لم تكن تعلم هديل قاسم*، وهي ترتدي فستان زفافها الأبيض في سن السابعة عشرة، أنّ الحياة تخبّئ لها وجعاً لا يشبه ما قرأته في القصص، ولا ما سمعته من حكايات. لم يدُم زواجها الأوّل سوى أشهر قليلة، خرجت منه بطفل وحيد قرّرت التفرّغ لتربيته، وقد بلغ الآن سن الرشد القانونية.
بعد مرور سنوات تصفها بـ"الثقيلة"، كانت فيها هديل أمّاً وأباً لطفلها، وحين بلغت 24 عاماً، شاء القدر أن تبدأ قصة حب مع رجل آخر من محافظة ذي قار، وبرغم معارضة أسرتها، تزوّجته بحثاً عن الأمان الذي افتقدته وعن سند تتكئ عليه كي يعوّضها عمّا مضى.
لكنّ الألم كان لها بالمرصاد، فطُلّقت مجدّداً بعد وضع طفلها الثاني الذي لم يكن قد أكمل الأربعين يوماً، بعد زواج دام عاماً ونصف عام، لتجد نفسها من جديد، أمّاً عزبة في مواجهة قاسية مع الحياة. مضت السنوات وتحمّلت هديل ملامة أسرتها وكرّست نفسها لرعاية هذا الطفل الرضيع الذي كبر وصار اليوم في الحادية عشرة من عمره. "برغم كل الانكسارات، كان يهوِّن عليّ الأوجاع ويبثّ الأمل في قلبي"، تقول لرصيف22.
وتضيف هديل: "لم يشاركني طليقي الثاني يوماً واحداً مسؤولية تربية طفلنا واختفى لسنوات برغم أنه يدفع نفقته التي تعادل 200 دولار أمريكي شهرياً، ولم يراه إلا عندما بلغ أربع سنوات حيث كان حضوره إلزامياً لإصدار جواز سفر للطفل، ثم اختفى مجدّداً لدرجة أنهما إذا التقيا في الشارع لن يتعرّف كل منهما على الآخر".
تقيّد المدوّنة التطليق للشقاق والضرر، فتحصل المرأة على الطلاق بسبب الإيذاء أو الشقاق بموافقة المرجع الديني فقط، ما يضاعف معاناة النساء المعنَّفات في العراق، كما تُفرض عليهنّ الخدمة المنزلية فرضاً
احتضنت هديل، طفلها الأول ولم ينازعها على حضانته طليقها الأول أبداً. لكن بمجرّد التصويت على "المدوّنة الشرعية للفقه الجعفري"، نهاية آب/ أغسطس 2025، وبعد سنوات القطيعة وتربية طفلها الثاني بمفردها، أرسل لها طليقها الثاني رسالةً غامضةً: "وما الفرج إلا قريب"، هكذا كتب، وحين سألته ما قصدك، صدمها بردّه: "أريد ابني… وسآخذه للعيش مع إخوته في ذي قار".
تروي: "صعقتني رسالته، فقد كانت أشبه بضربة على رأسي هزّت كياني"، متساءلةً: "أين كان هذا الأب حين كنت أسهر الليالي على بكاء طفلنا؟ وأين كان حين كنت أقطع لقمة العيش التي آكلها لأوفر له الدواء والدفء؟ هل يتذكّر وجه ابننا أصلاً! بعد كل هذه السنوات يريد أن يأخذه؟ وهل الأمر بهذه البساطة؟".
ثم تستطرد: "لا القانون ولا 'المدوّنة الجعفرية' ولا أيّ قوّة في العالم يمكنها أن تسلبني ولدي. سألجأ إلى العرف العشائري بمساندة عائلتي، ولدي ليس حقاً للأب يستردّه برسالة ومدوّنة، بل هو حياة كاملة عشتها لأجله. لن أخضع لمدوّنة ذكورية، ومستعدة لفعل أي شيء ولن أتنازل عنه".
قصة هديل، ومثيلاتها من القصص، تختصر واقعاً معقّداً تعانيه النساء العراقيات في أعقاب تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2025 الذي تم التصويت عليه في 21 كانون الثاني/ يناير 2025، والذي أتاح تطبيق "المدوّنة الجعفرية" على نطاق أوسع، بعد أن صوّت عليها مجلس النواب العراقي في 27 آب/ أغسطس 2025، وقد جاءت في 337 مادةً مقسمةً على خمسة أبواب.
