ضحايا إسرائيل والفصائل والتجار… نحن بحاجة إلى

ضحايا إسرائيل والفصائل والتجار… نحن بحاجة إلى "حزب سلام" فلسطيني

رأي نحن والتطرف نحن والحقوق الأساسية

السبت 15 نوفمبر 20256 دقائق للقراءة


ما حدث لغزة طوال حرب السنتين الماضيتين وما زال يحدث حتى الآن يشير إلى أعلى درجات التوحش التي يتعرض لها أهل القطاع، والتي قلّما تعرض لها شعب على مر الزمان. 

ضحايا إسرائيل

أحزمة نارية، قصف مدفعي متواصل، قتل الآلاف، 15 ألف جثة ما زالت تحت الركام، عشرة آلاف مفقود، مسح آلاف العائلات من السجل المدني، 42 ألف حالة بتر، 1200 حالة قطع في الحبل الشوكي وشلل رباعي أو نصفي، آلاف حالات المواليد المشوهة خلقياً، الموت جوعاً، العيش في الخيام صيفاً وشتاءً بلا كميات مياه كافية ولا أغذية تقيم صلب النازحين، مما أدى الى إعياء النساء والرجال الذين بدأوا يتساقطون على الأرض وهم يمشون.

اقتحام قوات الجيش الإسرائيلي لبيوت المدنييين والعبث في مقتنيات البيت، خصوصاً ملابس النساء الخاصة، ونشر ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة منفرة، إضافة إلى نشر فديوهات لجنود الاحتلال وهم يتضاحكون أثناء تدمير البيوت عن بعد، أو يتراهنون أيهم يستطيع أن يقنص أحد المارة من الطلقة الأولى. 

وضحايا الفصائل الفلسطينية والتجار

أشكال التوحش التي تعرض لها أهل غزة طوال أيام الحرب بحاجة إلى مجلدات ضخمة لتوثيقها حتى تستطيع الإنسانية أن تتلافى مثل هذه الجرائم ضد الشعوب الضعيفة في المستقبل، إن هي أرادت ذلك. 

رغم السجل الحافل من التوحش والجرائم لقوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة إلا أن ما عانوه لم يقتصر على ذلك. بل تعداه إلى ممارسات الفصائل الفلسطينية المسلحة ضد المدنيين في، والقتل والإعدامات على شبهة العمالة مع إسرائيل

رغم هذا السجل الحافل من التوحش والجرائم لقوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة إلا أن ما عانوه لم يقتصر على ذلك. بل تعداه إلى ممارسات الفصائل الفلسطينية المسلحة ضد المدنيين في غزة، والقتل والإعدامات على شبهة العمالة مع إسرائيل. 

أو بسبب معارضة هذه الحرب ورفض ممارسات الفصائل التي أقامت قواعدها وأنفاقها بين المدنيين ومنازلهم، وتحت المؤسسات المدنية ودور العبادة ومؤسسات الأمم المتحدة والمدارس والمستشفيات، مما عرضهم إلى خطر الموت قصفاً أثناء ملاحقة قوات الاحتلال الإسرائيلي لعناصر الفصائل النشطة. 

لقد سقط آلاف المدنيين بواسطة قصف الطائرات النفاثة والكوادكابتر وما يعرف بالزنانات داخل هذه المناطق المدنية، لماذا؟ بسبب وجود نشطاء الفصائل بينهم. 

ولم يقتصر التوحش ضد أهل غزة على قوات الاحتلال الإسرائيلي وممارسات الفصائل الفلسطينية العسكرية، بل تعدى هذا التوحش حتى وصل إلى أغلب التجار وصرافي العملة ولصوص المساعدات ومسؤولي التكايا، الذين استغلوا المساعدات وباعوها بعشرة أضعاف أثمانها مما أدى إلى تفشي حالة من العوز والجوع بين النازحين.

إن حال النازحين في غزة يرثى له، فهم الضحايا الحقيقين لكل المتقاتلين من الاحتلال والفصائل والتجار ومسؤولي المؤسسات، لا يوجد جهة رسمية أو شعبية أو جبهة داخلية ترعى هؤلاء النازحين.

هذا الوضع المزري يدفع كثير من النشطاء إلى إعادة التفكير بكل أسس النضال الفلسطيني المبني على العنف والعسكرة، الذي لم يجلب إلى الشعب وقضيته إلا الموت والدمار. 

كم نحن بحاجة إلى حزب للسلام اليوم  

إن الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس بحاجة إلى إقامة حزب للسلام يرتكز في نضاله على الحفاظ على القيم الإنسانية التي تحمي المدنيين وتحرم استخدامهم كورقة ضغط في الحرب، أو التمترس بينهم بحجة الاختفاء والحماية.

