جدل واسع تشهده منصّات التواصل الاجتماعي في مصر هذا الأسبوع، في أعقاب تكرار أنباء عن وفاة أشخاص في مراكز احتجاز، واتهام ذويهم السلطات الأمنية بتعذيبهم حتّى الموت.
على الرغم من نفي وزارة الداخلية المصرية حدوث تعذيب، وتكرارها أنّ الوفاة "طبيعية"، لا يبدو نفيها ذا صدقية لدى كثيرين يطالبون بتحقيقات نزيهة في هذه الحوادث وعدم السماح بالإفلات من العقاب في حالات التعذيب على أيدي عناصر الشرطة، ولا سيّما بالنظر إلى التاريخ المشين من حوادث التعذيب وسوء المعاملة وظروف الاحتجاز غير الآدمية التي تلتصق بمراكز الاحتجاز والسجون المصرية.
وبسبب القيود التي تفرضها السلطات المصرية على حرية التعبير، وتحديداً في ملف السجون، خاصةً السجناء السياسيين، يصعب توثيق العديد من الحوادث التي يُنشر عنها عبر الإنترنت، حيث يقتصر الأمر أحياناً على تقارير من جهات حقوقية أو أهالٍ أو مناشدات من محامين حقوقيين.
ثلاث حالات في غضون أسبوع
بدأ الجدل مع الإعلان عن وفاة أحد المحتجزين داخل قسم شرطة بلقاس، في محافظة الدقهلية، شمال شرقي القاهرة، وسط تقارير حقوقية تفيد بأنّ المتوفى، وهو طالب في جامعة المنصورة كان موقوفاً بتهم تتعلّق بالاتّجار بمواد مخدرة وحيازة سلاح أبيض، تعرّض للتعذيب على أيدي ضباط القسم حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. لكن وزارة الداخلية المصرية عزت الوفاة، في بيان، إلى شعوره بحالة إعياء مفاجئة.
وكان أيمن صبري (21 عاماً)، قد اقتيد إلى قسم بلقاس، في 21 تموز/ يوليو الماضي، قبل أن يُنقل، وفق بيان الداخلية، لتلقّي العلاج في أحد المستشفيات (لم يسمّه البيان)، بداعي "الإعياء المفاجئ"، فيما نقلت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، وهي صفحة حقوقية عبر فيسبوك يتابعها نحو 90 ألف شخص، عن شقيقة المتوفى قولها إنّ الأسرة لاحظت تدهور حالته الصحية وظهور آثار ضرب عليه خلال آخر زيارة له قبل وفاته.
حوادث وفاة غامضة متكررة، وإضراب موقوفين عن الطعام، وشكاوى من إساءة المعاملة والحرمان من الرعاية الصحية، يقابلها دائماً نفي السلطات الأمنية المصرية… ماذا يحدث في مراكز الاحتجاز المصرية؟
من جهته، قال محامي المتوفى، إبراهيم المرسي، عبر فيسبوك، إنّ نيابة المنصورة فتحت تحقيقاً في الواقعة واستمعت إلى شهادة نزلاء العنبر الذي قضى فيه موكله فترة احتجازه في قسم بلقاس، مردفاً أنهم شهدوا بتعرّضه للتعذيب، فضلاً عن معاينة جثمان المتوفى.
وفي تصريح لرصيف22، يضيف المرسي، أن التحقيقات الأولية التي أجرتها نيابة المنصورة في الواقعة، "أثبتت عدم صحة ما ورد في بيان وزارة الداخلية بأنه تعرّض لإعياء مفاجئ، بل تبيّن من شهادات المحتجزين معه في عنبر القسم، وفي المعاينة الأوّلية للجثمان، وجود آثار تعذيب"، مشيراً إلى أنّ تقرير مصلحة الطب الشرعي من المتوقع صدوره خلال عشرة أيام من الوفاة.
حالة أخرى أثارت القلق على الموقوفين في مراكز الاحتجاز والسجون المصرية كشف عنها مركز الشهاب لحقوق الإنسان، وهو مركز حقوقي معني برصد الانتهاكات يتخذ من لندن مقرّاً له، وتتعلّق بوفاة محتجز داخل قسم شرطة الصفّ في محافظة الجيزة، يُدعى كريم بدر، كانت قوات الأمن قد ألقت القبض عليه وعلى شقيقه في قضية جنائية متصلة بمحاولة سرقة "توك توك".
