لا يظهر الدم والوجع في كل مرة يعاد فيها رسم الحدود، ولا يخرج اللون الأحمر من الخريطة، فبين "الخط الأصفر" الذي يقسّم النفوذ ميدانياً، والخطط الأمريكية التي تتحدث عن "غزة جديدة" بستة تجمعات ووصاية تمتد 10 سنوات، تتقدّم رواية الإعمار بوجهٍ استثماري لامع، إنما بكلفة إنسانية باهظة.
ما يُسوَّق كحل سريع يبدأ من رفح وينقل قرابة مليون إنسان، يتحوّل في عيون منتقديه إلى مخطط لفرض أمر واقع للتقسيم وإبقاء السيطرة الإسرائيلية بكل ثقلها. بينما تعلو الأصوات الفلسطينية الرافضة للاستفراد بالقرار واقتطاع جزء من الوطن برعاية دولية.
هذه المادة تغوص في تفاصيل "غزة الجديدة": ما الذي يعنيه الخط الأصفر عملياً، من يربح ومن يخسر، ولماذا قد ينكسر الحلم على صخرة الوقائع والسياسة.
لكن من سيدفع "دية" غزة القديمة؟ وهل من أمل لفتح ملف المحاسبة؟
الاستعجال الأمريكي
"غزة الجديدة" ستقام إلى الجانب الشرقي من الخط الأصفر استناداً إلى الخطة الأمريكية لإعادة إعمار القطاع، والتي تتضمن إقامة ستة تجمعات سكانية في الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من القطاع.
فواشنطن لا ترغب في الانتظار حتى تستكمل بنود خطة الرئيس ترمب لوقف إطلاق النار، بل هي في عجلة من أمرها للبدء في إعادة الإعمار في المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، وستبدأ في مدينة رفح.
رغم ارتباطه الوثيق بحالة وقف إطلاق النار، لكن هناك تخوفات من أن يتحول "الخط الأصفر" في غزة إلى آلية تقييد تبرّر إبقاء مساحات تحت نفوذ الاحتلال، ما يحوّل تحرّك السكان والإغاثة لـ "اعتبارات أمنية وبيروقراطية" يفرضها الاحتلال، مولّداً قيوداً مشدّدة وحواجز وتأخيرات تعيق إعادة الإعمار وتفاقم معاناة المدنيين
تتضمن تلك الخطة نقل نحو مليون مواطن فلسطيني إلى تلك المنطقة التي تبدأ فيها عمليات إعادة الإعمار وإسكانهم فيها، وهي المنطقة الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، على أن يتم الانتهاء من البناء خلال عامين رغم بقاء الجيش الإسرائيلي موجوداً فيها.
الخط الأصفر... وترسيم مناطق النفوذ والسيطرة
يمثّل "الخط الأصفر" مفهوماً جيوسياسياً وعسكرياً حديثاً في قطاع غزة، وُضع كعلامة رئيسية لترسيم مناطق النفوذ والسيطرة الميدانية بعد مراحل القتال أو في سياق اتفاقيات التهدئة المؤقتة. فهو ليس حدوداً دولية متعارفاً عليها، بل خط فصل عسكري وأمني يفصل بين المناطق التي انسحبت منها قوات الاحتلال أو خفّفت سيطرتها المباشرة، والمناطق التي تظلّ تحت نفوذ وسيطرة إسرائيلية جزئية أو كاملة.
وينظر إليه كخطوة أولية لترسيم منطقة عازلة أو "منطقة أمنية" داخل القطاع نفسه. وقد بدأت إسرائيل فعلياً باستدعاء جنود احتياط لاستلام المهمّة في ذلك، فهو يحدّد المدى الذي وصلت إليه القوات الإسرائيلية قبل الانسحاب الأولي، تاركاً خلفه مساحات واسعة لا يزال الاحتلال يفرض عليها قيوداً مشدّدة.
بذا، يتحوّل الخط الأصفر إلى عائق لوجستي وأمني معقّد لسبب جوهري، وهو الحاجة إلى موافقة الاحتلال بما أن المنطقة تخضع للنفوذ الإسرائيلي أو تقع على تماس مباشر معه، تقول الناشطة السياسية نيفين أبو رحمون في حديثها لرصيف22.
