"جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون في يدي، وببندقية الثائر في يدي، فلا تسقط الغصن الأخضر من يدي". من على المنبر نفسه الذي قال منه الراحل ياسر عرفات هذه الكلمات التاريخية قبل أكثر من 50 عاماً، تلاقت ليلة الأمس 22 أيلول/ سبتمبر 2025، إرادات دولية لإحياء "حلّ الدولتين" كمسار وحيد للسلام، ولرفع الغصن الأخضر الذي وقع أرضاً وداسته دبابات الميركافا الإسرائيلية.
وفي مؤتمر "حلّ الدولتين"، الذي ترأسته السعودية وفرنسا، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اعتراف بلاده بدولة فلسطين، ولحقت به دول أوروبية وأخرى غربية، ليصل عدد الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن المعترفة بالدولة الفلسطينية إلى 4 من أصل 5، مع امتناع الولايات المتحدة الأمريكية.
تل أبيب التي وصفت الاجتماع بأنه "أحادي الجانب" في تهميش صارخ للإرادة الدولية جمعاء، قاطعته وواشنطن، كما توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي المطلوب إلى المحكمة الجنائية الدولية، بنيامين نتنياهو، بإجراءات مضادة وقاسية، بينما صرّح المبعوث الإسرائيلي في الأمم المتحدة قائلاً: "برغم تحذيرنا المسبق بشأن عيد رأس السنة العبرية، اختار المجلس عقد الجلسة حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية في هذا اليوم تحديداً. إنّ إجراء مناقشة أحادية الجانب في يوم عطلة يهودية يُعدّ تحريفاً أخلاقياً ودليلاً إضافياً على نفاق الأمم المتحدة".
وبين مشهد الاعترافات المتتالية، وأسئلة القانون الدولي، وضعف السلطة الفلسطينية تحت الخنق الاقتصادي والسياسي، ودمار قطاع غزة، برز "إعلان نيويورك" بوصفه خريطة طريق بخطوات محددة زمنياً نحو حلّ الدولتين.
سنتان على السابع من أكتوبر
"صانع الدولة الفلسطينية"؛ هكذا وصفت صحف إسرائيلية بسخرية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، محملة إياه مسؤولية هذا التوجه الدولي، وذلك بعد نجاح مؤتمر حل الدولتين، الذي جاء قبل أن تكمل الحرب سنتها الثانية بقليل، حيث رأى قادة العالم أنه وقت طويل جداً وكاف للدعوة للسلام.
بعد اجتماع الجمعية العامة، يصل عدد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن المعترفين بالدولة الفلسطينية إلى 4 من أصل 5، ويصل عدد الدول التي صوتت لـ"إعلان نيويورك" بوصفه مساراً محدد الخطوات ولا رجعة فيه لتنفيذ حل الدولتين 142 عضواً، بينما عارضته 10 وامتنعت 12 عن التصويت
فمنذ السابع من أكتوبر 2023، وبدء عملية طوفان الأقصى، انفجرت دائرة العنف على نحو غير مسبوق، ثم تمددت الحرب إقليمياً: ضربات وتوترات في لبنان وسوريا، واستهدافاتٌ عبر الحدود، وتوتر مع عواصم عربية مجاورة، مع أعداد هائلة من ضحايا حرب الإبادة في غزة وتداعيات إنسانية واقتصادية وأمنية عابرة للحدود. كل ما سبق أعاد صياغة المزاج الدولي باتجاه ما وصفه أمين عام الأمم المتحدة بأنه "حقّ لا مكافأة"، قاصداً إقامة الدولة الفلسطينية كشرطٍ للسلام.
في هذه اللحظة تحديداً، اندفع مسار دبلوماسي مكثف قاد إلى اجتماع دولي رفيع في نيويورك لإحياء حلّ الدولتين وتثبيته بإطار عملي. المؤتمر أيضاً يهدف إلى إعادة الاعتبار لـ"قوة الدبلوماسية" وقدرتها على تغيير الأمور على الأرض، كما أشار رئيس الوزراء البلجيكي، بارت دي ويفر، قبل أن تعترف بلاده بدولة فلسطين رسمياً.
