"دمشق تناور"... هل يسعى أحمد الشرع إلى تقسيم كرد سوريا؟

سياسة نحن والفئات المهمشة نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 17 سبتمبر 202510 دقائق للقراءة

أثار توجيه الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، دعوةً رسميةً إلى المجلس الوطني الكردي لعقد لقاء في دمشق، جدلاً واسعاً وأربك المشهد السياسي الكردي مجدداً. فالدعوة جاءت في توقيت حساس أعقب "كونفرانس" القامشلي 2025 -مؤتمر "وحدة الموقف والصفّ الكردي في روجآفاي كردستان"- الذي أفرز وفداً كرديّاً موحّداً وورقة مطالب مشتركة، ما عُدّ خطوةً أولى نحو تجاوز الانقسامات التاريخية بين القوى الكردية.

لكن اقتصار دعوة الشرع، على المجلس الوطني الكردي، دون سائر أطراف الوفد الموحّد، فتح باب التساؤلات حول نوايا دمشق تجاه الكرد، ومدى إمكانية استثمارها تباينات الصف الكردي، ولا سيّما أنّ المجلس وُضع أمام اختبار صعب بين التمسّك بمخرجات المؤتمر الكردي أو الانخراط منفرداً في مسار تفاوضي قد يهدّد وحدة الموقف الكردي التي طال انتظارها، في مقابل أهمية دعم موقف المجلس بلقاء الرئيس السوري، ووضع ورقة المطالب على طاولته، أو أن يطلب من الشرع اللقاء مع الوفد الموحّد.

يقول عضو الوفد الكردي المشترك، لرصيف22، إنّ ما يثير الشك هو سبب توجيه الدعوة إلى المجلس الوطني الكردي بشكل منفصل، في الوقت الذي تجري فيه لقاءات مع الإدارة الذاتية من جهة، معقّباً: "أعتقد أنّ دمشق تناور وتستهدف وحدة الموقف الكردي"

موقف أطراف الوفد الكردي الموحّد

يمتنع المجلس الوطني الكردي عن التصريح لوسائل الإعلام، لأسباب غير معلنة. في المقابل، فإنّ أبرز ما ورد في بلاغ صدر عن اجتماع الأمانة العامة المنعقد في 13 أيلول/ سبتمبر الجاري، التأكيد على "التزام المجلس الوطني الكردي الكامل بمخرجات كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في 26 نيسان/ أبريل 2025، وضرورة تفعيل دور الوفد الكردي المشترك في المسار السياسي"، بالإضافة إلى التأكيد على "الحل المنشود" الذي "يجب أن يضمن الحقوق القومية للشعب الكردي ضمن إطار سوريا ديمقراطية لامركزية موحّدة"، مع اعتبار وحدة الموقف الكردي التي تحقّقت في الكونفرانس "خطوةً مهمّةً يجب البناء عليها، استناداً إلى اتفاقية دهوك (عام 2014)، والاتفاقيات برعاية أمريكية (عام 2020)، بما فيها تشكيل مرجعية كردية مشتركة". 

البلاغ أكّد أيضاً على "تعزيز حضور المجلس الوطني الكردي كردياً ووطنياً، وتوسيع شبكة علاقاته مع مكونات الشعب السوري والقوى السياسية والمدنية، لدعم الانتقال السياسي الشامل".

من جانبه، يشير القيادي الكردي أحمد سليمان، عضو الوفد الكردي المشترك المنبثق عن "الكونفرانس"، لرصيف22، حول اقتصار الدعوة على المجلس الكردي دون إشراك الوفد الكردي المشترك، إلى أنّ هذا الأمر يعود إلى "الإدارة الحالية في دمشق، لكن ما يثير الشك هو سبب توجيه الدعوة إلى المجلس الوطني الكردي بشكل منفصل، في الوقت الذي تجري فيه لقاءات مع الإدارة الذاتية من جهة، مع استبعاد الوفد الكردي الموحّد من جهة أخرى"، معقّباً: "أعتقد أن دمشق تناور وتستهدف وحدة الموقف الكردي".

وحول إمكانية تأثير الدعوة على العلاقة بين الوفد المشترك والمجلس الوطني الكردي بعد اتفاق القامشلي الأخير، يلفت سليمان إلى أنّ ذلك "يتوقّف على موقف المجلس الوطني الكردي من هذه الدعوة. أعتقد أنّ المجلس سيحاول التوفيق بين تلبية الدعوة بطريقة لا تسيء إلى الوفد الكردي الموحد. ومع ذلك، يبقى الأمر محرجاً بالنسبة له". 

وعليه، يدعو سليمان إلى ضرورة "التمسّك بمخرجات كونفرانس نيسان 2025، والوفد المنبثق عنه من قِبل جميع الأطراف، كضمانة لأي مفاوضات مع الحكومة الانتقالية في دمشق، ووسيلة لتفويت الفرصة على أي محاولات تهدف إلى ضرب وحدة الموقف الكردي التي تحقّقت بعد معاناة طويلة وجهود مضنية".

