بعد سلسلة من التأجيلات، ومرور أكثر من عقدين على وضع حجر أساسه، افتتح أخيراً المتحف المصري الكبير، الذي صنف بأنه أكبر متحف في العالم يضم آثاراً من حضارة واحدة، هي الحضارة المصرية القديمة، في احتفالية ضخمة جرت في موقعه المطل على أهرامات الجيزة الثلاثة، حضرها ممثلون عن 79 دولة، وحظيت باهتمام إعلامي واسع، وهو حدث طال انتظاره على المستوى المصري، ويتوقع المسؤولون أن يمتد أثره على القطاع السياحي لسنوات مقبلة.
بطل الحفل الكبير كان الفرعون الصغير توت عنخ آمون، أحد أشهر ملوك الحضارة المصرية القديمة، الذي تعرض مقتنياته كاملة للمرة الأولى في مكان واحد منذ اكتشاف مقبرته في العام 1922، ضمن 57 ألف قطعة أثرية يحتويها المتحف الكبير تغطي قرابة 7 آلاف عام من التاريخ المصري القديم، وهو المتحف الذي حصل بالفعل على عدة جوائز من بينها جائزة "فرساي" كواحد من أجمل متاحف العالم لعام 2024.
فالمتحف المقام على مساحة تقترب من نصف مليون مربع ويطل مباشرة على أهرامات الجيزة، يتقدمه تمثال شاهق للملك رمسيس الثاني، أشهر ملوك الدولة الحديثة، الذي حكم البلاد لأكثر من 67 عاماً، وهو تمثال ضخم عمره 3200 عام اكتشف للمرة الأولى في عام 1820 في قرية ميت رهينة في الجيزة ونقل إلى وسط العاصمة في منتصف الخمسينيات قبل أن ينقل إلى مستقره الأخير بالمتحف الكبير في عام 2006.

أنظار العالم تتجه إلى مصر
حصلت مصر على ما أرادته من وراء المتحف، حتى قبل انطلاق حفل افتتاحه الرسمي، حيث كان الحدث محط اهتمام وسائل الإعلام العالمية، فتقرير وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية وصفه بالحدث الاستثنائي في تاريخ الثقافة والحضارة الإنسانية، فيما ذهبت وكالة "رويترز" إلى أن المتحف الكبير يختلف عن المتحف البريطاني واللوفر الفرنسي بأنه نتاج أصالة عكس المتحفين اللذين ولدا من رحم الإمبراطورية، وامتدحت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية مساحته الضخمة التي تكبر مساحة مدينة الفاتيكان، ويتجاوز عدد القطع الأثرية المعروضة به مثيلاتها في متحف اللوفر، أما شبكة "cbs" الأميركية فتطرقت إلى المساحة الكبيرة وحجم الآثار المعروضة به مشيرة إلى أن الزائر قد يحتاج إلى نحو 70 يوماً بلا نوم لمشاهدة المجموعة كاملة.
حقق المتحف المصري الكبير انتصاره قبل أن تُفتح أبوابه، إذ أسر أنظار العالم واحتل عناوين الصحف الدولية؛ فوُصف بـ "الحدث الاستثنائي في تاريخ الحضارة"، وبـ "التجسيد للأصالة"، وحصل على إشادات كبيرة لضخامته وروعة معروضاته. بمشاركة 180 وسيلة إعلامية في تغطية الافتتاح
كانت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية أعلنت منحها تصاريح التغطية الإعلامية إلى 450 مراسلاً يمثلون 180 وسيلة إعلامية دولية، كما منحت خطوط بث مباشر مجانية للآلاف من قنوات التليفزيون الدولية لنقل حفل الافتتاح والفاعليات المرتبطة به، فضلاً عن أن منصة "تيك توك" بثت الحفل بأكثر من لغة عبر حساباتها.
