عشت المساكنة قبل الزواج ورقصت مع المجتمع يوم زفافي

عشت المساكنة قبل الزواج ورقصت مع المجتمع يوم زفافي

مدونة نحن والنساء نحن والحرية

الأربعاء 29 أكتوبر 202510 دقائق للقراءة

نور عصيان، هو اسمي المستعار الذي اخترته لكتابة مدوّنتي الجديدة. الاسم الأول منه يتقاطع مع اسمي الحقيقي، والآخر يتقاطع مع طبيعة مدوّنتي، وربما ذلك هو مربط الفرس، فالعصيان المتنافي مع هوية وجود "اسم مستعار" يعني التواري والاختباء من شيء ما، خوفاً أو قلقاً أو ربما حفاظاً على السمعة، ولكنني آراه عصياناً من منظور آخر، هو "الأمان".

لذا، اخترت الحياة مع حبيبي دون زواج، وأسمّيها شراكةً في المعيشة بشكل طبيعي، ولكن في الآونة الأخيرة علا مصطلح "المساكنة" المنبر، لذا سأستخدمه كونه دارجاً، لكنه للدقة غير متسق مع الحالة التي عايشتها، حيث سبق أن شاركت فتيات في السكن، ولم أسترِح في هذه الشراكة، لأقرر العيش بمفردي تماماً.

ثم ظهر رجل في طريقي، رحت أشعر تجاهه ببوادر الإعجاب والراحة تدريجياً، ليصبح شريكي في السكن والحياة، وبالتأكيد الجنس، وتتعمق علاقة بدأت من الراحة في المعيشة وانتقلت لتصير علاقةً لا قيود فيها.

العصيان والمجتمع والاسم المستعار

البحث عن الأمان في مجتمع يصِمُ المرأة التي تكسر قواعده ويتهمها بالفُجر، لا يسمح لي بالمجازفة بإعلان اسمي، والاعتراف بكل ما يخص حياتي، ولكن رحلتي عزيزة على قلبي، لذا أردت توثيقها بأمان لطالما بحثت عنه وحافظت عليه.

ما يمكن قوله حقاً، إن مراقبي الفتيات في مجتمع يمارس الوصاية على نسائه بمنظور أبوي بحت، هم جميعاً أغبياء، فكم من وسيط عقاري ومالك عقار اشترط وأكّد وتعهّد بمراقبتي، وكم من جارٍ تلصص على مواعيدي

لن أسرد بالتفصيل الحيَل التي اتبعتها أنا وشريكي للحصول على وقتنا في منزلي القابع في المنطقة الشعبية من الحي الشهير بالرقيّ الشديد في القاهرة، ولكن ما يمكن قوله حقاً، إن مراقبي الفتيات في مجتمع يمارس الوصاية على نسائه بمنظور أبوي بحت، هم جميعاً أغبياء، فكم من وسيط عقاري ومالك عقار اشترط وأكّد وتعهّد بمراقبتي، وكم من جارٍ تلصص على مواعيدي.

لكن فجأةً تحوّل الجميع إلى "مغفّلين"، وذلك فقط بفضل ثقتنا بفعلنا، حيث لا نُظهر خوفاً مما نفعله، حتى بات الجميع يصدّق أن من يسكنان هذه الشقة زوجان عاديان.

ودون الإسهاب في الحيل التي لا يمكن وصفها بأنها ذكاء منا بقدر ما هي غباء من المتدخلين، لا يمكن الجزم بأنّ كل من تتجه إلى عصيان المجتمع، قادرة على كشف وجهها ومصارحته، فهي عرضة وصيد سهل للغاية لكل سبل عدم الأمان التي من الممكن أن تصل إلى حدّ القتل.

ساعدنا الحظ في أن نحيا معاً قرابة عام ونصف من التجربة التي لم نتفق أبداً على أن تنتهي بالزواج، بين كثير من المواقف التي نتعرف فيها إلى بعضنا بعضاً، من توزيع مهام المنزل، إلى الماديات، وتطبيق مفهوم الشراكة.