كيف ينظر العالم اليوم إلى حلّ الدولتين؟
التحوّل المركزي خلال الأسابيع الأخيرة تمثّل في انتقال دول غربية مؤثرة من تأييد لفظي لحلّ الدولتين إلى خطوات تعترف بدولة فلسطين رسمياً وتدعو إلى مسار تنفيذي. tفي كلمته، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أنّ الدولة الفلسطينية "حق" وليست "مكافأةً"، بينما شددت عواصم أوروبية على أنّ التوسع الاستيطاني يقوّض إمكان تحقق الدولة ويهدد السلام الإقليمي.
في المقابل، وصفت تل أبيب الاعترافات بأنها "مكافأة للإرهاب"، ولعل هذا ما دفع كلّ من اعتلى المنبر بالأمس -بمن فيهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس- إلى إدانة السابع من أكتوبر، واشتراط خروج حركة حماس من القطاع وتسليمها السلاح. بينما رأت إدارة ترامب في المؤتمر "تحركات استعراضيةً لا تُفضي إلى حلّ".
غير أنّ واقع الاصطفاف الجديد يظهر كتلة اعترافٍ دولية تشكّل الآن نحو ثلاثة أرباع أعضاء الأمم المتحدة، مع ضغط متنامٍ لترجمة الاعتراف إلى إجراءات على الأرض.
تحديات السلطة الفلسطينية وضعفها تحت الخنق الاقتصادي والسياسي
وبينما تتوالى الاعترافات قدماً في المحافل الدولية، تصطدم فاعلية السلطة الفلسطينية وقدرتها على مواكبة اللحظة بوقائع خانقة: أموال المقاصة المحتجزة، قيود المعابر، توسيع الاستيطان تصاعد العنف في الضفة الغربية المحتلة، انكماش المانحين، وانقسام الحكم بين رام الله وغزة.
داخلياً، تواجه السلطة أزمةً شرعيةً وتحديات حكم يومية، ما يجعل الاعترافات مكسباً سياسياً ومعنوياً لا يترجم تلقائياً أو فورياً إلى قدرة تنفيذية.
جميع الخطابات التي قدمها قادة العالم بالأمس، ربطت الاعتراف بالدولة الفلسطينية بإدانة السابع من أكتوبر، وإصلاح السلطة الفلسطينية، وتسليم سلاح حركة "حماس".
عدد من القادة الأوروبيين، على رأسهم ماكرون، ربطوا الاعتراف بخطةٍ لدعم أجهزة الأمن الفلسطينية وإعادة ترتيب الإدارة في غزة ضمن مرحلة انتقالية، بالتزام معلن بإبعاد حماس عن الحكم ونزع السلاح في الإقليم، كما برز في خطابات نيويورك، نفس واقعي متواضع، يشير -عملياً- إلى أنّ أيّ انتقال سياسي ناجح اليوم سوف يحتاج إلى حزمة اقتصادية تخفف القيود وتؤمن مسارات تمويل مستقرة، وإلى مسار إصلاحي داخلي يرمم الثقة ويهيئ لانتخاباتٍ مؤجلة. من دونه، ستبقى الاعترافات مكاسب رمزيةً ثقيلة الوزن، لكن محدودة الأثر على حياة الناس.
كل ما سبق يضع السلطة الفلسطينية أمام تحدٍّ تاريخي، يختلف عما سبقه، فكما هو مطلوب من حركة حماس رمي السلاح وتسليم القطاع لتقريب السلام، مطلوب من السلطة الفلسطينية القضاء على الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية بعيداً عن الفصائلية أو المحسوبيات.
الدور السعودي الفرنسي في قيادة المبادرة
في 12 أيلول/ سبتمبر 2025، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة قراراً يقرّ "إعلان نيويورك" بوصفه مساراً محدد الخطوات زمنياً ولا رجعة فيه لتنفيذ حل الدولتين. أيّد القرار 142 عضواً وعارضه 10 بينما امتنع 12 عن التصويت.
الإعلان الذي رعته الرياض وباريس، يهدف إلى وصل الخطاب بالفعل: وقف النار، الإفراج عن الرهائن، إعادة الإعمار، تمكين السلطة الفلسطينية بعد إصلاح مؤسساتي، نزع سلاح الفصائل المصنفة إرهابية، وترتيبات أمنية–دولية مؤقتة في غزة، مع إطلاق مسار تفاوضي زمني واضح. وفي جلسات نيويورك الأخيرة، أكدت الرئاسة السعودية الفرنسية المشتركة أنّ الإعلان "بديل واقعي" لإنهاء دورات العنف، ودعت إلى الإسراع في التنفيذ عبر مجموعة مانحين وخطة إعادة إعمار متدرجة.