تنصّ المدوّنة، في المادة 81، على أن يبقى المحضون لدى أمّه حتى سنّ السبع سنوات فقط، ثم تنتقل الحضانة إلى الأب بذريعة أنّ تلك المرحلة من عمر الطفل (فترة البلوغ والمراهقة) تحتاج إلى رعاية الأب الصارمة أكثر من الأمّ. لكن قانون الأحوال الشخصية العراقي قبل التعديل كان يمنح الحضانة للأمّ حتى سنّ العاشرة مع منح الحق للمحكمة في تمديدها حتى سنّ الخامسة عشرة إذا ثبت لها من خلال تقارير اللجان المختصة أنّ مصلحة الصغير تقتضي ذلك. وفي سنّ الخامسة عشرة، يُخيّر الصغير في الإقامة لدى من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه حتى سنّ الثامنة عشرة إذا آنست المحكمة منه الرشد في الاختيار.
فضلاً عمّا سبق، يسقط حقّ الأمّ في الحضانة حتى قبل بلوغ الصغير السابعة إذا تزوجت، وإن تطلقت لاحقاً، لا تُعاد إليها الحضانة ثانيةً، وفق المادة 83 من "المدوّنة الجعفرية".
"تعديلات" تنتهك حقوق المرأة وتُشيع الفوضى
يقول الباحث والخبير القانوني المتخصّص في قانون الأحوال الشخصية، علاء حسين*، في حديث خاص إلى رصيف22، إنّ هذه التعديلات تؤدّي إلى تبعات اجتماعية وقانونية خطيرة تمسّ بنية الأسرة العراقية وحقوق النساء على وجه الخصوص، بسبب مجموعة من المؤاخذات على تطبيق المدوّنة، وأتوقع جملةً من الآثار "الوخيمة جداً" التي ستحصل في القريب العاجل بالإضافة إلى ما ظهر إلى العلن من مشكلات منذ التصويت على تعديل القانون.
لم تشترط المواد الأولى من "المدوّنة الجعفرية" دوام الزواج، ما يعني ضمناً إقرار الزواج المؤقت، بحسب حسين الذي يرى أنّ ذلك يفتح الباب أمام "ضياع الأنساب وازدياد مجهولي النسب بسبب غياب آليات التوثيق الفاعلة"، كما يعني أن المدوّنة تعترف بـ"زواج المتعة"، أو الزواج المؤقت كزواج شرعي، وهو زواج لا يحتاج إلى تسجيل في المحكمة. وبذلك، فإنها تُشرعن علاقةً زوجيةً لا تمرّ عبر الدولة أو مؤسساتها القضائية، على حد قوله.
وقد يُستخدم هذا النوع من الزواج للتحايل على القانون، أو لتبرير علاقات لا تراعي حقوق المرأة أو الأطفال الناتجين عن هذه العلاقة، بحسب حسين حيث ينبّه إلى أنّ الإلزام بتطبيق "المدوّنة الجعفرية" دون حظر أنواع معيّنة من الزواج هو الرجوع إلى الأصل أي "إباحة" أنواع الزواج كافة، بما يفتح الباب أمام إقرار الزواج المؤقت وهذا يعني إمكانية أن يصبح "الجنس التجاري مقنناً" بمجرّد الادعاء بممارسة الزواج المنقطع، وفي المحصّلة يؤدي إلى إضفاء شرعية قانونية على ممارسات غير مشروعة في القانون العراقي، وفق المصدر نفسه.
ويذكر حسين أيضاً أنّ المدوّنة لا تشترط تسجيل الزواج في المحكمة كشرط للنفاذ في حين كان قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، قبل التعديل، يشترط تسجيل عقد الزواج في المحكمة ليأخذ الشكل القانوني ويعترف به وتترتّب عليه حقوق وواجبات للطرفين، لكن المدوّنة تُسهّل انتشار "الزواج السرّي" سواء كان دائماً أو مؤقتاً، وبذلك تضعُف رقابة الدولة على الحالات الزوجية، وتصعّب حماية الحقوق الزوجية بالإضافة إلى الأضرار الصحية الناجمة عن وجود أمراض معينة قد تستوجب منع الزواج أو توعية طرفَي العقد بضرورة اتخاذ إجراءات صحية معيّنة عند الزواج، حيث إنّ أحد شروط العقد هو إجراء اختبار الدم لبيان توافق الطرفين المقدمين على الزواج صحياً.
