وصف متابعون للشأن السياسي السوري، الانتخابات البرلمانية الأولى في البلاد ما بعد إسقاط نظام الأسد، والتي أُجريت في 5 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بأنها "الأكثر حساسيةً في تاريخ البلاد"، وذلك لأنّ من شأنها -كما يتوقعون- أن تكشف مدى قدرة الإدارة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، على إدارة أول خطوة تواجهها في المسار الديمقراطي، والتي تأتي في وقت تغرق فيه البلاد في بحر من التخبّطات الأمنية والسياسية، وفي ظل غياب الثقة بين بعض المكوّنات (خاصةً العلويين والدروز والكُرد)، في عهد السلطة الحالية.
أُجريت الانتخابات بصيغة الاقتراع غير المباشر، بحيث يعيّن الشرع ثلث أعضاء البرلمان (70 عضواً)، فيما تقوم لجان انتخابية عيّنها الشرع أيضاً، باختيار الثلثين الآخرين (140 عضواً)، بما يُخرج قرابة ثمانية ملايين سوري -بين لاجئ ونازح- من حسابات الاستحقاق الانتخابي. كذلك، تسببت الأزمات الأمنية في محافظات الجنوب، ولا سيما السويداء وشمال شرقي البلاد والساحل، في تعقيد تنظيم الاقتراع في الساحل، وإلغائه في السويداء ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وفي حين ملَّ السوريون خلال سنوات حكم الأسد "الأعراس الانتخابية" التي كانت تعتمد على "ثقة القيادة" وقوائم حزب البعث المُغلقة عليه وعلى حلفائه، كانوا يأملون أن تكون الانتخابات النيابية الأولى بعد إسقاطه انتخابات حقيقيةً تعكس صوت الشارع عبر اقتراع المواطنين كي لا يتكرّر نموذج "مجلس المصفقين" و"الموافقة بالإجماع" من العهد السابق.
في هذا التقرير، يرصد رصيف22 أبرز مشاهد أول انتخابات برلمانية في "سوريا الجديدة"، وآراء بعض المواطنين فيها ومدى تلبيتها لتطلعاتهم.
يصفها البعض بأنها "الأكثر حساسيةً في تاريخ البلاد"... كيف جرت أول انتخابات برلمانية في سوريا الجديدة؟ وهل تلبّي تطلّعات السوريين وتفرز مجلس شعب يشمل المكوّنات كافة؟
خلفية المشهد الانتخابي
في 13 حزيران/ يونيو 2025، أصدر الرئيس الشرع المرسوم رقم (66) الذي يقضي بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، وذلك استناداً إلى أحكام الإعلان الدستوري، ولا سيّما المادة 24 منه. نصّ المرسوم على تشكيل اللجنة برئاسة محمد الأحمد، وعضوية كل من: حسن الدغيم، عماد برق، لارا عزوقي، نوار نجمة، محمد علي محمد ياسين، محمد ولي، محمد كمالة، حنان البلاغي، بدر الجاموس، وأنس العبدة. وأشار المرسوم إلى أنّ مهمة اللجنة العليا تتمثّل في الإشراف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، تنتخب بدورها ثلثَي أعضاء مجلس الشعب.
لاحقاً، في نهاية آب/ أغسطس الماضي، أصدرت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري، قراراً يقضي بتكليف نقابة المحامين بتعيين مراقبين قانونيين في 60 دائرةً انتخابيةً موزعةً على المحافظات، موضحةً أنّ الهدف من انتداب المحامين "ضمان سير العملية الانتخابية وفق الأصول القانونية".
كما أعلنت عن تشكيل لجان إشراف وتنسيق لضمان "نزاهة العملية الانتخابية"، وذلك استناداً إلى المرسوم الرئاسي رقم 66، والنظام المؤقت للانتخابات. وبحسب ما نشرت اللجنة على قناتها في تلغرام، فإنّ اللجان تشمل شخصيات من مختلف المناطق الجغرافية، موزّعة على ثلاث مجموعات تغطّي محافظات الجنوب والوسط والشمال، بهدف "تنظيم العمل وضمان الشفافية والتمثيل المتوازن" في الانتخابات المقبلة، وغاب الحديث عن وجود مراقبين دوليين.