وقد كتب تسفي بارئيل في تحليله عن الدور السعودي، في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: "محمد بن سلمان الحاكم في السعودية يمكن أن يسجّل لنفسه إنجازاً دولياً غير مسبوق، مبادرته للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وحلّ الدولتين تحظى اليوم بمزيد من الشرعية في أعقاب اعتراف عشر دول بالدولة الفلسطينية".
رمزية الاعتراف البريطاني
شكّلت اعترافات المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال نقطة تحول نفسية وسياسية في الفضاء الغربي، قبل أن تعلن فرنسا اعترافها من على منبر الأمم المتحدة، ولحقت بها دول أوروبية أخرى مثل بلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وموناكو. وقد وصفت "يديعوت أحرونوت" الاعتراف الفرنسي بالتحديد بأنه "ذروة التسونامي السياسي في الاعتراف بالدولة الفلسطينية".
أهمية هذا التحول لا تكمن في العدد فحسب، بل في الثقل الدبلوماسي: عواصم كانت تُحجم تاريخياً عن الاعتراف دون مفاوضات نهائية، قررت الآن رفع مستوى التمثيل الفلسطيني والانتقال إلى علاقات بين دولتين، بما يشمل ترقية البعثات إلى سفارات وتوقيع اتفاقياتٍ ثنائية رسمياً مع "دولة فلسطين".
لكن، يظلّ الاعتراف البريطاني هو الأكثر إيلاماً لتل أبيب، كونه يحمل وزناً رمزياً كبيراً لأنّ لندن كانت صاحبة دور تاريخي في صياغة واقع القضية الفلسطينية منذ الانتداب ووعد بلفور عام 1917.
لذلك يبدو الاعتراف اليوم إشارةً سياسيةً-أخلاقيةً إلى أنّ الطريق الواقعي للسلام يمرّ عبر حلّ الدولتين، وأنّ لندن تنتقل من تأييد نظري إلى تثبيت رسمي لمبدأ الدولة الفلسطينية وحدود 1967 في خطابها وعلاقاتها. هذا ما أكدته الحكومة بلسان وزيرة الخارجية يفيت كوبر، التي أعلنت القرار وعدّته خطوةً لحماية إمكانية الحلّ وإبقاء المسار الدبلوماسي حيّاً، مع رفع مستوى التمثيل الفلسطيني.
وفي مقال في "يديعوت أحرنوت" تحت عنوان "لماذا اعترفت بالدولة الفلسطينية؟"، كتب رئيس الوزراء البريطاني: "برغم علمي بأنّ اعترافي بالدولة الفلسطينية سيثير قلقاً وغضباً في أوساط الكثيرين من الإسرائيليين، كصديق لإسرائيل أريد تفسير هذا القرار، ولماذا أثق بأنّ الخطوة حيوية من أجل السلام وتطبيع علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب… أنا مع وقف الحرب، ومع الإفراج عن كل المخطوفين، الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس جائزةً لإرهاب حركة حماس، التي لن تكون جزءاً من الحكومة الفلسطينية".
بالتزامن مع "إعلان نيويورك"، يقدم الرئيس الأمريكي رؤيته المختلفة، إذ سيطرح اليوم خطة أمريكية لإنهاء الحرب، خلال لقاء مع قادة عرب ومسلمين على هامش اجتماعات الجمعية العامة. وتتضمن إطلاق الأسرى، وقف القتال، وانسحاباً إسرائيلياً، والتخطيط لليوم التالي من دون حماس
وأضاف: "نحن نريد أن نرى الناس العاديين يعيشون من دون إرهاب، وأن نرى مستقبلاً تعيش فيه إسرائيل في علاقات تطبيع مع كل جيرانها، بما فيها دولة فلسطينية مستقرة تنشد السلام".
بينما صرح السفير الفلسطيني في لندن، حسام زملط، في تعقيبه على الاعتراف بأنه يعدّه "تصحيحاً لخطأ يعود إلى الحقبة الاستعمارية"، مشدداً على أنّ الاعتراف يضع حدّاً لإنكار الوجود والحقوق الفلسطينية المستمر منذ 1917.
