرضةً لارتفاع مستوى سطح البحر. تشير دراسات إلى أنّ أجزاء من الساحل الشمالي الغربي للعاصمة قد تغمرها المياه مع ارتفاع البحر سنتيمترات عدة مستقبلاً. لذا بدأت البحرين بمشاريع استصلاح وبناء حواجز بحرية لحماية الشواطئ. كما تواجه البلاد حرارةً ورطوبةً أعلى صيفاً، لكن إمكاناتها المالية المحدودة نسبياً تجعل الاستثمار في الطاقة المتجددة أبطأ مقارنةً بجيرانها. ومع ذلك، أعلنت المنامة خططاً لتوليد 10% من الطاقة كهربائياً عبر الشمس والرياح بحلول 2035، كجزء من مساهمتها في اتفاق باريس للمناخ.
في نهاية المطاف، يتوقف مستقبل البحرين الاقتصادي على قدرتها على تنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية جذرية دون زعزعة نسيجها الاجتماعي. السيناريو المتفائل يفترض نجاح المنامة في كبح نمو الدين وإعادته إلى مسار مستدام (مثلاً خفضه إلى أقلّ من 100% من الناتج بحلول 2030)، مع استمرار الدعم الخليجي عند الحاجة. في هذه الحالة، يمكن للاقتصاد أن ينمو بنحو 3% سنوياً بالمتوسط، إذ سيحفز تحسّن الثقة الاستثمار الخاص والتوسع في قطاعات حيوية. وعليه، قد نشهد نمواً تراكمياً يقارب 30% حتى 2035. أما إذا عجزت البحرين عن ضبط ماليتها واستمر الدين في الارتفاع حتى يلامس 160% من الناتج في 2030، كما تتوقع بعض الجهات، فقد تواجه أزمةً ماليةً حادّةً تجبرها على انكماش اقتصادي مؤلم بتقليص الإنفاق العام مجدداً، وربما ركود يمتدّ لسنوات. وعلى الأرجح، ستسعى البحرين إلى تجنّب السيناريو الأسوأ عبر إجراءات "في الوقت الضائع"، ما يجعل التقييم العلمي يميل إلى تحقيق تحسن طفيف وغير كبير. بعبارة أخرى، يُتوقع نمو اقتصاد البحرين بنحو 15% فقط إجمالاً حتى 2035 (أي نحو 1.5% سنوياً)، ما يعني بقاءه أقرب إلى الركود البطيء مع استمرار الاعتماد على دعم الجيران لضمان الاستقرار المالي. إنه تقدّم محدود تحت وطأة جبال الديون، إلى أن تبرأ الذمّة المالية وتتنفس المملكة الصعداء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Aisha Bushra -
منذ 20 ساعةA nice article,I loved it..
رزان عبدالله -
منذ 3 أيامشكرأ
حكيم القضياوي المسيوي -
منذ 4 أيامترامب يحلب أبقار العرب، وهذه الأبقار للأسف تتسابق للعق حذاء المعتوه ومجرم الحرب ترامب!
Naci Georgopoulos -
منذ 4 أيامOrangeofferis a convenient platform for finding the latest promo...
Naci Georgopoulos -
منذ 4 أيامgutscheine7.de is a German coupon platform that helps users discover...
Naci Georgopoulos -
منذ 4 أيامJust found couponasion— it’s a site that lists working discount...