تفاصيل فقرات عرض الافتتاح شرحتها صفحة رئاسة الجمهورية في بيان لها، بدأت بعرض فني بعنوان "العالم يعزف لحناً واحداً"، أعقبه عرض شرح نظرية "حزام أوريون"، وعلاقة بناء المتحف المصري الكبير بالأهرامات، ليليه عرض فني آخر بعنوان "رحلة سلام في أرض السلام"، تخلله مشهد فني عن إبداع المصريين في البناء بداية من بناء هرم زوسر حتى البناء في العصر الحديث، ليستمع الحضور لأغنية قبطية، وإنشاد صوفي، ثم عرض آخر بالدرونز يظهر عبارة "الحضارات تزدهر وقت السلام".

ردود فعل المصريين
أصداء الحفل في مواقع التواصل الاجتماعي المصرية كانت متباينة إلى حد كبير، بين فريق رأى أن الحفل تخلله ارتباك فني وإخراجي وتشتت رسائله مقارنة بحفل نقل المومياوات الملكية في افتتاح متحف الحضارة، وآخر أبدى إعجابه الشديد بجودة العرض وإبهاره الفني، فيما رفض البعض التقليل من المجهود المبذول ومحاولات المقارنة بين افتتاح المتحف الكبير ومتحف الحضارة، في وقت انهالت الإشادات على الكلمة الافتتاحية التي ألقاها وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني قبيل انطلاق العرض، لكونه صاحب فكرة إنشاء المتحف الكبير خلال فترة توليه حقيبة الثقافة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.
المدير السابق للمتحف المصري الكبير الدكتور طارق فهمي قال في تصريحه لرصيف22 إن حفل الافتتاح حقق نجاحاً كبيراً عبر الرسائل التي أرادت مصر توجيهها للعالم من خلال العرض، وهي أن مصر أرض السلام والأمان وأن المصريين قادرون في الماضي والحاضر على الإبهار وتقديم الآثار القديمة بشكل جديد يواكب القرن الحادي والعشرين.
أما الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز، عضو مجلس الشيوخ المصري، فيرى في حديثه لرصيف22 أن حفل افتتاح المتحف المصري الكبير حقق جميع أهدافه الخارجية والداخلية، بالإعلان والترويج وترسيخ العلامة المصرية باعتبارها مهداً للحضارة ووجهة للسياحة التاريخية والثقافية، وهو ما تجسد في الاهتمام الإعلامي الدولي الواسع بنقل فاعليات الافتتاح وتخصيص مساحات كبيرة للحديث عن المنشأة الأثرية الكبيرة التي تربط المتحف المعاصر بالأهرامات الخالدة.
رغم الزخم العالمي، وُجهت انتقادات إلى إدارة المتحف بسبب ضعف التسويق الرقمي وغياب خطة فعّالة للترويج عبر الإنترنت، والأكثر إلى الإخراج التلفزيوني الذي وصف بأنه "مرتبك ومشتّت".
لم يخلُ الحدث من الرسائل الدبلوماسية، بحسب عبدالعزيز، الذي يعتقد بأن الحكومة المصرية نجحت في توظيف الحدث الثقافي في تتويج جهودها الدبلوماسية الأخيرة، سواء في استضافته قمة السلام بمدينة شرم الشيخ التي أعلن فيها عن وقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد جهودها في الوساطة مع قطر والولايات المتحدة، أو نجاح حملتها الدبلوماسية بانتخاب الوزير خالد العناني أميناً عاماً لمنظمة اليونسكو، معتبراً أنه يوم للتاريخ ومن الأيام الجيدة للذاكرة الوطنية.
أما الرسالة الداخلية للافتتاح الرسمي الذي جاء بعد انتظار دام عقدين، بحسب عبد العزيز، فهي تعزيز الفخر الوطني بقيمة الحضارة المصرية ورفع الروح المعنوية للشعب، خصوصاً أن تمويل الحفل كاملاً جاء من أموال الرعاة وليس من جيوب دافعي الضرائب، محذراً من الانجرار وراء محاولات التشويه التي طالت حفل الافتتاح في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يراها عضو مجلس الشيوخ جزءاً من حملة إلكترونية ممنهجة استهدفت التقليل من الإنجاز المصري.