وبخصوص التوقيع و/ أو الانفتاح على أيّ مسار تفاوضي موازٍ أو مشترك مع دمشق، لا يعتقد سليمان أنّ "أيّ مفاوضات تُجرى على حساب الوفد الكردي الموحّد يمكن أن تحقّق نتائج إيجابيةً، في ظلّ تهرّب حكومة دمشق من الدخول في مفاوضات جدّية، ليس فقط بشأن القضية الكردية، بل أيضاً في ما يتعلق بشمال شرق سوريا، برغم توقيع اتفاق في 10 آذار/ مارس 2025، بين الرئيس الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، في هذا الخصوص".

كما يضيف أنه "في حال تحقّق تقدّم في المفاوضات بين الوفد الكردي والحكومة في دمشق، فإنّ اللقاءات الجانبية من أي طرف قد تُسهم في توفير مناخ إيجابي يدعم مسار التفاوض".

هل أُفرغ "الكونفرانس" من محتواه؟

إلى ذلك، يرى الأكاديمي الكردي والمحلل السياسي، فريد سعدون، أنّ كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي، على الرغم من كونه "حدثاً تاريخياً مهماً في مسيرة الحركة الكردية في سوريا، إلا أنه يظلّ حتى الآن منجزاً غير مكتمل".

وبرأيه، المؤتمر الذي جمع الأحزاب الكردية، بما فيها حزب الاتحاد الديمقراطي، وأفضى إلى توافق على جملة من المبادئ "التي يُفترض أن توحّد النشاط السياسي والموقف الكردي"، لم تتحوّل مخرجاته إلى خطوات عملية ملموسة. 

يلفت المحلل السياسي الكردي إلى أنّ من حق كل مكونات الحركة السياسية الكردية، أن تبادر وتتحرّك عبر الحوارات واللقاءات مع الأطراف المؤثرة في الملف الكردي، لأنه حتى الجهود الفردية والخطوات الصغيرة يمكن أن تسهم في تذليل العقبات وتحقيق تقدّم تدريجي

وبقيت قراراته وبنوده في الأدراج، والوفد المكلّف بالتفاوض حول القضية الكردية لم يقم بأيّ نشاط فعّال أو لقاء تفاوضي مع الأطراف المعنية. وبذلك، بدا المؤتمر وكأنه حدثٌ رمزي أو ورقي أكثر من كونه مشروعاً سياسياً حيّاً".

ويشير سعدون، أيضاً إلى أنّ جميع اللقاءات التي جرت مع دمشق، في سياق التفاوض، "كانت من نصيب قسد، في حين لم يكن المجلس الوطني الكردي شريكاً فيها، برغم أنه من المفترض أن يمثّل أحد أركان التوافق الكردي".

كما يؤكد، لرصيف22، أنّ من حق كل مكونات الحركة السياسية الكردية، "أحزاباً وجمعيات وناشطي مجتمع مدني، أن تبادر وتتحرّك عبر الحوارات واللقاءات مع الأطراف المؤثرة في الملف الكردي، لأنّ حصر التفاوض مع الحكومة السورية في طرف سياسي واحد أمر غير منطقي. فحتى الجهود الفردية والخطوات الصغيرة يمكن أن تسهم في تذليل العقبات وتحقيق تقدم تدريجي".

ويضيف المحلل السياسي أنّ المجلس الوطني الكردي، منذ انسحابه من الائتلاف، بقي بعيداً عن الساحة السياسية وفقد حضوره الفاعل، خصوصاً بعد إسقاط نظام بشار الأسد، إذ "غاب عن الاجتماعات والحوارات المهمة، تاركاً المسار التفاوضي للإدارة الذاتية وحدها، وذلك بدعوى الحرص على وحدة الموقف الكردي". غير أنّ هذا الانكفاء، حسب ما يرى سعدون، "انعكس سلباً على المجلس، لأنّ التمسّك بالوحدة لا يعني التخلّي عن المسؤولية أو الابتعاد عن الدفاع عن حقوق الشعب الكردي".

وبخصوص الدعوة الأخيرة إلى اللقاء في دمشق، يرى سعدون أنّ "المجلس الوطني الكردي قد لا يذهب نتيجة الخلافات والعواقب المحتملة، لكن في حال قرّر الذهاب، فمن الأفضل أن يتم التعامل مع الأمر بشكل طبيعي". ومع ذلك، يرجّح أن يكون "موقف الإدارة الذاتية سلبياً، وأنها لن تفسح المجال أمام المجلس للعمل بحرية وجدية".

ويختتم سعدون: "من جهة الحكومة السورية، فهي تدرك أنّ قسد ليست الممثّل السياسي الوحيد للكرد، لكنها ترى في الوقت نفسه أن باقي الأطراف الكردية غير فاعلة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية. وعليه، فإنّ أيّ اتفاق محتمل مع المجلس الوطني الكردي لن يكون قابلاً للتنفيذ ما لم توافق عليه الجهة التي تملك السلطة على الأرض".

