ذهبُ السودان ويورانيوم النيجر... كيف أثّرت حرب الـ12 يوماً على إستراتيجية إيران في إفريقيا؟

ذهبُ السودان ويورانيوم النيجر... كيف أثّرت حرب الـ12 يوماً على إستراتيجية إيران في إفريقيا؟

سياسة نحن والتنوّع

الثلاثاء 5 أغسطس 202515 دقيقة للقراءة

برغم انحسار غبار الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، إلا أنّ تداعياتها قد تمتد لتنسج شبكةً معقدةً من التحوّلات الجيوسياسية بعيداً عن الشرق الأوسط. في هذا السياق، تبرز القارة الإفريقية كساحة محتملة لتوسّع النفوذ الإيراني إلى أهداف اقتصادية وسياسية واستخباراتية، تهدف طهران من خلالها إلى التعافي من صدمات المواجهة العسكرية الأخيرة، وهذا ما يثير مخاوف أمريكا وإسرائيل.

مخاوف واشنطن من تحركات طهران في إفريقيا تناولتها وكالة "فوكس نيوز" الأمريكية، عبر تقرير رصدت فيه أنشطة إيران في القارة، واصفةً إياها بأنها "تشكّل تهديدات كبيرةً للأمن القومي الأمريكي"، وأشارت إلى أنّ إيران متهمة بشراء اليورانيوم من النيجر، وبتزويد الجيش السوداني بطائرات مُسيّرة، وتعزيز نمو الأصولية الإسلامية المزعزعة للاستقرار في القارة.

ونقلت "فوكس نيوز"، عن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور الجمهوري جيم ريش، قوله إنّ "ذراع إيران الطويلة من الإرهاب تمتد في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في إفريقيا، وتشّكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي، ويجب على شركائنا في إفريقيا أن يتوخوا الحذر قبل التعامل مع هذا النظام الاستبدادي الخطير".

 ثلاثة أسباب تدفع إيران إلى الاهتمام بإفريقيا، سياسي وأيديولوجي واقتصادي. بعض الدول الإفريقية لها أهمية خاصة لدى إيران مثل النيجر والسودان. لكن هذه الأهمية تضاعفت -حسبما انعكس على سياسات طهران- منذ انتهاء حرب الـ12 يوماً مع إسرائيل. كيف؟

يورانيوم النيجر وذهبُ السودان

واستعرضت "فوكس نيوز" تقريرَين صدرا العام الماضي عن وكالة "أفريكا إنتليجانس" الإعلامية الفرنسية، وعن "معهد العلوم والأمن الدولي" غير الحكومي ومقرّه واشنطن، حول تفاوض النيجر على بيع 300 طن من أكسيد اليورانيوم بقيمة 56 مليون دولار أمريكي إلى طهران. وأشار مصدر إلى أنّ جزءاً من هذه الصفقة قد سُلِّم بالفعل، وسيكون كافياً لصنع 30 سلاحاً نووياً، فيما قال محللون إنّ النيجر تستعدّ لبيع مزيد من اليورانيوم لإيران.

وحتى وقت قريب، كانت شركات فرنسية غالباً، مثل "أورانو"، تستخرج اليورانيوم في البلد الإفريقي. لكن قادة النيجر العسكريين، الذين وصلوا إلى السلطة عبر انقلاب عام 2023، أعلنوا أنهم سيلغون تراخيص التعدين ويؤمّمون عملياته. ويُقال إنّ إيران ترغب في إبرام صفقة لبدء تعدين اليورانيوم بنفسها في النيجر، خاصةً حول "إيمورارين"، وهي منطقة يُقدر أنّ أرضها تحتوي على 200 ألف طنّ من هذا المعدن.

ووفق وسائل إعلام فرنسية، فإنّ هناك اتفاقاً سرّياً بين إيران والنيجر لتبادل أكسيد اليورانيوم، إما مقابل طائرات مُسيّرة أو مقابل طاقة، وفق ما صرّح به المدير الأول لبرنامج إيران في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، بهنام بن طالبلو.

إلى ذلك، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لـ"فوكس نيوز"، إنّ أنشطة إيران في إفريقيا تحت أنظارهم. "في ما يتعلق بالنيجر، نراقب احتمال استحواذ إيران على اليورانيوم. لدينا مخاوف جدية بشأن قيام النيجر، أو أي دولة أخرى، بنقل اليورانيوم إلى إيران"، عقّب.