لكن النقد لم يقتصر على الإخراج، فخبير الإعلام الرقمي خالد البرماوي مثلاً، انتقد عدم وجود خطة للتسويق الرقمي للمتحف من خلال موقعه الإلكتروني أو صفحاته في منصات التواصل الاجتماعي، فاعتبر أنها لم تُستغل جيداً لنشر فاعليات وكواليس حفل الافتتاح في تعزيز المشاهدات وجذب السائحين، متهماً الجهة المسؤولة عن إدارة المتحف الكبير بإهمال التسويق الرقمي رغم عالمية الحدث وإنفاق مليارات الجنيهات على تجهيزه لخروجه بالشكل اللائق، كما انتقد قلة عدد زيارات المتحف في الأشهر التي سبقت الافتتاح، حيث لم يتخط عدد الزائرين الـ120 ألف زائر.
ما الذي يميز المتحف المصري الكبير؟
بينما يشير فهمي إلى أن التصميم اعتمد بشكل أساسي على تجسد فكرة البعث والخلود كما آمن بها المصريون القدماء، وكانت مسيطرة على ملوكهم ودَفعتهم لبناء المعابد والمقابر وتدوين ونقش حياتهم وإنجازاتهم على الجدران، لافتاً إلى أن أهرامات الجيزة التي تقع في مرمى المتحف مباشرة أقرب الآثار الشاهدة على تجسيد فكرة الخلود عند المصريين القدامى يقابلها في الجهة الأخرى المتحف الذي يرقد فيه تماثيل الأساطير ويسطر من خلاله الأحفاد رحلة جديدة من التوثيق بشكل معاصر.
ويوضح فهمي أن طريقة العرض في المتحف الكبير مختلفة عن أي متحف آخر، من خلال سرد قصصي لكل مجموعة، فهو عرض داخل سياق زمني وإطار يسرد من خلاله الحياة المصرية القديمة، الأمر الذي تجلى في موضوعات قاعات الملك توت عنخ آمون والتي تضمنت قصة اكتشاف مقبرته في القرن العشرين، وموضوع آخر يتضمن التعريف بأسرة وعائلة توت التي تنتمي إلى الأسرة الثامنة عشرة، والموكب الجنائزي والبعث بعد الموت فضلاً عن مقتنياته الشخصية.
"الزائر سيرى آثاراً لم يشاهدها من قبل للملك توت عنخ آمون، فسابقاً كان يعرض 1800 قطعة فقط بين المتحف القديم والأقصر من أصل 5398 والبقية كانت في المخازن تخضع للترميم طوال هذه الفترة" يضيف المدير السابق للمتحف الكبير.
في السياق ذاته، يقول الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين في وزارة السياحة والآثار، إن فرادة المتحف الكبير تأتي في توظيف التكنولوجيا باستخدام الواقع المعزز في عرض الأثر، معتبراً أنه يتفوق على اللوفر والمتحف البريطاني من ناحية المساحة وطريقة العرض التي تليق بهيبة الآثار نفسها، فالثيمة الأساسية هي إتاحة المعلومات عن الحياة المصرية القديمة وإعادة سرد التاريخ بطريقة حديثة.
"مصر ربحت دبلوماسياً وسياحياً بافتتاح المتحف، وهي خطوة أولى يجب أن تتبعها خطوات أخرى لإنعاش قطاع السياحة بعد فترة من الركود نتيجة الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر والمنطقة العربية" يضيف شاكر في تصريحه لرصيف22، مطالباً في الوقت ذاته باستغلال حالة التوهج والزخم حول المتحف لإنعاش إيرادات السياحة باستيعاب الفنادق والمطارات للأعداد المتوقعة من الزوار الأجانب.

