لكل عصر من العصور تفاصيل وسمات خاصة تميّزه عن غيره. وقدماء المصريين، في زمن "الفراعنة"، كانت لهم طقوس مميزة، توارثتها أجيالهم، أحدها ينظّم مسألة الطلاق.
تحت عنوان "الطلاق في المجتمعات القديمة"، تشير الكاتبة سناء سليمان في مؤلفها المعنون بـ"الطلاق بين الإباحة والصبر والخطر والغدر"، إلى أن نظام الطلاق عند قدماء المصريين لم يظهر إلا ابتداء من عهد الأسرة الـ21 (1085-950 ق. م.).
ويتفق الدكتور رضا عواضة، في كتابه "لطائف النساء"، مع هذا التقدير أيضاً، لكنه يشير إلى أن قدماء المصريين مارسوا الطلاق في تاريخ سابق لهذا العهد، أي قبل تكوّن نظام متكامل.
مَن له الحق في الطلاق؟
تختلف الآراء في تحديد مَن كان يحق له الطلاق. فبعد أن كان المتصور أن الرجل وحده يحق له الطلاق، ذهب رأي آخر إلى أن المرأة كانت أيضاً تمتلك هذا الحق في أي وقت تشاء.
ولم يكن الأمر سهلاً على الرجل، فقد كانت هناك عوائق أمام طلبه الطلاق، وكان يتردد قبل إقدامه على تطليق زوجته، لأنه كان يدفع خمسة أضعاف الصداق (المهر)، وفي عقود أخرى كان يدفع لطليقته مقدار الصداق مضافاً إليه أمواله كلها، وفقا لسليمان، لكن عواضة يشير إلى أن الرجل كان يدفع مقدار الصداق مضافاً إليه ثلث أمواله فقط.
وبحسب عواضة، إذا طلبت الزوجة الطلاق تلتزم برد قيمة الصداق، وفوقه نصفه، وتفقد أيضاً ثلث أموال الزوج التي كانت ستؤول إليها لو طلقها هو.
وفي هذا السياق، يرى المؤلف البريطاني ليونارد كوتريل، في كتابه "الحياة الاجتماعية في عهد الفراعنة"، أن الطلاق كان سهلاً في حالة فشل الزواج، وفي مثل هذه الحالات كان الزوج يعلن أمام الملأ أنه تخلى عن زوجته، ويتعهد في الوقت ذاته بالإنفاق عليها، وكذلك كانت الزوجة التي تريد الطلاق تدفع لزوجها تعويضاً كبيراً.
وذكر رأي آخر أن الزوج في مصر الفرعونية كان يستطيع تطليق زوجته في أي وقت ولأي سبب، إذا رأى أن هناك زوجة أخرى تسعده أكثر من زوجته الحالية. لكن معظم المراجع لا تتبنى الرأي الأخير، ومن شبه المتفق عليه أن المصري القديم لم يكن يلجأ إلى الطلاق إلا في النادر، خاصة أنه كان عندهم "وزراً (خطيئة) كبيراً"، حسبما يصفه وليم نظير، في كتابه "المرأة في تاريخ مصر القديم".
لماذا كان الطلاق نادراً؟
يجيب المؤلف سليم حسن، في الجزء الـ15 من مؤلفه "موسوعة مصر القديمة"، عن هذا السؤال بقوله "إن ندرة الطلاق حينها كان أمراً طبيعياً"، معللاً ذلك بأنه بعد تكوين الأسرة وكثرة الأولاد، من العسير والصعب تفكيك عري الأسرة.
ويوضح: "الواقع أن ما وصل إلينا من عقود طلاق من العهد البطلمي (305-30 ق. م.)، وما قبله في مدة خمسة قرون (520-100 ق. م.) عشرة عقود محررة بالديموطيقية (طريقة الكتابة في ذلك العصر)، إحداها محفوظة في متحف تورينو (المتحف المصري في مدينة تورينو الإيطالية)".
وبناءً على هذا الطرح، يرى حسن أنه ربما كانت من الأسباب التي منعت حدوث الطلاب الغرامة الباهظة التي كانت توقع على الزوج إذا جاء الطلاق من جانبه، ما جعل الأمر غير مرغوب فيه عند الرجال، لافتاً إلى أنه كان "من السهل على الزوج أن يهجر زوجته أو يتزوج من أخرى على أن يطلقها، وذلك لأن الزواج كان صداقه في العادة دبناً واحداً من الفضة (مقدار كان معروفاً آنذاك)، في حين أن غرامة الطلاق كانت خمسة أو عشرة أمثال هذه القيمة، بل كانت أحياناً أكثر من ذلك، ولعل فداحة الغرامة ترجع أحياناً إلى أن المرأة تكون حاملاً، وعليها أن تربي ابنها بعد الوضع".
ويكشف الدكتور رضا عواضة عن بعض ما كانت المرأة تتعرض له إذا عارضت الطلاق، ويشير إلى أنه "على الرغم مما كان بين الرجل والمرأة من مساواة في حق الطلاق، واستطاعة كل من الطرفين التمتع بهذا الحق إذا شاء واقتسام ما لهما من ممتلكات، كانت المرأة عرضة لأن يحكم عليها بالموت غرقاً إذا هي قاومت الطلاق، وثبت عليها أمام القضاء أنها كانت زوجة مشاكسة".
متى يحق للمرأة طلب الطلاق؟
يشير مؤلف كتاب "المرأة في تاريخ مصر القديم" وليم نظير إلى أن المرأة كان لها الحق في أن تطلب الطلاق من زوجها إنْ هو خانها أو أساء معاملتها، وعلى الزوج أن يعوّضها مادياً ويعطيها نفقة إنْ فارقها، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن "الطلاق كان يحدث لأتفه الأسباب بين الطبقات الفقيرة؛ لضعف الرابطة الزوجية".