قاصرات ومراهقات ضحايا المدوّنة
ويشدّد الخبير القانوني العراقي، على أنّ اعتماد المدوّنة من شأنه أن يصعّب تتبّع أو تنظيم الزواج والطلاق. كما أنّ الزواج خارج المحكمة سيؤدّي إلى صعوبة إثبات النسب وتالياً عدم ضمان حقوق النفقة والميراث وإشكاليات كبيرة في حضانة الأطفال وضياع حقوق المرأة عند الطلاق أو الهجر، حيث لم تحظر المدوّنة تزويج الطفلات ما دام وليّ الأمر موافقاً، وهو ما يتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل والقوانين الوطنية وهذا انتهاك صارخ لحقوق الطفولة ولطالما عانت الطفلات الصغيرات من تزويجهنّ خارج إطار المحكمة.
ويستدرك: "لكن في وجود المدوّنة ستكون هذه الجريمة شرعيةً وقانونيةً، فقد أجازت المدوّنة ضمناً زواج البنت الصغيرة غير البالغة مهما كان عمرها وأياً كانت سنّها، إذا أَذِنَ وليّها، ولم تحظر أو تتطرّق إلى نص خاص لهذه الحالة الخطرة و'أصلها الإباحة طبعاً'، وهو ما يعارض المبادئ العامة للقانون الذي يحظر تزويج الصغيرات بهدف حمايتهنّ من الاستغلال. كما أجاز التعديل للفتاة الرشيدة البكر أن تعقد زواجها بنفسها في حالات معيّنة استناداً إلى المادة 15/ الأولى، حتى لو رفض الأب أو الجدّ، أو انقطع التواصل معهما في غيبة منقطعة مع حاجتها الملحة إلى الزواج، ما يجعل الفتيات في هذا العمر عرضةً للاستغلال والتغرير".
بين صعوبة تتبّع أو تنظيم أمور الزواج والطلاق، وتالياً عدم القدرة على إثبات النسب أو ضمان حقوق النفقة والميراث والحضانة عند الطلاق أو الهجر، تتعدّد الآثار "الوخيمة جداً" لتطبيق ما يُعرف بـ"المدوّنة الجعفرية" في العراق. فهل من سبل قانونية تضمن حقوق النساء والأطفال؟
عنف وحرمان بموجب القانون
فضلاً عمّا سبق، يشير الخبير إلى أنّ المدوّنة قيّدت التطليق للشقاق والضرر حيث لم يعد بإمكان المرأة الحصول على الطلاق بسبب الإيذاء أو الشقاق إلا بموافقة المرجع الديني، وهو ما يضاعف معاناة النساء المعنَّفات.
كما أوجبت المادة 66 من المدوّنة، على المرأة القيام بالخدمة المنزلية باعتبارها التزاماً مفروضاً عليها كونه متعارفاً عليه اجتماعياً حتى لو لم يصرّح به الزواج، وهذا يعني إعادة إنتاج الأعراف التقليدية على حساب حقوق المرأة. وتسمح المدوّنة كذلك بتعدّد الزوجات دون أثر قانوني لشرط "عدم التعدّد"، حتى لو ورد كشرط في العقد، ولا يترتب على الزواج سوى "إثم شرعي" فقط.
وكان قانون الأحوال الشخصية ينصّ في الفصل الثاني منه، المادة 40، النقطة 5، باب التفريق، على حق الزوجة في أن تطلب التفريق القضائي إذا تزوّج عليها زوجها زوجةً ثانيةً من دون إذن من المحكمة. لكن هذا الحق أُلغي بعد تعديل القانون.
أثر رجعي ظالم
ومن أخطر ما يتضمنه التعديل، منح الزوج حق طلب تطبيق أحكام المذهب الجعفري على عقود الزواج التي أُبرمت قبل نفاذ القانون، دون الحاجة إلى موافقة الزوجة، وهو انتهاك آخر لمبدأ المساواة بين الطرفين، وتجاوز في حق حرية المرأة في اختيار المرجعية القانونية التي تُطبّق عليها بالاستناد إلى المادة 14 من الدستور العراقي التي تنصّ على أنّ العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم، أو مذاهبهم، أو معتقداتهم… إلخ، وهذه الحرية يجب أن تشمل الطرفين، لا أن تُمنح للرجل دون المرأة.