لمّ شمل توت عنخ آمون
رغم أن المتحف الكبير يضم قطعاً ومقتنيات أثرية يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني، فإن كنوز الفرعون الذهبي توت عنخ آمون سرقت الأضواء من ملوك كثر، بسبب الشهرة الكبيرة التي حصل عليها هذا الملك الشاب الذي يعد من أشهر ملوك مصر القديمة، لأسباب عدة من بينها قصته المثيرة للجدل، فهو يعد أصغر من تولى حكم مصر عند بلوغه عامه التاسع ولم يحكم إلا عشر سنوات فقط، ولا يزال سبب موته موضع جدل عند علماء الآثار حتى الآن، بين الوفاة نتيجة الملاريا وتعرضه لحادث تسمم، كما عانى من مرض في العظام، فضلاً عن أحدث الروايات التي ذهبت إلى وفاته مخموراً أثناء قيادته عربته تحت تأثير الكحول!
مثّل افتتاح المتحف دفعة قوية للسياحة، إذ أعاد توجيه أنظار العالم نحو مصر كوجهة ثقافية عالمية. فالمتحف لا يُعد صرحاً أثرياً فحسب، بل مشروعاً استراتيجياً لإنعاش السياحة بعد سنوات من الركود، لكن هذا الزخم، يجب أن يترافق مع تطوير البنية السياحية، ورفع جاهزيتها
توت عنخ آمون، أحد حكام الأسرة الثامنة عشرة، وهو ابن الملك أخناتون الذي عرف بدعوته لعبادة الإله الواحد بمصر القديمة، اكتسبت مقبرته شهرة عالمية واسعة لكونها المقبرة الملكية الوحيدة في وادي الملوك التي تم اكتشاف محتوياتها سليمة دون تلف وكاملة نسبياً، مما جعلها الاكتشاف الأثري الأبرز في القرن العشرين، وكان ذلك محض صدفة.
لكن الجدلية هنا أن هذا الاكتشاف الأضخم نسب دائماً إلى عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر في العام 1922، لكن في حفل الافتتاح، تم حسم وجهة النظر المصرية على الأقل من خلال الإشارة إلى حسين عبد الرسول، الطفل ابن الـ 12 عاماً، والذي قاد كارتر إلى المقبرة بحسب روايات سابقة.
وقد عثر داخل مقبرة توت عنخ آمون رغم صغرها على كنوز تاريخية يتقدمها قناعه الذهبي الشهير وكرسي عرشه المطلى بالذهب وأحذيته الملكية، إلى جانب عرباته الحربية.
كما كشف النقاب كذلك عن مجموعة من الأحذية والصنادل التي انتعلها الملك الصبي وعُثر عليها في مقبرته بوادي الملوك في محافظة الأقصر، ضمن 5398 قطعة أثرية خاصة به تم تجميعها من عدة مواقع شملت المتحف المصري في ساحة التحرير، والمتحف الحربي، ومدينة الأقصر، ليكون المتحف المصري الكبير هو المستقر الأخير لتابوته وكامل مقتنياته. علماً بأن وزارة الآثار دأبت على مشاركة مقتنيات مقبرته بما فيها قناعه الذهبي في المتاحف العالمية باستثناء كرسي العرش الذهبي الذي قال عالم المصريات زاهي حواس إنه لم يغادر مصر أبداً.
"إتاحة عرض المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون في ركن خاص به بالمتحف الكبير واحدة من مزايا هذا الصرح الكبير، فتناثرها داخل المتحف المصري القديم وسط عشرات القطع الأثرية الأخرى حرم مصر من الاستفادة من الاكتشاف الأثري الضخم طوال العقود الماضية" يقول الخبير الأثري سيد حسن، المدير السابق للمتحف المصري القديم لرصيف22.