"خطوة طبيعية… ومتأخرة"

يختلف مع هذا التفسير للدعوة، الصحافي الكردي سلام حسن، الذي يقول لرصيف22، إنّ "زيارة وفد من المجلس الكردي إلى دمشق هي في سياقها الطبيعي وخطوة أولى لعودة الحياة السياسية الطبيعة إلى سوريا بعد سقوط الأسد، بل أجدها خطوةً متأخرةً، وأن تصل متأخراً خير من أن لا تصل".

كما يضيف: "أعتقد أن هذا اعتراف بالمجلس الكردي كممثّل رئيس للشعب الكردي في سوريا، واعتراف من زاوية أخرى بالحياة السياسية والسياسة التي أوقِف عملها في سوريا، وهي خطوة إيجابية على الصعيد الكردي السوري وتدفع بعجلة العملية السياسية والتداول السياسي السلمي".

وحول موقف الإدارة الذاتية، يرى سلام أنها غالباً "لن تكون مرتاحةً إلى هذه الخطوة"، معلّلاً ذلك بأنّه في "كل حركة سياسية سيحاول الاتحاد الديمقراطي التفرد بالقرار السياسي في مناطق الإدارة الذاتية والاستفراد بالقرار الكردي".

ويعود سلام مُجدداً إلى كونفرانس قامشلي، قائلاً إنه وضع "الحل والخطوة الأولى للتشاركيّة المحلية التي لم تُنجَز بشكل كامل برغم الاتفاق على مبادئ تتعلّق بالقضية السورية والقضية الكردية ككل"، قبل أن يختم حديثه بأنّ "خطوة الحراك الذي تقوم به أحزاب المجلس الكردي، غالباً ستليها خطوة التوجه للإدارة الذاتي أيضاً، خاصةً في قضايا الاستحقاقات المتعلقة بوحدة الموقف الكردي ولا سيّما في القضايا الأمنية".

الشرع ومبدأ "فرّق تسد"

في الأثناء، يقول الباحث والكاتب هوشنك أوسي، لرصيف22، إنه على المستوى الشخصي يحمل ثقةً كبيرةً بأن "نظام أحمد الشرع يمارس سياسة فرّق تسد على الكرد السوريين. مع ذلك، رحبت بالدعوة الموجهة من قبل السلطة إلى المجلس الوطني الكردي ودعمت المجلس الكردي في خيار التفاوض والحوار مع الشرع".

ويشترط أوسي ألا يكون هذا الدعم "خروجاً عن الإجماع الكردي المتمثّل في كونفرانس قامشلو والوثيقة الصادرة عن الكونفرانس، وثانياً أن تكون نتائج الحوارات المرتقبة تحقق تطلّعات وآمال وأهداف الشعب الكردي في سوريا أكثر مما تقدّمه الإدارة الذاتية وقسد من الحوار مع الشرع"، خاتماً حديثه بقوله: "التأييد مشروط بالحذر من سياسات الشرع، وعدم تفتيت البيت الكردي الهشّ والذي وجد في كونفرانس قامشلو مرجعيةً لخيارات الكرد في سوريا قومياً ووطنياً".

بين ترحيبٍ حذرٍ من بعض القيادات، وتحفّظٍ مشوبٍ بالريبة من آخرين، يقف المجلس الوطني الكردي أمام امتحان مزدوج: الحفاظ على مكتسبات كونفرانس القامشلي 2025 الذي دشّن لحظةً نادرةً من الوحدة الكردية، وعدم إهدار الفرصة التي توفرها دعوة دمشق لطرح المطالب القومية في إطار تفاوضي رسمي

وتتفق أغلبية النُخب الثقافية والشبابية والسياسية الكردية في سوريا، على أنّ هذه الدعوة تكشف حجم التعقيدات التي لا تزال تكتنف المشهد الكردي السوري بعد إسقاط نظام الأسد. فهل تمثّل هذه الدعوة نافذةً لإعادة إدماج الكرد في المسار الوطني الأوسع، وتثبيت حضورهم السياسي في دمشق؟

بين ترحيبٍ حذرٍ من بعض القيادات، وتحفظٍ مشوبٍ بالريبة من آخرين، يقف المجلس الوطني الكردي أمام امتحان مزدوج: الحفاظ على مكتسبات كونفرانس القامشلي 2025 الذي دشّن لحظةً نادرةً من الوحدة الكردية، وعدم إهدار الفرصة التي توفرها دعوة دمشق لطرح المطالب القومية في إطار تفاوضي رسمي.

فالمسار الذي يختاره المجلس لن يؤثر فقط في تماسك الصف الكردي، بل سيلقي بظلاله أيضاً على موقع الكرد في سوريا الجديدة، وعلى قدرتهم على أن يكونوا شركاء فعليين في صياغة مستقبلها السياسي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

وراء كل تقرير في رصيف22، أيام من العمل: من التفكير والتحرير إلى التحقق والإنتاج البصري.

نحن نراهن على النوع، والصدق، والانحياز إلى الحقيقة والناس.

وحتى يستمرّ هذا العمل، نحتاج إلى من يؤمن بأنّ الجودة والحرية تستحقان الاستثمار.

Website by WhiteBeard
Popup Image