ولم تتوقّف التحركات الإيرانية عند النيجر، فقد أفادت القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، بأن طهران مهتمة بـ"ذهب السودان"، لذا زوّدت الجيش السوداني بطائرات "مهاجر-6" المُسيّرة، والتي استخدمها بفعالية في استعادة العاصمة الخرطوم والقصر الرئاسي حديثاً.

ووفق طالبلو، فإنّ "الطائرات الإيرانية من دون طيار تنشط اليوم في أربع قارات، إحداها القارة الإفريقية، خاصةً في سياق الصراعات في السودان وإثيوبيا".

"حرب إيران النفسية في إفريقيا"

ونبّهت "فوكس نيوز"، إلى ما أسمتها "حرب إيران النفسية ضد المجتمعات الإفريقية"، ونقلت عن رئيس مؤسسة "يوركتاون للحرية"، ومقرّها واشنطن، فرانس كرونجي، قوله: "تتمثل إستراتيجية إيران الأساسية في إفريقيا في تصدير أيديولوجيتها إلى تلك المجتمعات، كقوة موازنة لما تعدّها جهوداً معاديةً لإيران في الشرق الأوسط".

وفصّل كرونجي إستراتيجية إيران في إفريقيا في ثلاثة عناصر، الأول هو توفير التدريب والدعم المادي للجماعات المتطرفة في إفريقيا "للمساعدة في تصدير الإرهاب عالمياً واستهداف المسيحيين" والمجتمعات الموالية للغرب في القارة، مع تهيئة بيئة شديدة الخطورة للمستثمرين الغربيين، على حد قوله.

والعنصر الثاني هو تحديد المجتمعات الشيعية والسنّية التي يمكن أن تساهم في أدلجتها وتحريضها ضد الغرب، وكذلك ضد خصوم إيران في العالم العربي. وبحسب كرونجي، استخدمت إيران مراكز جامعة المصطفى الأكاديمية والثقافية في أكثر من 30 دولةً إفريقيةً لتدريب رجال الدين.

أما العنصر الثالث لهذه الإستراتيجية، فيتمثّل -وفق كرونجي- في تعميق إيران علاقات التعاون الدبلوماسي والاقتصادي مع عشرات الحكومات والمنظمات التجارية الإفريقية، للفوز بصفقات تجارية واستثمارية تساعدها على الهروب من العقوبات المفروضة عليها، فضلاً عن تأمين الدعم الدبلوماسي في المحافل العالمية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. "قبل بضعة أشهر، حضر أكثر من 700 مندوب من نحو 40 دولةً إفريقيةً مؤتمراً للاستثمار في طهران"، ذكر كرونجي.

دبلوماسية الطائرات المسيّرة

المخاوف الأمريكية ذاتها رصدها المجلس الأطلسي في تقريره المعنون: "ماذا نتوقع من نهج إيران تجاه إفريقيا بعد حربها مع إسرائيل؟"، ذكر فيه أنّ إحدى ركائز السياسة الخارجية الإيرانية، تعميق علاقاتها مع إفريقيا، ولا سيّما في المجالين العسكري ونقل التكنولوجيا، وقد تُعيق تداعيات الحرب الأخيرة مع إسرائيل هذا النفوذ المتنامي بشكل كبير على المدى القصير، لكن قد يختلف الوضع على المدى البعيد.

واقع ما بعد حرب الـ12 يوماً، يكشف محدودية النفوذ الإيراني في إفريقيا لأسباب عديدة، منها "عسكرة القوة الناعمة"، إذ باتت المراكز الثقافية والإغاثية الإيرانية مُتهمةً بدعم أنشطة الحرس الثوري وشبكات التهريب، ما أضعف مصداقية الخطاب الإيراني في مناهضة الاستعمار ودعم المستضعفين، يقول عبادي لرصيف22

وبحسب التقرير، تدفع ثلاثة أسباب إيران إلى التركيز على إفريقيا، الأول أيديولوجي، للخروج من عزلتها الدبلوماسية، حيث واصلت إيران العمل على توسيع محور المقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة، ورأت في إفريقيا، خاصةً منطقة الساحل، حيث تتصاعد المشاعر المعادية للغرب، فرصةً تاريخيةً لبسط نفوذها.

