يبدو أن الساحل الشمالي لمصر سيشهد الفترة المقبلة تنافساً استثمارياً بين دول الخليج، وخصوصاً الإمارات وقطر، لإقامة مشروعات سياحية وعقارية، في ظل توقعات أن تضخ دول الخليج نحو 150 مليار دولار على الأقل في العقود المقبلة كاستثمارات في الساحل الشمالي، وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة برايس وترهاوس كوبرز الشرق الأوسط، والتي تتوافق مع توقعات وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، بشأن قدرة مصر على تأمين استثمارات مماثلة لصفقة قطر من السعودية والكويت في السنوات المقبلة.
مقارنة بين علم الروم ورأس الحكمة
فخلال الأسبوع الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، وقعت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة المصرية، وشركة "الديار"، إحدى أذرع صندوق الثروة السيادي القطري، اتفاقاً لتطوير مساحة 4901 فدان بمنطقة "سملا وعلم الروم"، والتي تقدر بـ 20 مليون متر مربع تقريباً، على طول 7.2 كيلومترات من الشاطئ في محافظة مطروح، يتم تطويعه كنموذج وجهة سياحية وسكنية متكاملة تضم مساكن فاخرة، وفنادق، ومارينا، وملاعب جولف، ومدارس وجامعات، وبنية تحتية كاملة.
"الساحل الذهبي" ليس وصفاً جزافياً لدى التحدث عن الساحل الشمالي في مصر، والذي يشهد تنافساً استثمارياً بين دول الخليج لإقامة مشروعات سياحية وعقارية، في ظل توقعات ضخ حوالي 150 مليار دولار على الأقل في العقود المقبلة كاستثمارات وفقاً لتقارير استشرافية اقتصادية
ووفقاً لتصريحات رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، فإن مصر ستحصل في كانون الأول/ ديسمبر المقبل على دفعة نقدية من قطر تبلغ 3.5 مليارات دولار مقابل الأرض، أما الجزء الآخر والذي تقدر قيمته بنحو 26.2 مليار دولار في شكل استثمارات عينية في البنية التحتية والتطوير العقاري داخل المشروع سيتم صرفه في ما بعد.
وتأتي هذه الاتفاقية بعد نحو عامين من توقيع القاهرة أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخها، مع شركة القابضة الإماراتية، لتطوير مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي المصري، بقيمة 35 مليار دولار، حيث يمتد على مساحة تُقدَّر بنحو 170 مليون متر مربع، ومن المقرر أن يتضمن المشروع مناطق سكنية وسياحية، ومنطقة استثمارية حرة، ومطاراً ومارينا، ومناطق صناعية وخدمية، مع أن القاهرة ستحافظ على حصة تقدر بـ 35 في المئة من الأرباح.

أسباب توجه دول الخليج للساحل الشمالي
من جانبه يؤكد عادل عامر، الخبير الاقتصادي، أن توجه دول الخليج نحو الاستثمار على الشريط الساحلي لمحافظة مطروح يعكس نجاح الحكومة المصرية في تسويق الساحل الشمالي كوجهة عقارية واعدة، خصوصاً لدى الإمارات وقطر اللتين تمتلكان خبرة واسعة في الاستثمارات العقارية البحرية التي حققت نجاحاً لافتاً في دبي وأبو ظبي والدوحة.
يشير تقرير صدر خلال أيلول الماضي، أن نصف الأفراد ذوي الثروات العالية في الخليج، قد بحثوا بالفعل عن منازل عطلات في مصر، وتحديداً في الساحل الشمالي.
ويوضح عامر، لرصيف22، أن مصر استلهمت نماذج التطوير العقاري من التجارب الخليجية، من حيث التصميمات والفئات المستهدفة في إطار سعيها لزيادة أعداد السائحين لديها إلى 30 ألف سائح يومياً بحلول 2032، مشيراً إلى أن الإمارات والسعودية وقطر والكويت تمثل قوة اقتصادية محورية داعمة لمصر، خصوصاً دبي والدوحة كونهما الأكبر من حيث الاستثمار داخل السوق المصري في قطاعات البنوك والزراعة والعقارات والسياحة.
وبحسب تقرير لشركة الاستشارات العقارية العالمية "نايت فرانك"، فخلال سبتمبر/ أيلول الماضي، بحث نصف الأفراد ذوي الثروات العالية في الخليج عن منازل عطلات في مصر، ويعد الساحل الشمالي واحداً من أكثر أسواق العقارات رواجاً في البلاد.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن الصناديق السيادية لهذه الدول تضطلع بدور كبير في تسويق المشروعات العقارية واستخدام الودائع لدى البنك المركزي في حسم بعض الصفقات العقارية، وأن القاهرة تسير على نهج هذه الدول من خلال تطوير دور صندوقها السيادي.