بحسب "واشنطن بوست"، أعدت واشنطن خطة تتضمن تهجيراً "طوعياً" لسكان غزة، مع وضع القطاع تحت وصايتها لعشر سنوات على الأقل لتحويله إلى مركز سياحي وصناعي.
وتضيف: "إن وجود عدد من جثث الأسرى الإسرائيليين يقع تحديداً داخل هذا الخط أو خلفه، يعني أنّ فرق البحث، بمن في ذلك الأطراف الإنسانيون مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو الفرق المحلية، لا تستطيع التحرّك بحرية في تلك المنطقة، حيث يمكن للاحتلال استخدام هذه الموافقة كورقة تفاوض أو لتأجيل المرحلة الثانية، مما يعيق بشكل مباشر الجهود المبذولة لاستكمال بنود الاتفاق والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة والبدء بعملية إعادة الإعمار. وهذا الواقع قد يؤسس مستقبلاً لفرض التقسيم في القطاع، ولكن الرفض الفلسطيني والعربي والدولي لهذا المخطط يجعله غير قابل للتنفيذ".
مخطط للاستيلاء وليست لإعادة إعمار
وفقاً لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فإن الإدارة الأمريكية أعدت خطة لقطاع غزة ما بعد الحرب تشتمل على تهجير "طوعي" للسكان وتكرّس السيطرة الأمريكية في القطاع.
وتتفاوض واشنطن مع عدد من الدول الصديقة حول إقامة ما بات يُعرف بـ"ريفيرا الشرق الأوسط" في قطاع غزة، بحيث يُوضع القطاع تحت الوصاية الأمريكية لمدة 10 سنوات على الأقل، ريثما يتحول إلى منتجع سياحي براق ومركز صناعي وتكنولوجي عالي التقنية.
في أعقاب كل جولة من الدمار الذي تنفّذه إسرائيل في قطاع غزة، تبرز مشاريع لإعادة البناء بتمويل دولي، لكن في هذه الحرب التي تشهد حتى الآن ما يمكن وصفه بـ"الوقف المؤقت"، برزت خطة "صندوق إعادة إعمار غزة وتسريع النمو الاقتصادي والتحول" أو ما يُعرف اختصاراً بـ"GREAT Trust".
هو ليس مشروعاً لتوفير أموال لإعادة الإعمار كسابقاته، بل مشروع لإعادة تأسيس وتشكيل قطاع غزة كمنطقة للاستثمار السياسي والاقتصادي للقوى الإقليمية والدولية المسيطرة، إذ يتعامل هذا المشروع مع فلسطينيي غزة كحمولة فائضة، ويطرح تهجير جزء منهم ليس لمجرد بناء ما دُمّر وإعادتهم لاحقاً، بل بتهجير طوعي دائم لخدمة رؤية استثمارية اقتصادية وسياسية، يقول الدكتور سنان شقديح، عضو قيادة شبكة المنظمات الفلسطينية الأمريكية، في حديثه لرصيف22.
يقول شقديح: "تبدأ الخطة باتفاق ثنائي بين الولايات المتحدة وإسرائيل ينقل السيطرة الإدارية من إسرائيل إلى الولايات المتحدة بعد نزع سلاح حماس، ثم تتطور إلى وصاية متعددة الأطراف تشمل دولاً عربية وأخرى كمستثمرين، وطرح فضفاض مستقبلي للحكم الذاتي غير محدّد بوقت من قبل (سلطة فلسطينية) دون استخدام الـ التعريف، بينما ستحتفظ إسرائيل بالإشراف الأمني. وتتضمن الخطة 10 مشاريع عملاقة، مثل المدن الذكية، ومنطقة إيلون ماسك للتصنيع الذكي للمركبات الكهربائية، وواجهة ترامب السياحية مع المنتجعات، وميناء عميق، ومطار، وممر سكك حديد، ومراكز لتحلية المياه. وعلى الصعيد الأمني، تطرح الخطة تشكيل قوة هجينة من مقاولين خاصين ومواطنين من دول ثالثة وشرطة محلية ستتولى الأمور الأمنية، بتكلفة 12.9 مليار دولار على مدى 10 سنوات، مع انخفاض مشاركة إسرائيل بمرور الوقت، لتنتقل القوة إلى السيطرة المحلية في الحالة النهائية".