وعن الحقوق الخاصة بالمرأة في حالة الطلاق، يذكر إبراهيم الحيدري، في كتابه "النظام الأبوي"، أن القانون كان يعطي للزوجة الأولى حق ملكية أثاث بيت الزوجية بأكمله، ووراثة نصف أملاك زوجها في حالة انفصالها عنه، مشيراً إلى أن "للزوجة الحق في الطلاق من زوجها إذا تزوج بأخرى ولم تكن أخطأت بحقه".
لم يكن الأمر سهلاً على الرجل، فقد كانت هناك عوائق أمام طلبه الطلاق، وكان يتردد قبل إقدامه على تطليق زوجته، لأنه كان يدفع خمسة أضعاف المهر، وفي عقود أخرى كان يدفع لطليقته مقدار الصداق مضافاً إليه أمواله كلها
ويبرز المؤلف سيد كريم، في كتابه "المرأة المصرية في عهد الفراعنة"، ما تحدثت عنه المراجع التاريخية في هذا الشأن، موضحاً أن "المراجع التاريخية تشير إلى أن القوانين المصرية القديمة نظّمت حق الطلاق، ووضعت له شروطاً وقيوداً ومسؤوليات وتبعات كاملة، منها حق طلب الطلاق لكل من الزوجين إذا أخل كل طرف بالشروط والتعاليم والالتزامات الواردة في وثيقة الزواج".
"اذهبي في الحال بلا إبطاء أو تراخٍ"
وعن أقدم وثيقة طلاق في العالم، يروي إبراهيم الحيدري، نقلاً عن عالم المصريات الأمريكي جورج فشر، أنها الوثيقة التي اكتشفها بين برديات طيبة، وترجع في تاريخها إلى الأسرة الرابعة التي بدأت عام 2870 ق. م.، وتنص على ما يلي: "لقد هجرتك ولم تعد لي حقوق عليك كزوج... ابحثي عن زوج غيري لأنني لا أستطيع الوقوف إلى جانبك في أي منزل تذهبين إليه، ولا حق عليك من اليوم فصاعداً باعتبارك زوجة لي تنسب إلي أو شريكة لحياتي... اذهبي في الحال بلا إبطاء أو تراخ"، مع توقيع "زوجك المطلق أمون حوتر"، وكتب تحتها: "كتبت بمعرفة توت حوتر اسمن كاتب السجلات"، وعلى ظهرها توقيع أربعة شهود وختم التسجيل.
لكن مؤلف كتاب "موسوعة مصر القديمة" يعارض هذا الطرح، ويقول إن أقدم وثيقة طلاق مؤرخة ترجع إلى عام 542 ق. م.، والصيغة التي افتتحت بها أن يقول الزوج لزوجته: "لقد سرّحتك بوصفك زوجة من اليوم"، مؤكداً أن كل وثائق الطلاق تكاد تكون موحدة في تعبيراتها، ومختصرة جداً، وتأتي بعد الصيغة السابقة العبارة التالية: "اتخذي لنفسك زوجاً آخر".
وهنا، توضح عائدة سالم الجنابي في كتابها المعنون بـ"المتغيرات الاجتماعية والثقافية لظاهرة الطلاق: مع دراسة ميدانية لظاهرة الطلاق في مدينة بغداد"، أن الزوج في مصر القديمة لم يكتفِ بتطليق زوجته شفاهياً بقوله: "اتخذي لنفسك زوجا آخر"، بل كان يسلمها وثيقة طلاق مكتوبة تؤكد حريتها، مشيرة إلى أنه "يرى بعض العلماء أن وثيقة الطلاق لم تكن ضرورية لإثبات وقوعه، بل سنداً يعطى للمرأة حق الزواج مرة ثانية".
الأسباب الدافعة إلى الطلاق
هناك مسألة شائكة تخص الإنفاق على الزوجة إذا طلقها الرجل وقت الحمل، ذكرها سليم حسن. يقول إنه "لم نجد في العقود الديموطيقية ما يدل على أن الرجل كان عليه أن ينفق على زوجته إذا طلقها وهي حامل".
ربما كانت من الأسباب التي منعت حدوث الطلاب الغرامة الباهظة التي كانت توقع على الزوج إذا جاء الطلاق من جانبه، ما جعل الأمر غير مرغوب فيه عند الرجال
ويشير حسن إلى أنه كان لا بد في وثائق الطلاق من حضور أربعة شهود. وعن الأسباب المؤدية إلى الطلاق، يوضح أنه "من الغريب أننا لم نجد في أية وثيقة من وثائق الطلاق العشر التي عثر عليها حتى الآن أية إشارة إلى سبب الطلاق، وعلى أية حال فإن السبب أو الأسباب هي التي ذكرت في عقود الزواج (كشروط للعقد)، هي الزنا أو العقم أو عاهة تشوه الوجه".
لكن وُجدت حالة واحدة في وثيقة طلاق تفيد بأن الزوج يقول لزوجته في البيان الأخير في العقد، العبارة التالية: "لقد أرضيتني بعقد زواجك بالأطفال الذين وضعتهم لي"، ومن المحتمل وفقا لسليم حسن أن هذا الطلاق كان يشمل في طياته أنه كان زواجاً مؤقتاً، وأن المقصود منه أن الرجل كان يرغب في أن يولد له أطفال وحسب، وبعد أن أنجبت له زوجته أطفالاً تخلى عنها، ومن المحتمل أن هذا الرجل كانت له زوجة أخرى لا تستطيع الإنجاب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...