رفع تعرفة الكهرباء في سوريا... خطوة متسرعة أو وثبة نحو الضوء؟

رفع تعرفة الكهرباء في سوريا... خطوة متسرعة أو وثبة نحو الضوء؟

سياسة

الجمعة 14 نوفمبر 202513 دقيقة للقراءة

لم يكن الضوء والعتمة عند غابرييل غارسيا ماركيز، قوّتَين متعارضتين، بل كانا وجهَين لحقيقة واحدة تتصف بالكثير من التعقيد. رؤية ماركيز هذه تستحضر الواقع السوري بكل فصوله المأساوية التي كما يبدو لم تنتهِ بعد، حيث تدفع العتمة السوريين إلى حافة الهاوية، فيما أصبح الضوء ترفاً لا تقدر عليه سوى القلة والميسورين. في أحياء جرمانا والمدن السورية كلها، يمشي المواطنون حاملين همّ فاتورة الكهرباء التي تهدد بابتلاع رواتبهم بالكامل، بعد قرار جاء صادماً في مشهد يلخص تراجيديا الصراع اليومي بين البقاء والانهيار.

ففي خطوة وُصفت بأنها إما "جريئة" أو "حمقاء"، أعلنت الحكومة السورية المؤقتة، في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، رفع تعرفة الكهرباء المنزلية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث قفز سعر الكيلوواط ساعي من 135-260 ليرة سورية (أقلّ من سنت أمريكي) إلى 600 ليرة (سنتات أمريكية) للشريحة الأولى، و1،400 ليرة (أقل من دولار واحد) للاستهلاك تحت 300 كيلوواط في الدورة التي تمتدّ لشهرين. هذا القرار يأتي في ظل اقتصاد منهك ووضع معيشي بالغ الصعوبة، يضع حكومة الرئيس أحمد الشرع، أمام اختبار حقيقي ربما يكون مفصلياً لمستقبلها، خاصةً أنه يُعدّ أول قرار اقتصادي أساسي بدأ يواجه سخطاً شعبياً متصاعداً منذ لحظة صدوره.

واقع الكهرباء المرّ

بحسبة بسيطة، يأتي قرار رفع أسعار الكهرباء ليشكل ضربةً قاصمةً للقدرة الشرائية للمواطن السوري المتآكلة أصلاً، لأنّ أسرةً متوسطةً تستهلك 400 كيلوواط ساعي في الدورة (شهرين)، ستدفع الآن أكثر من 320،000 ليرة سورية (نحو 29 دولاراً أمريكياً). وإذا افترضنا أن متوسط الدخل الشهري للموظف العام يبلغ نحو 850،000 ليرة سورية (77 دولاراً أمريكياً تقريباً)، فإنّ كلفة الكهرباء وحدها ستستهلك نحو 37% من دخله الشهري. هذه النسبة تفوق بكثير ما يُنفق عادةً على الغذاء أو النقل في الاقتصادات المتوسطة، وتترك هامشاً ضئيلاً لتغطية الاحتياجات الأساسية الأخرى.

هل تتراجع الحكومة السورية عن قرار رفع سعر الكهرباء، أو تصل بسياساتها هذه إلى تآكل شعبيتها، أو تنفجر الاحتجاجات في وجهها؟ أكثر من سيناريو أمام قرار "جريء" فأيّها أقرب إلى التحقق في سوريا؟

القرار الجديد هذا يأتي بينما تعيش سوريا اليوم واحدةً من أسوأ أزماتها الاقتصادية في تاريخها، حيث يشير تقرير جديد للبنك الدولي إلى أنّ إجمالي الناتج المحلي انكمش بأكثر من 50% بشكل تراكمي، كما خسر الفرد من حصته من إجمالي الدخل القومي في عام 2024، ليصل إلى 830 دولاراً فقط، وهو أقلّ بكثير من الحد العالمي للبلدان منخفضة الدخل. الأمر الأكثر قتامةً، أنّ 67% من السكان يعيشون تحت خط الفقر.