ومغامرة امرأة كهذه، بمثابة حمْلها روحها على كفّيها يومياً، وأقل ما فيها الفضيحة وتبعات لا حصر لها.

ربما ساعدنا الحظ في أن نحيا معاً قرابة عام ونصف من التجربة التي لم نتفق أبداً على أن تنتهي بالزواج، بين كثير من المواقف التي نتعرف فيها إلى بعضنا بعضاً، بدايةً من توزيع مهام المنزل بيننا، وكذلك الماديات، وتطبيق مفهوم الشراكة الذي لا بد أن يتخلى الرجل فيه عن امتيازاته المجتمعية، وإلا أصبح الأمر استغلالاً لأفكار المرأة، وصولاً إلى الحياة الجنسية.

وبالتأكيد مخاطرة الإقامة في منزلي -ولتسمية الأشياء بمسمياتها- تقع تحت بند الاستغلال وفقاً لامتيازاته كذكر في مجتمع لن يصمه ولن يقتله، ولكنني ارتضيت هذا لأنّ طبيعة العلاقة لم تسمح بغيره حينها.

أما عن تطور شكل العلاقة الجنسية، وهو الأهم، وأول ما بُني عليه كل ما يخص بقية العلاقة، فهي تلك الفترة التي يتعرف فيها جسدانا على بعضها؛ يختلفان ويتفقان وينفران ويذوبان، حتى يصلا إلى مرحلة من العمق ندرك فيها أننا متناسبان ومتفهمان لحالاتنا المتغيرة.

رحلة من المتعة المليئة بالأسئلة والنقاشات، والأهم نظرة الرجل إلى جسد امرأة لم يدفع "فيها" مالاً كي يستلقي بين ذراعيها؛ ماذا تكون؟ وماذا ستصبح؟ هل سيظلّ يحترمها ويقدّرها ويزيد حبّه لها، أو يحتقرها ويتركها؟

في حالتنا زاد الحب والتعلق والتقدير، حيث لم ننظر إلى أجسادنا كملكية نؤتمن عليها إلى حين نسلّمها للزوج/ الزوجة. هكذا تشاركنا تجاربنا السابقة كافة، وربما هذا هو ما جعلنا أكثر فهماً لكل ما نكرهه أو ما تسبب في الفشل السابق. لم نُصدر أي أحكام لإيماننا التام بحريتنا المطلقة قبل معرفة بعضنا، ولإيماننا الدائم بحريتنا وحدودنا بعد لقائنا.

يبدو وصفي أشبه بكليشيهات مقاهي وسط البلد "تحرري يا فتاة" و"قومي اقلعي وتخلصي من عبء المجتمع" وخلافها، ولكن التجربة الشخصية هي ما تحرّك كلمات مدوّنتي حقاً، دون ذرّة ادعاء.

لا أقول إنني وجدت الشخص المتحرر بالكامل دفعةً واحدةً جاهزاً على طبق من ذهب، لكن احترامه لي جعله يتلقى أفكاري بشكل اتفقنا فيه معاً، فما أكثر مدّعي التحرر ممن لا يزال يعيش في دواخلهم السلطوي المتحكم المصدّر للأحكام، أو المستغل للأفكار لا المؤمن بها.

