عقب ردّ حماس وتعقيب ترامب عليه... ما الذي يتجهّز في المطبخ الإسرائيلي؟

عقب ردّ حماس وتعقيب ترامب عليه... ما الذي يتجهّز في المطبخ الإسرائيلي؟

سياسة نحن والحقوق الأساسية

السبت 4 أكتوبر 20259 دقائق للقراءة

بعد أن قتلت إسرائيل 66،288 غزّياً، هل صار بإمكان أهل غزة أن يلتفتوا حولهم ليدركوا حجم الخراب والموت؟ أن يعودوا إلى بيوتهم أو ما تبقّى منها؟ هل صار لديهم وقت للبكاء؟ للنحيب؟ لدفن أمواتهم بكرامة كما كانوا يطلبون؟ 

هذا كله يجب أن يكون واضحاً قبل الحديث المستعجل عن إعادة الإعمار ودخول المساعدات الإنسانية التي يتوقّع أن يرسلها العالم بسخاء لهم. 

أسئلة كثيرة -كل سؤال منها لا يقلّ ألماً وغموضاً عن الآخر- تتبادر إلى الذهن صباح اليوم السبت 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، وهناك المزيد منها. 

هل دخلنا فعلاً لحظة صفقة شاملة أو انتقلنا إلى جولة جديدة من شراء الوقت؟ كيف رأى العالم ردّ حركة حماس على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي وُصف بـ"الإيجابي المشروط"؟ 

لا أحد يعلم بعد إن كان ترامب سيلتقط الإشارات ويمضي في تفاوض سريع أو يتمسّك بالمهلة الزمنية التي حددها، ولا انعكاس ذلك على قرار الجيش الإسرائيلي تقليص الهجمات "بناءً على توجيهات المستوى السياسي" مع إبقاء "الذراع الدفاعية". 

صباح اليوم، توزّعت مواقف العواصم بين تأييد وارتياح، ولا سيّما من الوسيطتين قطر ومصر، وشدّ أمريكي نحو وقف القصف لتيسير الصفقة، وانقسام داخل إسرائيل بين الضغط تحت النار والانخراط في مفاوضات مكثّفة.

أما الذي لا يزال عالقاً فيتلخّص في: تسليم السلاح، صيغة الحوكمة الانتقالية، آلية الإشراف الدولي العربي، ترتيب الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وانسحاب حماس الذي لم تذكره الحركة في بيانها الذي نشرته للرد على الاقتراح الأمريكي.

أجوبة الكثير من هذه الأسئلة موجودة في مطبخ صُنع القرار الإسرائيلي.

ترامب: "أوقفوا القصف فوراً" 

بعد تسليم حركة حماس ردّها عبر الوسطاء، مع إبداء استعدادها للتفاوض فوراً، معلنةً عن موافقتها على الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين أحياءً وجثامين، وعلى تسليم إدارة غزّة إلى هيئة فلسطينية مستقلّة، دعا الرئيس ترامب، إسرائيل إلى وقف القصف فوراً عادّاً أن "حماس مستعدة لسلام دائم". 

أشارت مصادر عدّة بأن جملة الرئيس الأمريكي للإسرائيليين "أوقفوا القصف فوراً"، جاءت مباغتة ومفاجئة لنتنياهو، ومع هذا صدرت أوامر سياسية لقيادة الأركان بتنفيذ "المرحلة الأولى" من الخطة الأمريكية عبر إعادة تموضع القوات وتقليص الأعمال الهجومية

لكن القضايا الجوهرية لا تزال عالقةً، وأبرزها تسليم سلاح الحركة الذي لم تذكره الأخيرة بالموافقة أو الرفض في بيان الرد، مع تأكيدها أنّ مستقبل غزة ينبغي أن يُبحث ضمن إطار فلسطيني أوسع، ما قد يُفهم منه رفضها الخروج من الحكم واقتراحها المشاركة فيه، وهو ما يتعارض مع مبادرة ترامب.

ومع هذا، فالخبر الأهم يتمثل في إعلان الجيش الإسرائيلي أنّه بدأ بتنفيذ "المرحلة الأولى" من الخطة الأمريكية عبر إعادة تموضع قواته وتقليص الأعمال الهجومية "بناءً على توجيهات المستوى السياسي"، مع تأكيد استمرار "العمليات الدفاعية" وحماية الحدود، دون تعريف واضح للمقصود بهما. 

