وسائل إعلام تقع في فخ نشر

وسائل إعلام تقع في فخ نشر "توصيات طبية" غير موثوقة لـ"خبراء" دون التحقّق منها

حياة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 7 أكتوبر 20259 دقائق للقراءة

يشهد حجم سوق العلاجات غير المثبتة علميّاً نموّاً متسارعاً؛ فنشر موقع Market.us تقريراً عام 2024، يوضح أن قيمة السوق بلغت حينها للطب البديل والتكميلي العالمي نحو 181.2 مليار دولار أميركي، مع توقعات بنمو يناهز 1.7 تريليون دولار أميركي بحلول عام 2034.

ولا يقتصر الخطر الأكبر للعلاجات غير المثبتة على هدر المال، بل أيضاً في “تكلفة الفرصة الضائعة”، عندما يترك المريض أو يهمل علاجاً أثبتت الأبحاث فعاليته لصالح علاج وهمي، فإنه يمنح مرضه فرصة ذهبية للتقدم، وقد يصل إلى مرحلة لا يمكن السيطرة عليها.

نستعرض في هذا التقرير ترويج “خبراء” لعلاجات غير مثبتة علميّاً، من خلال مؤسسات إعلامية عربية، دون أن تتحقق هذه المؤسسات من صحة ما يعرضونه من طرق علاجية ومعلومات طبية، تتعلّق بشفاء أمراض مثل التوّحد والسرطان.

“من المعروف أن لا علاج له!”

بتاريخ 5 تموز/يوليو 2025، لفتتنا تغريدة على منصة “إكس” تحتفي بـ”820 حالة شفاء من التوحّد بأيدٍ أردنية!”، مع ذكر اسم “الدكتور حمزة السيوف” كصاحب هذا الإنجاز.

تتبعنا صحة الخبر بالبحث عبر المؤسسات العلميّة الموثوقة، فلم نجد مصدراً يثبته. اللافت أيضاً أن تغريدة “ضحى” التي لا يتابع حسابها سوى 1664 شخصاً، حقّقت 1.4 مليون وصول، وأكثر من 24 ألف تفاعل من تاريخ نشرها حتى 13 من الشهر نفسه؛ أي خلال ثمانية أيام فقط، ولاقت رواجاً عبر منصات كثيرة.

يستعرض هذا التقرير ترويج "خبراء" لعلاجات غير مثبتة علميّاً، من خلال مؤسسات إعلامية عربية، دون أن تتحقق هذه المؤسسات من صحة ما يعرضونه من طرق علاجية ومعلومات طبية، تتعلّق بشفاء أمراض مثل التوّحد والسرطان

الفيديو الذي نشره حساب “ضحى”، هو مقابلة عبر قناة “العربية” مع الطبيب السيوف، ضمن برنامجها “صباح العربية”. وجدنا أن المقابلة نشرت بالأصل منذ 7 تموز/يوليو 2022.

وبالرجوع لحسابات الطبيب، وجدنا أنه نشر المقابلات عبر حسابيه في إنستغرام وفيسبوك في 4 تموز/يوليو 2025، وكان مِن ضمن مَن أعاد نشر المقابلة نفسها من حساب “ضحى”، وسط تعليقات مرحِّبة من الجمهور بالعلاج. حُذفت التغريدة الخاصة بـ”ضحى” واختفى الحساب لاحقاً.

بالعودة إلى مقابلته مع “العربية”، افتتحت المذيعة بالقول: “رغم أنه من المعروف أن لا علاج له، فإن طبيباً عربيّاً يتحدث عن ثورة علاجية قد تقضي على التوحد”. 

ثم توجهّتْ بالسؤال للسيوف: “اليوم، هل نحن أمام علاج للقضاء على التوحد بشكل كامل أم علاج يسيطر على الأعراض التي تصاحب التوحد؟”. فأجاب الطبيب الأردني: “في الدراسة الثالثة، التي نشرناها قبل شهرين في Brain Science، كان عندنا تقريباً 82 حالة توحد، وخلال علاج على مدة أقلّها 6 أشهر، كان اختفاء أعراض التوحّد اختفاءً تاماً في 43 حالة من أصل 82 حالة، والمقصود بالاختفاء التام هو اختفاء جميع أعراض التوحّد ورجوع الطفل إلى وضعه الطبيعي”. 

مؤسسات إعلامية نشرت ادعاءات السيوف حول "حالات شفاء من التوحد"

*رُصدت المشاهدات حتى تاريخ 22 أيلول/سبتمبر 2025.