وعن وجود عبارة "المؤجَّل مستحق عند المطالبة أو الميسرة" في عقود الزواج، فهذا يعكس الصياغة المستخدمة عادةً في تلك العقود وفق المذهب الجعفري، وليس وفق القانون المدني للأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدّل. ويُقصَد بالمؤجَّل، الجزء من المهر الذي يُدفع لاحقاً بعد الزواج ويكون مستحقاً عند المطالبة أو الميسرة ويعني أنّ الزوجة تستطيع المطالبة به متى شاءت، ولكن التنفيذ يرتبط بيسار الزوج أي قدرته المالية.
وجود هذه العبارة في العقد، والحديث لا يزال لحسين، يعني أنّ الزواج قد تم تسجيله وفق المذهب الجعفري، وليس وفق القانون الموحد للأحوال الشخصية رقم 188، ويترتّب على ذلك أنّ الزوجة لا تستطيع الاعتراض إذا جرى تطبيق أحكام الفقه الجعفري وتصبح الزوجة خاضعةً لتلك الأحكام حتى لو كانت تفضّل الخضوع للقانون المدني العام، لأنها ارتبطت بعقدٍ صيغته فقهية.
وتتلخّص إشكالية ذلك في أنّ الكثير من النساء لم يكنّ على دراية بأنّ هذه الصياغة تعني ارتباط العقد بالمذهب الجعفري، ما يعني حرمانهنّ من الاعتراض لاحقاً على تطبيق أحكامه، ما يحدّ من حقوقهنّ مقارنةً بما يمنحه قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188.
الإمام يرث
وتنصّ المدوّنة في المادة 323، على أنّ المرجع أو الإمام (أي المرجعية الدينية العليا التي تتحكّم في الأمور الدينية "المفصلية العامة" للطائفة الشيعية مثل مرجعية السيد علي السيستاني)، يصبح وارثاً لمن لا وارث له، وفي حال وجود الزوج يأخذ النصف. أما إذا كانت الزوجة، فيعطيها ربع التركة والباقي حصة الإمام ويُصرف بإذن المرجع الديني لـ"قضاء المؤمنين". حتى في حال أوصى من لا وارث له بجميع أمواله للفقراء والمساكين وأبناء السبيل، أو غير ذلك، لا تنفَّذ وصيته إلا بمقدار الثلث، وفق المادة 324.
وذلك بعد أن كان القانون السابق يجعل الدولة هي الوريث الشرعي. وبهذا تتحوّل التركة من الملكية العامة إلى ملكية خاصة لمرجع ديني.
ويلفت حسين، إلى أنه لو نظر كل رجل عراقي إلى المدوّنة نظرة أب إلى المرأة أو أخ إليها، لرفض هذه البنود المجحفة لحقوق النساء. أما إذا نظر إليها نظرة الزوج الذي تمنحه المدوّنة اليد العليا والحقوق الكاملة على حساب المرأة، فسينحاز إليها ويتمسّك بها بلا شك.
وهو يصرّ على أنّ التعديل الأخير لقانون الأحوال الشخصية "ليس تدخّلاً تشريعياً وقانونياً بل مهزلة تزيد من فوضوية حياتنا اليومية، ويعيد تكريس سلطة رجل الدين الفقهية بصورة فوضوية، ويعطي صورةً قاتمةً وبشعةً عن مصير الحقوق والحريات في العراق، ولا سيّما وقد تضمّن التعديل في أسبابه الموجبة مغالطات واضحةً، وانحرافاً في الفهم القانوني لنصوص الدستور".
تحذّر الباحثة في مجال حقوق المرأة من أنّ "الكثير من الرجال يفكّرون بطريقة انتقامية وينظرون إلى هذه المدوّنة كوسيلة لإيذاء زوجاتهم أو طليقاتهم عبر الابتزاز والمساومة على حضانة الأبناء أو الحقوق الزوجية والحقوق المترتبة عن الطلاق"
ضعف في الصياغة وإلغاء لسلطة القاضي
ويؤكد الخبير أنّ بعض مواد المدوّنة لا علاقة لها بالفقه الجعفري حيث تضمّنت العديد من الموارد التي ليست جزءاً أصيلاً من الحكم الشرعي الجعفري، مثل تحديد السنّ، وأحكام الحضانة، وصلاحيات القاضي، والتطبيب كعنصر في النفقة الزوجية، بالإضافة إلى ضعف الصياغة القانونية حيث "لم تُصغ المدوّنة صياغةً قانونيةً منضبطةً، واحتوت على نصوص فضفاضة وغامضة قد تُحدث إشكالات تطبيقيةً جسيمة".