جاء ذلك بعد مطالبة الرئيس الأمريكي بـ"وقف القصف لحماية الأسرى، وإتاحة التفاوض في منشوره الأول الذي عقّب فيه على بيان الحركة، والذي أفادت مصادر عدة، منها "أكسيوس"، بأنه جاء دون التفاوض مع الإسرائيليين ومفاجئاً لهم. الأمر نفسه أكّدته صحيفة "يديعوت أحرنوت" التي أشارت في تقريرها إلى أنّ "نتنياهو تفاجأ ببيان ترامب، وعقد مشاورات ليلية طارئة". ما قد يعكس تباعد التفاهم بين تل أبيب وواشنطن، ومستوى الضغوط التي تمارسها الأخيرة على الإسرائيليين. 

هذا التطوّر دوّنته منصّات المتابعة الإخبارية الإسرائيلية، التي أشارت إلى أوامر عملياتية بتنفيذ خطوات المرحلة الأولى بالتوازي مع مسار التفاوض، حتى دون اتفاق إسرائيلي أو إجماع. 

تحليلات إسرائيلية متناقضة 

المباركة الأمريكية لا تعني مباركةً إسرائيليةً بشكل تلقائي، فبحسب صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية، وصْفُ ترامب ردّ حماس بأنه جاء "بروح إيجابية" -الأمر الذي أثار سخط البعض في تل أبيب- لا يلغي أنّ ثمة تبايناً داخل إسرائيل بين مَن يريد انتزاع الصفقة سريعاً، ومَن يفضّل مواصلة الضغط العسكري.

الدفعة القوية للحكومة الإسرائيلية جاءت للغرابة من زعيم المعارضة يائير لابيد، الذي تعهّد بتوفير "غطاء سياسي" لحكومة نتنياهو إن هي مضت في هذا الاتجاه. 

بيان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، أكّد "الاستعداد للشروع فوراً في المرحلة الأولى من الخطة"، في إشارة واضحة إلى شقّ الأسرى الإسرائيليين ووقف النار، بالتوازي مع ترتيبات ميدانية أعلنها الجيش، بحسب "تايمز أوف إسرائيل". 

لكن الدفعة القوية للحكومة للمضي قدماً، جاءت للغرابة من زعيم المعارضة يائير لابيد، الذي أعلن على حسابه على منصة "إكس" تأييده انضمام إسرائيل إلى مفاوضات بقيادة ترامب "لإغلاق التفاصيل الأخيرة"، عادّاً أنّ هناك "فرصةً غير مسبوقة" لصفقة تُنهي الحرب وتعيد الأسرى الإسرائيليين، مع تعهّد منه بتوفير "غطاء سياسي" لحكومة نتنياهو إن هي مضت في هذا الاتجاه وواجهت بعض الانسحابات وخسارة الأصوات. 

وتخوّفات إسرائيلية مشتركة  

بدورها، أبرزت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تصريح ترامب: "أوقفوا القصف"، عادّةً إياه بمثابة أمر عسكري للحكومة الإسرائيلية. ولفتت إلى أنّ إسرائيل خفّضت مستوى العمليات في غزة بعد إشارته، وسط جدل داخلي حول بند "الـ72 ساعةً" وسائر تفاصيل الجدول الزمني للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ونزع سلاح حماس، الأمر الذي يُظهر -مجدداً- تل أبيب وكأنها مجبرة على تنفيذ أمر الرئيس الأمريكي، برغم عدم اقتناعها بـ"حسن نية" حركة حماس.

فبحسب القناة 13 الإسرائيلية، يرى مسؤولون إسرائيليون مطّلعون على المحادثات التي عقدها نتنياهو، الليلة الماضية، أنّ إسرائيل لم تفسّر بيان حماس بالطريقة التي فسّرها بها ترامب، كما أنها لا تعدّ ردّ الحركة بمثابة موافقة على مبادرة ترامب. وبحسب القناة الإسرائيلية، فإنّ ترامب "لم يترك لإسرائيل خياراً" سوى التعامل مع بيان حماس كتصريح يتيح الحوار.

ويضيف مسؤولون كبار في إسرائيل اليوم، أنّ هذا الحدث سيتّجه نحو الحسم خلال أيام؛ إما التوصّل إلى اتفاق وبدء إطلاق سراح الأسرى الإسرائيلين، أو العودة إلى قتال عنيف ومكثّف. 