أما السبب الثاني فهو سياسي، إذ تلعب الشراكات الإفريقية دوراً مهماً في إستراتيجية طهران المتعلّقة ببرنامجها النووي وحقوق الإنسان، خاصةً أنّ الدول الإفريقية تمثّل 28% من الأصوات في الأمم المتحدة. على سبيل المثال، وقّعت بوركينا فاسو مذكرة تفاهم للتعاون في التطبيقات النووية السلمية مع إيران، وربما هذا هو السبب في أنّ بوركينا فاسو كانت الدولة الإفريقية الوحيدة التي صوّتت، في 12 حزيران/ يونيو 2025، ضد قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يدين إيران لعدم امتثالها لالتزاماتها النووية. كما صوتت روسيا والصين ضد القرار.

والسبب الثالث اقتصادي، ويتمثل في وصول إيران إلى الأسواق التجارية في أفريقيا، للحصول على اليورانيوم من النيجر، والذهب من بوركينا فاسو ومالي، والكوبالت من أوغندا، وكذلك للالتفاف على العقوبات الشديدة التي فرضتها الولايات المتحدة، فضلاً عن الحصول على مكوّنات رئيسة لأنظمتها الدفاعية. وبحسب التقرير، فإنّ النيجر تخضع أيضاً لعقوبات، لذا يبدو التعاون مع إيران بمثابة "هبة من السماء" بالنسبة لها.

ولتحقيق هذه المرتكزات الثلاثة، مارست إيران قدراً متزايداً من القوة الناعمة، فزادت الزيارات الرسمية الإيرانية إلى القارة، على مستوى الوزراء وأيضاً الرؤساء، وأنشأت معاهد إسلاميةً في العديد من الدول الإفريقية، ووفّرت خدمات اجتماعيةً مجانيةً من قبل جمعية الهلال الأحمر الإيراني ولجنة إغاثة الإمام الخميني، فضلاً عن القيام بأنشطة دعوية عبر جامعة المصطفى الدولية. كما أطلقت إذاعة إيران المدعومة من الحكومة قناة "الهوسا" التلفزيونية عام 2017، وقدّمتها كأول قناة إذاعية وتلفزيونية إيرانية مخصّصة للقارة الإفريقية.

القوة الناعمة وتعويض "النفوذ الصلب"

أفرزت الحرب الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة، واقعاً إستراتيجياً جديداً انعكس بوضوح على سياسة طهران الخارجية تجاه إفريقيا، إذ كشفت المواجهة العسكرية عن هشاشة المظلّة الأمنية الإيرانية إقليمياً، وعن حاجة طهران إلى تعزيز عمقها الإستراتيجي خارج الشرق الأوسط، ما جعل القارة الإفريقية محوراً متجدداً في إستراتيجية القوة الناعمة الإيرانية، حسب ما يقول الباحث في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط محمد عبادي، لرصيف22.

وبعد حرب الـ12 يوماً، أصبحت إيران تتحرّك في إفريقيا لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة، الأول هو تعويض العزلة الدولية بتوسيع شبكات النفوذ السياسي والدبلوماسي عبر التحالف مع دول الجنوب وحشد المواقف المؤيدة في المحافل الدولية، والثاني حماية خطوط الإمداد والتموضع الجيوسياسي في شرق إفريقيا لضمان أوراق ضغط على الملاحة الدولية، في ظل تصاعد التهديدات العسكرية المباشرة في الخليج والبحر الأحمر، يقول عبادي.

أما الهدف الثالث، فيتمثّل، والحديث لا يزال لعبادي، في إعادة تنشيط أدوات القوة الناعمة، سواء الثقافية، أو التعليمية، أو الإعلامية، أو الإغاثية، لتعويض تراجع "النفوذ الصلب" بعد الحرب، خاصةً في غرب إفريقيا ذات الكتلة الإسلامية الكبيرة.

وبرغم هذه الأهداف التي تسعى طهران إلى تحقيقها، إلا أنّ واقع ما بعد الحرب يكشف عن محدودية النفوذ الإيراني في القارة لأسباب عديدة، منها "عسكرة القوة الناعمة"، إذ باتت المراكز الثقافية والإغاثية الإيرانية مُتهمةً بدعم أنشطة الحرس الثوري وشبكات التهريب، ما أضعف مصداقية الخطاب الإيراني حول مناهضة الاستعمار ودعم المستضعفين، بحسب عبادي.

ولا يمكن تجاهل الأزمة الاقتصادية في إيران، كسبب ثانٍ في تراجع الحضور الإيراني في إفريقيا بحسب ما يحلل عبادي، حيث أعاقت تنفيذ مشاريع استثمارية وتنموية واعدة في إفريقيا، وجعلت إيران متأخرةً عن منافسين إقليميين مثل تركيا والسعودية.

