سنتان على الإبادة… كيف يمكن أن نتعافى؟

سنتان على الإبادة… كيف يمكن أن نتعافى؟

رأي نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 7 أكتوبر 20256 دقائق للقراءة

تتركز أنظار الفلسطينيين، خاصةً نازحي الخيام من أبناء المواصي والمرميين في الطرقات وعلى أكوام الزبالة من أبناء المنكوبة غزّة، على محاولة وقف الموت/ الإبادة وفقاً لمبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. كلنا أمل أن تتوقف هذه الإبادة اليوم وليس غداً، ولنا آمال كثيرة أهمها أن ينتهي النزوح ونرجع إلى مناطقنا، وننصب خيامنا على بقايا بيوتنا أو فوق ركامها.

ركيزتان للتعافي الفلسطيني

اليوم، وبعد سنتَين من حرب الإبادة، يتجدد الأمل الفلسطيني في التعافي من نتائج هذه الإبادة التي لم تحدث في التاريخ، مرتكزاً على ركيزتين رئيسيتين. 

الركيزة الأولى، تنامي التأييد الدولي للقضية الفلسطينية وحركة الشعوب الأوروبية وشعوب العالم النشطة ضد موت أهل غزة. هذا التأييد ليس جديداً ولا طارئاً على القضية والشعب الفلسطينيين، لكنه يتنامى ويتّسع كلما زاد الدم الفلسطيني نزفاً وصبراً وألماً. 

بعد سنتين من حرب الإبادة، يتجدد الأمل الفلسطيني في التعافي عبر ركيزتين: أولاً، تنامي التأييد الدولي والاعتراف المتزايد بدولة فلسطين، وثانياً، استمرار حركات احتجاج إسرائيلية ويهودية ضد الحرب رغم ضعفها، ما يمنح بارقة أمل للفلسطينيين في استمرار نضالهم

لم يقتصر هذا التأييد على الشعوب فحسب، بل امتد إلى الدول، وكانت أهم تجلِّياته مؤتمر باريس لحلّ الدولتين بقيادة فرنسا والسعودية، وتنامي الاعتراف الأممي بدولة فلسطين حتى وصل عدد الدول المعترفة بها إلى 160 دولةً، بما فيها بريطانيا صاحبة وعد بلفور.

أما الركيزة الثانية، فتتمثل في أنه برغم تنامي المعارضة اليمينية والتطرّف في إسرائيل وسيطرة أحزابها وممثليها على المجتمع والدولة والجيش والأمن، إلا أنّ حركة الشعب الإسرائيلي واليهودي لم تتوقف ضد الحرب والمطالبة بحلول سياسية بما فيها موافقته على حلّ الدولتين. 

صحيح أنّ هذه القوى ما زالت ضعيفةً ومتفرقةً، ولا يوجد إطار يجمعها، خاصةً بعد انتكاسة أحزاب اليسار الإسرائيلي ممثلةً في حزبَي العمل وميرتس في إطارها الجديد، ورفض الأخيرين مبدأ حلّ الدولتين، لكن تبقى هذه القوى الإسرائيلية واليهودية بارقة الأمل التي يتطلع إليها الفلسطيني للعمل المشترك ضد الاحتلال والتطرّف على جانبَي الخط الأخضر. 

وقف حرب الإبادة كأولوية قصوى 

لكن، حتى يستطيع الفلسطينيون مواصلة نضالهم المدني السلمي، والعمل المشترك مع القوى الإسرائيلية الرافضة للاحتلال، عليهم تحقيق عدد من المهمات كأولويات نضالية ضرورية، وعلى رأس هذه الأولويات وقف الحرب على غزة؛ لا داعي للخوض كثيراً في هذه النقطة لكثرة التكرار ووضوح أهمية ذلك للجميع. 

البقاء على الأرض هو جوهر النضال الفلسطيني، ولا يتحقق إلا بوجود سلطة موحّدة قادرة على فرض الحكم الرشيد، إنهاء الفلتان السياسي والأمني، محاربة الفساد، وحصر السلاح بيد الأجهزة الشرعية كأي دولة.

إنّ وقف الحرب على غزة يجب أن تتبعه فوراً عودة النازحين إلى مناطقهم، وتحسين شروط حياتهم الإنسانية، وتوفير الأمن ومنع تغوّل العصابات والعائلات تحت حجج الانتقام والثأر وتصفية حسابات الماضي، بالإضافة إلى أهمية محاربة التغوّل الاقتصادي الذي يمارسه التجار ضد الشعب. إنّ الولوج في إعادة إعمار غزة وتوفير سبل الحياة فيها هما الوسيلة الوحيدة لمنع تهجير الشعب "طوعياً".