وذكر المركز في بيان، أنّ حالة الوفاة حدثت بسبب "ظروف احتجاز غير آدمية وسط تكدّس شديد وغياب تام للرعاية الصحية"، وهو ما لم تعلّق عليه وزارة الداخلية حتى نشر هذه السطور، في حين لم يتسنَّ لرصيف22، التأكد من صحة الواقعة بشكلٍ منفصل.
وفي أحدث واقعة معلنة، أفاد مركز "الشهاب"، بأنّ مواطناً يُدعى فريد شلبي قضى "داخل مقرّ قوات الأمن المركزي التابع لجهاز الأمن الوطني"، بعد أكثر من 20 يوماً على اعتقاله وتغييبِه قسرياً عن ذويه "بعد سنوات من مطاردته أمنياً".
ونقل المركز عمن وصفه بـ"أحد المقربين"، أنه "تم إبلاغ الأسرة بأنّ الوفاة حدثت بسبب جلطة"، فيما "مراسم الدفن تمت تحت حراسة أمنية مشددة عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، في وجود خمسة بوكسات (سيارات) شرطة، وتم طرد الأهالي من محيط المقابر"، مع إشارة إلى تهديد الأهل بعدم الحديث. لم يتسنَّ لرصيف22 التحقق من الواقعة أيضاً بشكل منفصل علماً أنّ "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" نقلت التفاصيل ذاتها تقريباً.
لكن هذه الحالات التي صادف الإعلان عنها في أقلّ من أسبوع، ليست فريدةً فقد تكرّر الإبلاغ عن حوادث وفاة، وأحياناً قتل تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز المصرية. وقبل أربعة أشهر، استنكرت مجموعة منظمات حقوقية وفاة المواطن محمود ميكا، في أثناء احتجازه داخل قسم شرطة الخليفة في القاهرة، تحت التعذيب الذي ظهرت آثاره واضحةً على جسده مع جروح غائرة وعلامات على ضرب مبرح، وفق المنظمات. لكن وزارة الداخلية نفت ذلك أيضاً، وردّت الوفاة إلى وقوع مشاجرة بين المتوفى ومحتجز آخر.
إلى ذلك، تقدّمت أسرة الشاب المتوفّى ببلاغ إلى النيابة العامة ضد ضباط قسم الخليفة، متهمةً إياهم بتعذيب نجلها، فيما لفت بيان صادر عن 17 منظمةً حقوقيةً إلى أنّ شهادات المحتجزين مع المتوفّى في الزنزانة تؤكد تعرّضه للتعذيب والاعتداء أمام بقية المحتجزين بعد مشادة لفظية مع أحد الضباط، متابعين بأنه توفّي أمام أعينهم داخل الحجز، قبل نقله إلى زنزانة انفرادية في محاولة لإخفاء الجريمة، بحسب بيان المنظمات الحقوقية.
وفاة غامضة ثم اتّهام بالتعذيب فتنصّل
هكذا يبدأ الأمر دائماً وهكذا ينتهي… بيان حقوقي أو إعلان أسرة وفاة أحد الموقوفين في ظروف غير واضحة، داخل أقسام الشرطة أو السجون أو أحد مراكز الاحتجاز، مع إشارة إلى وجود آثار تعذيب أو شبهة إهمال وظروف احتجاز غير آدمية أو عدم توافر الرعاية الصحية، لتأخذ هذه السردية رحلتها على منصات التواصل الاجتماعي ولا تتوقف التأويلات والشكوك والاتهامات فضلاً عن القلق على وضع بقية الموقوفين.
بعدها، تُصدر وزارة الداخلية بيان النفي المنتظر للواقعة، وفيه غالباً إشارة إلى أنّ الوفاة "طبيعية" أو نتيجة "إعياء" أو حادث عرضي داخل السجن، دون سرد الأسباب، مع اتهام جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في البلاد بـ"ترويج الأكاذيب ونسج وقائع خيالية بهدف التحريض ونشر الفوضى".
لكن هذه الوقائع تفرض ضرورة الحديث عن واقع مقارّ الاحتجاز والسجون المصرية التي تزايدت المطالبات الحقوقية بشأن أهمية تحسينها في السنوات الماضية.