الأثر القانوني للاعتراف الجماعي وقرار الجمعية العامة
قانونياً، لا يُنشئ الاعتراف الفردي دولةً من عدم، لكنه يُنتج آثاراً تراكميةً: ترسيخ الشخصية القانونية الدولية لفلسطين، توسيع الأهلية لإبرام المعاهدات رسمياً، رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، وتسهيل الانضمام إلى منظمات ومعاهدات متعددة.
فمنذ 2012، نالت فلسطين صفة "دولة مراقب غير عضو"، واستطاعت الانضمام إلى أطر تشريعية كالمحكمة الجنائية الدولية، لكن موجة الاعترافات الغربية تضيف ثقلاً نوعياً وتزيد كلفة معارضة العضوية الكاملة في مجلس الأمن برغم الفيتو الأمريكي المرجح. أمّا قرار الجمعية العامة المؤيد لإعلان نيويورك بأغلبيةٍ ساحقة، فليس ملزماً بذاته، لكنه يعكس "إرادةً جمعيةً" تخلق إطاراً معيارياً وسياسياً مشتركاً للدول والمؤسسات المانحة والهيئات الأممية.
بالتزامن مع مؤتمر "حل الدولتين"، أعلنت إسرائيل أنها تمكنت من تفريغ مدينة غزة من 640 ألف فلسطيني، وأنها لا تزال بحاجة إلى إخراج 400 ألف بعد.
وعلى مستوى النزاعات القضائية، كلما قُدِّمت فلسطين كـ"دولة تقع أراضيها تحت الاحتلال"، تعاظمت حججها في مسارات المساءلة ضد الاستيطان والضم، وتعززت الحجج المناهضة لأيّ إجراءات أحادية تمسّ السيادة الإقليمية لدولة معترف بها.
وبالمثل، تبقى قضايا كحق العودة واللاجئين والقدس والحدود النهائية ملفات تفاوض نهائي لا تُحسم باعتراف واحد، لكنها تُستعاد الآن على طاولة دولية بزخم غير مسبوق منذ سنوات.
ما الذي يمكن أن يتغير غداً؟ وما الذي يبقى كما هو الآن؟
يمكن القول بكل هدوء، إنه على صعيد السياسة الواقعية، لن يتحول الاعتراف إلى سيادة فورية، لكنه يغيّر ميزان الكلفة سياسياً وقانونياً على من يمنع الحلّ.
فكل خطوةٍ ثنائية نحو ترقية التمثيل وتوقيع اتفاقٍ جديد مع "دولة فلسطين" تنقل الملف من لغة "المبادئ" إلى أدواتٍ قابلة للقياس: سفارات، اتفاقيات، جداول زمنية، ومساءلة أممية. في المقابل، قد تدفع الضغوط إسرائيل إلى تصلّب أشدّ أو إجراءاتٍ أحادية كجزء من ردّ الفعل، بما يختبر تماسك الكتلة الدولية الجديدة وقدرتها على فرض شيء من الردع الاقتصادي أو السياسي.
أما على صعيد الاقتصاد والإدارة، فستبقى القيود الهيكلية أكبر عقبة: المعابر، عائدات المقاصة، السيطرة على المناطق "أ/ ب/ ج". ومع هذا فالاعتراف قد يفتح أبواباً لمنح وتمويل ميسّر وحزم لإعادة إعمار، لكن أثره المعيشي يتوقف على تنفيذ وقف إطلاق النار، وضمان وصول المساعدات، وتمكين السلطة الفلسطينية من إقامة ترتيبات أمنية مؤقتة -بمساعدة دولية- لا تجهض الحياة المدنية.
وهنا تكمن رؤية الاتحاد الأوروبي، أو رهانه حتى لتأسيس "مجموعة مانحين" وخطة إعادة إعمار متدرجة، كما ظهر في كلمات أوروبية خلال المؤتمر، إذ ستُمثّل فرصةً إذا اقترنت بآليات شفافة للإنفاق وربط مشروط بالإصلاح والحكم الرشيد للسلطة الوطنية الفلسطينية.