وقال عضو مسؤول الاتصال الجماهيري في اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، حسن الدغيم، عبر منصة إكس، في 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، إنّ "اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب وبعد أن انتهت من مرحلة تشكيل اللجان الفرعية، وبدورها انتهت اللجان الفرعية وبإشراف اللجنة العليا من اختيار أعضاء الهيئات الناخبة، وبعد تجاوز مرحلة الطعون القضائية من جهة، ومرحلة تحقيق التوازن (لاعتبارات التوزع السكاني، والاختصاص الكفائي، والتنوع الثقافي) من جهةٍ ثانية، وبعد إصدار قائمة المرشحين والتي تجاوزت 1،500 مرشح،️ أنوّه باعتباري مسؤول الاتصال الجماهيري بعدم صحة الشائعات حول تزكية اللجنة العليا لمرشحٍ من المرشحين دون غيره أو اعتمادها قائمةً طالت أو قصرت، أو تقديمها، أو توصيتها لمرشح على حساب مرشحٍ آخر، وكل ما يردّد ويتناقل على هذا المنوال كثر أو قل غير صحيح البتة. تقتصر مهام اللجنة العليا للانتخابات على توفير ظروف متساوية ومتكافئة للمرشحين، التزاماً منها بالنظام الانتخابي المؤقت وتعليماته التنفيذية".
وتنافس في هذه الانتخابات 1،578 مرشحاً، 14% منهم نساء، وفق اللجنة العليا للانتخابات، ووفق نظام انتخابي يشترط ألا يكون بينهم أيّ من مؤيّدي النظام السابق، أو أيّ من الداعين للتقسيم أو الانفصال، أو الداعمين لتنظيمات إرهابية، أو من ترشّحوا في الانتخابات خلال سنوات ما بعد ثورة عام 2011.
وفي تصريحات إعلامية، قال المتحدث باسم اللجنة العُليا لانتخابات مجلس الشعب السوري لوسائل الإعلام، نوار نجمة: "راعينا كل مكونات الشعب السوري في تشكيل الهيئات الناخبة لكونها مختارةً اختياراً، ولدينا السيطرة على عملية اختيارها، فكان لا بد من أن يكون الاختيار عادلاً لكل المكونات والطوائف والأقليات، وحرصنا حرصاً شديداً على التمثيل الحقيقي لها. مسألة المرأة كانت شديدة الأهمية للّجنة، لا بُدّ من مشاركة حقيقية للمرأة. لم نكتفِ بوجود 20% من الهيئات الناخبة، بل تجاوزنا هذا الرقم في عدة محافظات، بالإضافة إلى محاولة توعية شعبية كبيرة لأهمية دور النساء في المرحلة القادمة".
"خارج اهتمامات الشعب"
يرى الصحافي والناشط فيصل أبو ناصر من السويداء، أنّ من الإيجابيات التي صاحبت هذه الانتخابات "إنشاء موقع إلكتروني يتضمّن شرحاً تفصيلياً للعملية الانتخابية، مع زيادة مساحة الحديث عنها على شاشات التلفزة". مع ذلك، لا يرى أنها تختلف عن الانتخابات السابقة في سوريا من حيث أنها تأتي في "آخر اهتمامات الناس" الذين ينشدون الاستقرار والهدوء أكثر من أي شيء آخر.
ويتابع أبو ناصر، في حديثه إلى رصيف22: "مشكلة الانتخابات النيابية في سوريا تكمن في جوهرها، فإذا لم تتم على مبدأ سوريا دائرة واحدة، لن يوجد ضمان لعدم وجود فساد أو مال سياسي، فكيف في الوضع السوري الحالي الذي لا يزال يعتمد على المناطقية التي ستفضي إلى لون واحد حكماً؟ هذا المجلس شبيه بالمجلس السابق لأنه لا يزال بالتعيين أو التزكية ولو بقالب مختلف عمّا كان عليه زمن الأسد".
فضلاً عمّا سبق، يعتقد أبو ناصر أنّ "غياب الحالة السياسية من شأنه أن ينتج ما نحن عليه اليوم، حيث تتركّز السير الذاتية للعديد من المرشحين حول أنهم كانوا معارضين للأسد. ماذا يعني ذلك؟ وبماذا قد يفيدني ذلك كمواطن؟ هل يكفي أن تكون معارضاً للأسد لتكون في هذا الموقع؟".
