تفتخر مصر بلقب "أكبر منتج للتمور في العالم"، بأصنافه وسلالاته المتعددة، ففيها نحو 15 مليون نخلة تنتج أكثر من 1.7 مليون طن سنوياً. وبالرغم من هذا الإنتاج الضخم، تظل صادراتها من التمور منخفضة نسبياً، ولا تمثل سوى جزءاً صغيراً من السوق العالمية.
وفي وقت لم يمثل إنتاج مصر الغزيز من التمور عنصر قوة لدى الاقتصاد المصري على مدى سنوات مضت، جاء الاهتمام الإماراتي بالاستثمار في صناعة التمور في مصر ليثير الكثير من المخاوف لدى بعض المصريين بشأن عدم استفادة الاقتصاد من هذه الزراعة ، وبالتالي شح التمور في السوق المحلية في حال اتجهت الإمارات إلى تصديرها.
استثمار إمارتي جديد في مصر
في نهاية فبراير/شباط الماضي، كان محافظ أسوان أشرف عطية، من بين الحضور في فعاليات النسخة الـ 16 لجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، في الإمارات، وأطلق تصريحاً في ختام زيارته عن إنشاء مصنع باستثمارات إماراتية في أسوان، بأحدث التقنيات التكنولوجية لاستغلال أكثر من 5 ملايين نخلة.
لكن قبل عرض المخاوف التي تشغل قطاعاً كبيراً من المصريين فيما يخص الثمرة الأشهر على مائدة رمضان، لا بد من الإشارة إلى ما تواجهه صناعة التمور في مصر من أزمات لم تجعلها تتصدر قائمة المصدرين مثلما تصدرت قائمة المنتجين.
كان محافظ أسوان قد صرّح من الإمارات خلال تواجده في فعاليات جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر، عن إنشاء مصنع إماراتي في أسوان، بأحدث التقنيات لاستغلال أكثر من 5 ملايين نخلة.
يتحدث لرصيف22 عز الدين جاد الله العباسي مدير المعمل المركزي لبحوث النخيل الحكومي، ويقول إن تلك الزراعة/ الصناعة كانت تعاني من انخفاض في جودة بعض أنواع التمور، بالإضافة إلى تجاهل معايير عدة أثناء مراحل التصنيع ما جعل المنتج يفتقد اشتراطات الاستيراد لدى الدول الأجنبية.
ويضيف: "نحو نصف الإنتاج لا يصلح للتصدير لأنها أصناف رطبة لا تخزن، مثل الأمهات والزغلول، كما أن جزءاً كبيراً من هذه الكمية يُستهلك في حينه في السوق المحلي، بينما 25% من السلالات تكون بذرية عادة ولا يتم استغلالها، لذلك نحن ندور في فلك نسبة الـ25% الباقية، حيث 3% منها جافة، وتستخدم في شهر رمضان، و22% شبه جافة نستخدم للتصدير وللاستهلاك محلياً".
أما رمضان الصياد، مدير قطاع التمور في شركة "بالم هليز للتمور" التي تصدر التمر المجدول، فيقول لرصيف22 إن جزءاً من أزمة التمور يتمحور حول عدم استغلال الإنتاج الوفير، خاصة أن قطاعاً كبيراً يزرع بشكل عشوائي، فضلاً عن قلة خبرة المزارعين والشركات في الاهتمام بالمنتج بعد حصاده وتعليبه وتغليفه بشكل مناسب.
رفع جودة المنتج المصري أم الاستحواذ عليه؟
وفي ضوء تلك الأزمات والمشكلات التي يواجهها قطاع التمور، جاء الاهتمام الإماراتي محدثاً حالة من الجدل لا تخلو من المخاوف. ويرى العباسي أن المصنع حال نجاحه سوف ينهض بصناعة التمور، وأن أسعار المنتجات لن تتأثر محلياً لأن المصنع قد يعتمد على درجات التمور الثانية والثالثة لإنتاج بودرة التمور التي تستخدم بديلاً للسكر الأبيض.
لكن التخوفات من أن يسبب تصدير التمور ارتفاعاً في أسعاره المحلية لا يزال قائماً، فمن جهته يخشى الخبير والباحث الاقتصادي والاجتماعي، إلهامي الميرغني، أن تتحول الاستثمارات الإماراتية إلى سيطرة أو احتكار لا يخدم الاقتصاد المصري، وأن تصبح استثماراتهم عبئاً على المزارعين والمستهلكين بالاستحواذ على التمور بحسب قوله لرصيف22.
ويترقب الميرغني رؤية كيفية عمل المصنع والآلية التي سيعتمد عليها في السوق المحلية، يتساءل: "الجواب النهائي يعتمد إن كان المستثمر الإماراتي سيعتمد على جمع المحاصيل من المزارعين والعمل على تصديرها بالكامل؟ أم سيترك جزءاً منها للسوق المحلية؟ وهل سيتوسع للسيطرة على السوق المحلية كلها أم لا؟".