ماذا فعلت المساكنة بنا؟

بداية الأمر، اعتدنا على وجودنا معاً، والأكل معاً، واللعب والخروج حتى الخلاف. اعتدنا "المعيشة" فأصبحنا لا نخجل من بعضنا، ولا نتقزّز من سلوكياتنا الإنسانية الطبيعية. رأى كلّ منا الآخر في وقت الاستيقاظ، المرض، الحزن الشديد، وكذلك المتعة والحب والفرح، وبرغم أنه أعلن حبه من لقائنا الثاني، وقبل أي معيشة بيننا، قد أتجرأ على كسر جملة معجبي مطربتي المفضلة:

"قاللي بحبك، والغريبة إنه عرفني من يومين، ودي تبقى جرأة ولا طيبة ولا جنون العاشقين؟"، ليردّ عليها المعجبون بسخرية: "دا يبقى خازوق يا مدام أنغام"، لأعلن أنه إلى الآن لم يكن خازوقاً على الإطلاق، بل كان صادقاً بحق، ولكنني لم أكوّن المشاعر ذاتها في مدة قصيرة مثله، ولم أقدّم له شعور "الخازوق" والتوجس من السرعة، وكذلك لم أقدّم له التأني، بل عايشت الحالة حتى تسلل إليّ بالتدريج فوجدتني فيه، وجدت الراحة والأمان اللذين بحثت عنهما طوال حياتي، فلكل منا أولوية في علاقاته، وهما أولوياتي، ومنها لطلب الزواج، ورحلته التي لم تسر إلا على غرار العصيان السالف ذكره.

للعدالة الجندرية وجوه كثيرة

دون قصدية، لا زلت مصرّةً على التمرد، ليس لأجل الفخر به، ولكن لأنّ هذا ما يريح قلبي. كوني لا أتعامل بصفتي سلعةً، فهذا يهدئني، وأنا لم أتفاوض مع رجل يريد جسدي وسيدفع في مقابله مالاً. جسدي معك بالفعل، وإذا كنت تريد الزواج مني لوجود ورقة مجتمعية تجمعنا وتريد أن تستمر معي وقتاً أطول في أمان تام، فهيّا بنا لنتشارك في شيء جديد، وذلك في مقابل التنازل عن كثير من امتيازات الرجل في مجتمعنا، حتى لا أشعر لحظةً بالاستغلال، فلا وجود فعلياً للتحكم بيننا في علاقات كل منّا المهنية، ولا مستقبل لأيّ منا خاص بالعمل والدراسة، وكذلك الملابس، أو الوصاية الذكورية بأشكالها كافة من توجيهات في المنزل أو الشارع، ولا سلطة في المنزل ما دمنا شركاء، ولا سلطة مادية، ولا امتياز لأحد على الآخر أو عنه، ما دمنا سواسيةً، نعمل وننفق ونتشارك في كل شيء معاً.

لعلي أسمع في أثناء كتابتي، صوتاً من أنف أحدهم يلعن المساواة، فأضحك، لأنها لم تكن مبتغاي، فكيف لي أن أطلب مساواةً بين جنس أتيحت له كل السبل كي يقوّي عضلاته، في مقابل سبلي المحدودة كفتاة لتوظيفي مجتمعياً: رقيقة كالفراشة، وجوهرة مصونة.

بينما يتأهل الرجل لأعمال قوية، نعجز نحن النساء في كثير من الأحيان عن فتح مرطبان الصلصة، لأنّ كلاً منا تم إعداده للمجتمع بصورة مختلفة، فشاءت بيئتنا توزيع أدوار جندرية مختلفة، ولعلّ مثالي بسيط لكنني أحبه.

من منطلق الوعي بما فعله بنا المجتمع، تخلصنا أنا وهو من الكثير من أعباء الزواج، وكان كل شيء جاهزاً في خلال شهور، مثلما أردنا، ولكن هل يمكن للمجتمع أن يمنحك كل شيء دون عقد مفاوضات؟

أنا قادرة على فتح مرطبان الصلصة بمفردي لأنني تدربت على ذلك بعد فترة من العيش وحدي، ولكن لم يُفسح لي المجال للتدرب على كثير من الأشياء الأخرى التي تحقق بيننا المساواة، وتالياً لا أطالب بها بقدر ما أطالب بالعدالة.