"الاستحقاق استحقاق، ويمكن إقامته برغم كل التحديات. لكن يجب أن يقام وفق حلّ سياسي قائم على حوار وطني يشارك فيه الجميع، فتجري انتخابات في السويداء مثلاً، لكن يجب فك الحصار عنها أولاً. ما أراه أنّ هذه الانتخابات تشبه آخر انتخابات أجراها النظام السابق، ولا تعنيني شخصياً"، يعقّب.
"لا تجوز تسميتها انتخابات"
على الجانب الآخر، يقول عضو لجنة التواصل في الكتلة الوطنية السورية، طارق الأحمد، لرصيف22، إنّ "هناك اختلافاً جوهرياً وكبيراً بين الانتخابات الحالية وسابقاتها، وهو لا ينطوي على شهادة للنظام السابق أو لغيره. فكلمة انتخابات، بغض النظر عما إذا كانت مزوّرةً أو غير مزوّرة، تتطلّب وجود صناديق اقتراع وناخبين، وما يجري اليوم ليس انتخابات ولا تجوز تسميته كذلك، بل هو حالة تعيين رسمي من خلال لجنة تُعيّن من قبل رئيس السلطة الانتقالية".
ويشرح الأحمد أنّ حديثه لا يعني مدح نظام أو مهاجمة آخر، وإنما توضيح كيف أن هذه الحالة الانتخابية "لا تمثّل طموح الشعب السوري ولا الحالة الدستورية"، حتّى أنه ينبّه إلى حدوث "عملية استيلاء على إرادة الناس في سوريا، تقترب من عام كامل. ماذا يريد الشعب؟ يريد أن يشعر بمواطنته، ولا نرى اليوم سوى الطائفية، وحالات شكلية كالإعلان الدستوري، والحوار ومجلس شعب، وغير ذلك من أشكال ترقيع الطائفية".
كما يلفت القيادي في الحزب السوري القومي الاجتماعي، إلى أنه "لا تجب المقارنة بين الحالة اليوم والحالة في زمن النظام السابق، فهذا يصبّ بشكل أو بآخر في مصلحة النظام السابق برغم كونه دكتاتورياً استبدادياً سلطوياً، وبرغم ذلك كانت هناك دولة واليوم لا توجد دولة. النظام السابق جمّد الحالة السياسية وأوقع البلاد في حالة الموت السريري، أما السلطة الجديدة فحكمت بإعدام الحالة السياسية، وهو ما أتبعته بحالة تجييش ضد كل من ينادي بالعمل السياسي والحريات، ولو تُركت للحالة السياسية حرية الحركة والعمل لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم".
وعن ظروف إقامة هذه الانتخابات، يقول الأحمد إنّ الأمر لا يتعلّق بالتوترات الأمنية، بل بالحاجة إلى وجود حلّ سياسي لوضع سوريا، فـ"اليوم، يوجد نظام أمر واقع لا يتمتّع بالشرعية الشعبية والدستورية والسياسية، وإنما بتغطية إقليمية ودولية، وتالياً الدخول في تفاصيل الجزئيات لا يصحّ ويجب الوصول إلى حل سياسي يُعيد تشكيل النظام السياسي بشكل قائم على القرار 2254. وعليه، لا يصحّ إجراء انتخابات".
"برلمان مرحلي ديكوري"
ويسلّط المحلل السياسي، علاء محمد، الضوء في حديثه إلى رصيف22، على أوجه التشابه والاختلاف بين المجالس النيابية في العهد السابق واليوم، قائلاً: "في كليهما، لا كلمة للشعب. وفي الحالتين، هناك نسبة تنجح دون جهد، كان اسمها سابقاً قائمة الوحدة الوطنية، واليوم اختيارات الرئيس. والاختلاف الوحيد هو في الطريقة. فسابقاً كان البعث يختار كل المرشحين عبر اقتراع مباشر وهمي. أما اليوم، فالسلطة تختار المرشحين عبر اقتراع غير مباشر".
ويخلص محمد مما سبق إلى أنّ "هذا المجلس لا يمثّل ولا يقترب من تمثيل طموحات الشعب السوري، وسيكون برلماناً مرحلياً ديكورياً لملء فراغ سياسي"، معرباً عن خشيته أن يكون "برلمان القرار الواحد برغم وجود أعضاء من كل الأطياف"، لأنهم برأيه "يتبعون لوناً سياسياً واحداً، ولا يوجد بينهم معارض حقيقي واحد"، تماماً كما كان يحدث سابقاً.