أي دولة مرشحة لزيادة استثماراتها في الساحل الشمالي؟
ويضيف عامر أن الإمارات ستتجه لزيادة استثماراتها في الساحل الشمالي خلال الفترة المقبلة، لكونها أكبر مستثمر عربي في مصر حالياً، إذ تتنوع استثماراتها بين حصص في البنك التجاري الدولي، وشركة أبو قير للأسمدة، والإسكندرية لتداول الحاويات، ومصر للألومنيوم حيث تفوق استثماراتها الـ 35 مليار دولار خلال 10 سنوات، هذا بالإضافة إلى شركة موانئ أبوظبي التي وقعت اتفاقاً مع هيئة قناة السويس لتطوير موانئ العين السخنة ضمن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، واستحواذ شركة الدار العقارية على حصة في شركة سوديك العقارية بقيمة 5 مليارات جنيه، إلى جانب مشاريع عقارية جديدة على الساحل الشمالي.
الحديث يتزايد كل يوم عن إمكانيات تحويل الساحل الشمالي لبوابة لحركة سياحية مشتركة مع دول حوض المتوسط، عبر تشغيل عبّارات ورحلات بحرية بين مصر وإيطاليا واليونان وقبرص وتركيا، ومناطق حرة، وأسواق، ومراسي يخوت، وسباقات سيارات... وأكثر بكثير
ويتابع أن قطر تأتي في المرتبة الثانية على صعيد الاستثمار في مصر، حيث شهدت العلاقات الثنائية تطورًا ملحوظًا بعد عام 2022، وتعهد صندوق قطر للاستثمار بضخ 5 مليارات دولار في قطاعات البنوك والفنادق والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لا سيما وأن قطر أبدت رغبتها في توسيع تعاونها مع القاهرة في استكشاف الغاز والبترول عبر شركة قطر للطاقة، والتي تعد واحدة من أكبر الشركات العالمية في مجال الغاز.
ويكشف عامر أن شركات قطرية تدرس ضخ استثمارات عقارية جديدة في العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات التطوير العقاري على غرار نجاح صفقة علم الروم، مشيرًا إلى أن منطقتي علم الروم ورأس الحكمة أصبحتا من أكثر المشروعات جذبًا للسياحة والاستثمارات الخليجية بفضل المنتجعات والفنادق المتطورة التي تفتح الباب أمام موجة جديدة من السياحة عالية الإنفاق، كما ثمة لاعب جديد خليجي يوجد في السوق المصري وهو السعودية، إذ توجه استثماراتها إلى المناطق الساحلية على البحر الأحمر.
الفائدة السياحية من هذه المشروعات
وفي سياق متصل، يؤكد الدكتور عاطف عبد اللطيف نائب رئيس جمعية مستثمري مرسى علم، أن توجه الإمارات وقطر لضخ استثمارات كبرى في مناطق مثل رأس الحكمة وعلم الروم يأتي انعكاساً طبيعياً لتميز هذه البقاع التي تُعد من أندر المناطق عالمياً من حيث نقاء البيئة وروعة الشواطئ وامتداد المساحات غير المستغلة.
ويوضح عبد اللطيف أن قرب هذه المناطق من مطروح والعلمين ومطاراتهما يعزز قدرتها على جذب استثمارات متنوعة، كما أن المنطقة لا تتفوق فقط في السياحة البحرية واليخوت، بل تمتلك مقومات إضافية مثل السياحة العلاجية والاستشفائية وسياحة السفاري، نظرًا إلى ارتباطها بامتداد طبيعة واحة سيوة التي تستقطب آلاف الباحثين عن الشفاء سنويًا.
ويشير إلى أن كلاً من قطر والإمارات لديهما إمكانيات لعمل منتج سياحي متكامل يجمع بين الترفيه والعلاج والسفاري والطبيعة البكر، وهذا ما تبحث عنه الأسواق العالمية، وأي مستثمر في العالم يتمنى الحصول على شواطئ بهذا الجمال والنقاء، موضحاً أن شواطئ رأس الحكمة وعلم الروم تمتاز برمال ناعمة ومياه صافية، على عكس كثير من شواطئ المتوسط في أوروبا الممتلئة بالصخور، فضلاً عن المناخ المعتدل لأكثر من 10 أشهر في السنة مقارنة بالثلوج والأمطار في الوجهات الأوروبية التقليدية.
ويتابع عبد اللطيف أن هناك إمكانية لتحويل الساحل الشمالي لبوابة لحركة سياحية مشتركة مع دول حوض المتوسط، وذلك عبر تشغيل عبّارات ورحلات بحرية بين مصر وإيطاليا واليونان وقبرص وتركيا، بما يوجد برامج سياحية مشتركة تعود بالنفع على الجميع، لافتاً إلى أن المنطقة قادرة على استيعاب مشاريع بيئية صديقة للطبيعة، ومناطق حرة، وأسواق، ومراسي يخوت، وسباقات سيارات على الرمال وغيرها من الأنشطة التي تجعلها مركزاً اقتصادياً وسياحياً متكاملاً.
ويضيف، نحن نتحدث عن فرصة ذهبية للإمارات وقطر، لكنها في الوقت نفسه مكسب كبير لمصر، فكل فندق جديد، وكل وسيلة، وكل فرصة عمل تتوافر هناك ستخدم الاقتصاد المصري بشكل مباشر وهي معادلة رابحة للجميع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