سبب ثالث لذلك هو ارتباط نفوذ طهران داخل إفريقيا بسياق الصراعات الإقليمية، ما جعله عرضةً للانهيار السريع مع كل توتّر خليجي إيراني، كما حدث في موجة قطع العلاقات عام 2016. ففي آذار/ مارس 2015، انطلقت عاصفة الحزم السعودية ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، وبعدها أُعدم رجل الدين الشيعي نمر النمر في السعودية، وأعقب ذلك اقتحام القنصلية السعودية في إيران، وردّت الرياض بقطع العلاقات مع طهران، ما دفع عدداً من الدول الإفريقية إلى قطع العلاقات مع إيران تضامناً مع السعودية، مثل جيبوتي وجزر القمر والسودان والصومال، ولم تتحسّن هذه العلاقات إلا بعد عودة التهدئة بين إيران والسعودية في آذار/ مارس 2023، بعد وساطة صينية.

لكن في المقابل، تمنح الشراكات الثلاثية مع كل من الصين وروسيا إيران فرصةً لإعادة بناء نفوذ أكثر استدامةً في إفريقيا، خصوصاً إذا أحسنت طهران توظيف المناخ الدولي نحو التعددية القطبية، وخفّفت من الطابع الأمني-المذهبي لتحركاتها في القارة، يقول عبادي.

وفي مطلق الأحوال، فإنّ الأزمات المتلاحقة التي تضرب إيران من الداخل، والاختراق الأمني العميق لبنيتها القيادية، وكذلك الحصار الاقتصادي الأمريكي عبر العقوبات، فضلاً عن انتفاضات الأقليات العرقية ضد التهميش والظروف المعيشية، كلها أمور تجعل أي فائض للقوة مصروفاً إلى الداخل الإيراني وليس إلى الخارج، بحسب عبادي.

وربما تقتصر طهران في المدى المنظور على تطوير العلاقات مع الدول العربية المحيطة لبناء مقاربة أمن إقليمي داخلي تجنّبها مزيداً من الخسائر. لكن، في إفريقيا، قد يكون التركيز على السودان الذي يحقق لإيران تواجداً في البحر الأحمر، وهم أمر مهم للأمن الحيوي الإيراني، حسب ما يرى عبادي.

تعاون استخباراتي وقنوات خلفية للتجسس؟

ومع اشتداد الضغوط الدولية على إيران، لم تعُد طهران مُحاصرةً عسكرياً فقط، بل تعمّقت عزلتها المالية وتقلّصت قدرتها على التحرّك بحرية في الأسواق الأوروبية والآسيوية، ومن ثم تبدو إفريقيا لإيران خياراً إستراتيجياً لا مجرد بديل ظرفي، تقول الباحثة في مركز الدراسات العربية الأوراسية غدي قنديل، لرصيف22.

تلفت قنديل إلى أنّ تجارب إيران السابقة تؤكد قدرتها على إقامة شبكات نفوذ مزدوجة ومرئية في شكل بعثات ثقافية وتنموية، وخفيّة تتضمن نشاطاً استخباراتياً وعمليات رصد وتحليل معلومات فيما تفتح الانقلابات العسكرية المتتالية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر أبواباً خلفيةً لتفاهمات جديدة بين إيران وقادة المراحل الانتقالية، في ظل الانسحاب الفرنسي والفتور الأمريكي

وتمتلك دول القارة موارد أوليةً حيويةً لإيران، أبرزها اليورانيوم والنحاس والذهب والنفط، فضلاً عن كونها سوقاً ناميةً للمنتجات البتروكيماوية التي تعتمد عليها طهران في تأمين عملاتها الصعبة. وبحسب قنديل أيضاً، تشهد بعض الدول الإفريقية، خاصةً في منطقة الساحل والقرن الإفريقيتين، تحوّلات سياسيةً، وهي فرصة لإيران لتعزيز حضورها عبر شراكات تنموية مغلّفة برسائل مناهضة للغرب، وهي اللغة التي تلقى رواجاً في دول خرجت من عباءة الاستعمار أو شهدت انقلابات عسكريةً مؤخراً مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر وحتى السودان.