"إن كان النظام السابق قد اختصر دور الشعب في أن يكون مجرّد كومبارس أو شهود زور لا أكثر في العملية الانتخابية، فالنظام الحالي عدّ الشعب قاصراً وغير مؤهّل لاختيار مرشحيه أصلاً"... كيف يرى سوريون أول انتخابات برلمانية ما بعد الأسد؟
غياب عملية سياسية فعّالة في مسار الانتخابات اليوم، لا يجده محمد مشكلةً، باعتبارها "مرحلةً مؤقتةً"، خاصةً أنّ الحياة السياسية تنشط عند الاضطرابات، وشمال شرق البلاد خارج السيطرة والجنوب كذلك، وفي السويداء هناك مطالب بفدرالية أو استقلال، وفي الساحل لا توجد رغبة في المشاركة في هذه الانتخابات لو تُرك القرار للشعب هناك، على حد قوله. غير أنه يشدّد على أنّ "هذا النمط من الانتخابات لا يسمح بوجود تنافس. على سبيل المثال: في منطقتي لا نشعر بوجود انتخابات، بل نسمع عن مرشحين نجحوا قبل صدور النتائج".
"كومبارس وشهود زور"
من جهتها، تلفت سميرة الشيخ إبراهيم، من حمص، إلى أنّ "جزءاً بسيطاً من الشعب اليوم يختار ممثلي كل الشعب. فإن كان النظام السابق قد اختصر دور الشعب في أن يكون مجرّد كومبارس أو شهود زور لا أكثر في العملية الانتخابية، فالنظام الحالي عدّ الشعب قاصراً وغير مؤهّل لاختيار مرشحيه أصلاً".
وتضيف في حديثها إلى رصيف22، أنّ "الآليات غالباً ما تعكس الوظيفة والهدف منها، لذلك إن كنا نتحدّث عن شعب ثار ليكون هو صاحب السلطة الفعلية، فكيف لشكل الانتخابات الحالي -الذي يستبعد دور الشعب- أن يقارب أدنى طموحاته؟".
وعن الخوف من اللون السياسي الواحد في مجلس الشعب، تقول إبراهيم: "لم يكن العيب في مجلس الشعب سابقاً أنه يمثّل لوناً واحداً حيث كان البعث يقود تحالفاً من قوى سياسية (أحزاب الجبهة)، ودينية (تيار وزارة الأوقاف)، واقتصادية (تجار وصناعيي دمشق وحلب)، وأهلية (أعيان القرى وشيوخ العشائر). وعليه، كان العيب في مجلس الشعب عبر تاريخ سوريا في أنه مؤسسة تجمع ممثّلي أصحاب السلطة والمال، لا ممثّلي الشعب، لأنّ فوز النائب بمقعده ليس بيد ناخبيه، بل بيد شبكة من المصالح والزبائنية، ما يعني أنّ اختيار النواب من قبل لجان لن يكون وسيلةً ناجعة. فالنائب لن يحرص على مصالح الشعب بقدر ما سيحرص على مصالح من اختاره، ما يعني أن يبقى المجلس وفياً لتلك التزكيات والتوصيات العليا التي تنتجه".
وتردف إبراهيم: "مشكلة السوريين عامةً بل حتى بعض نخبهم هي أنهم لا يقرنون بين ما هو سياسي (كحريات وأحزاب)، وما هو معيشي (كخدمات وحاجات أساسية)، وهو ما يحوِّل مجلس الشعب إلى مجرّد مكان تُلقى فيه الخطب دون التطرّق إلى المشروع الذي تصوغه عادةً الأحزاب السياسية وتناضل لتحقيقه".
لهذا، ترى إبراهيم أنّ غياب الصراع السياسي على السلطة في سوريا يعني أن يرتدي كل صراع أثواباً أخرى، دينية أو قومية، ومن هنا يكون الأسلوب الحالي لاختيار أعضاء المجلس معززاً لهذه القطيعة بين الفكر والفعل، فيَعِدُ كل مرشح بما لا يستطيع، مُضمِّناً برنامجه شعارات مطّاطةً وكلمات مقتضبةً، دون أن يقدّم برنامجاً حقيقياً، لفقره السياسي من ناحية، وغياب المحاسبة من ناحية أخرى، على حد قولها.