إذاً، بتصريح الطبيب نفسه، ليست هناك "820 حالة شفاء من التوحّد". وبالعودة إلى نتائج الدراسة التي ذكرها، والمنشورة في أيّار/مايو 2022 بمجلة Brain Sciences في موقع مؤسسة MDPI، تتحدث الدراسة عن تحسن العلامات والأعراض الأساسية لدى الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، بعد بدء العلاج بعقارين، وعلاجات داعمة قياسية، وتؤكد أن هذه الحالات تحسنت ولم تُشفَ تماماً من المرض.

تعليقات تحتفي أو تشعر بالأمل بعد إعلان السيوف "شفاء حالات توحد".

ووجدنا أيضاً أنها تشير نصّاً إلى "35 من أصل 82 مريضاً (43%) أظهروا تحسّناً كبيراً جدّاً على مقياس الانطباع السريري للتحسّن (درجة 1 على CGI-I)، مع بقاء الأعراض بدرجة طفيفة إلى معدومة حسب مقياس تقييم التوحّد للأطفال (كازر القياسي -2)، وزوال تام لعلامات وأعراض اضطراب طيف التوحّد، وفق التقييم السريري. وذلك بعد تلقي علاج مبكر ومزمن لمدة 6 أشهر على الأقل"، مع إشارة إلى أن “أحد هؤلاء المرضى (واحداً فقط) توقف حاليّاً عن تناول جميع الأدوية، ولا يزال الباقون تحت العلاج”، ما يعني أن الطبيب خلال المقابلة ضخّم نتائج دراسته، وذكر تفاصيل لم تتوصّل إليها الدراسة التي شارك فيها إلى جانب باحثيْن آخرين.

قناة العربية نشرت هذه النتائج، علماً أنها تخالف الدراسة التي قادها السيوف وكانت منشورة لحظة المقابلة، وبتفحّصها تبيّن أنها نشرت بعد أقل من شهرين من تقديمها للمراجعة فقط، وإحدى محكّمات الدراسة غير مختصة بموضوعها، ووجدنا لها العديد من الدراسات المسحوبة.

جدير بالذكر أن وسائل إعلام أخرى أجرت مقابلات مع السيوف قبل لقاء العربية، وشارك خلالها ادعاءاته بـ"شفاء حالات توحّد"، منها؛ قناة الحرة عام 2021 وقناة المملكة عام 2022، وقد حقّقت هذه المقابلات عبر حسابات هاتين القناتين، وعبر حساب الطبيب الأردني على يوتيوب آلاف المشاهدات أيضاً.

الجهات العلمية المختصة تنفي "الشفاء التام" من مرض التوحّد

تحذر إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) من أن "المنتجات أو العلاجات التي تدّعي شفاء التوحد خادعة ومضللة؛ إذ لا يوجد علاج شافٍ له"، بالإضافة إلى تنبيه إلى أن "العديد من المنتجات التي تدّعي علاج التوحد، أو الأعراض المرتبطة به، قد يحمل بعضها مخاطر صحية جسيمة". 

وأكدت أن العلاجات الموجودة حاليّاً هي لعلاج التهيّج المرتبط باضطراب التوحد؛ أي الأعراض السلوكية وليس مهارات التواصل الأساسية. 

بدورها، تنبّه مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) إلى أنه "لا توجد أدوية لعلاج الأعراض الأساسية لاضطراب طيف التوحد" في المطلق، وهو ما يستمر الدكتور السيوف في ادعائه.

تذكر هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، وهي النظام الصحي العام في المملكة المتحدة، أن إحدى أهم العلامات التحذيرية التي قد تشير إلى أن العلاج مزيف لمرض التوحد هي: "أنه يزعم أنه يعالج أو يساعد الأشخاص على التعافي من مرض التوحد".

تواصلنا مع حسابات السيوف النشطة على وسائل التواصل، وعبر أرقام عيادته بشكل متكرر للسماع منه حول ما توصلنا إليه، لكننا لم نتلقَّ رداً حتى نشر هذه السطور.

قدّرت منظمة الصحة العالمية عام 2017، أن واحداً على الأقل من كل 10 علاجات في الدول المتوسطة والمنخفضة الدخل، هو دون المستوى أو زائف، مبرزةً أن الدول تُنفق سنويّاً نحو 30.5 مليار دولار على هذه العلاجات التي تشكّل "تهديدات جسيمة للصحة العامة العالمية".

الثوم و"الملوخية المصرية" كـ"علاجات طبيعية"

منذ بداية جائحة فيروس كورونا عام 2020، زاد معدل ظهور أطباء ومختصين في الصحة والتغذية (عبر وسائل إعلام مختلفة) وأصبح أمراً رائجاً. ومعه، تكرّر نشر "نصائح وعلاجات" غير موثوقة دون التحقق منها.

وتختلف الدوافع للمتسلقين بهذه الطريقة؛ فقد تكون بدافع "إثارة الضجة" وتحقيق الشهرة عبر "التريند"، وأحياناً أخرى لتحقيق مكاسب تجارية، أو في سياق ترويج "نظريات مؤامرة".

