يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متّصلة بتدقيق المعلومات، ينشرها رصيف22، بالتعاون مع "مجتمع التحقّق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصّص يعتمد على البرمجيات لدعم منصّات التحقّق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصّات التحقّق إلكترونياً بمعايير تقنية موحّدة، ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.
تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول إلى الحقيقة، ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.
من فيديو مزعوم لـ"جنود إسرائيليين يتجوّلون بحرّية في شوارع دمشق"، وانشقاقٍ مزعوم للواء كامل عن جماعة الحوثي في اليمن، مروراً بادعاء عن "طلب الرئيس دونالد ترامب الإفراج عن مروان البرغوثي"، وصولاً إلى مرشحٍ "يبكي طلباً للفوز" في الانتخابات النيابية وكذلك خبرٍ عن إضافة "فحص البواسير" ضمن اختبارات المرور في العراق، تنوّعت المعلومات الكاذبة والمضلّلة التي راجت هذا الأسبوع.
وقد اجتهدت منصّات التحقّق العربية لكشف صحة هذه الادعاءات وتفنيد ما فيها من محتوى قديم وآخر ساخر وثالث مولّد بالذكاء الاصطناعي، لتقديمها في سياقها الصحيح للقراء.
"إفراج قريب عن مروان البرغوثي بطلب من ترامب"
تداولت صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي العربية بكثرة خبراً منسوباً إلى القناة 12 الإسرائيلية، يزعم أن الرئيس الأمريكي، ترامب، طلب من إسرائيل الإفراج عن القيادي الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي بداية الأسبوع المقبل.

منصة "تحقّق" الفلسطينية راجعت الخبر وتتبّعت مصدره، لتبيّن أنه مفبرك ولم يرد في القناة 12 الإسرائيلية، كما لم تُصدر أي جهة إسرائيلية رسمية تأكيداً له.
وأشارت المنصة إلى أن أصل الالتباس يعود إلى مقابلة لترامب مع مجلة "تايم" الأمريكية، التي قال فيها إنه "قد يتخذ قراراً بهذا الشأن"، دون أي إعلان رسمي أو تغطية إعلامية إسرائيلية للخبر المزعوم.
"الإفراج عن مروان البرغوثي بأمر من ترامب"، و"ارتفاع أسعار الوقود في عهد السيسي 24 مرةً"، و"مرشح في العراق يبكي تضرّعاً للفوز في الانتخابات"... إليكم أبرز الادعاءات المضلّلة التي راجت عربياً هذا الأسبوع
أما منصّة "تيقن"، فحلّلت المنشورات المتداولة واستفادت من فريق الترجمة من اللغة العبرية الخاص بها، والذي أكد بدوره أنه لم يُرصَد أي خبر بهذا المضمون في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بما في ذلك القناة 12 الإسرائيلية.
كما بيّنت المنصة الفلسطينية أن الخبر لم يظهر في أي من وسائل الإعلام الأمريكية أو في حسابات ترامب الرسمية، علماً أن الادعاء راج بعد مناشدة زوجة البرغوثي للرئيس الأمريكي التدخّل للإفراج عنه.
"جنود إسرائيليون يتجوّلون في شوارع دمشق"
في السياق السوري، تحقّقت منصتا "فارق " و"ترو بلاتفورم" من مقطع فيديو مزعوم أنه يُظهر جنوداً إسرائيليين "يتجوّلون بحرية" في أرجاء العاصمة السورية دمشق. نتائج البحث العكسي، بعد تحليل الفيديو إلى لقطات ثابتة، والبحث المتقدّم عبر فيسبوك، أظهرت أن المقطع يوثّق توغلاً إسرائيلياً في بلدة طرنجة وجباثا الخشب في ريف القنيطرة، وليس داخل العاصمة السورية.
كما تبيّن أن الجندي الإسرائيلي رودي رشان، هو من نشر الفيديو الأصلي عبر حساباته على السوشال ميديا، قبل أن يحذف بعض المقاطع لاحقاً، ما يؤكد أن إعادة تداوله باعتباره من "دمشق"، مضللة.
"مرشح يبكي من أجل الفوز في انتخابات العراق"
تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصةً في "تيك توك"، مقطعاً يُظهر رجلاً يجهش بالبكاء ويدعو للفوز في الانتخابات، مع تعليق: "أحد المرشحين يدعي من أجل الفوز حتى يخدم الفقراء". حصد المقطع عشرات آلاف التفاعلات وأثار موجةً من التعليقات الساخرة.
منصة "الفاحص" تحقّقت من الفيديو عبر البحث العكسي وأدوات تحليل المحتوى، وتبين أن النسخة الأصلية نُشرت أول مرة في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، على صفحة "الصقلاوية" في فيسبوك، التي أوضحت أن المقطع مولّد بالذكاء الاصطناعي.
ويأتي هذا المحتوى في سياق التلاعب الانتخابي المتزايد في العراق، حيث تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتوليد فيديوهات تبدو واقعيةً، لكنها تهدف إلى التأثير على الناخبين أو تشويه صورة مرشحين.
في العراق أيضاً، راج ادعاء مفاده أن "مديرية المرور العامة أضافت فحص البواسير إلى فحصَي المخدرات والنظر مقابل 50 ألف دينار عراقي"، ما أثار موجةً من التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي. تحقّقت منصّة "صحيح العراق" من الادعاء وبيّنت أنه مزيف تماماً، إذ لم تُصدر مديرية المرور أي تعليمات في هذا الصدد ولم تنشر الخبر المزعوم أي وسيلة إعلام موثوقة.