ويبدي حسن تفاؤلاً كبيراً بشأن النقلة التي قد يحدثها المتحف المصري الكبير في قطاع السياحة، وخصوصاً السياحة الثقافية، لكونه يمنح مصر الفرصة لاكتشاف آثارها من جديد وتقديمها للعالم في أبهى صورها وتسليط الضوء على حياة الملوك ويوميات الحياة المصرية القديمة من خلال وسائل عرض متطورة واستثمار المساحة الكبيرة في تقديم خدمات أخرى مثل قاعات السينما والترميم والمكتبات التاريخية.
ولا يتعجب الخبير الأثري سيد حسن من ترويج عالم المصريات زاهي حواس بأن المتحف الكبير قادر على تحقيق أرباح تصل إلى ملياري دولار - وهي قيمة تكاليفه - خلال عامين فقط من افتتاحه، بقوله إن المتحف المصري القديم كان يحقق مليون جنيه مصري يومياً بواقع 114 ألف زائر قبل ثورة 25 يناير، وهو رقم ليس بعيداً من التحقق في ظل زيادة سعر التذكرة وتعدد الخدمات المقدمة للزوار، ووجوده في منطقة واحدة مع أهرامات الجيزة.

تاريخ من العقبات المالية والسياسية
مرت رحلة إنشاء المتحف بعقبات كثيرة عطلت خروجه إلى النور بشكل سريع، فرغم وضع حجر أساسه في العام 2002 في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، لم يبدأ البناء في المشروع قبل أيار/ مايو 2005، لحين تمهيد الموقع وتجهيزه، ولم تمض بضع سنوات حتى توقف العمل به نتيجة لتداعيات ثورة يناير في العام 2011 التي أطاحت بنظام مبارك، قبل أن تظهر للسطح أزمة توقف تمويله التي هددت استكمال بنائه.
تجلت هذه الأزمة بحسب الدكتور زياد بهاء الدين، وزير التعاون الدولي في الفترة التي أعقبت الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في العام 2013، في التوقف عن سداد الدفعات المتأخرة من القرض الياباني الذي حصلت عليه حكومة الرئيس الأسبق مبارك في العام 2007، قدر بـ300 مليون دولار، ما أدى إلى توقف المشروع لفترة قبل أن تستأنف الحكومة اليابانية تمويلها للمشروع بعد جهود حكومية من الوزير نفسه، ثم عادت ومولت المشروع بقرض آخر في العام 2016 بقيمة 460 مليون دولار.
ظهور رجال أعمال سبق إدانتهم في قضايا فساد وجنايات ضمن قائمة الرعاة، مثل أحمد عز وهشام طلعت مصطفى، أثار جدلاً واسعاً، بسبب ما اعتبره معارضون محاولة لتلميع رموز المرحلة القديمة عبر حدث وطني ضخم.
ورغم تجاوز العقبات التمويلية، لكن الافتتاح الرسمي أرجئ غير مرة، بسبب جائحة كوفيد بداية19، والتوترات الإقليمية التي شهدها الشرق الأوسط في العاميين الماضيين وفي قلبها الحرب على غزة، والتصعيد الإسرائيلي الإيراني.
كذلك تضاربت التصريحات حول التكاليف الفعلية لإنشاء المتحف الكبير، ففي وقت صرح عالم المصريات ذائع الصيت زاهي حواس بأن التكاليف تقارب الملياري دولار، تقدر الإدارية الحالية للمتحف تكاليف إنشائه بنحو 1.2 مليار دولار، اعتمد في أغلبها على قروض يابانية بشروط ميسرة وتمويلات حكومية وتبرعات دولية.
وتأمل الحكومة المصرية بأن يسهم الافتتاح الرسمي في جذب ملايين السياح، حيث كان يستقبل المتحف فى المتوسط ما بين 5 و6 آلاف زائر يومياً، ويتوقع أن يزيد هذا العدد إلى 15 و20 ألف زائر، ليتخطى إجمالي الزائرين 5 ملايين سنوياً.