ويردف: "الخطة هي باختصار مخطط للاستيلاء على الأراضي وليست إعادة إعمار حقيقية، وفي الوقت نفسه تقوم بقوننة النزوح القسري الذي حدث حالياً في ما يسمى المناطق وراء الخط الأصفر، أو المُحفَّز عبر تقديم مبالغ مالية للمغادرين. فهي ليست فقط تجاوزاً من الولايات المتحدة لصلاحياتها، بل هي أفكار حالمة مصدرها الرئيس الأمريكي ترمب وصهره كوشنير، اللذان يعتقدان بإمكانية التعامل مع قضية معقدة مثل القضية الفلسطينية من باب خبرتهما الاستثمارية. تلك الخطة رفضتها الحكومات العربية والأوروبية وهي مرفوضة فلسطينياً أيضاً، فالخطة ليست أكثر من أفكار يطرحها ترمب وثلّة من المحيطين به، وهي غير قابلة للحياة أو التطبيق".
ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية
إنها خطة خطيرة تمس الخارطة السياسية والجغرافية لقطاع غزة، وتجعل المتغيّر ثابتاً على الواقع الفلسطيني على الأرض، فالتقسيم يعني حبس الفلسطينيين في القسم الذي أوجدت فيه إسرائيل بيئة طاردة جداً في ظل حصار وإغلاق دائم، واستغلال القسم الآخر لأهدافها السياسية والأمنية. لذلك، إسرائيل ذاهبة إلى حصر الصراع في قطاع غزة فقط، بينما تبقى الضفة الغربية وكأنها جزء لا يتجزأ منه، وبالتالي في أي حل سياسي قادم تقول إسرائيل إن الدولة الفلسطينية هي ما تبقّى من مساحة قطاع غزة، بحسب حديث الدكتور إياد أبو زنيد، المتحدث باسم حركة فتح، لرصيف22.
يرى محللون أن خطة "GREAT Trust" لا تهدف لإعمار غزة بل لإعادة تشكيلها كمشروع استثماري يخدم القوى الكبرى، عبر قوننة النزوح القسري وإنشاء مشاريع كـ"منطقة إيلون ماسك" و"واجهة ترامب"، ما يجعلها من المنظور الفلسطيني مخططاً استيطانياً مقنّعاً برعاية أمريكية
ويضيف: "الخطة تعكس محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، والانتقال من استراتيجية إدارة الصراع إلى مرحلة حسم الصراع. ولكن في الواقع، فإن إسرائيل هي نتاج معادلة دولية، وأي تغير في محددات هذه المعادلة ينعكس مباشرة عليها. وتالياً، الحديث عن تصفية القضية الفلسطينية ليس قدراً فلسطينياً، فإسرائيل لا تملك كامل الأدوات لتحقيق ذلك، والشعب الفلسطيني ليس شعباً عاجزاً عن المواجهة والتصدي لتلك المحاولات".
ويردف: "السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير ترفضان أن يكون هناك تقسيم في غزة، وترفضان أن يكون هناك تدخل في الشؤون الفلسطينية أو أي نوع من الوصاية. ولذلك أصبح اليوم سرّ العداء للسلطة الفلسطينية مبنياً على موقفها الرافض للهيمنة والوصاية الخارجية على القرار الوطني الفلسطيني. فهذه الخطة تشكّل انقلاباً أمريكياً واضحاً على حل الدولتين، وهناك تحولات في موقف أمريكا من الصراع وأدوات الحل، واستخدام أدوات اقتصادية لذلك. وإسرائيل وأمريكا تبحثان عن حل هو أقل من دولة، وربما أقل من حكم ذاتي لحل القضية الفلسطينية".
هل تسمح التحولات الإقليمية والدولية بتنفيذ الخطة؟
لا بد هنا من التمييز ما بين مشاريع قابلة للتنفيذ والنوايا. النوايا بالتهجير موجودة منذ بداية الحرب، واستمرت إسرائيل بالحرب للقضاء على كل شيء وتحقيق "الانتصار العظيم".
الحقيقة أنه في العرف الإسرائيلي السياسي لا يوجد شيء مؤقت، ولكن الحلول المؤقتة هي الأكثر ثباتاً، كما الصفقات. لذلك هناك نوايا للإبقاء على السيطرة، ولكن الأمور تبدو تخرج عن نطاق الهيمنة الإسرائيلية على القرار. وواشنطن بحاجة إلى إيجاد موطئ قدم جديد في المنطقة يختلف عن فكرة "الشرق الأوسط الجديد" ويختلف عن "السلام الإبراهيمي"، وتتجه المنطقة نحو نظام إقليمي جديد، يقول أمير مخول، الباحث في مركز تقدم للسياسات، في حديثه لرصيف22.
يقول: "الأمور لا تسير وفق ما تصبو إليه الذهنية الإسرائيلية الحاكمة، ولذلك لن يُتاح لإسرائيل هذه الفرصة، ومن المستبعد تماماً في الظرف الحالي والمعطيات الإقليمية أن يتم المشروع الإسرائيلي كما تريد بتقسيم القطاع واستمرار السيطرة عليه. فالقرار الإسرائيلي في هذا الصدد عنوانه في واشنطن وليس في تل أبيب، ومن المستبعد نجاح هذه الخطة بالتقسيم، والأمور تتجه إلى دورٍ أكبر للإقليم، وبخاصة الدول العربية من خلال آليات ضاغطة تسعى إلى إيجاد أفقٍ آخر. فإسرائيل تفقد الصدارة في المنطقة من حيث أولويات الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك عناوين أخرى ومحاور أخرى لها أولوية لدى واشنطن ومصالحها. فالنوايا الإسرائيلية قائمة، والقدرات العسكرية موجودة، ولكن القدرات الاستراتيجية والإقليمية والدولية لا تتيح ذلك، لأن إسرائيل في تراجع إقليمي وتنشغل بقضاياها الداخلية، والمنطقة تتغير نحو نظام إقليمي جديد مختلف تماماً لا يريد إسرائيل فاعلاً أساسياً فيه".
انكسار حلم اليمين الإسرائيلي
ويردف مخول: "الاعترافات الدولية تشكّل تحولات عميقة في الموقف الدولي، لذلك القضاء على القضية الفلسطينية أصبح هدفاً بعيد المنال وليس سهلاً تحقيقه. نعم، الوضع خطير والذهنية الحاكمة في إسرائيل خطيرة، لكن لا أعتقد أن القدرات المتوافرة قادرة على تصفية قضية فلسطين التي تحولت إلى قضية عالمية تشغل العالم بأكمله. والتحول الدولي باتجاه فرض إجراءات وعقوبات وربما فرض حل، وعدم انتظار الفرج أن يأتي من فلسطين ولا من إسرائيل في نهاية المطاف. لذلك، إن قضية فلسطين تجد حلها في الحاضنة العربية".
الإدارة الأمريكية أصبحت المتحكم الأكبر في قرارات إسرائيل، حتى في شؤونها الداخلية، إذ تعمل على إعادة تشكيل الائتلاف الحاكم دون إسقاط نتنياهو، معتبرة إياه المقاول الأمثل لتنفيذ خطتها، رغم خطر تحالفه مع اليمين المتطرف.
ويرى أنه ما دامت هناك حاضنة عربية حقيقية، وليست شكلية، ترعى قضية فلسطين وتحميها، أعتقد ستبقى قضية فلسطين قائمة وقوية مقابل انكسار حلم اليمين الإسرائيلي، فلا استيطان ولا تقسيم في غزة، ولا استيطان في لبنان، ولا ضم للضفة، ولا تهجير في غزة. فهذا انكسار كبير لحلم اليمين الإسرائيلي، وأصبحت الإدارة الأمريكية هي العامل الأكثر تأثيراً، وإسرائيل باتت أكثر تبعية لواشنطن من أي وقت مضى. وصانع القرار الأمريكي أصبح يتدخل ليس فقط في مآلات الحرب وتبعياتها في المنطقة، بل في قرارات إسرائيل السيادية مثل محاكمة نتنياهو وعلاقته برئيس المعارضة، إذ أصبحت الإدارة الأمريكية تعمل على تغيير الائتلاف الحاكم وليس تغيير نتنياهو، لأنها تدرك بأن نتنياهو هو الوحيد الذي يستطيع أن يكون مقاول التنفيذ للخطة الأمريكية، وأي شخص من المعارضة لا يستطيع القيام بما يقوم به نتنياهو، مع وجود قناعة لدى واشنطن بالحاجة الماسة إلى تغيير الائتلاف الحاكم في إسرائيل ووضع حد لتحالف نتنياهو مع اليمين المتطرف بن غفير وسموتريش.