في مقابلاته التلفزيونية المتكرّرة، يوصي مجدي نزيه، الذي يعرّف عنه عادةً في المقابلات كـ"استشاري التغذية والتثقيف والإعلام الغذائي"، وكثيراً ما يخصّ بالذكر الثوم و"الملوخية المصرية"، لكن ليست أية ملوخية؛ إنما الملوخية المصرية الصعيدي التي يطلق عليها أحياناً "الشلولو"، فادّعى إبّان جائحة كورونا أنها تقي من الفيروس، دون تقديم أي سند علمي.

من بين الادعاءات التي شاركها مراراً قوله إن الثوم "بيوقّف الورم السرطاني اللي فعلياً موجود"، وذلك خلال مقابلة نشرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 في برنامج "أنا وهو وهي" على قناة "صدى البلد"، وفي مقابلة أخرى، عبر برنامج "مصر جديدة" عبر قناة ETC، كرّر: "الثوم، فيه دراسات كثيرة اتكلمت على أنه له علاقة وثيقة بوقف… وقف النمو السرطاني اللي ممكن يكون موجود… هو مش هيشيله، بس كفاية إنه يقف".

مقابلات إعلامية تضمّنت ادعاءات نزيه

* رُصدت المشاهدات حتى 22 أيلول/ سبتمبر 2025.

في حين أن الفوائد الصحية للثوم عديدة ومثبتة، بما فيها إمكانية الوقاية من السرطان، لكن لم نجد أي دليل علمي موثوق على أن الثوم “يوقف نمو الورم السرطاني” بعد الإصابة به، والدراسات التي تقترح أن الثوم “يثبط الأورام” هي عادةً دراسات مختبرية أو حيوانية، نظراً للتحديات الأخلاقية المتمثلة في وقف علاجات السرطان الموثوقة لصالح تجربة الثوم وفوائده العلاجية المحتملة.

تعليقات على “التوصيات الطبية” لنزيه.

وخلصت دراسة منهجية عام 2021، راجعت الأوراق العلمية المقدمة في العلاقة الترابطية بين السرطان والثوم، إلى أنهم لم يتمكنوا من التوصل إلى استنتاج قاطع بشأن آثار الثوم على السرطان، نظراً لعدم كفاية الأدلة الحالية، لقلة عدد الدراسات العشوائية المُحكمة العالية الجودة.

منذ بداية جائحة فيروس كورونا عام 2020، زاد معدل ظهور أطباء ومختصين في الصحة والتغذية (عبر وسائل إعلام مختلفة) وأصبح أمراً رائجاً. ومعه، تكرّر نشر "نصائح وعلاجات" غير موثوقة دون التحقق منها. وتختلف الدوافع للمتسلقين بهذه الطريقة؛ فقد تكون بدافع "إثارة الضجة" وتحقيق الشهرة عبر "التريند"، وأحياناً أخرى لتحقيق مكاسب تجارية، أو في سياق ترويج "نظريات مؤامرة"


وبحسب المعهد الأميركي لأبحاث السرطان، فقد خلص تقرير الخبراء الثالث الصادر عن المعهد (عام 2018) إلى أن "الأدلة محدودة للغاية لاستخلاص أية استنتاجات حول الثوم ومخاطر الإصابة بالسرطان"، وذلك فضلاً عن الآثار الجانبية للثوم وتعارضه مع بعض الأدوية.

يُعدّ مرضى السرطان من أكثر الفئات استهدافاً من قبل مروجي العلاجات الوهمية، والنتائج تكون مأساوية، فقد نشر المعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة عام 2017 نتائج دراسة أجرتها كلية الطب في جامعة ييل، أفضت إلى أن المرضى الذين اختاروا العلاج البديل فقط (ورفضوا العلاج التقليدي المثبت مثل الجراحة أو العلاج الكيميائي أو الإشعاعي) كانوا أكثر عرضة للوفاة بشكل كبير.

أسهمت بعض المؤسسات الإعلامية العربية في إضفاء المصداقية لهذه الشخصيات، بعد إجراء مقابلات معهم، ويبقى التحقق المسبق من "الضيوف" مسؤولية معدي البرامج، حتى لا تسهم ادعاءاتهم في ضرر مباشر أو غير مباشر على صحة الأفراد.

أنجز هذا التقرير ضمن مشروعات تخرج “دبلوم أريج لتدقيق المعلومات 2025” للشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN).


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

وراء كل تحقيق، قصة بحث طويلة، وفريق يراهن على الدقة، لا السرعة.

نحن لا نبيع محتوى... نحن نحكي الواقع بمسؤولية.

ولأنّ الجودة والاستقلال مكلفان، فإنّ الشراكة تعني البقاء.

Website by WhiteBeard
Popup Image