إصلاح السلطة وإنهاء الانفلات 

البقاء على الأرض هو أسمى وسائل النضال؛ هذا البقاء على الأرض الفلسطينية في غزة والضفة والقدس الشرقية بحاجة إلى حاضنة ترعاه. والسلطة الفلسطينية هي الحاضنة الوحيدة القادرة على توفير شروط بقاء الفلسطيني على أرضه. وحتى تقوم السلطة بهذه المهمة عليها التأكيد على أهمية وحدانية هذه السلطة في الحكم والأمن، والتزام كل من ينتمي إليها من أحزاب ومؤسسات وأفراد ببرنامج السلطة وشروط قيامها والتزاماتها السياسية والقانونية. 

لذا، على السلطة أن تنهي عصر الفلتان السياسي تحت حجج النقد والديمقراطية، ناهيك عن أهمية أن تلتزم هي نفسها بمعايير الحكم الرشيد ومحاربة الفساد والشفافية، وتداول الحكم عبر صناديق الانتخابات.

إنّ إنهاء الفلتان السياسي يتطلب أيضاً إنهاء الفلتان الأمني في غزة والضفة، ومنع انتشار السلاح والميليشيات، وتدخّل دول الإقليم في الشأن الفلسطيني تحت حجج المقاومة ودعم الميليشيات العسكرية. يجب تجريم هذا التدخل ومنعه وتحريم وجود هذه الميليشيات، وضمان وجود السلاح فقط بين أيدي قوات الأمن الفلسطينية. على السلطة أن تنهي عصر الفلتان الأمني كما تنهي الفلتان السياسي والإعلامي.

بقاء الشعب على أرضه 

بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، ووجود السلطة كحاضنة وطنية تدعم وتحافظ على هذا الوجود، يدعوان الجميع إلى إعادة التفكير في وسائل النضال التي تناسب الشعب الفلسطيني الذي قرر بناء دولته عن طريق السلام والحل السلمي. 

فالنضال المدني هو الوسيلة الملائمة لنضال الشعب الفلسطيني للتخلص من الاحتلال وقيام دولته المستقلة. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب أمرين رئيسين: الأول، تحويل التنظيمات الفلسطينية إلى أحزاب مدنية تلتزم سياسياً وقانونياً بما تلتزم به السلطة الفلسطينية. 

النضال المدني هو الخيار الفلسطيني الحقيقي، ويتطلب على الجانب الفلسطيني محاربة التطرّف الديني والقومي ، وإعادة النظر في دور الدين والمساجد والمؤسسات الدينية، بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية، ومنع استخدامها من قبل المتطرّفين للتحريض ضد السلام والسلطة والمؤسسات المدنية، ونشر الأفكار المتطرّفة

والثاني، تعزيز النضال المشترك مع قوى السلام الإسرائيلية واليهودية التي تناضل ضد الاحتلال والتطرّف، وصولاً إلى إقامة حزب سلام فلسطيني يؤمن بالنضال والعيش المشترك بين الشعبين على طريق إنهاء الاحتلال. 

المراهنة هذه المرة على النضال المدني 

إنّ النضال المدني يتطلب النضال ضد التطرّف الديني والقومي على الجانب الفلسطيني، وفي هذا الإطار تجب إعادة النظر في دور الدين والمساجد والمؤسسات الدينية، بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية والمنهاج التعليمي في المجتمع، ومنع استخدامها من قبل المتطرّفين للتحريض ضد السلام والسلطة والمؤسسات المدنية، وفي نشر الأفكار المتطرّفة في المجتمع.

نعم هناك أمل أن يتواصل النضال الفلسطيني بشرط الحفاظ على بقائنا على أرضنا، والحفاظ على السلطة الفلسطينية، ومواصلة النضال المدني، وتعزيز النضال المشترك مع القوى الإسرائيلية واليهودية، وصولاً إلى إقامة حزب سلام فلسطيني.

هذه شروط التعافي من هذه الحرب/ الإبادة، ووسائل الحفاظ على بقائنا على أرضنا ومواصلة نضالنا المدني السلمي.




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

وراء كل تحقيق، قصة بحث طويلة، وفريق يراهن على الدقة، لا السرعة.

نحن لا نبيع محتوى... نحن نحكي الواقع بمسؤولية.

ولأنّ الجودة والاستقلال مكلفان، فإنّ الشراكة تعني البقاء.

Website by WhiteBeard
Popup Image