ومن منطلق الوعي بما فعله بنا المجتمع، تخلصنا أنا وهو من الكثير من أعباء الزواج، وكان كل شيء جاهزاً في خلال شهور، مثلما أردنا، ولكن هل يمكن للمجتمع أن يمنحك كل شيء دون عقد مفاوضات؟

فمهما بلغ الأمر من تحرر، من الحكمة والعقل إدراك القاعدة، وإدراك ثمن كسرها؛ لا يمكن أن تحصل على حريتك كاملةً، دون تفاوض، أو كما أسميتها مع معالجتي النفسية "Deals". فكلما أرهقني التنازل عن أشياء، كانت معالجتي تذكّرني بأن العقود الضمنية مع المجتمع ذكاء، فلنقدّم له بعضاً مما يريد، لنحصل على أغلب ما نريد، وذلك بالخضوع لبعض من الأعراف التقليدية في مراسم "كتب الكتاب" وكذلك حفل الزفاف، الذي لم يشبهني، ولكنني قدّمته قرباناً لمجتمعي وأهلي نظير قواعدي الخاصة أنا وزوجي، مع تذكيره لي دائماً بأننا نسعى إلى خطوة تؤمّننا من وحشية العالم، حتى لا يقفز قلقي كلما رنّ جرس الباب مرةً أخرى.

رقص المجتمع فرحاً لممارستنا الجنس

أعتقد أن النور الذي قصدته في بداية الاسم وبعيداً عن تشابهه مع اسمي الحقيقي، هو نور الرؤية الحقيقية للأشياء، والتخلص من طفولية الإصرار على التمرد ما دام الأمر يتعلق بالأمان. أما العصيان، فهو مسلسل شهير لا تشغل رأسك عزيزي القارئ بتأويله، يكفي أنك وصلت معي إلى هذا السطر، وأنت في الأغلب لم يعجبك الكثير من آرائي.

تجربة العيش مع شخص دون قيود لها لذّتها، التي تتقاطع مع مخاوفها، فذلك التحدّي يخلق نوعاً من أنواع التحقق عند كثيرين ممن تم كبتهم سابقاً، وأنا منهم ولا أنكر ذلك.

أنا لا أريد منك أبداً أن تتفق معي، أنا أريد التوثيق لتجربة وصفي لها لم يكن ليؤكد استمراريتها بالضرورة، ولكن يؤكد إخلاص كل منا لها، مع الإشارة إلى أنني أخذت موافقة شريكي في كل حرف قبل النشر بصفته طرفاً لا يمكن إغفاله في التجربة.

تجربة العيش مع شخص دون قيود لها لذّتها، التي تتقاطع مع مخاوفها، فذلك التحدّي يخلق نوعاً من أنواع التحقق عند كثيرين ممن تم كبتهم سابقاً، وأنا منهم ولا أنكر ذلك.

فلا تحرراً كاملاً ولا فقدان للذاكرة من أفكار ما زلنا عالقين فيها، حتى إن كنا نرفضها، ولكن الأهم هو الوصول إلى "ورقة الزواج" بعد إعادة تفكيك الرؤية وإدراك أنها لم تكن كذلك في عرف الآخرين، بقدر ما هي ورقة للحماية ما دامت حياتهم تشبه سابقتها، والورقة تزيّن درج التسريحة، وصور بصمة كتب الكتاب بصفتها "تقليعةً" جديدةً، تزين بروفايلات السوشال ميديا للعائلة، والأب والأخ يصفقان بحرارة عند رفع العريس عروسته من مؤخرتها أو تقبيلها أمام الجميع، فقط لوجود الورقة في درج التسريحة.

فلو علموا بأفعالنا قبل وجود الورقة، لربما وصل الأمر إلى حدّ القتل، ولكن بعد وجود الورقة فليهلل الجميع مباركين ممارسة الجنس، ومعلنين موافقتهم بكل فخر وفرحة ورقص في حفل الزفاف.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image