ويصرّ على أنّ تعديل القانون قد ألغى دور القاضي وحوّله إلى منفِّذ أو ساعي بريد ينفِّذ توجيهات رجل الدين دون سلطة تقديرية أو سلطة قضائية "فعلية"، بما يمسّ مبدأ استقلال القضاء، كما جاء في المادة 335 من الباب الخامس، بوجوب الرجوع إلى المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي، للاستفسار حول ما لم يرد ذكره في المدوّنة، ليقوم المجلس بإجابة المحاكم المختصّة، وفق المذهب الجعفري.
آثار اجتماعية
في ظلّ مجتمع ذكوري وتحريض مستمرّ ضد النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر بعض المنابر الدينية، وزيادةً على ذلك انتشار المخدرات والجرائم التي تستهدف النساء في العراق، من شأن تطبيق "المدوّنة الجعفرية" الخطيرة في غالبية موادها أن يزيد حجم الظواهر الاجتماعية التي تنتهك حقوق النساء. فالكثير من الرجال يفكّرون بطريقة انتقامية وينظرون إلى هذه المدوّنة كوسيلة لإيذاء زوجاتهم أو طليقاتهم عبر الابتزاز والمساومة على حضانة الأبناء أو الحقوق الزوجية والحقوق المترتبة على الطلاق؛ هذا ما تحذّر منه الباحثة في مجال حقوق المرأة زينة خليل*، في حديثها إلى رصيف22.
وتؤكد خليل: "سجّلنا الكثير من حالات العنف ضد النساء والجرائم المرتكبة ضدهنّ. وبرغم محاولاتنا المتكرّرة لتشريع قانون الحماية من العنف الأسري، إلا أننا فشلنا بسبب عدم وجود تبنّي حقيقي له من قبل الحكومة ومجلس النواب العراقي، وما زلنا نبذل جهوداً لحلّ تلك المشكلات، وإذا بتعديل قانون الأحوال الشخصية ينزل كالصاعقة على رؤوسنا".
وتردف الناشطة العراقية: "نخشى كثيراً من انتشار زواج المتعة والزواج غير المسجّل في المحكمة، لأنه سيؤدّي في أحيان كثيرة إلى استغلال النساء في أعمال غير مشروعة وغير قانونية. كما أنه يشكّل عاملاً أساسياً في تفكّك الأسر، ويهدّد الحقوق القانونية والإنسانية للأطفال، وتالياً ستكون الآثار وخيمةً جداً على المجتمع العراقي بصورة عامة".
"في وجود المدوّنة، ستكون جريمة تزويج الطفلات شرعيةً وقانونيةً، حيث أجازت المدوّنة ضمناً زواج البنت الصغيرة غير البالغة مهما كان عمرها وأيّاً كانت سنّها، إذا أَذِنَ وليّها".
أمل مؤجَّل
إلى ذلك، تقول النائبة العراقية نور نافع الجليحاوي، وهي من أشدّ معارضات تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي: "تقدّمنا بطعن بسبب عدم دستورية جلسة مجلس النواب التي عُقدت في 21 كانون الثاني/ يناير 2025، للتصويت على ثلاثة قوانين مرةً واحدةً (قانون تعديل الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، ومشروع قانون التعديل الثاني لقانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016، وقانون إعادة العقارات إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل)، في سابقة تحصل لأول مرة في تاريخ مجلس النواب العراقي، الأمر الذي يُعدّ مخالفةً للنظام الداخلي للمجلس، بالإضافة إلى عدم تحقّق النصاب الكامل في الجلسة ذاتها. لكن -ومع كل ذلك- رفضت المحكمة الاتحادية الطعن الذي قدّمته وحسمت الأمور لصالح القوانين الثلاثة".
تضيف الجليحاوي، لرصيف22: "بعد أن حسمت المحكمة الاتحادية بدستورية الجلسة لا يمكننا القيام بأي محاولة أخرى، لكننا نأمل أن نستأنف جهودنا لإلغاء التعديل 'المجحف' مع عدد من أعضاء مجلس النواب الجديد، أي بعد الانتخابات التشريعية القادمة المزمع انطلاقها في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025".
ختاماً، وبينما يرى مدافعون عن هذه المدوّنة أنها تمثّل حقاً مذهبياً، يرى منتقدوها أنها تشكّل تراجعاً كبيراً في مسار التشريع المدني وتقوّض سلطة القضاء وتعطي الهيمنة لرجل الدين وتبخس المرأة حقوقها وتنتهك حقوق الأطفال.
*اسم مستعار بناءً على طلب المصدر لاعتبارات السلامة الشخصية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.