مبررات الحكومة ومسوّغاتها

ليس بعيداً عن مصطلحات وزارة الكهرباء في عهد الأسد، برّرت وزارة الطاقة في الحكومة المؤقتة القرار بعبارات مستعارة من مصطلحات صندوق النقد الدولي، مثل "تصحيح التشوّهات السعرية"، "تحقيق العدالة في توزيع الدعم"، و"تأمين استمرارية الخدمة". وتشير هذه المبررات إلى أنّ خسائر قطاع الكهرباء بلغت نحو مليار دولار سنوياً، نتيجة بيع الكهرباء بأقل من تكلفتها. وعدّد مسؤولون حكوميون ميزات متوقعةً تشمل تحسين كفاءة القطاع وتعزيز استدامته، بجانب تخفيض الفاقد الفني والتجاري.

وأضاف المسؤولون السوريون أنّ هذا الإجراء يهدف إلى جذب الاستثمارات في قطاع الطاقة، ويساهم في تحسين خدمة التغذية الكهربائية وزيادة ساعات التشغيل. هذه المبررات تأتي في وقت تواجه فيه الحكومة الانتقالية تحديات جساماً في إثبات قدرتها على إدارة الملف الاقتصادي، وفي ظلّ وجود مؤشرات متسارعة على دعم دولي متزايد لسوريا كما ظهر في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي رحّب أمس الأول بشكل واضح وكبير بالرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، ورأى أنّه يعمل بشكل جيد وأن سوريا قوة عظيمة لا يستهان بها.

حاول رصيف22 دون طائل التواصل مع المكتب الصحافي في وزارة الطاقة للحصول على بعض المعلومات الدقيقة عن رفع تعرفة الكهرباء في سوريا، وتوضيح أسباب هذه الزيادة عبر كشف حسابي شفاف يظهر التكلفة الحقيقية للكهرباء، وحجم الخسائر والهدر، ومقدار الدعم قبل القرار وبعده، وللسؤال عن سبب تحميل المواطن السوري العبء كاملاً قبل معالجة أسباب الهدر الهيكلية والفساد، وعن جدوى رفع السعر دون خطة إصلاح ملموسة وجدول زمني لتحسين الخدمة ومحاربة الفساد وتهريب الوقود، بالإضافة إلى الاستيضاح عما إذا كان تأخير احتساب التعرفة الجديدة في الدورتين الخامسة والسادسة يؤدي إلى تهدئة السخط، أو أنّ الأمر بقي في إطار التكهنات؟ وعن علاقة القرار بتهيئة المناخ لاستثمارات تركية، لكن الأسئلة هذه بقيت برسم وزارة الطاقة دون أي ردود.

"مرض وجهل وعتمة"

يعترف الباحث الاقتصادي سمير سعيفان، رئيس مركز حرمون للدراسات المعاصرة، بأنّ أسعار الكهرباء في سوريا كانت "شبه مجانية"، مشككاً في عدم جدوى استمرار هذه الحال، حيث إنّ الأسعار الزهيدة تؤدي حتماً إلى الهدر، إلا أنه يحذّر من التعامل مع ملف كهذا بهذه "الخفة"، معرّفاً الكهرباء في العصر الحالي بأنها أحد الأعمدة الثلاثة للحياة الفردية والجماعية، بجانب الصحة والتعليم، ما يستلزم ضمان وصولها إلى جميع المواطنين بغضّ النظر عن مستويات دخولهم.

الإصلاح يبدأ بتأمين أبسط مقومات الحياة بشكل مبدئي وفرص العمل حتى يستطيع المواطن دفع فواتير الكهرباء والماء... فمن يأتي أولاً في سوريا البيضة أو الدجاجة؟

ويشدد سعيفان في حديثه إلى رصيف22، على أنّ إتاحة هذه الخدمات الأساسية هي مسؤولية السلطة الحاكمة، وأنّ أي فشل في ضمان ذلك يُعدّ إخفاقاً للسلطة ذاتها. ويحذّر من أنّ أيّ سياسة تربط حصول الفرد على الصحة والتعليم والكهرباء بقدرته المالية، ستؤدي إلى مجتمع منقسم: حيث يحصل القادرون على هذه الخدمات، بينما يعاني الفقراء من "المرض والجهل والعتمة".