ففي آذار/ مارس 2025، دعت منظمة العفو الدولية، السلطات المصرية إلى أن "تضع حدّاً للأعمال الانتقامية الموجهة ضد سجناء في سجن العاشر من رمضان، حيث بدأوا إضراباً عن الطعام احتجاجاً على احتجازهم التعسفي وللمطالبة بإنهاء ظروف احتجازهم القاسية واللاإنسانية".
أما منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فشدّدت في تقريرها الحقوقي لعام 2025، على أنّ "عناصر الشرطة وقطاع الأمن الوطني (الأمن الوطني)، التابعين لوزارة الداخلية استمروا في ممارسة الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب بحق المعارضين والمنتقدين في أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية".
سبع حالات في قسم العمرانية
ودفع الموت الغامض والمتكرّر لسجناء في مقارّ الاحتجاز، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية للتقدّم ببلاغ إلى النائب العام المصري، لفتح تحقيق عاجل في ملابسات وفاة سبعة أشخاص في قسم شرطة العمرانية بعدما توفوا في غضون عام، مع المطالبة بوقف ضباط القسم عن العمل إلى حين انتهاء التحقيق وإحالة المسؤولين إلى المحاكمة الجنائية حال ثبوت مسؤوليتهم عن هذا الرقم المفزع من الوفيات.
بحسب المبادرة، فإنّ المحتجزين السبعة كانوا موزّعين على ثلاث قضايا جنائية، ولقوا نحبهم في أثناء احتجازهم في عهدة قسم شرطة العمرانية خلال الفترة بين آذار/ مارس 2024، وأيار/ مايو 2025، بعدما قضوا فيه فترات احتجاز متفاوتة.
ورأت المبادرة "مؤشرات مقلقةً على الغياب الكامل للرعاية الصحية"، حيث كان بعضهم يعاني من أمراض خطيرة وكان في احتياج إلى رعاية صحية محترفة وعاجلة، ما يؤشِّر إلى أنّ أوضاع الاحتجاز في هذا القسم قد تدهورت بالشكل الذي أصبحت تمثّل فيه خطراً جسيماً على حياة المحتجزين فيه وسلامتهم.
مع ذلك، أمر مكتب النائب العام المصري بحفظ البلاغ في الوقائع التي أشارت إليها المنظمة الحقوقية، وفق ما يقول لرصيف22، محامي "المبادرة المصرية"، علاء فاروق، مضيفاً أنّ مثل هذه البلاغات إما أن تقرّر النيابة العامة حفظها كما جرى في البلاغ ضد قسم العمرانية أو فتح تحقيقات موسّعة بشأن الوقائع التي يتضمنها البلاغ.
إضرابات السجناء
لا يتوقف الأمر عند حالات الوفاة فقط، إذ تتزامن مع تقارير حول ظروف الاحتجاز غير الآدمية في العديد من المحافظات المصرية، والعاصمة في مقدمتها. ولا تزال نداءات الاستغاثة تتدفق بشأن سجن بدر، الذي يقع على بعد نحو 300 كلم غرب القاهرة، حيث يشكو سجناء كثر (غالبيتهم من السجناء السياسيين) وأهالٍ، من سوء المعاملة، وآخرها ما كشفت عنه زوجة البرلماني المصري السابق محمد البلتاجي، أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، سناء عبد الجواد، بشأن دخول زوجها بجانب عدد كبير من السجناء والمعتقلين السياسيين في إضراب مفتوح عن الطعام، ليبلغ عدد السجناء المضربين عن الطعام حتى نهاية تموز/ يوليو المنقضي، 58 سجيناً، نُقل بعضهم إلى العيادة، بحسب ما أفادت عبر حسابها في فيسبوك.
"زيادة العنف الأمني في مراكز الاحتجاز نتيجة مباشرة لغياب المحاسبة وعدم تغيير وزارة الداخلية نهجها أو طريقة تقويم أفرادها بالمحاسبة، وهو ما فشلت فيه الأنظمة المتعاقبة منذ ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011"...
وبحسب مناشدات منشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يشكو سجناء في سجن بدر أنّ البعض منهم يتعرّض لاعتداءات جسدية، مع العزل التام في زنازين لا تصلها الشمس، وتُمنع عنهم الزيارات لفترات طويلة تصل أحياناً إلى سنوات، بجانب حرمانهم من الرعاية الصحية اللازمة، ما دفع بعضهم إلى محاولة الانتحار والإضراب عن الطعام.
اللافت أنّ السلطات المصرية افتتحت مجمع سجون بدر نهاية عام 2021، في مدينة بدر النائية، كي يكون بديلاً عصرياً عن السجون التقليدية القديمة. لكن منظمات حقوقيةً تعدّه نسخةً أسوأ من سجن العقرب سيئ السمعة، وأحياناً يتم وصفه بأنه "سلخانة بشرية"، تُمارس فيها أنواع مختلفة من الانتهاكات.
ورصدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات تكرار محاولات الانتحار منذ بدء نقل السجناء داخل "بدر 3". ففي شهري شباط/ فبراير وآذار/ مارس 2023، على سبيل المثل، أقدم عدد من السجناء على محاولات انتحار جماعية وصل عددهم بحسب تقديرات محامين حقوقيين إلى 60 سجيناً، وأقدم أحد السجناء أخيراً على محاولة الانتحار داخل قفص الاتهام في محكمة بدر، وأمام أنظار القاضي، بسبب منع الزيارات العائلية عنه.
في المقابل، تواصل وزارة الداخلية نفي هذه الادعاءات والتقارير كافة حول إساءة المعاملة، وتؤكد أنّ إدارة مجمع السجون تسير "وفق أعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان".
كذلك، رصدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان ومركز "الشهاب"، تفاقم الأوضاع في سجن الوادي الجديد، ما أدّى إلى دخول عشرات السجناء في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجاً على ما وصفوه بسياسات التنكيل الممنهجة التي تمارسها السلطات في حقهم، وعلى رأسها عمليات "التغريب التعسفي"، أي النقل من سجون قريبة لذويهم إلى سجن بعيد، علماً أنّ العديد من السجناء المضربين عن الطعام رهن الحبس الاحتياطي منذ سنوات، ولم يخضعوا للمحاكمة ويعانون أوضاعاً إنسانيةً وصحيةً متدهورةً، وفق المصدرَين.
ويعكس تزايد حالات الوفاة في مقار الاحتجاز، مع نفي احتمال حدوثها بسبب التعذيب أو ظروف الاحتجاز غير الملائمة، دون إجراء تحقيقات شفافة ونزيهة، عدم وجود رغبة لدى الحكومة المصرية في تحسين سجلها الحقوقي، حسب ما يقول لرصيف22، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، محمد لطفي، الذي يرى أنّ هذا الأداء ينسجم مع موقف مصر في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي لطالما مال إلى إنكار الانتهاكات الحقوقية كافة المشار إليها في التقارير الأممية وتقارير المنظمات المصرية والدولية.
وكانت 137 دولةً قد تقدّمت بأكثر من 370 توصيةً لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر خلال جلسات المراجعة الدورية الشاملة لسجل حقوق الإنسان في البلاد، بما يشمل قضايا التعذيب، وتدوير المحبوسين على ذمة قضايا جديدة عقب انتهاء محكوميتهم، والاعتقال السياسي، والإخفاء القسري.
ويشير لطفي إلى أنّ نهج وزارة الداخلية لم يتغير يوماً في التعامل مع مثل هذه الوقائع، و"دائماً ما يكون الإنكار سيد الموقف دون مكاشفة أو محاسبة"، مبيّناً أنّ المفوضية رصدت 13 حالة وفاة داخل مقار الاحتجاز في الأشهر الثلاثة الأولى فقط من العام 2025، في حين رُصدت نحو 75 حالة تعذيب في السجون ومقارّ الاحتجاز الرسمية خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير 2024، حتى حزيران/ يونيو 2025، ما يؤشِّر برأيه على "استمرار غياب المساءلة وسياسة الإفلات من العقاب، ولا سيّما مع توثيق العديد من حالات الوفاة تحت التعذيب، ووجود نمط متكرّر من حجب الأدلة وتهديد الشهود وتقديم روايات رسمية مضلّلة".