تفتخر مصر بلقب "أكبر منتج للتمور في العالم" بإنتاج يزيد عن 1.7 مليون طن سنوياً. لكنها ليست المصدّر الأكبر، إذ تأتي إسرائيل على رأس قائمة الدول المصدرة بنحو 114 ألف طن سنوياً، وتأتي مصر في المركز العاشر بكمية ضئيلة تبلغ 11 ألف طن
بينما لا يتخوف الدكتور تميم الضوى، نائب المدير التنفيذي للمجلس التصديري للصناعات الغذائية، من دخول الإمارات في استثماراث هذا القطاع، ويؤكد لرصيف22 أن المصنع سيدخل في صناعات جديدة، وتحديداً التمور الجافة التي تستخدم في الوقت الحالي لإنتاج بودرة التمر كبديل عن السكر الصناعي، وبالتالي سيعمل على دفع عجلة التصدير، نافياً حدوث تأثير على أسعار التمور المحلية.
قطاع ينتظر التطوير
ورغم المخاوف التي أبرزها الميرغني، يلفت الصياد إلى نقطة إيجابية من إنشاء استثمارات إماراتية في صناعة التمور، إذ يؤكد أن تلك الاستثمارات من شأنها أن ترفع جودة المنتج، لكنه يرى في نفس الوقت أن هذا سيؤثر على سعر المنتج محلياً، يقول: "المصنع سوف يتولى جمع التمور من الأهالي في المحافظة ويعمل على زيادة قيمتها من خلال عمليات تصنيعها، مما سيجعل المنتج أكثر جاذبية".
كما يعتقد أن أمام مصر الوقت الكافي حتى تكتسح سوق التمور، حيث توجد دول مستحوذة على الصادرات، مؤكدًا أنهم يعملون على إدخال أصناف تمور جديدة في الصادرات تلبي المعايير العالمية.
ويقول: "إن صنف المجدول المغربي، المعروف أيضاً بالمجهول بحسب النطق الأمريكي، يُعَدُّ أحد أبرز الأصناف المطلوبة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة"، موضحاً أن مصر أصبحت تصدر نحو 12 طناً من هذا النوع، وهو رقم كبير بالمقارنة مع الأصناف المحلية الأخرى، خاصة أنه تم توطينه حديثاً في المحروسة.
ومن قبل هذا الأمر، ارتفعت أسعار التمور في السنوات الماضية بصورة كبيرة، إذ كان متوسط سعر كيلو التمور 10 جنيهات أي (0.21 دولار)، والآن وصل المتوسط إلى 50 جنيهاً أي (1.6 دولار)، ويبرر الصياد هذا الأمر بأن هناك فرقاً بين وفرة الإنتاج وأسعار المنتج، ويرجع ذلك إلى ارتفاع تكاليف إنتاج المكونات المستخدمة في تصنيعها، مثل الأسمدة ومواد التغليف، التي تسعر بالدولار، واقترح تعزيز إنتاج صناعات الأسمدة المحلية.
خوف من استثمار مجهول
بالرغم من ذلك، يتفق إلهامي الميرغني مع كلام الصياد بشأن تأثير الاستثمارات على تحسين جودة المنتج المحلي، لكن يتخوف من تلك الاستثمارات، ويدعم حديثه باستحواذ الإمارات على الشركات المصرية، مثل شركات الشرقية للدخان، وفوري، والبنك التجاري الدولي، وأبوقير للأسمدة، وموبكو للأسمدة، فضلاً عن 7 فنادق عريقة، مؤكداً أنه يخشى تكرار أزمة مشابهة لأزمة السكر في التمور.
هناك تخوفات من أن يسبب تصدير التمور ارتفاعاً في أسعاره المحلية، ومن أن تتحول الاستثمارات الإماراتية إلى السيطرة أو الاحتكار الذي لا يخدم الاقتصاد المصري.
ويقول إنه يتوجس من تكرار مأساة تدمير صناعة السكر في مصر، ويرى أن الاستثمار الإماراتي كان جزءاً منها في محافظة المنيا، حينما دخل مستثمر إماراتي ودشن مصنع "القناة" لتصنيع السكر من البنجر في المنيا.
وتشير تقارير إلى أن مصنع "القناة" ساهم في تفاقم أزمة السكر بجانب تعامل الحكومة الخاطئ مع الفلاحين بشأن سعر توريد القصب وتوقف خط إنتاج "مصنع أبو قرقاص" في المنيا، وهو أحد أقدم مصانع السكر في المنطقة، كل ذلك أدى إلى ارتفاع سعر الكيلو إلى 70 جنيهاً (1.5 دولار) قبل أن يعاود النزول إلى 50 جنيهاً (1.6 دولار)، بعدما كان بالكاد يلامس 30 جنيهاً (0.64 دولار)، فضلاً عن التسبب في شح السكر في الأسواق المحلية.