ينطلق سعيفان في تحليله من حقيقة أنّ اقتصاد السوق الحرّة لا يوزّع الدخل الوطني بعدالة، بل يقوم على "الاستغلال". ويشير إلى أنّ غالبية الأسر السورية (تزيد عن 70% حسب التقديرات)، تعاني من الفقر، والجوع في بعض الحالات، ما يجعلها عاجزةً عن تحمل أعباء إضافية.

في تحليله العملي للقرار، يقدّم سعيفان ملاحظات جوهرية عدة:

  • عدم تناسب حجم الزيادة: يصف رفع السعر للشريحة الأولى بأنه "مبالغ فيه كثيراً"، ويوضح أنّ الاستهلاك المحدد للشريحة (150 كيلواط/ شهر)، لا يكفي حاجة أسرة مكونة من خمسة أفراد ذات استهلاك وسطي يصل إلى 300 كيلواط/ شهر، ما سيدفعها إلى سعر أعلى (1،400 ليرة/ كيلواط).
  • الآثار الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة: يستذكر الباحث الآثار السلبية لرفع سعر المازوت في 2008، والتي كانت أحد العوامل المُفاقمة للغضب الشعبي آنذاك، ويشير إلى أنّ القرار الحالي قد أثار معارضةً واسعةً حتى من داخل "حاضنة النظام"، مما أدى إلى خروج الناس إلى الشارع.
  • فجوة الدخل والتغطية: على الرغم من الإعلان عن رفع الأجور قريباً، يشكك سعيفان في شمولية هذه الزيادة وفعاليتها، مستبعداً أن تشمل جميع الفئات مثل المتقاعدين والعمال الفرديين والمزارعين، ويشير إلى تسريح مئات الآلاف من العسكريين والموظفين الذين يشكلون مع ذويهم غالبية الأسر العاجزة عن التحمل.

رؤى إسعافية

بدلاً من القرار الحالي، يقدّم سعيفان جملةً من الحلول العملية التي تراعي الواقع الاجتماعي والاقتصادي المنهك:

  • الرفع المتدرج: الدعوة إلى رفع الأسعار بشكل تدريجي يتناسب مع تحسن الوضع الاقتصادي وحصول السلطة على مساعدات خارجية، خاصةً في ظل تحسن العلاقات مع الدول العربية والمجتمع الدولي كما تجلى في اجتماع الرياض الذي ضم ممثلين عن الدول العربية والأوروبية والأمم المتحدة .
  • معالجة الهدر والفساد: معالجة الهدر في الشبكة (يُقدّر بنحو 40%)، ومكافحة سرقة الكهرباء، التي توصف بأنها "شائعة الانتشار"، كخطوة أولى قبل تحميل المواطن أعباء إضافية.
  • تحصيل مستحقات الجهات العامة: المطالبة بتحصيل قيمة استهلاك الكهرباء من الدوائر الحكومية ودور العبادة، حيث الهدر فيها يُعدّ "الأكبر".
  • الشفافية والمكاشفة: تطالب الرؤية بضرورة قيام الدولة بالإعلان عن إيراداتها من جميع المصادر ونفقاتها والعجز وطرق تغطيته، لمواجهة الشائعات وبناء ثقة مع المواطن.
  • دراسة الأثر: ضرورة قيام السلطة بدراسات متعمقة لقياس أثر رفع الأسعار على مختلف شرائح المجتمع والقطاعات الاقتصادية.

سيناريوهات مصيرية للحكومة

على مستوى الاقتصاد السياسي، وبالعودة إلى كثير من المحللين ومنهم الباحث الاقتصادي سعيفان، فإنّ قرار رفع أسعار الكهرباء يأتي في توقيت بالغ الحساسية لحكومة الرئيس الشرع، التي تواجه أصلاً تحديات حقيقيةً في بناء دولة جديدة من بين أنقاض نظام سابق استمر لعقود. هذه الخطوة تضع الحكومة أمام سيناريوهات مصيرية عدة.