الإنسانية هي أعظم قيمة في الوجود، أكثر قوة ومقدرة على توجيه الإنسان من الدين ومن كل الايديولوجيات الأخرى، لكن هذا يتطلب من الشعوب الضعيفة التي ترتكز في نضالها على دعم الشعوب الأخرى، الحفاظ على القيم الإنسانية التي تناضل من أجلها وألا تقترف ممارسات مشينة تجعل بقية الشعوب تنفض من حولها، بل وتدينها.

الشعب الفلسطيني بحاجة إلى إقامة حزب للسلام يرتكز في نضاله على الحفاظ على القيم الإنسانية التي تحمي المدنيين وتحرم استخدامهم كورقة ضغط في الحرب، أو التمترس بينهم بحجة الاختفاء والحماية.

التنظيمات والأحزاب الدينية فشلت في الحفاظ على القيم الانسانية في النضال، لذلك فإن محصلة ما قامت به سيؤدي إلى ضرر كبير وإساءة ضد القضية الفلسطينية.

هنا قد يعترض البعض، ويحاجج، ويشير إلى المسيرات الشعبية التي انطلقت في مختلف دول العالم نصرة لحرمة الدم الفلسطيني، ورفضاً للاعتداء الصارخ على القيم الإنسانية. إن هذه المسيرات الشعبية لم تكن مناصرة للحرب أو لأي طرف من المشاركين فيها، هي انتصرت للقيم الإنسانية التي تؤمن بها البشرية من أجل الدفاع عن نفسها، حتى لا تتعرض في يوم من الأيام إلى ما تعرض له أهل غزة بسبب القوى القومية والدينية المتطرفة.

إن تجربة الفصائل الفلسطينية في العشرين سنة الأخيرة تشير إلى سوء استغلال هذه الفصائل لوسائل النضال المدني. 

فقبل أن تبدأ مسيرات العودة، وقبل أن تحتلها الفصائل المتطرفة وتحولها من اداة نضالية شعبية إلى اداة حزبية، قلنا إن أحد أسس نجاح هذه المسيرات أن تعتمد في نضالها على ما تبقى عند جيش العدو من بقايا أخلاق، هذه مسيرات مدنية أي استخدام للعنف، مهما كان بسيطاً، سيدفع العدو إلى البطش بالمدنيين. 

وهذا ما حدث، بدأت التنظيمات بعسكرة غير علنية لهذه المسيرات من فرق الكاوتشوك إلى فرق البالونات الحارقة إلى اقتحام السلك الفاصل وصولاً لاغتيال أحد الجنود. والنتيجة 700 إنسان من ذوي الإعاقة بترت أطرافهم، وفشل أهم وسيلة نضال مدنية شعبية.

في كل حروب الفصائل منذ 2008 لم تلتزم هذه الفصائل بالقيم الإنسانية، لم تحافظ على المدنيين من شعبها، أقامت القواعد العسكرية والأنفاق وقواعد إطلاق الصواريخ من بين البيوت والمؤسسات المدنية والمستشفيات والمدارس، مما جعل العالم يوجه لها تهمة التمترس بالمدنيين. 

كما أنها لم تراعي المدنيين الإسرائيليين في الحرب، وكانت السقطة الكبرى ما فعلته في حرب الطوفان باعتدائها على المدنيين، وأخذ رهائن من بينهم وإخفاء جثث أمواتهم ورفض تسليمهم واستخدامهم كورقة سياسية.

لم يقتصر التوحش ضد أهل غزة على قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعلى ممارسات الفصائل الفلسطينية العسكرية، بل تعداه حتى وصل إلى أغلب التجار وصرافي العملة ولصوص المساعدات ومسؤولي التكايا، الذين استغلوا المساعدات وباعوها بعشرة أضعاف أثمانها

هنا سيخرج لنا ألف معلق يتكلم عن عنف وإرهاب الجيش الإسرائيلي ، هذا معروف لنا وندينه، ولكننا لا نجاريه؟ لماذا لا نجاريه، لأننا لا نستطيع ذلك ولا نملك القوة لفعل ذلك، لأن نضالنا يعتمد في أهم ركائزه على القيم الإنسانية التي لديها المقدرة على تحشيد العالم مع القضية الفلسطينية وليس ضدها.

فارتكاز الشعب الفلسطيني في نضاله على النضال المدني السلمي، والتعاون مع القوى اليهودية والإسرائيلية التي ترفض الاحتلال وترفض كل أشكال العنف، وتعتمد على كل القيم الإنسانية التي تؤمن بها البشرية هو الطريق الوحيد لتحرير الشعبين على طرفي الخط الأخضر، من الاحتلال ومن التطرف اليميني، القومي والديني.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منذ البداية، لم نخاطب جمهوراً... بل شاركنا الناس صوتهم.

رصيف22 لم يكن يوماً مشروع مؤسسة، بل مشروع علاقة.

اليوم، ونحن نواجه تحديات أكبر، نطلب منكم ما لم نتوقف عن الإيمان به: الشراكة.

Website by WhiteBeard
Popup Image