هل يؤثر التصدير على ارتفاع الأسعار في مصر؟
تعمل مصر منذ أعوام على زيادة صادراتها، وقد عُدّلت القوانين بهدف تحسين مناخ الاستثمار وتذليل العقبات أمام المستثمرين المحليين والأجانب، وأبرز تلك التعديلات كان توسيع نطاق الشركات المؤهلة للحصول على الموافقة الواحدة وفقًا للمادة 20 من قانون الاستثمار، إذ رفعت الحد الأدنى والحد الأقصى للحوافز المالية للمشروعات الاستثمارية التي تزاول أنشطة صناعية محددة وتوسعاتها وفقًا للمادة 12 من القانون.
ومن مجمل صادرات التمور، تُصّدر مصر نحو 84.5% إلى المغرب وإندونيسيا وتركيا، وحالياً تستهدف فتح أسواق جديدة في أوروبا، لذلك زرعت 2.5 مليون نخلة في منطقتي توشكى والعوينات بالأصناف المطلوبة دولياً.
لكن هل ساعدت هذه الخطوات في تحسين معدل الصادرات؟ يقول الدكتور تميم الضوى، إن مصر بدأت منذ سنوات تنتج تموراً مطلوبة على الصعيدين المحلي والدولي مثل "البرحي" و"المجدول"، بالإضافة إلى الاهتمام بالتمور المحلية مثل "السيوي" و"الصعيدي"، وهذا الأمر رفع معدل الصادرات إلى نحو 70 مليون دولار في العام الماضي مقارنة بالعام 2022 الذي صُدر فيه نحو 50 مليون دولار، لكنه ما زال يرى أن الاهتمام بجودة المنتج النهائية تنقص قطاعاً كبيراً من المصنعين.
إسرائيل هي المنافس الأكبر
تدر صناعة التمور دخلاً جيداً للدول التي تتصدر قائمة التصدير، إذ تأتي إسرائيل في المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدرة للتمور في العالم بنحو 114 ألف طن سنوياً بحسب تقرير البنك الدولي للعام 2021، بقيمة 332 مليون دولار، وهو إنتاج ضخم مقارنة بالمساحة إذا قارننا نسبة التصدير مع ما تصدره مصر، التي كانت تراوح المركز العاشر بكمية ضئيلة تبلغ 11 ألف طن بقيمة 50 مليون دولار في العام ذاته بحسب نفس التقرير، لكن في العام 2022 ارتقت صادرات مصر من المنتج ذاته إلى المركز الرابع بتصدير 16.5 ألف طن بقيمة 69 مليون دولار. أما في نهاية 2023، فاحتلت مصر المرتبة التاسعة، بعد أن حصدت عائدات بلغت 69 مليون دولار، مع ظهور الثمار الأولى للخطة التي بدأتها القاهرة في 2017 لاستزراع ما يزيد على 10 ملايين نخلة من الأصناف التصديرية، وسط توقعات بأن تغمر مصر السوق العالمي بتمورها الأكثر تنافسية لانخفاض أسعارها مقارنة بالأسواق الأخرى.
يقول الصياد: "بما أن أحد أبرز الأصناف المطلوبة عالمياً هو صنف المجدول، فهذا يشير إلى أن الطلب على التمور لم يعد قاصراً على المسلمين فقط، بعد أن أصبح معروفاً أن التمور المجففة تحتوي على فوائد صحية عالية"، مشيراً إلى أن الاستهداف للأسواق الجديدة في الوقت الحالي توسع إلى الدول غير المسلمة.
بعض الاقتصاديين يعتقدون أن دخول الإمارات في هذا القطاع، سيقدم "صناعات جديدة"، وتحديداً التمور الجافة التي تستخدم لإنتاج بودرة التمر كبديل عن السكر الاصطناعي، وبالتالي سيعمل هذا الاستثمار على دفع عجلة التصدير دون تأثير على الأسعار المحلية
لكن المعضلة في الأرقام تكمن في أن كمية صادرات مصر من التمور تشكل 2.6% فقط من إجمالي الإنتاج وفي الغالب بسبب الاستهلاك المحلي، وهذه نسبة ضئيلة جداً لا تتناسب مع إمكانيات مصر الكبيرة، ويعلق العباسي على ذلك: "مصر أطلقت استراتيجية بالتعاون مع الفاو لتطوير زراعة وإنتاج التمور خلال الفترة الممتدة من 2024 إلى 2029، وتتعلق بكل نواحي توفير الشتلات والإنتاج والتصنيع والمكافحة، ثم معاملات ما بعد الحصاد والتصنيع، وأخيراً التسويق، ورصدنا مشاكل ومعوقات كل مرحلة ونعمل على حلها بالتعاون مع الجهات المشتركة".
حالياً تنتظر مصر محصول نخيل "توشكى" بعد نحو 7 سنوات من زراعته، لتنمية صادراتها من التمور ذات الجودة العالية، بالإضافة إلى حملات توعوية لحث المزارعين على تجديد مزارعهم باستبدال النخلة التي تنتج التمور المحلية بتمور مطلوبة دولياً لمنافسة دول الجوار في ريادة صادرات الثمرة المحببة إلى المسلمين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه