افتتاح المتحف الكبير واستغاثات نساء الفاشر والصحراء الغربية… كيف يستغل التضليل

افتتاح المتحف الكبير واستغاثات نساء الفاشر والصحراء الغربية… كيف يستغل التضليل "الترند"؟

حياة نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 5 نوفمبر 20259 دقائق للقراءة

يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متّصلة بتدقيق المعلومات، ينشرها رصيف22، بالتعاون مع "مجتمع التحقّق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصّص يعتمد على البرمجيات لدعم منصّات التحقّق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصّات التحقّق إلكترونياً بمعايير تقنية موحّدة، ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.

تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول إلى الحقيقة، مما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.

في ظل سيطرة أخبار المجازر وانتهاكات حقوق الإنسان في مدينة الفاشر السودانية على اهتمام مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العربية بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها، راجت العديد من المعلومات المضلّلة والشائعات، بما في ذلك صور ومقاطع فيديو مولّدة بالذكاء الاصطناعي، مستغلةً التعاطف الواسع مع الشعب السوداني للحصول على الإعجابات والتفاعل. ولم يتوقف التضليل في السياقات العربية الأخرى بل استغل كل مناسبة يهتم بها الجمهور للانتشار بما في ذلك افتتاح مصر متحفها الكبير، وخبر الحكم بالإعدام على شاب سوري في العراق.

وواكبت هذا التضليل منصّات التحقّق من المعلومات العربية التي فنّدت هذه الادعاءات وكشفت زيفها وأوضحت السياقات والمعلومات الصحيحة المتصلة بها.

صورة أقمار صناعية تُظهر الأرض غارقة بالدماء في الفاشر؟

تداول مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع صورة قيل إنها تُظهر الأرض وقد غُمرت بدماء سكان الفاشر في السودان. لكن مرصد "تحقّق" فنّد الادعاء ووجد أن الصورة قديمة، إذ سبق نشرها عبر وكالة رويترز في 11 نيسان/ أبريل 2025 وهي من تصوير شركة "ماكسار تكنولوجيز"، وتُظهر حرائق في مخيم زمزم للنازحين (شمالي السودان)، ولا علاقة لها بالأحداث الحالية في الفاشر.

"فيديوهات لنساء سودانيات يستغثن لنجدة الفاشر" و"صور أقمار صناعية تُظهر الدماء تغطي الأرض" هناك… كيف قد يُستغل الاهتمام بالقضايا الإنسانية في ترويج التضليل؟

فيديوهات لسودانيات يستغثن؟

راجت في مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً مقاطع مصورة عدة قيل إنها لنساء سودانيات يستغثن طلباً لنُصرة السودان ودعمه في وجه الجوع والقتل والتشريد، مع ادعاء بأن هذه المقاطع حقيقية ومن الفاشر تحديداً.

لكن منصتَي "تيقن " و"تحقّق" أثبتتا أن عدداً من هذه المقاطع مولّدة بالكامل بتقنيات الذكاء الاصطناعي. أظهر التحقّق البصري وجود مؤشرات واضحة على التزييف، وأدوات التحليل الرقمي أكدت أيضاً وجود تشوّهات بصرية لا يمكن أن تصدر عن تسجيل حقيقي. 

مقاطع مولّدة بالذكاء الاصطناعي

فيديو لحشد مسلح نحو الفاشر؟

في غضون ذلك، انتشر في فيسبوك مقطع فيديو يُظهر حشوداً كبيرة من العناصر المسلحة، مع ادعاء بأنه يوثّق حشداً مسلحاً في ولاية نهر النيل (شمالي السودان) يستعد للتحرّك نحو مدينة الفاشر بعدما سيطرت عليها قوات الدعم السريع.

تحقّق مرصد "بيم ريبورتس" من الفيديو، ووجد أنه قديم إذ نُشر لأول مرة في كانون الأول/ ديسمبر 2023 تحت عنوان "جيش نهر النيل شندي". كما لم تُسفر عمليات البحث بالكلمات المفتاحية عن أي مصدر موثوق به يُثبت صحة ادعاء توجّه حشود مسلحة إلى المنطقة حديثاً.

اليهود بنوا أهرامات الجيزة؟

وفي ظل الاهتمام العالمي الواسع بافتتاح المتحف المصري الكبير، راجت ادعاءات مضللة عدّة. من ذلك أن نشر الناشط الإسرائيلي إيدي كوهين، على منصة "إكس"، تدوينة زعم فيها أن اليهود هم الذين بنوا أهرامات الجيزة المصرية، مستخدماً صورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي تُظهر الملك رمسيس الثاني أمام الأهرامات.

تحقّقت منصة "صحيح مصر" من الادعاء وبيّنت أنه مضلل، إذ لم يبن أي هرم في عهد رمسيس الثاني الذي حكم بعد تشييد الأهرامات بأكثر من ألف عام. وأكدت اكتشافات أثرية مصرية، بينها مقابر العمال بجوار الهرم الأكبر، أن بناة الأهرامات كانوا مصريين أحراراً وليسوا عبيداً. كما نفى الأثري زاهي حواس وعلماء دوليون أي علاقة لليهود ببناء الأهرامات، مؤكدين أن الفكرة لا أساس علمياً لها.

اليابان حصلت على ملكية انتفاع للمتحف المصري الكبير؟

بالتزامن، راج في مواقع التواصل الاجتماعي ادعاء مفاده أن اليابان، عبر وكالة التعاون الدولي "جايكا"، حصلت على حق الانتفاع بالمتحف لمدة عشر سنوات.

منصة "متصدقش" تحقّقت من الادعاء وبيّنت أنه غير صحيح، إذ لم تحصل اليابان أو أي جهة أجنبية على حق الانتفاع بالمتحف. وأوضحت المنصة أن دعم "جايكا" اقتصر على قرضين بقيمة 800 مليون دولار لإنشاء المتحف ومشروعات فنية مثل دعم مركز الترميم وتطوير الإدارة، دون أي ملكية أو امتياز. وأضافت أن تشغيل المتحف أُسند لتحالف تقوده شركة "حسن علام القابضة" منذ عام 2021 لتقديم الخدمات فقط، وليس امتلاكاً في المتحف أو انتفاعاً.

غوغل تحذف حدود الصحراء الغربية من خرائطها؟

وعلى خلفية تصويت مجلس الأمن الدولي على قرار بشأن وضع الصحراء الغربية، تداول موقع "هسبريس" خبراً يزعم أن شركة غوغل أزالت الخط الفاصل بين المغرب والصحراء الغربية من خرائطها. تحقّقت منصة "ألجيريا تشيك" من الادعاء، وأثبتت أنه مضلل إذ لا تزال الحدود ظاهرة على أغلب الأجهزة التي جرى التحقّق منها، ويظهر اسم "الصحراء الغربية" بوضوح في خرائط غوغل.

إنذار سوري للعراق على خلفية حكم بإعدام شاب سوري في بغداد؟

تداولت حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي "وثيقة" تزعم أن وزارة الخارجية السورية وجّهت إنذاراً شديد اللهجة للحكومة العراقية بعد صدور حكم بالإعدام في حق الشاب السوري محمد سليمان أحمد حسن، ومنحتها 48 ساعة للرد. تحقّقت منصتا "فارق" و"True Platform" من الادعاء، وتبيّن لهما أنه غير صحيح إذ إن الوثيقة المتداولة مفبركة وتتضمّن أخطاء في الاسم وفي تاريخ الاعتقال، ولا وجود لها في أي مصدر رسمي سوري أو عراقي.

ونفى المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى في العراق أن تكون القضية مرتبطة بمحتوى سياسي أو مؤيد للنظام السوري الانتقالي، موضحاً أن الحكم صدر بعد اتهامات تتعلّق بتمجيد تنظيم داعش، وأنه لا يزال قيد المراجعة القضائية. من جهتها، أكدت الخارجية السورية أنها تتابع القضية عبر قنوات دبلوماسية ولم تُصدر أي إنذار رسمي.

الشيخ حكمت الهجري يُهدّد بقصف العراق؟

ادعاء مشابه راج هذا الأسبوع أيضاً حيث تداول البعض "خبراً عاجلاً" عن أن الزعيم الديني الدرزي، الشيخ حكمت الهجري، توعّد بشن قصف مباشر على العراق إذا لم تُفرج السلطات العراقية عن أربعة شبان معتقلين في الديوانية خلال 48 ساعة. تحقّقت منصة "ترو بلاتفورم" من الخبر، وأثبتت أنه ملفّق، وأن الصورة المتداولة والمنسوبة إلى "قناة التلفزيون العربي" هي مفبركة كلياً. كما اتضح أن أصل الادعاء ساخر، نُشر بصيغة تهكمية ثم جرى تداوله على أنه حقيقي.

وزارة المالية العراقية تقترض 30 تريليون دينار من عمار الحكيم؟

في العراق أيضاً، تداولت حسابات في السوشال ميديا خبراً يزعم أن وزارة المال العراقية اقترضت 30 تريليون دينار من زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، لتمويل الرواتب والمشاريع. لكن منصة "الفاحص" أكدت أن الخبر زائف، ولم يُعلن عن أي قرار أو بيان رسمي في هذا الشأن. أظهر التدقيق أن الصورة المتداولة مفبركة، كما أكدت وزارة المالية في بيانها، المنشور في 29 أيار/ مايو 2025، أنها تموّل الرواتب شهرياً دون تأخير، ولم تلجأ إلى أي اقتراض من الإيرادات النفطية أو غير النفطية.

غوغل لم تحذف حدود الصحراء الغربية من خرائطها، ومصر لم تمنح اليابان حق الانتفاع بالمتحف الكبير لمدة 10 سنوات، ووزارة المال العراقية لم تقترض تريليونات الدنانير لتمويل رواتب ومشاريع… هكذا فنّدت منصات تحقق من المعلومات والادعاءات المتداولة.

صور تُظهر حشود من الأفارقة على الحدود اليمنية السعودية؟

في سياق منفصل، روّجت حسابات على السوشال ميديا صورة تُظهر جموعاً ضخمة من المهاجرين الأفارقة في واد جبلي، بادعاء أنهم يتدفّقون نحو الحدود اليمنية السعودية ويشكّلون خطراً على المنطقة.

تحقّقت منصة "مسند" من الصورة، وتبيّن لها أنها مفبركة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتضخيم أعداد الأشخاص. في حين أن النسخة الأصلية تعود إلى مشهد نُشر عام 2020 لمهاجرين إثيوبيين تقطّعت بهم السبل أثناء جائحة كورونا.

كما أظهر التحليل الجغرافي ومقارنة اللقطات بصور الأقمار الصناعية أن موقع الصورة الأصلية هو وادي ضمد على الحدود اليمنية السعودية، لكن المشهد الحقيقي لا يتضمّن تلك "الحشود" المبالغ فيها التي أُضيفت عبر أدوات التلاعب الرقمي.

صورتان توثّقان مقتل الدكتورة وفاء المخلافي في صنعاء؟

وفي اليمن أيضاً، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورتين قالوا إنهما توثّقان حادثة مقتل الدكتورة وفاء الباشا في صنعاء، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2025.

فحصت ثلاث منصات يمنية، هي "صدق" و"يوب يوب" و"حقيقة"، الصورتين، وخلصت ثلاثتها إلى أنها قديمة ومضلّلة إذ تعودان إلى حادثتين منفصلتين في عام 2016، أولاهما لاغتيال العقيد محمد ردمان الضلعي في صنعاء، والأخرى لجريمة قتل فتاة في عدن. بينما أكدت مصادر أمنية لوسائل الإعلام مقتل وفاء الباشا فعلاً في صنعاء، مبرزةً أن الجناة أُوقفوا والعمل جار على استكمال التحقيقات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

وراء كل تقرير في رصيف22، أيام من العمل: من التفكير والتحرير إلى التحقق والإنتاج البصري.

نحن نراهن على النوع، والصدق، والانحياز إلى الحقيقة والناس.

وحتى يستمرّ هذا العمل، نحتاج إلى من يؤمن بأنّ الجودة والحرية تستحقان الاستثمار.

Website by WhiteBeard
Popup Image