"ارتفاع أسعار الوقود في عهد السيسي 24 مرةً"
تداولت حسابات على مواقع التواصل ادعاءً منسوباً لمقدم البرامج المصري المعارض، محمد ناصر ، مفاده أن "الحكومة في عهد (الرئيس عبد الفتاح) السيسي رفعت أسعار الوقود 24 مرةً".

تحقّقت "صحيح مصر" من صحة الادعاء وراجعت القرارات الرسمية، وتبين لها أن الادعاء غير دقيق إذ إنه منذ تولّي الرئيس السيسي الحكم، في حزيران/ يونيو 2014، صدر 18 قراراً بزيادة أسعار الوقود فقط، فضلاً عن أربعة قرارات بتثبيت الأسعار وقرارين بخفضها.
جاء ادعاء ناصر متزامناً مع زيادة جديدة في أسعار البنزين بمقدار 2 جنيه لكل لتر. واستناداً إلى تحقّق "صحيح مصر"، يُصنّف ادعاء ناصر على أنه غير صحيح لوجود مبالغة فيه لا تتوافق مع القرارات الرسمية.
"تحرير المساجين في الفاشر"
في السودان، وبينما تحوّلت مدينة الفاشر إلى بؤرة للتطورات إثر سقوطها في أيدي قوات الدعم السريع بعد 18 شهراً من الحصار الوحشي، تداولت حسابات سودانية على فيسبوك مقطعاً يُظهر عدداً من الأشخاص يهرولون في شارع قرب مركبات عسكرية، مع الادعاء بأنه يوثق "تحرير مواطنين من سجون القوات المشتركة في أحياء الدرجة الأولى بمدينة الفاشر"، من قبل قوات تحالف "تأسيس".
منصة "بيم ريبورتس"، تحقّقت من الفيديو وبيّنت أنه قديم، إذ نُشر لأول مرة في أيار/ مايو 2025، تحت عنوان: "هروب جماعي للسجناء بعد فتح الدعم السريع أبواب سجن النهود بغرب كردفان". وعلى ما يبدو، جاءت إعادة ترويج المقطع في سياق محاولات لتحسين صورة "الدعم السريع" في مواجهة الاتهامات المتزايدة لها بارتكاب انتهاكات مروعة في حق المدنيين العزل في الفاشر عقب الاستيلاء عليها.
"تحويل مشروبات كوكا كولا إلى منظّفات للصرف الصحي في الصين"، و"انشقاق لواء كامل في الحديدة عن الحوثيين"، و"تحرير المساجين في الفاشر"... كيف فنّدت منصات تدقيق المعلومات العربية هذه الادعاءات المضلّلة؟
"انشقاق لواء كامل في الحديدة عن الحوثيين"
وفي اليمن، تداولت حسابات عبر السوشال ميديا خبراً يزعم أنّ لواءً عسكرياً بكامل أفراده وعتاده ومواقعه في الحديدة انشقّ عن قوات الحوثيين وانضمّ إلى قوات طارق صالح، المناوئة لها.
تحقّقت منصة "صدق" من الادعاء، ووجدت أنه غير صحيح إذ نفى مسؤول في القوات المشتركة في الساحل الغربي للمنصّة صحة الخبر، مؤكداً أنّه لا يوجد أي انشقاق للواء كامل كما يُروّج.
ويأتي انتشار الشائعة بعد إعلان قائد اللواء العاشر "صماد" في قوات الحوثيين، صلاح الصلاحي، انشقاقه عن الجماعة وانضمامه إلى الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، خلال مؤتمر صحافي عقدته وزارة الدفاع في مأرب يوم 21 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
"تحويل مشروبات كوكا كولا إلى منظّفات للصرف الصحي في الصين"
ختاماً، راج عبر فيسبوك منشو يدّعي أنّ شركة كوكا كولا في الصين سوف تُباع ويتم تحويل منتجاتها إلى منظّفات للصرف الصحي. منصة "متصدقش" تحقّقت من الادعاء، ووجدت أنه مفبرك ويستند إلى خبر ساخر نُشر عام 2018، وأعيد تداوله مؤخراً بصيغة مضلّلة، وأُرفق بعدد من المعلومات الخطأ.
كما أوضح التحقّق أن شركة كوكا كولا لا تزال تعمل في الصين، ولم تصدر أي جهة رسمية قراراً بإغلاقها أو تحويل منتجاتها إلى منظفات، علماً أن الادعاء الأصلي نُشر على موقع روسي ساخر أشار بوضوح إلى أن محتواه غير حقيقي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