خطورة هذا الوضع في ظل غياب التنافس الحزبي على مقاعد المجلس، وغياب الأحزاب عن البرلمان، تلخّصه إبراهيم في غياب أيّ تكتل وازن ضد السلطة التنفيذية التي تقود المرحلة الانتقالية، ما يؤدي إلى أن تجابه هذه السلطة أفراداً لا جماعات، كما حدث في مؤتمر الحوار وفي تشكيل الحكومة، إذ تصرّ الإدارة السورية على أن تتصرف ككتلة، وأن يتصرف الآخرون كأفراد.
بوجه عام، تعتقد إبراهيم أنه "لا يمكننا تصوّر انتخابات سليمة في دولة لم يستقرّ فيها الحكم بعد، فنحن أمام انتخابات تديرها سلطة مطعون في شرعيتها أصلاً، لذا كان من الأجدى لو تم تأجيلها حتى يتم الاتفاق على المشكلات كافة، ومنها شكل سوريا نفسه، أو لو تم ترك كل منطقة تفرز مجلساً منتخباً وفق ظروفها بما يضمن تمثيلاً عادلاً لجميع المكونات".
بحسب السليمان، المقارنة بين الانتخابات الحالية وسابقاتها "غير جيدة وغير أخلاقية".
أي دور للمرأة؟
وعن دور المرأة في مجلس الشعب القادم، تلفت إبراهيم إلى أنه "ليس واضحاً بعد"، معربةً عن اعتقادها بأن يكون وجودها في الحكومة "من باب تجميلي لا أكثر حيث لم نلحظ للوزيرة الوحيدة أي دور في ما يخصّ القضايا الأساسية التي تواجه المرأة السورية، كقصص الاختطاف والاغتصاب وما شابه، ولم نسمع من إحدى المرشّحات أي حديث بخصوص قضايا كهذه. لذلك، لا يوجد خطاب سياسي نسوي في سوريا، بل سيدات يبحثن عن دور في ظلّ حاجة السلطة إلى إكسسوارات لا غنى عنها أمام الخارج".
يتفق مع ذلك الحقوقي معتصم الكيلاني، الذي يرى أنّ "المرأة السورية هي من يجب أن تقود عملية الانتقال في سوريا، كما قادتها طوال 14 عاماً من الصراع لا أن نعدّها شريكاً أساسياً فقط في التحوّل الوطني"، ويؤكد أنّ "مجلس شعب لا يتضمّن 50% من المشاركة النسائية، لا أعدّه منصفاً بحق المرأة السورية على الإطلاق، ولا بحق تضحياتها. نحن بحاجة إلى تشريعات جديدة تُرسّخ العدالة الجندرية وتكفل تمثيلاً حقيقياً للنساء في المؤسسات المنتخبة، المهم أن تتأسس البنية القانونية الدستورية التي تسمح للمرأة بأن تكون في موقع القرار، لا في موقع الرمز".
كذلك، يشدّد السليمان على أنّ "دور المرأة لم يصل إلى المستوى الذي نطمح إليه. لكن هذا متعلّق بالثقافة العامة". لكن بحسب علاء محمد: "تبقى الحالة الجيدة هي وجود المرأة في هذه الانتخابات برغم عقلية الحكم الحالي".
"مقارنات غير أخلاقية"
في غضون ذلك، يصف المحلل السياسي بسام السليمان، المقارنة بين الانتخابات الحالية وسابقاتها بأنها "غير جيدة وغير أخلاقية"، قائلاً لرصيف22، إنّ "من لم يلمس الفرق في فلسفة الدولة في التعامل مع الناس والاستحقاقات الوطنية، لديه مشكلة"، برغم اعترافه بأنّ "الشكل الانتخابي الحالي لا يمثّل الشكل الأفضل لتطلعات الشعب".