وفي مناطق مثل القرن الإفريقي والساحل، حيث تضعف السلطة المركزية وتتسع فجوات الأمن، تجد إيران فرصةً سانحةً لإبرام تفاهمات غير رسمية أو شبه سرّية مع حكومات محلية أو كيانات عسكرية، تسمح لها بتبادل المعلومات الاستخباراتية أو تدريب كوادر أمنية أو إنشاء قنوات خلفية للتجسس الإقليمي. 

وتذكر قنديل، أنّ تجارب إيران السابقة، سواء عبر حزب الله في غرب إفريقيا، أو من خلال دعم بعض الحركات الإسلامية في شرق القارة، تؤكد قدرتها على إقامة شبكات نفوذ مزدوجة ومرئية في شكل بعثات ثقافية وتنموية، وخفيّة تتضمن نشاطاً استخباراتياً وعمليات رصد وتحليل معلومات.

كما تفتح الانقلابات العسكرية المتتالية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، أبواباً خلفيةً لتفاهمات جديدة بين إيران وقادة المراحل الانتقالية، في ظل الانسحاب الفرنسي والفتور الأمريكي، وهو ما تستثمره طهران لعرض مساعدات استخباراتية وتقنيات أمن إلكتروني تحت شعار مكافحة الإرهاب.

وفي القرن الإفريقي، يبرز البُعد الإستراتيجي البحري، حيث تسعى إيران إلى مراقبة النشاط الإسرائيلي في البحر الأحمر، وهو ما يجعل من المعلومات المحلية التي تملكها هذه الدول هدفاً إستراتيجياً لطهران.

إسرائيل وأمريكا بالمرصاد

في ظل التحركات الإيرانية المتسارعة نحو إفريقيا، والتي تجمع بين أدوات القوة الناعمة والاختراق الأمني والدعم غير المعلن لبعض الأنظمة أو الجماعات، تتجه الولايات المتحدة وإسرائيل إلى بناء إستراتيجية مواجهة متعددة المستويات، تستند إلى الردع الاستخباراتي والشراكات العسكرية والدبلوماسية التنموية الناعمة. 

مع دخول إفريقيا مرحلةً جديدةً من إعادة تشكيل النفوذ، يبدو أنّ القارة ستتحوّل إلى ساحة اختبار حاسمة بين ثلاث إستراتيجيات متعارضة هي: النفوذ الناعم الإيراني، والردع الصامت الإسرائيلي، والاحتواء الأمريكي طويل الأجل.

وتذكر قنديل، أنه منذ بداية 2024، وسعّت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية قواعد البيانات حول التحركات الإيرانية في الساحل والقرن الإفريقي، وأشارت تقارير صحافية وأمنية غربية إلى أنّ عمليات سرّيةً نُفذت بالفعل في السودان وكينيا ونيجيريا، لملاحقة خلايا مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني أو حزب الله. 

ولجأت واشنطن وتل أبيب إلى تعزيز التعاون العسكري مع دول معتدلة في غرب القارة وشرقها، مثل السنغال وكوت ديفوار وكينيا والمغرب، من خلال برامج تدريب ونقل تكنولوجيا وتجهيزات مراقبة إلكترونية.

كما بدأت إسرائيل التعاون مع شركات اتصالات في أوغندا وكينيا لتعزيز قدرات المراقبة السيادية ومنع اختراقات إيرانية لمنظومات الاتصالات، بينما موّلت أمريكا أنظمة إنذار مبكر رقميةً في دول إفريقية عدة لكشف التمويل الخفيّ وتدفقات السلاح التي يُعتقد أنها تمرّ عبر قنوات مدنية إيرانية، تقول قنديل.

فضلاً عمّا سبق، تسعى الولايات المتحدة إلى تقليص النفوذ الثقافي الإيراني عبر دعم مبادرات مدنية وإعلامية مناهضة للتطرف المذهبي، خاصةً في نيجيريا وتنزانيا، بينما تعمل إسرائيل على تفعيل أدوات الدبلوماسية الزراعية والتقنية في إفريقيا جنوب الصحراء، لمنافسة أدوات القوة الناعمة الإيرانية مثل المنح الدراسية والمراكز الدينية.

وترى قنديل أنه مع دخول إفريقيا مرحلةً جديدةً من إعادة تشكيل النفوذ، يبدو أنّ القارة ستتحوّل إلى ساحة اختبار حاسمة بين ثلاث إستراتيجيات متعارضة هي: النفوذ الناعم الإيراني، والردع الصامت الإسرائيلي، والاحتواء الأمريكي طويل الأجل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image