وعلى صعيد الشرعية الفلسطينية: الاعترافات منحت السلطة دفعةً سياسيةً، لكنها لم تعوّض عن الحاجة إلى إصلاح مؤسسي وانتخابات شاملة وترتيبات حكم انتقالية في غزة، ولم تجامل.
لذا جاءت كلمات الرئيس الفلسطيني، لتؤكد استعداده للعمل مع السعودية وفرنسا والولايات المتحدة على تنفيذ إعلان نيويورك، والتعهد بإبعاد حماس عن الحكم، ولتضع سقفاً سياسياً جديداً سيحتاج إلى توافقٍ داخلي وإلى مسار مصالحة يخفف منسوب الشكوك ويمنع إعادة إنتاج الانقسام بأشكالٍ أخرى. والأهم وعد بالإصلاح الإداري الذي يبدو أنّه يقض مضجع الأوروبيين في رهانهم على السلطة الفلسطينية بما لا يقلّ عن مشاركة "حركة حماس" في الحكم.
مبادرة أمريكية موازية وحرب إبادة متسارعة
بالتزامن مع "إعلان نيويورك"، يبدو أنّ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رؤيته المختلفة لتحقيق السلام، فبحسب القناة 12 الإسرائيلية، من المتوقع أن يطرح اليوم مبادئ الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة، وذلك خلال لقاء مع قادة عرب ومسلمين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. الخطة تتضمن إطلاق سراح الأسرى، وقف القتال، وانسحاباً إسرائيلياً، والتخطيط لليوم التالي من دون حماس، بجانب طلب مشاركة عسكرية واقتصادية من الدول العربية. وقد صرّح مسؤول إسرائيلي رفيع للموقع بقوله: "ستكون هناك تنازلات صعبة علينا تقبّلها".
وبالموازاة أيضاً مع مناداة العالم بالسلام، تعلن تل أبيب اليوم عبر موقع "واللا"، أنها نجحت بالفعل في إجلاء 640 ألف فلسطيني من مدينة غزة إلى المواصي جنوباً، وأنّ الرقم المتبقي هو 400 ألف!
وقد رأت صحف إسرائيلية أنّ نوع وتوقيت الإعلان يعكسان حالة إنكار يعيشها نتنياهو تجاه "عزلة دولية" يفرضها العالم عليه. وقد كتبت المراسلة السياسية لصحيفة "معاريف": "ثلاثة دول ديمقراطية مركزية، مركز ثقل العالم الحر، أشارت لإسرائيل بأنّ قواعد اللعبة تغيّرت، وأنّ الساعة انتقلت من حالة الوقف المؤقت إلى وضع التشغيل".
ما الذي قالته نيويورك للعالم؟
قالت إنّ "السلام ضرورة"، وليس شعاراً مؤجلاً إلى أفق بعيد. فأن تتوالى اعترافاتٌ غربية كبيرة بدولة فلسطين خلال ساعات من جلسات الجمعية العامة، وأن يتصدر رئيس فرنسا منصة الأمم المتحدة لإعلان الاعتراف، بينما تقود الرياض وباريس معاً رئاسة مؤتمر رفيع، وأن يدعو رئيس وزراء إسبانيا إلى العضوية الكاملة فوراً، وأن تعلن وزيرة خارجية بريطانيا أن الاعتراف طريق إلى مستقبل أفضل، كل ذلك يشي بأنّ صفحةً جديدةً فُتحت رسمياً في سجل هذا الصراع الطويل، لكن نجاحها لا يزال غير مضمون.
ومع ذلك، يبقى الطريق وعراً: إسرائيل تغيب عن القاعة وتعد بتشدد أكبر، الولايات المتحدة ماضية في مقاطعة المسار ورفض تحويل الاعترافات إلى عضوية كاملة عبر مجلس الأمن، وحسابات الداخل الفلسطيني تحتاج إلى ترتيباتٍ دقيقة لا تُقصي أحداً ولا تمنح أحداً "فيتو" على المستقبل.
لكنّ ما تحقق في نيويورك، خلال أيامٍ معدودة، يضاهي في رمزيته سنواتٍ من الركود. لقد تحوّل حلّ الدولتين من عنوانٍ مكرر إلى مسارٍ له تواريخ وخطوات وأدوات. لكن الواقع على الأرض لا يتغير إلا حين يُفرض على السلاح أن يصمت، وتُمنح السياسة فرصةً كاملة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.