وفي هذا الصدد، توقعت وكالة فيتش الأمريكية أن يسجل قطاع السياحة المصري نمواً سنوياً متوسطاً قدره 5.7% ليصل إلى نحو 20.65 مليون سائح بحلول عام 2029، ولترتفع إيرادات السياحة المتوقعة إلى نحو 19 مليار دولار.
ويرى البعض أن مصر كانت بحاجة ماسة إلى متحف بهذه المساحة لزيادة عدد القطع المعروضة وتطوير آلية العرض وزيادة الخدمات الترفيهية، فالمتحف المصري القديم بميدان التحرير لا يتجاوز مساحة العرض به 10 آلاف متر مربع بينما الكبير يزيد العرض المتحفي به عن 235 ألف متر مربع لإنشائه على مساحة تبلغ 117 فدانا.

"حان عودتها إلى الوطن".. فرصة لاستعادة الآثار المنهوبة
لقد أنعش الافتتاح الآمال في استثمار الزخم الدولي باستعادة المزيد من الآثار المصرية المهربة إلى الخارج، في إطار الجهود الحكومية والشعبية الرامية لاستعادة الكنوز المصرية، وهو ما دفع صحيفة "دير شبيجل" الألمانية واسعة الانتشار إلى طرح سؤال" هل على ألمانيا إعادة رأس الملكة نفرتيتي؟"، وهو المعروض في متحف برلين منذ قرن مضى.
وكان قد عثر على تمثال نفرتيتي عام 1912 من قبل عالم الآثار الألماني لودفيج بورشاردت في تل العمارنة، وتنقل بين أكثر من مكان حتى استقر في متحف برلين، طبقاً لقاعدة تقسيم الاكتشافات.
"لقد طال غيابها وحان وقت عودتها إلى الوطن" هكذا سجلت الصحيفة الألمانية اعتراضها على استمرار احتجاز برلين تمثال الملكة المصرية الذي يعود تاريخه إلى 3500 عام، وذلك رغم مطالبة القاهرة عبر القنوات الدبلوماسية وتزايد أصوات الأثريين المصريين المطالبة باستعادة التمثال.
الباحثة في علم المصريات مونيكا حنا واحدة ممن يكثفون الضغط لاستعادة رأس الملكة نفرتيتي تقول لرصيف22 إن افتتاح المتحف الكبير فرصة لتسليط الضوء على الآثار المهربة إلى الخارج، معتبرة أن مقالة دير شبيجل الألمانية عن التمثال دليل إضافي على صدى هذه الحملات وتصاعد الأصوات المطالبة باستعادة الآثار.
ليس تمثال نفرتيتي وحده، فحجر رشيد أيضاً من القطع الأثرية التي تكافح مونيكا وغيرها من الأثريين المصريين لاستعادته من المتحف البريطاني الذي يقبع فيه منذ قرنين من الزمان، حيث تم اكتشافه أثناء الحملة الفرنسية على مصر نهايات القرن الثامن عشر، وحصلت عليه بريطانيا بعد هزيمة جيش القائد الفرنسي نابليون.
لم يسلم الحدث من التوظيف السياسي، ففي وقت اعتبرته الحكومة المصرية تتويجاً لجهودها في ترميم الآثار القديمة وزيادة روافدها السياحية وختاماً لمرحلة طويلة من العمل والتحديات، انتقد معارضون مصريون التكاليف الباهظة وما وصفوه بالتوظيف السياسي للمتحف بهدف "التعتيم على أوضاع سياسية واقتصادية مزرية"، وذهب آخرون إلى انتقاد مشاركة رجال أعمال سبق أن أدينوا في جرائم جنائية، كالفساد والقتل في رعاية حفل الافتتاح، في إشارة إلى أحمد عز وهشام طلعت مصطفى ضمن قائمة الرعاة الأساسيين للمتحف المصري الكبير.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