قرار رفع أسعار الكهرباء يأتي في توقيت بالغ الحساسية لحكومة الرئيس الشرع، التي تواجه أصلاً تحديات حقيقيةً في بناء دولة جديدة من بين أنقاض نظام سابق استمر لعقود... فهل هي خطوة مدروسة تنهي واقعاً مأساوياً في سوريا أو خطوة إلى الأمام تليها عشر إلى الخلف؟

السيناريو الأول: أن تتراجع الحكومة عن القرار أو تخفّفه وتقدّم بدائل وحزماً من المنح، مما قد يمكنها من تجاوز الأزمة بشكل مؤقت (في أثناء كتابة هذا التقرير أعلنت وزارة الطاقة عن تخفيضات مقبولة في أسعار المشتقات النفطية، وربما يخفف هذا القرار الجدل الذي أثاره قرار رفع تعرفة الكهرباء)، وبناءً على هذا القرار أصبحت الأسعار على النحو التالي:

البنزين أوكتان 90: 0.85 دولاراً أمريكياً لليتر الواحد (10،030 ل.س).

المازوت: 0.75 دولاراً أمريكياً لليتر الواحد (8،100 ل.س).

أسطوانة الغاز المنزلي (وزن 12 كغ): 10.5 دولارات أمريكية للأسطوانة (113،400 ل.س).

أسطوانة الغاز الصناعي (وزن 16 كغ): 16.8 دولارات أمريكية للأسطوانة (181،440 ل.س).

الأسعار في الأعلى بالليرة السورية بحسب سعر صرف الدولار أمس، الثلاثاء 11 تشرين الثاني/ نوفمبر على موقع "الليرة اليوم" المتخصص في أسعار العملات.

السيناريو الثاني: تصل الحكومة بسياساتها إلى تآكل الشرعية الشعبية بشكل تدريجي، خصوصاً أنّ البيانات الاقتصادية تشير إلى أنّ 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، فيما تبقى الكهرباء خدمةً أساسيةً لا غنى عنها.

أما السيناريو الثالث والأخطر: قد يؤدي الاستياء في عموم الشارع إلى احتجاجات واسعة، تشكّل تحدياً أمنياً وسياسياً للإدارة الجديدة، خاصةً في ظل وجود بيئة دولية ودعم متحفظ من القوى الدولية التي تشترط تحقيق استقرار في سوريا.

ردود فعل ساخطة... المضحك المبكي

رأى كثير من السوريين أنّ الخطوة متسرعة، لأن الإصلاح يبدأ بتأمين أبسط مقومات الحياة بشكل مبدئي وفرص العمل حتى يستطيع المواطن دفع فواتير الكهرباء والماء.

في المفابل، قال بعض المؤيدين للقرار إنه على المستوى الاقتصادي، ربما يكون خطوةً ضروريةً لتحسين الخدمة واستقرار التيار وجذب الاستثمار.

رجل الأعمال السوري إياد التقي، صاحب "مجموعة نبع التقوى"، يرى أنّ القرار كان ضرورياً وهو يثق بكل قرارات الحكومة لأنها ستأتي لمصلحة المواطن بشكل مؤكد، عادّاً أن القرار ربما كان متسرعاً لكنه يشدّد على أنّ الدعم لقطاع الكهرباء في عهد نظام الأسد كان "للتخدير الموضعي".

أما الفنان التشكيلي نسيمالياس، وبرغم امتعاضه من زيادة تعرفة الكهرباء إلا أنه يعدّ هذه الخطوة "الجريئة"، إنذاراً مبكراً وصدمةً للوعي لكي يتعامل المواطن للمرة أولى مع ملف الكهرباء بمسؤولية أكبر بعد كل هذه العتمة الطويلة. ويشير الياس إلى أنه في اليومين الماضيين "لاحظنا إرتياحاً غريباً ومتناقضاً على الوجوه ربما بسبب عودة الكهرباء إلى البيوت لمدة أطول بعد ارتفاع ساعات وصول الكهرباء بشكل لافت في الأيام الأخيرة، ولو بسعر مرتفع وقاسٍ بشكل عملي على الجيوب الفارغة أساساً.