ويستدرك السليمان: "نحن أمام فراغ في السلطة التشريعية وحالة صعبة خلّفها النظام السابق، تحاول الحكومة الحالية التكيّف معها قدر الإمكان. وبخصوص المخاوف من فكرة اللون الواحد، فالباب مفتوح للجميع"، مردفاً: "في حال كانت هناك مشكلة في تمثيل أي لون سوري، فهذه وظيفة الثلث المعيّن من قبل الرئيس ليشمل كل أطياف الشعب".
يذهب السليمان أبعد من ذلك باعتباره أنّ "الانتخابات الحالية تضمن وجود تنافس. فاختيار المرشحين يتم بعملية دقيقة لا يمكن معها التعيين الفوري، ومن تم اختيارهم سيصوّتون على المرشحين".
يشدّد السليمان أيضاً على أنّ التوترات الأمنية لا ينبغي أن تكون ذريعةً لـ"تعطيل مسار بناء الدولة"، مستدركاً: "لا يمكن انتظار أن يرضى الجميع بالمشاركة، فهذه مشكلة وسط وجود فراغ".
"فرصة حقيقية والحكم على النتائج"
من درعا، يقول عقبة محمد، لرصيف22، إنه يعتقد أنّ لدى الناس في سوريا الآن فرصةً حقيقيةً للمشاركة في "انتخابات نزيهة، لكن الحكم يبقى على النتائج. الشعب السوري يطمح إلى الكثير من الأشياء، في حين أنّ البلاد تمر بمرحلة انتقالية مليئة بالمشكلات والتحديات. بالرغم من ذلك، أرى أنّ الكثير من الناس من المشاركين في الانتخابات يصفون الأمور بالإيجابية أكثر من السلبية".
يقول الكيلاني، لرصيف22: "الواقعية السياسية تفرض أن نبني الديمقراطية تدريجياً، لا أن نسقط في فراغ مؤسساتي. ما يهمّ الآن هو تثبيت القاعدة الدستورية وبناء مؤسسات تشريعية تُرسّخ المسار الديمقراطي، لتكون الانتخابات القادمة -بعد خمس سنوات مثلاً- حرّةً، ونزيهةً، ومباشرةً"
ويوضح عقبة: "لا نريد أن يكون مجلس الشعب عبارةً عن مظاهر وزعامات ومحاصصات… إلخ. نريد أن نرى مشاريع سياسيةً وطنيةً حقيقيةً تُتبنّى وتُناقَش وتُقبَل وتُرفَض، وأن يكون للمجلس دور حقيقي في اتخاذ قرارات مهمة كالاتفاق مع إسرائيل، أو شكل العلاقات معها في المستقبل، وغيرهما من المسائل".
"خطوة نحو العدالة الانتقالية"
برغم تحفّظه على الشكل الحالي، يصف الحقوقي معتصم الكيلاني، في حديثه إلى رصيف22، الفارق بين الانتخابات النيابية الحالية والسابقة بأنه "جوهري. الانتخابات السابقة كانت تُدار ضمن نظامٍ مغلق، أما اليوم فهي خطوة في مرحلة العدالة الانتقالية، نحو نظام سياسي تعددي يعبّر عن إرادة الناس إذ تُعدّ مقدمةً عمليةً نحو الانتخابات المباشرة من الشعب السوري التي نطمح إليها جميعاً".
ويتابع الكيلاني: "بواقعية قانونية، أرى أننا لا نستطيع الانتقال من نظام ديكتاتوري أحادي الحزب إلى نظام ديمقراطي انتخابي متكامل بين ليلة وضحاها. لذلك، لا بأس أن نمرّ بهذه التجربة كمرحلة تأسيسية، والمهم أن تُكرّس مبدأ الدستورية في سوريا، وتعيد بناء نظامٍ تشريعي يمنح شكلاً قانونياً جديداً للدولة في هذه المرحلة الانتقالية".
ويصرّ على أنّ "الواقعية السياسية تفرض أن نبني الديمقراطية تدريجياً، لا أن نسقط في فراغ مؤسساتي. ما يهمّ الآن هو تثبيت القاعدة الدستورية وبناء مؤسساتٍ تشريعية تُرسّخ المسار الديمقراطي، لتكون الانتخابات القادمة -بعد خمس سنوات مثلاً- حرةً، ونزيهةً، ومباشرةً".
إلى ذلك، يبقى الحكم على أول "مجلس شعب" ما بعد إسقاط الأسد، رهين التجربة التي لم تتضح معالمها كاملةً بعد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.