وكانت المفوضية المصرية للحقوق والحريات قد رصدت تسجيل وفاة 50 شخصاً في عام 2024، داخل أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، بواقع ثماني وفيات في مجمع مركز بدر للإصلاح والتأهيل، وخمس في مجمع مراكز وادي النطرون، ومثلها في مراكز المنيا، بينما تم تسجيل ثلاث وفيات في مجمع مراكز العاشر، وحالتَي وفاة في الوادي الجديد وحالة وفاة واحدة في مراكز أبو زعبل ومثلها في دمنهور.
"ما لفت انتباهي ليس زيادة الانتهاكات بل تعامل الأهالي معها وكسر حاجز الخوف والصمت في التدوين أو الاحتجاج. هذا ما رصدناه في بلقاس في الدقهلية عقب وفاة محتجز داخل قسم شرطة، وتكرّر من قبل في محافظة مطروح في أحداث شهدت تصعيداً كبيراً بين قوات الشرطة والأهالي"، يُردف لطفي.
وكانت محافظة مطروح الحدودية قد شهدت توتراً بين الشرطة والقبائل في نيسان/ أبريل الماضي، بعد اتهام عائلتين ضابط شرطة بقتل نجلَيهما خارج إطار القانون، خلال تنفيذ أمر قضائي بالقبض على الشابّين، لتتطوّر الأحداث باحتجاز قوات الأمن مجموعةً من السيدات إلى حين تسليم الشابّين نفسيهما، ما استدعى مطالبة شيوخ القبائل رئيس الجمهورية بالتدخل لنزع فتيل الأزمة.
"نتيجة مباشرة لغياب المحاسبة"
"زيادة العنف الأمني في مراكز الاحتجاز نتيجة مباشرة لغياب المحاسبة وعدم تغيير وزارة الداخلية لنهجها أو طريقة تقويم أفرادها بالمحاسبة، وهو ما فشلت فيه الأنظمة المتعاقبة منذ ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، التي كان أحد أسبابها الرئيسية الاحتجاج على تعذيب خالد سعيد في الإسكندرية"، وهنا ينتقل المحامي المتخصّص في حقوق الإنسان حليم حنيش للحديث إلى رصيف22 عن تراكمات العلاقة بين الشرطة والمواطنين.
يرى حنيش أنّ التزام السلطات الأمنية بمحاسبة أفرادها في أي تجاوز إداري في حق المواطنين، وتحقيق مبدأ سيادة القانون، لا مفر منهما إذا أرادت السلطات المصرية تحسين سجلّها الحقوقي، والقضاء على أشكال الانتهاكات التي تقع في نطاق هذه المنظومة
يتوقف حنيش أمام تزايد الوقائع التي يكون الضحايا فيها سجناء جنائيين لا سياسيين كما في حالة وفاة المحتجز في بلقاس، ومن قبله في حالة المحتجز محمود ميكا، وهو ما يوحي برأيه بأنّ الممارسات لا تقتصر على السجناء السياسيين وأنّ "دائرة العنف وإساءة المعاملة تتوسع من ضباط الأمن الوطني إلى مأموري الضبط نتيجة عدم المحاسبة".
لا يفصل المحامي الحقوقي حنيش، ذلك عن آلة القوانين التي أكسبت عناصر الشرطة نفوذاً إضافياً ومن بينها التعديلات التي أجراها البرلمان على قانون الإجراءات الجنائية الذي منح مأموري الضبط صلاحيات قانونية غير مسبوقة في التحقيقات الجنائية وأعطى سلطةً لم تكن موجودةً لضباط ومعاوني قطاع الأمن الوطني في البحث والتحرّي عن الجرائم ومرتكبيها والقبض على الأشخاص، كما سمح بدخول المنازل وتفتيشها دون الحاجة إلى إذن قضائي في حالات تتعلّق بالخطر أو الاستغاثة، وهي امتيازات إضافية تشرعن الانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية في حق المواطنين المشتبه فيهم.
مع ذلك، يرى حنيش أنّ التزام السلطات الأمنية بمحاسبة أفرادها في أي تجاوز إداري في حق المواطنين، وتحقيق مبدأ سيادة القانون لا مفرّ منهما إذا أرادت السلطات المصرية تحسين سجلّها الحقوقي، والقضاء على أشكال الانتهاكات التي تقع في نطاق هذه المنظومة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.