أما المحلّل السياسي في القناة 12، يارون آبرهام، فيقول إنّ "الخوف القائم من حماس هو من محاولة كسب الوقت عبر المفاوضات بهدف إيقاف العملية (العسكرية على القطاع). لذلك، من المرجّح أن تقول إسرائيل: مستعدّون للتفاوض، لكن فقط تحت النار… ففي بيان حماس يوجد زخم إيجابي ورغبة في التقدّم، لكن دون تنازلات في ما يخص نزع السلاح أو آلية السيطرة الدولية". 

مخاوف تل أبيب من ردّ حركة حماس على مبادرة ترامب تتركز على شبهة "شراء الوقت"؛ كثير من المحللين الإسرائيليين يعتقدون أنّ الحركة تبدي استعداداً شكلياً فقط لكنها ترفض التنازلات الجوهرية، ما قد يدفع تل أبيب بحسبهم للإصرار على التفاوض تحت النار، خشية فقدان الزخم العسكري أو الانجرار إلى مفاوضات طويلة تعرقل أهدافها

كذلك، يضع المحلّل العسكري في القناة 14، نوعام أمير، تخوّفات مشابهةً من المنظور الإسرائيلي على الطاولة إذ يوضح: "ردّ حماس جاء بهدف وضع الكرة في ملعب الرئيس ترامب… ما تفعله حماس بهذا الإعلان محاولة لكسب الوقت وخنق الجميع. الاختبار الآن لإنذار ترامب: هل يصمد أو ينزلق إلى مفاوضات طويلة؟".

هاتان القراءتان تعكسان توجّهين حذرين داخل الإعلام الإسرائيلي بشأن "شراء الوقت" و"الضغط تحت النار"، وهما متّسقتان مع ما نشرته معظم الصحف الإسرائيلية عن أسباب تقليص العمليات الهجومية مع إبقاء "ذراع ضغط" مفتوحة ميدانياً لإبقاء مركزية القوة التفاوضية. 

في المطبخ السياسي العسكري 

الإعلان الأكبر هو أنّ عملية احتلال مدينة غزة توقفت، وكانت القناة 12 قد أفادت، صباح اليوم السبت 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، بأنّ جهات أمنيةً بدأت، في إطار الاستعداد لمفاوضات متسارعة مع حماس، ببلورة قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم، وبأنّ فريق التفاوض تلقّى بالفعل توجيهات بالاستعداد لإرسال بعثة، لكن دون تحديد موعد أو ساعة في هذه المرحلة. ومن المرجح أن تشمل محادثات التفاوض أيضاً جهات أمريكية. 

تقول تسريبات بأن المفاوضات التي ينتظرها الجميع، غالباً ستتم في مصر وليس في قطر، نتيجة الأجواء المتوترة بعد ضربة "الدوحة" والمخاوف الأمنية.

وبحسب ما نشرته القناة 12 على قناتها على تلغرام، فالبعثة الإسرائيلية لن تتوجه إلى قطر بسبب التوتر السائد بعد ضربة الدوحة وعدد من التخوفات الأمنية، ومن المرجح أن تُعقَد المحادثات في القاهرة. والفريق سيكون مشترَكاً بين جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) والجيش الإسرائيلي والموساد، ويعمل حالياً على صياغة قائمة بأسماء الأسرى الأمنيين الذين يمكن الإفراج عنهم من وجهة النظر الإسرائيلية في إطار صفقة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.

وكانت مبادرة ترامب قد حدّدت عدد 250 أسيراً محكوماً بالمؤبد، ما سيُبقي في السجون بضع عشرات فقط. المصدر نفسه أكد أنّ طواقم مهنيةً تابعةً لقيادة الأركان الإسرائيلية بدأت بوضع خطط الانسحاب من غزة.

وبحسب "يديعوت أحرونوت"، فقد صرّح غِرشون باسكين، أحد مهندسي صفقة شاليط والمشارك أيضاً في الاتصالات بشأن صفقة تبادل الأسرى الثالثة مع حماس، بأنه تحدث مع مبعوث الرئيس ترامب الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بعد تلقّي الرد من حماس. ووفقاً له، فإنّ المبعوث الأمريكي قال له إنّ لدى الأمريكيين "خططاً لنشر القوات الإسرائيلية من أجل تمكين حماس من جمع الأسرى وإعادتهم". 

حتى الآن، لا يمكن استباق الأمور، والتحرك نحو تطبيق الاتفاق يقاس بالدقائق لا بالأيام، وبحذر شديد من جميع الأطراف، وبارتياب متبادل يسبق جولات المفاوضات التي قد تكون الأصعب على أهل غزة في انتظارهم الطويل لتوقّف حرب الإبادة عليهم. 



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image