ويختم إلياس: "لكنني للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات استطعت تأمّل لوحاتي وألواني بشكل مختلف"، بعد أن استمر الضوء في مرسمه في ضاحية الجديدة في ريف دمشق، كل ساعات النهار تقريباً.

في السياق، قرر الحزب الدستوري السوري (حدس)، السبت الماضي، تأجيل وقفة احتجاجية كان قد دعا إليها في مدينة جرمانا رفضاً لرفع تعرفة الكهرباء بشكل غير مسبوق، وذلك بسبب مجموعة من الاعتبارات المعقدة. يوضح مسؤول التنظيم في الحزب، عمر المختار ونوس، أنّ القرار جاء بعد ورود معطيات تشير إلى نيّة مجموعات من داخل المدينة وخارجها استغلال أي تجمع وتحريفه عن أهدافه المطلبية الأصلية. ويشير ونوس في حديثه إلى رصيف22، إلى أن الوضع الأمني في جرمانا لا يزال هشّاً برغم اتفاقات التهدئة، مع وجود ارتدادات للتوترات العسكرية في محافظة السويداء ذات الصلات العائلية مع جرمانا. لذلك، هدف التأجيل إلى ضمان أمن وسلامة المشاركين ومنع انحراف الوقفة عن غايتها الأساسية، مع التأكيد على أن التأجيل ليس إلغاء، وأنّ الحزب سيعمل على تنسيق أفضل مع الجهات الفاعلة في المدينة لتنظيم الوقفة في وقت لاحق.


ويضيف ونوس، أنّ السوريين يعانون من الإحباط العام والتعب النفسي والجسدي بعد سنوات الحرب والدمار، ما يلعب دوراً في كبح جماح الغضب الشعبي، فكثيرون يشعرون بأنّ الاحتجاج لن يجلب سوى المزيد من البؤس والعنف، في ظل ذاكرة قمع النظام السوري وما خلّفه من آثار نفسية.

من جانبها، طالبت الناشطة والإعلامية ميريلا أبو شنب، الحكومة السورية بإعادة النظر في التسعيرة الجديدة للكهرباء والتي تأتي بعد 14 سنةً من العتمة عاشها السوريون.

إلى ما سبق، نرصد هنا بعض تعليقات السوريين على موقع وزارة الطاقة السورية بعد رفع تعرفة الكهرباء:


تحذير من العتمة

عطفاً على تحليل الباحث الاقتصادي سمير سعيفان، الذي يحذر وبلهجة صارمة من أن "أي سياسة تربط حصول الفرد على الصحة والتعليم والكهرباء بقدرته المالية، ستؤدي حتماً إلى مجتمع منقسم عندما حيث يحصل الميسورون على هذه الخدمات، بينما يعاني الفقراء من المرض والجهل والعتمة"، يهدد هذا التقسيم الاجتماعي الخطير بانهيار النسيج المجتمعي، واستقرار أي حكومة بالطبع، مرتبط أصلاً بوضوح نواياها الإصلاحية. قرار رفع أسعار الكهرباء، برغم مبرراته التقنية المحتملة، يلامس بشكل كبير الحياة اليومية للسوريين الذين أنهكتهم سنوات من الحرب والمعاناة، ويطرح الكثير من الأسئلة المتناثرة حول شرعية السلطة القائمة، وقدرة الحكومة الحالية على تمثيلهم وحماية مصالحهم.

الضوء والعتمة، في النهاية، ليسا مجرد استعارة حسب غارسيا ماركيز، بل هما واقع يومي يعيشه السوري في ظلّ قرار قد يحدد مصير مرحلة انتقالية بأكملها، وربما يخفّض من آثاره بعض الشيء قرار وزارة الطاقة تخفيض المشتقات النفطية بشكل ملحوظ عشية دخول سوريا شتاءً يتمنّى السوريون أن يكون بارداً وممطراً حتى بلا كهرباء، بعد عام جافّ لم تشهد سوريا مثله منذ عقود.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image