تراجع عن خطة ترمب لوقف إطلاق النار
من جانب آخر، يقول المحاضر في دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية في جامعة رتغرز بولاية نيوجيرسي الأمريكية، الدكتور عبد الحميد صيام، في حديثه لرصيف22: "من يعتقد أن هناك فروقاً استراتيجية كبرى بين واشنطن وتل أبيب في رؤيتهما لمستقبل قطاع غزة فهو واهم. إسرائيل هي قاعدة أمريكية تلتزم وتنفذ ما تمليه السياسة الأمريكية، ولا تستطيع العيش بدون الحماية الأمريكية المالية والعسكرية والاستخباراتية والقانونية التي تحميها من المساءلة في المنظمات الدولية. لذلك كان هدف ترمب من وقف إطلاق النار هو الفخر والتباهي بقدرته أمام العالم، أما بالنسبة إلى إسرائيل فكان أهم شيء استعادة الأسرى. لذلك الثغرات في المرحلة الثانية وفي تفاصيل الاتفاق كبيرة، فقد أغفل الاتفاق كثيراً من القضايا وتركها غامضة ومتروكة للتفسيرات، وبخاصة نزع سلاح حماس وقضية إدارة قطاع غزة وإعادة الإعمار. فكيف يمكن تفسير البنود إذا كانت إسرائيل تسيطر على نحو 53% من مساحة قطاع غزة وأفرغته من السكان؟ حتى الاتفاق في المرحلة الأولى لم تلتزم به إسرائيل: المعابر لم تُفتح واستمرت العمليات العسكرية. لذلك إسرائيل ما زالت تنتهك الاتفاق بدون وازع، بدون عقاب، وبدون مراجعة. ولذلك يبقى ترمب يتفاخر بأن الاتفاق ثابت وقوي، وهذه الثغرات الكبرى في الاتفاق لم تأتِ بشكل عفوي، بل كانت مقصودة ومدبرة".
مضيفاً: "هناك نوايا سيئة، فواشنطن تريد أن تضع كل الأوراق بيد تل أبيب، بمعنى أن تل أبيب هي التي تحكم، وهي التي تفرض الحقائق على الأرض، وهي التي تحاسب وتعتقل وتقرر من يدير القطاع، وتحدد الدول المسموح لها بالمشاركة في قوات الاستقرار الدولي التي سوف تأتي إلى قطاع غزة. وبالتالي، أمريكا مكنت إسرائيل من أن تكون صاحبة القرار عندما سمحت لها بالسيطرة على أكثر من نصف مساحة قطاع غزة وأصرت على أن يكون هناك نزع لسلاح المقاومة في المرحلة الثانية. فمن ساهموا في كتابة هذه الخطة هم من أشد أنصار إسرائيل، خصوصاً ويتكوف وكوشنير وبلير الذي كان ممثلاً للرباعية الدولية ويعرفه الشعب الفلسطيني ويعرف مواقفه. وفي إحدى المرات زار بلير الحرم الإبراهيمي في الخليل، فجاء أحد أبناء المدينة وبصق في وجهه وقال له: "اخرج يا حفيد بلفور، فأنت غير مرحب بك هنا".
ويختم قائلاً: "ترمب يريد أن يطوّع منطقة الشرق الأوسط بأكملها من خلال التطبيع مع إسرائيل، لكي تبقى إسرائيل حجر الرحى في المنطقة وبيضة القبان والقوة الأساسية التي لا يستطيع أحد أن يتحداها. ولذلك، وقف إطلاق النار كان البداية، لكن التحول في الرأي العالمي لصالح فلسطين قد يكون عائقاً أمام طموحات ترمب ومخططاته في المنطقة، فقد أصبح الوقوف مع إسرائيل محاكمة أخلاقية لها بعد أن أصبحت تتجه نحو الفاشية المطلقة، ليس فقط كقيادة سياسية بل كمجتمع بشكل عام".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



